ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
Les “désenchantés”, ces gauchistes d’Israël que le 7 octobre a transformés en va-t-en-guerre
مجلّة “Courrier International” الفرنسيّة
بقلم أورلي نوي، صحافية وناشطة سياسية إسرائيلي من أصول إيرانية. أجرت أورلي مقابلات صحافية حصرية وكتبت مقالات ذات طابع إنساني حول الفئات المهمشة من الفلسطينيين والإسرائيليين.
(٥ نيسان/ أبريل ٢٠٢٤)
في هذا المقال النقدي، تُهاجم الناشطة اليسارية الإسرائيلية، أورلي نوي، شخصيات إسرائيلية بارزة، معظمها من الوسط الفني، بتهمة النفاق والأنانية وفقدان القدرة على “الفهم“. تتهم نوي هذه الشخصيات التي كانت تُعرّف نفسها سابقا بأنها من دعاة السلام والإنسانية، بالتخلي عن مبادئ التعايش بين العرب واليهود بعد هجمات حماس في السابع من أكتوبر. تلك الأحداث أدت إلى نشوء ما تسمّيهم بالـ “المتحوّلين“، والتي تعرّفهم بأنّهم فئة جديدة في المجتمع الإسرائيلي تدّعي بأنّها “فتحت أعينها“ على الواقع بطريقة مغايرة. فيما يلي ترجمة تلخيصيّة للمقال:
يدّعي “المتحولون” بأنهم كانوا من أبرز المؤمنين بالسلام، متمسكين بقيم إنسانية، بيد أن هجمات حماس جعلتهم يُعيدون تقييم وجهات نظرهم. وفقا لهم، أصبحوا الآن من المدافعين الشرسين عن الأفعال الإسرائيلية في غزة، التي تصل إلى حدّ الإبادة الجماعية. منذ أكثر من خمسة أشهر، يقدّمون تصريحات علنية يتبرّون فيها من ماضيهم اليساري ويعبرون عن ندمهم. بعد هذا الاعتراف الرمزي، يتم قبولهم في المجتمع الجديد، إذ يُغفر لهم باسم الشعب والأمة.
الحرب “حتى النهاية“
تتزايد بشكل مستمر أعداد المنضمين الجدد من عالم الفن إلى هذه المجموعة من “المتحولين”، وغالبيتهم من اليساريين. يبدو أنّ كل فرد منهم يسعى للحظة شهرة خلال اعترافه العلني بأنه، رغم اعتقاده السابق بإمكانية التعايش السلمي، فقد غير رأيه بعد أحداث السابع من أكتوبر، معتبرا أنّ الطرف الآخر ليس إنسانا بل “حيوانا متنكّرا”، وغالبا ما تفضي هذه الاعترافات إلى تأييد “جيش الدفاع الإسرائيلي” وتوجيه الشكر للجنود.
تُعلّق الممثلة هاني نحمياس، التي كانت من دعاة التعايش بين الشعبين اليهودي والعربي، بأنّها باتت الان تؤيّد الحرب “حتى النهاية”. ويشمل هذا التحوّل بعض اليساريين الذين وصلت آراؤهم إلى حد المطالبة بإبادة الفلسطينيين في غزة.
إيدان رايخل، المغني الشعبي المعروف بميوله اليسارية وتعاونه مع موسيقيين من المجتمع الإثيوبي، يلوم الآن سكان غزة – الذين يعانون من التشريد والعذاب والجوع – لعدم دخولهم الأنفاق ومحاربتهم حماس واستعادة الرهائن. ويرى أنه إذا لم يحمل سكان غزة السلاح في وجه حماس، فيجب اعتبارهم شركاء لها وبالتالي أهدافا مشروعة للجيش الإسرائيلي.
الإرهابيون قتلوا “الجزء الإنساني من دماغي“
خلال برنامج الكوميديا “أقوى معا” لشالوم أساياج، أعربت الممثلة ومقدمة البرامج التلفزيونية تسوفيت غرانت عن تحول في موقفها، قائلة: “لقد تغير قلبي، فلم يعد يساريا. كنت أعتقد بأننا جميعا بشر، لكني اكتشفت خطأ هذا الاعتقاد”. وأضافت أنّ الهجمات في السابع من أكتوبر أثّرت عميقا في نظرتها للإنسانية، حيث قالت إن “الإرهابيين قتلوا الجزء الإنساني من دماغي، قدرتي على الشفقة، والفكرة بأننا جميعا بشر.”
بالطبع، كان الهجوم الذي شنّته حماس على الكيبوتسات القريبة من غزة مروّعا، ولكن هل كانت النوايا الحسنة للإسرائيليين كافية بالنسبة إلى الفلسطينيين، الذين يُفترض أن يكونوا ممتنين لكرم أصحابها وأن يتحملوا القمع بصمت؟ يُعتبر الادعاء بالجحود في أحسن الأحوال مجرّد أنانية وليس تحليلا جديّا للواقع والعلاقات المعقدة بين القوى.
يؤكد بعض المراقبين على أنّ كثيرا من سكان الكيبوتسات التي تعرضت للهجوم كانوا من المدافعين عن السلام، حتى أن بعضهم كانوا نشطاء يساعدون بنقل أطفال غزة إلى المستشفيات الإسرائيلية بشكل تطوعي. تُستخدم هذه المعلومات لتصوير الفلسطينيين على أنهم جاحدون ولتبرير تطرّف الآراء السياسية الإسرائيلية.
يحاول هذا التصوّر النظر إلى السياسة من خلال عدسة النوايا الحسنة لبعض الإسرائيليين فقط. لا شك أن التطوع لنقل مرضى غزة هو عمل نبيل، وأن المتطوعين يتصرفون بدوافع الطيبة والواجب. ومع ذلك، يجب تقييم هذه الأعمال في سياق الحصار المفروض على غزة من قبل إسرائيل وتدمير بنيتها التحتية المدنية.
الحاجة إلى “تحليل موضوعي“
يستحق الأمر تأملا عميقا لفهم كيف وصلنا إلى هذه الحالة، حيث يتعين على المدنيين الفلسطينيين في غزة الاعتماد على الكرم الإسرائيلي لتلقي الرعاية الطبية الأساسية، بدلا من أن تكون متوفرة في بلدهم. يثير هذا جملة من التساؤلات الجوهرية: لماذا لا توجد مستشفيات مجهزة بشكل كافٍ في غزة؟ من يمنع بناء هذه المستشفيات وبأي حق؟ ولماذا تُمنع حرية التنقل لملايين الأشخاص، حيث لا يقتصر الأمر على الدخول إلى إسرائيل، بل يشمل حتى التنقل داخل الأراضي الفلسطينية نفسها؟
تكشف هذه الأوضاع عن طبيعة النظام الذي يتحكم في جوانب الحياة اليومية للفلسطينيين منذ عقود، وحتى الهواء الذي يتنفسونه. من البديهي أن تؤدي هذه الظروف إلى نشوء مقاومة، فالإنسان بطبعه يسعى إلى الحرية والكرامة.
من الخطأ الشديد تصوير محاولات تحليل هذا الواقع المعقد كدعم للعنف أو تبرير له. بالعكس، الهدف هو استكشاف الأسباب الجذرية وإيجاد حلول دائمة. العيش في نظام يعتبر فيه الإنسان الخاضع مجرد متلقٍ للكرم من “سيّده”، ويمكن سحب الاعتراف بإنسانيته بطرفة عين، هو استعمار بمعناه الأصيل.
خاتمة
ترتبط هذه المشاكل بعقلية تفوّق تُشعر “السيّد” بأن رعاياه يجب أن يكونوا ممتنين لأيّ تساهل يبدر منه، حتى وإن كان مؤقتا؛ إذ تُعتبر أي مقاومة لهذا القمع جحودا. هذا هو الحال مع العديد من الإسرائيليين اليساريين الذين، على الرغم من خيبة أملهم من الفلسطينيين، ينتقلون تدريجيا نحو مواقف أكثر تطرّفا، ويقوّض هذا التغيير في نهاية المطاف القدرة على فهم الآخر وتقدير معاناته.
للتحميل اضغط هنا