ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
Joe Biden dans le Golfe ou le retour à la realpolitik
مجلة أوريان ٢١ الفرنسيّة
فتيحة دازي-هاني
باحثة وأستاذة متخصصة في شبه الجزيرة العربية بمعهد البحوث الاستراتيجية في المدرسة العسكرية ومعهد الدراسات السياسية في مدينة ليل (شمال فرنسا).
١٢ تمّوز/ يوليو ٢٠٢٢
في ضوء زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل والخليج العربيّ، تتناول الباحثة في هذا المقال المطوّل الأبعاد الجيوسياسيّة لهذه الجولة، إذ تتمحور نقاطها التحليليّة حول ترميم العلاقة المترديّة مع دول الخليج العربيّ في ضوء أزمة الطاقة التي أفرزتها الأزمة الروسيّة الأوكرانيّة، والدفع نحو تطبيع المملكة العربيّة السعوديّة مع إسرائيل في إطار “اتفاقات أبراهام”، واحتواء النفوذين الإيرانيّ والصينيّ في المنطقة.
توضّح الباحثة بداية بأنّ هذه الزيارة تعدّ انقلابا واضحا على أحد الأهداف التي وضعها جو بايدن لنفسه في خطابه الأول المتعلق بالسياسة الخارجية حول الشرق الأوسط. إذ كانت أولوياته آنذاك تتمثل في بذل كل ما في وسعه للعودة إلى الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥ مع إيران، ووضع حد للإفلات من العقاب الذي كانت تتمتع به، في عهدة ترامب، الأنظمة الملكية الخليجية “الأكثر قمعا”، ومنها المملكة العربية السعودية (قضية جمال خاشقجي والحرب في اليمن) والإمارات العربية المتحدة، من خلال وضع شروط لبيع الأسلحة. غير أنه لم يحقق أيّا من هذه الأهداف.
فرض الوضع الدولي المتفاقم بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا والذي أدى إلى التهاب أسعار الطاقة والمواد الغذائية، على الرئيس الأمريكي القيام بهذه الزيارة إلى المنطقة، بداية إلى إسرائيل وفلسطين، ثم إلى المملكة العربية السعودية. وهو يتطلع من جهة إلى الحصول على التزام من السعوديين بتوظيف كل ثقلهم لطمأنة الأسواق، من أجل المساهمة في تهدئة دوامة التضخم بهدف التأثير على أسعار المحروقات. ومن جهة أخرى، يريد بايدن إعطاء إشارات واضحة للالتزام الأمريكي الكامل بالمساهمة في أمن شركائه.
وضع طاقوي جديد
وفقا للباحثة، مع نسبة تضخم بلغت ١٠٪ وتؤثر بشكل ملحوظ على سعر البنزين، والمديونية الأمريكية الضخمة التي تصل إلى ٣٠ ألف مليار دولار، سيكون موعد الانتخابات النصفية المقررة في ٨ تشرين الثاني ٢٠٢٢ صعباً بالنسبة إلى المعسكر الديمقراطي، ما يجبر جو بايدن على تغيير أولويات أجندته الدولية لإقناع المملكة العربية السعودية بزيادة إنتاجها النفطي بشكل معتبر. كما يُذكر أن المملكة التي لم تتأثر بالموجة التضخمية تظهر صحة اقتصادية مثيرة مع ارتفاع سعر البرميل إلى حوالي ١١٥ دولار، ونمو بنسبة ١٠% في ناتجها المحلي الإجمالي في النصف الأول من عام ٢٠٢٢.
بالإضافة إلى ذلك، بعد عامين من الأزمة الصحية، لا تزال المشاكل الهيكلية المرتبطة بنقص الاستثمار تحدّ من قدرات الإنتاج. وبالفعل، فإن الطلب من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بزيادة إنتاجهما باثني مليون برميل إضافي في اليوم قصد تخفيض أسعار الطاقة بشكل ملحوظ ليس واقعيا، غير أن زيارة بايدن تشكّل على المدى القصير فرصة حقيقية لإعادة إطلاق محادثات حول مستقبل الأمن الطاقوي مع أهم رؤساء دول الشرق الأوسط. وهي تعيد دول الخليج إلى قلب اللعبة. تعدّ هذه الدول فعليّا من بين أكبر المستثمرين في قطاع الطاقات المتجددة، ويدرك ولي العهد السعودي الفرصة الفريدة التي أمامه ليظهر للشريك الأمريكي مدى تحوّل المملكة هيكليا في غضون خمس سنوات. إذ تُشكّل رقمنة اقتصادها وإدارتها بالتوازي مع استراتيجيتها الاستثمارية المتوجهة بحزم نحو الشركات الناشئة في التكنولوجيا العالية والانتقال الطاقوي مجالات اهتمام استراتيجي، لا تريد الولايات المتحدة التخلي عنها لصالح الصين.
منعرج عام ٢٠١٩
تحاجج الباحثة بأن عام ٢٠١٩ كان حاسما في إعادة ضبط الإمارات والسعودية لسياستهما الخارجية. فقد اختارت كل منهما تنويع الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية، خاصة مع القوى الآسيوية (اليابان، كوريا الجنوبية، الصين، الهند) وكذلك مع بلدان الاتحاد الأوروبيّ، وذلك ضمن الديناميكية الموصوفة بالنموذج الدبلوماسي “المتعدد الإرسال”، للحدّ من اعتمادهما المفرط على الولايات المتحدة التي لا تقدّم ما يرضيهما لضمان أمنهما. قامت أبو ظبي بإعادة توجيه سياستها الخارجية من خلال الإقرار -دون التصريح بذلك علنا- بفشل سياستها التدخلية. وقد قامت منذ آب ٢٠١٧ بسحب تكتيكي لقواتها في اليمن، مع الدخول في نفس الوقت في حوار أمني مع إيران. وسارت الرياض على نفس درب التهدئة مع بداية سنة ٢٠٢١، من خلال تنظيم قمّة العلا لإنهاء الأزمة مع قطر. وهي مصالحة كانت فاتحة لعهد من الانفراج الإقليمي، بما في ذلك مع إيران.
أظهرت الرياض وأبو ظبي مرونة أكبر وانخرطتا في حوار مع جميع الفاعلين الإقليميين، وقد سمحت فترة الوباء بذلك. تمت استعادة العلاقات مع أنقرة والرياض وأبو ظبي، كما عرفت المحادثات بين الرياض وطهران عبر الوساطة العراقية تقدما وقد تؤدي في القريب العاجل إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ كانون الثاني ٢٠١٦. بالإضافة إلى ذلك توفّر الهدنة في اليمن منذ الأوّل من نيسان ٢٠٢٢ ولأول مرة منذ اندلاع النزاع قبل ٨ سنوات، أفقا لنهاية الحرب.
نحو التطبيع مع إسرائيل
تحاجج الباحثة أيضا بأن زيارة بايدن للشرق الأوسط ترمي إلى تشجيع “تطبيع” العلاقات الإسرائيلية-السعودية التي تشهد -وفقا لمقابلة أجرتها مع أسعد شملان، الباحث في معهد الملك فيصل الدبلوماسي- “طفرة مؤكدة مع فتح رحلات جوية مباشرة بين البلدين، وتنسيق المجال الجوي العسكري والمعاملات والاتصالات المباشرة بين رجال الأعمال والشركات الخاصة، خاصة في مجال الشركات الناشئة في مدينة نيوم المستقبلية.”
مع ذلك، ترى الباحثة أنّه من غير المرجح أن نرى الرياض تُطبِّع علاقة دولة بدولة، علما أن المملكة تستفيد فعليا من كل المزايا الناجمة عن “اتفاقيات أبراهام”، إما بشكل مباشر من خلال القنوات الخاصة، أو بشكل غير مباشر من خلال قنوات حكومية عبر البحرين، والتي شجع ولي العهد السعودي بقوة تطبيعها مع إسرائيل.
احتواء إيران والصين
فيما يتعلّق باحتواء النفوذين الإيراني والصيني في الشرق الأوسطـ، ترى الباحثة بأن زيارة الرئيس بايدن تهدف أيضا إلى تعزيز التفاهم الإسرائيلي الخليجي لمواجهة التهديد الإيراني. وقد أدّى تبني إدارة بايدن للمخاوف السعودية الإماراتية لحماية نفسها من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار على أراضيها بواشنطن إلى تأسيس، بشراكة مع إسرائيل، هيكل متكامل للدفاع الجوي المضاد للصواريخ لردع الهجمات التي تشنها إيران ووكلاؤها في المنطقة.
بهذه الطريقة، تسعى واشنطن من خلال اقتراح نظام الدفاع الجوي هذا الذي سيجعل من إسرائيل لاعباً أساسياً في الهيكلة الأمنية الجديدة في الخليج والبحر الأحمر، بالإضافة إلى اندماجها في القيادة المركزية الأمريكية (Centcom) في تمّوز ٢٠٢١ بعد إبرام “اتفاقيات أبراهام”، إلى ثني السعودية عن مواصلة تعاونها مع الصين في برنامجها لتطوير الصواريخ الباليستية. وتريد واشنطن في الواقع على المدى الطويل ثني دول الخليج وإسرائيل عن تشجيع الاستثمارات والتكنولوجيا القادمة من الصين.
تضيف الباحثة بأنّ هذه الضغوط التي تمارسها واشنطن على الرياض وأبو ظبي لكي تقلّل من تبعيتها الاقتصادية ونقل التكنولوجيا من الصين لا تجد أصداء كبيرة. ويشير الخليجيون جميعا إلى التناقض الأمريكي الذي يتلخص في القول: “هم لا يكتفون فقط بالانسحاب من المنطقة، بل يطلبون منا فضلا عن ذلك تقليل تبادلاتنا وتعاوننا التكنولوجي مع الصين!”.
خاتمة
تخلص الباحثة إلى أنّه من غير المرجح، رغم زيارة بايدن، أن تعود دول الخليج إلى الاصطفاف التلقائي وراء المواقف الأمريكية، كما يتضح ذلك من المسافة التي اتخذتها حكومات هذه الدول تجاه الأزمة الأوكرانية إلى جانب رغبتها في مراعاة روسيا، وعزمها على مواصلة تعاون وثيق مع الصين، وأيضا قناعاتها بوجوب الاحتفاظ بنهج دبلوماسي متعدد الأطراف على حساب ديناميكية الكتل التي تفضلها واشنطن.
للتحميل اضغط هنا