ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

العالم لن يبقى ذاته إبّان الحرب بين إسرائيل وحماس

The World Won’t Be the Same After the Israel-Hamas War

مجلّة “فورين بوليسي” الأمريكيّة

بقلم ستيفن والت، منظّر أمريكي في العلاقات الدوليّة ومدرّس في جامعة هارفارد

8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023

يتناول ستيفن والت في مقاله هذا التأثير العالمي المحتمل للحرب الجارية في غزة، محاججا بأنّه في حين أنّ الأزمات العالمية غالبا ما تتم موازنتها من خلال قوى مضادة ولا تتسبب عادة في آثار مضاعفة واسعة النطاق، إلّا أنّ الصراع في غزة قد يكون استثناء. ويعتقد أنّه من غير المرجح أن تتصاعد الحرب إلى حرب عالمية ثالثة أو صراع إقليمي أوسع، حيث يبدو أنّ معظم الأطراف، بما في ذلك حزب الله وإيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة، غير راغبة في المشاركة بشكل مباشر وتعمل على إبقاء الصراع محليّا، إلّا أنّه في الوقت ذاته يترك الباب مشرّعا لكافة الاحتمالات.

يسلّط والت الضوء على السياق الجيوسياسي العالمي الذي سبق الصراع. فقبل هجوم حماس المفاجئ في 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي منخرطين في حرب بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا، بغية مساعدة أوكرانيا في استعادة الأراضي وإضعاف روسيا. ومع ذلك، فإنّ تقدم الحرب لم يكن مؤكدا. وفي الوقت ذاته، انخرطت الولايات المتحدة في معركة اقتصادية مع الصين، في محاولة للحدّ من تقدّمها في قطاعات التكنولوجيا الرئيسية. كما يتطرق المقال إلى جهود إدارة بايدن في الشرق الأوسط، ولا سيّما محاولتها التفاوض على صفقة معقّدة مع السعودية تتضمن ضمانات أمنية والحصول على التكنولوجيا النووية مقابل التطبيع السعودي الإسرائيلي، مع التحذير من إهمال القضية الفلسطينية وتصرفات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية الأمر الذي قد يفضي إلى عواقب وخيمة.

يحلّل الكاتب أيضا تأثير حرب غزة على السياسة العالمية والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، إذ يرى بأنّ الحرب قد عطّلت الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وهو هدف ربما يتماشى مع أهداف حماس. على الرغم من أنّ الحوافز الأصليّة للصفقة السعودية الإسرائيلية لا تزال قائمة، إلا أنّ ارتفاع عدد القتلى والصراع المستمر في غزة أدّى إلى زيادة العقبات التي تحول دون تحقيقها.

علاوة على ذلك، فقد حوّلت الحرب تركيز الولايات المتحدة عن محورها الاستراتيجي المتمثل في شرق آسيا. ويتناقض هذا التحول مع ادعاءات مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في وقت سابق بشأن اتباع نهج “منضبط” في التعامل مع الشرق الأوسط، وتحرير الموارد لأولويات عالميّة أخرى. لقد حدّ الصراع من الوقت والاهتمام الذي يمكن للرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن تخصيصه للقضايا في شرق آسيا.

يحاجج والت بأنّ حربا جديدة في الشرق الأوسط ستؤثر سلبا على دول مثل تايوان واليابان والفلبين، والتي تواجه ضغوطا متزايدة من الصين. وتستمر تصرفات الصين الحازمة، بما في ذلك المواجهة القريبة الأخيرة بين طائرة اعتراضية صينية وقاذفة قنابل أمريكية من طراز B-52، على الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجهها، إذ أنّ تركيز الجيش الأمريكي على البحر الأبيض المتوسط وانشغال واشنطن بالشرق الأوسط يحدّ من قدرة الولايات المتّحدة على الاستجابة في شرق آسيا، مفترضا بأنّه إذا توسع الصراع في غزة ليشمل لبنان أو إيران، فإنّ ذلك سيخلق وضعا جديدا أكثر خطورة، ويستهلك المزيد من الوقت والاهتمام والموارد الأمريكية.

يحلّل الكاتب تاليا تأثير الصراع في غزة على القضايا العالمية الأخرى. إذ يرى بأنّ الحرب قد حوّلت الاهتمام والموارد عن دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، حيث يعتقد جزء كبير من الأمريكيين أنّ الولايات المتحدة تبالغ في دعم أوكرانيا، كما أدّى الصراع إلى تعطيل الوحدة الأوروبية، التي تعززت بفِعل الغزو الروسي لأوكرانيا؛ إذ عادت الانقسامات الأوروبية إلى الظهور بسبب اختلاف وجهات النظر حول الصراع في غزة، مما أدى إلى صراعات داخلية داخل الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك بين المسؤولين رفيعي المستوى وعدم رضا الموظفين عن التحيزات الملحوظة.

فيما يتعلّق بروسيا والصين، يحاجج والت بأنّ الصراع في غزة مفيد لكليهما إذ أنّه يصرف انتباه الولايات المتحدة وحلفائها عن أوكرانيا وشرق آسيا. ويعزّز الصراع حجتهم الداعية إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب من خلال تسليط الضوء على إخفاقات السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على مدى السنوات الثلاثين الماضية.

كما يشير أيضا إلى خيبة الأمل المتزايدة لدى الجنوب العالمي إزاء الغرب، والتي تفاقمت بسبب المعايير الغربية المزدوجة والاهتمام الانتقائي، ويذكر هنا أزمة نزوح أكثر من ٧ ملايين شخص في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تزامنت مع الأسبوع الأوّل للحرب في غزّة، والتي حظيت باهتمام أقل بكثير.

ويخلص والت إلى أنّ الصراع في غزة، إلى جانب الفشل المحتمل في أوكرانيا، قد يؤدي إلى الإضرار بسمعة الولايات المتّحدة فيما يتعلّق بكفاءة السياسة الخارجية. وقد لا تشكك دول أخرى في مصداقية الولايات المتحدة فحسب، بل في تصوّراتها واستراتيجيّاتها، ومن المحتمل أن ترى الصين كثقل موازن لواشنطن. ويقوّض هذا الوضع جهود الولايات المتحدة لتعزيز المعايير والقواعد وحقوق الإنسان على الساحة العالمية.

للتحميل اضغط هنا