ترجمات: الطريق إلى شرق أوسط متحوّل

الطريق إلى شرق أوسط متحوّل:

كيف يمكن الحفاظ على السلام في غزة مع مواجهة إيران

The Path to a Transformed Middle East

How to Keep the Peace in Gaza While Countering Iran

 

ترجمة :يسار ابو خشوم 

 

يحلل المقال استراتيجية ترامب في التعامل مع ملفي غزة وإيران، مسلطا الضوء على محاولاته لتحقيق توازن بين الضغوط الدبلوماسية والتهديدات العسكرية. يناقش أيضا كيف يمكن أن يؤدي نجاحه في إتمام اتفاق وقف إطلاق النار إلى تسهيل التطبيع الإسرائيلي السعودي، بينما يعتمد موقفه من إيران على تعزيز الضغوط الاقتصادية ودعم إسرائيل عسكريا في حل فشل الدبلوماسية. كما يتناول المقال المخاوف الإسرائيلية، خاصة إصرار نتنياهو على مواجهة التهديد الإيراني، حتى لو كلفه ذلك مستقبله السياسي، وسط تزايد الضغوط الدولية لإيجاد حلول دائمة للصراعات الإقليمية. فيما يلي ترجمة تلخيصيّة للمقال:

بدأ دونالد ترامب رئاسته بطموح أن يكون صانع سلام، مستعرضا رؤيته في خطابه الافتتاحي بأن نجاح إدارته لن يُقاس فقط بالمعارك التي تخوضها، بل بالحروب التي تنجح في إنهائها أو حتى تفاديها. وسرعان ما احتفى باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، معتبرا إتمامه إنجازا دبلوماسيا. ومع ذلك، يواجه تحديات كبيرة لتحقيق استقرار حقيقي في الشرق الأوسط، حيث تشكل قضيتا غزة وإيران أبرز الملفات المطروحة على طاولته. ففي غزة، تختلف إسرائيل وحماس حول متطلبات تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، بينما تواصل إيران تسريع برنامجها النووي، ما يجعلها تهديدا وجوديا لإسرائيل. ومن المتوقع أن تهيمن هذه القضايا على المحادثات بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسط محاولات للمواءمة بين أهداف واشنطن وتل أبيب.

يدرك ترامب أن عليه التعامل مع غزة وإيران إما بشكل منفصل أو متوازٍ، إذ يشكل البرنامج النووي الإيراني تهديدا عالميا قد يدفع السعودية للسعي إلى امتلاك قنبلة نووية، مما يزيد التوتر الإقليمي. ومع ذلك، قد يكون الحل الأسهل هو ربط القضيتين، حيث يسعى نتنياهو إلى إضعاف إيران أكثر من تحقيق هدنة دائمة مع حماس. وبذلك، يمكن لترامب توظيف سياسة «الضغط الأقصى» لانتزاع تنازلات من إيران عبر تشديد العقوبات الاقتصادية وتعزيز التهديد الإسرائيلي العسكري بدعم أمريكي مشروط. وفي حال فشل الدبلوماسية، قد يضطر ترامب إلى دعم ضربات إسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، مما قد يدفع طهران إلى التفاوض بجدية. إن نجاح هذا النهج لن يضمن فقط إنهاء الحرب في غزة وإعادة الرهائن، بل قد يمهد الطريق لتطبيع العلاقات الإسرائيلية-السعودية، وإعادة تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط وفقا للمصالح الأمريكية.

من يتراجع أوّلا؟

رغم أن اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس لم يتغير كثيرا عن النسخة التي تفاوضت عليها إدارة بايدن، إلا أن إصرار ترامب على إتمامه قبل تنصيبه كان العامل الحاسم في تحقيقه. لم يرغب نتنياهو في رفض طلب المبعوث الجديد لترامب، ستيف ويتكوف، خشية الإضرار بعلاقته مع الرئيس الأمريكي الجديد، بينما وجدت مصر وقطر فرصة لكسب ود الإدارة الجديدة عبر تمرير الاتفاق. وعلى الجانب الآخر، ربما شعرت حماس بأنها مضطرة للموافقة، بعد أن هدد ترامب بشكل مباشر بأنه سيكون هناك «جحيم لا يطاق» إذا لم يتم الإفراج عن الرهائن قبل توليه منصبه. لكن التنفيذ الفعلي للاتفاق واجه عقبات مبكرة، حيث بدت حماس كأنها تختبر حدوده عبر تأخير تقديم قوائم الرهائن وإحداث توترات مع إسرائيل، التي ردت بمنع عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة. ومع اقتراب بدء مفاوضات المرحلة الثانية في 3 شباط/ فبراير، يظل التحدي الأكبر هو ما إذا كان الطرفان جادين في تنفيذ الاتفاق بالكامل أم أن الخلافات ستُعقّد استكماله.

لا يبدو نتنياهو، من جانبه، ملتزما بإنهاء الحرب تماما، حيث يواجه تهديدات من بتسلئيل سموتريتش بإسقاط حكومته إذا مضى قدما في تنفيذ المرحلة الثانية. لكن بالمقابل، فإن أي انتهاك للاتفاق من قبل إسرائيل قد يكلفه ثمنا سياسيا، سواء داخل إسرائيل، حيث يؤيد الرأي العام الصفقة لضمان إطلاق سراح الرهائن المتبقين، أو مع ترامب، الذي لن يرغب في رؤية فشل الاتفاق يضر بصورته كصانع سلام. كما أن استمرار الحرب في غزة سيجعل من المستحيل على ترامب تحقيق التطبيع الإسرائيلي السعودي، حيث ترفض الرياض أي اتفاق مع إسرائيل طالما واصلت انخراطها الصراع. أما بالنسبة لحماس، فقد تدرك أن الالتزام بوقف إطلاق النار قد يكون لصالحها، حيث يمنحها فرصة لإعادة ترتيب صفوفها، وربما حتى الموافقة على إدارة إقليمية ودولية مؤقتة في غزة، مقابل ضمانات للإغاثة وإعادة الإعمار.

نقاط الضغط

يركز نتنياهو على البقاء في السلطة أكثر من إرضاء ترامب، لكنه قد يكون مستعدا للمخاطرة بحكومته والدخول في انتخابات جديدة من أجل التصدي للبرنامج النووي الإيراني، الذي يعتبره أولوية قصوى حتى أكثر من التطبيع مع السعودية. لقد شكلت مخاوفه من امتلاك إيران للسلاح النووي محور سياسته منذ أواخر التسعينيات، وقد وصفها بأنها «قضيته المصيرية». في هذا السياق، يمكن لاتفاق بينه وبين ترامب، تتعهد فيه الولايات المتحدة باتخاذ خطوات حاسمة ضد النووي الإيراني، أن يكون ذا قيمة استراتيجية كبيرة بالنسبة له. رغم أنه قد لا يغامر بحكومته من أجل إنهاء الحرب في غزة، إلا أنه قد يكون أكثر مرونة إذا حصل على تفاهم مع ترامب يضمن أن واشنطن لن تسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية بأي شكل من الأشكال.

تواجه إيران ضغوطا غير مسبوقة، حيث تفاقمت أزماتها الداخلية والخارجية خلال العام الماضي. تعرض حزب الله لضربات قاصمة، وسقط الجسر البري الإيراني إلى لبنان بعد تراجع نفوذها في سوريا، كما أحبطت الهجمات الإيرانية على إسرائيل في نيسان/ أبريل وتشرين الأول/أكتوبر 2024. كما دمرت الضربات الإسرائيلية الأخيرة دفاعات إيران الجوية والصاروخية الاستراتيجية، ما جعلها أضعف من أي وقت مضى. داخليا، تعاني البلاد نقصا حادا في الكهرباء وانهيارا في العملة، ما دفع خبراء اقتصاديين إلى التحذير من أن إيران غير قادرة على إدارة اقتصادها دون رفع العقوبات. ومع ذلك، لا تزال طهران مترددة في تقليص برنامجها النووي أو الحد من ترسانتها الصاروخية بالمستوى الذي يطلبه ترامب ونتنياهو. لكنها تحتاج إلى فهم أن التهديد الإسرائيلي باستخدام القوة ليس مجرد خدعة، خاصة مع تغير مواقف المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، التي باتت ترى أن إسقاط البنية التحتية النووية الإيرانية قد يؤدي إلى انهيار النظام بالكامل.

فن الصفقة: بين الضغط والدبلوماسية

يدرك المسؤولون الإسرائيليون الداعمون لضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني أن إسرائيل لا يمكنها تنفيذ الهجوم بمفردها، بل تحتاج إلى دعم مادي ودبلوماسي أمريكي، إن لم يكن مشاركة مباشرة. يمكن لترامب استغلال هذا الطلب في مناقشاته مع نتنياهو، سواء فيما يتعلق بمستقبل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أو صفقة التطبيع مع السعودية. ومع أن ترامب، بطموحاته كصانع سلام، قد يتردد في إبلاغ الإسرائيليين بدعمه لأي حرب، إلا أن نهجه القائم على ممارسة أقصى الضغوط على إيران قد يدفعه إلى الجمع بين الضغط الاقتصادي والتهديد العسكري الإسرائيلي كأفضل وسيلة للوصول إلى تسوية تفاوضية. وفي المقابل، قد يوافق نتنياهو على تأجيل الضربة العسكرية مؤقتا، بينما تعمل واشنطن على اختبار مدى استعداد طهران للتخلي عن برنامجها النووي.

لإبقاء التهديد الإسرائيلي موثوقا في أي مفاوضات أمريكية إيرانية، ستحتاج واشنطن إلى تزويد إسرائيل بالقدرات اللازمة لتدمير منشأة فوردو لتخصيب الوقود النووي، وهو الموقع الوحيد الذي لا تستطيع إسرائيل تدميره حاليا. بيد أن واشنطن ستشترط التزاما إسرائيليا بعدم تنفيذ أي ضربة وقائية طالما أن جهود ترامب الدبلوماسية لم تفشل بعد. وإذا انهارت المحادثات وقررت إسرائيل التحرك عسكريا، فستضطر القوات الأمريكية إلى لعب دور داعم، من خلال مساعدة إسرائيل في التصدي للهجمات الصاروخية الإيرانية، مع الامتناع عن تنفيذ عمليات هجومية داخل إيران. أما انتهاء آلية العودة التلقائية للعقوبات—المقرر في تشرين الأول/ أكتوبر 2025—فقد يكون بمثابة موعد نهائي للمفاوضات، ما يمنح واشنطن ورقة ضغط إضافية لمنع إيران من المماطلة واستغلال الوقت لتعزيز برنامجها النووي في مواقع سرية.

خاتمة

يتمتع ترامب بموقع قوي للمساعدة في إنهاء الحرب في غزة، وإعادة الرهائن، وإضعاف طموحات إيران النووية. بل إنه قد ينجح في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية وخلق مسار نحو إقامة دولة فلسطينية، شريطة أن يفي الفلسطينيون بمعايير ملموسة. وقد يتمكن من تحقيق كل ذلك دون إطلاق رصاصة واحدة. إذا كان ترامب جادا بشأن دوره كصانع سلام، فعليه أن يطرح هذا النهج على نتنياهو. قد تفشل جهوده في النهاية، لكن فرص النجاح اليوم أفضل مما كانت عليه في الماضي. فمن النادر أن تتلاقى المصالح بهذا الشكل في السياسة الخارجية، مما يمنح ترامب فرصة للقيام بشيء لم يكن في متناول أسلافه.

ترجمات: الطريق إلى شرق أوسط متحوّل