ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

La Chine, nouvel arbitre au Moyen-Orient

مجلّة “Courrier international” الفرنسيّة

بقلم كلارا حاج وغيليم دوراندو

٢٦ آذار/ مارس ٢٠٢٣

 

يتناول هذا المقال أبعاد الرعاية الصينيّة لاتّفاق استئناف العلاقات الدبلوماسيّة بين إيران والمملكة العربيّة السعوديّة كأول اختراق دبلوماسي صيني في الشرق الأوسط في إطار مبادرة الحزام والطريق التي شرعت بها خلال العقد المنصرم. فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال.

أعلنت الصين في عام ٢٠١٤ أنّها ستزيد من مشاركتها في القضايا السياسية في الشرق الأوسط، إذ صرّح وزير الخارجيّة الصيني، وانج بي، بتاريخ ٨ آذار/ مارس من ذلك العام في مقابلة مع قناة الجزيرة القطريّة: “صحيح أنّ التعاون الصيني العربي في السنوات الأخيرة ركّز بشكل أساسي على المجال الاقتصادي. […] سنلعب دورا في المجال السياسي أيضا “. وعد بدأ يتحقق؛ فبتاريخ ١٠ آذار/ مارس من هذا العام، أحدثت المملكة الوسطى مفاجأة بفرض نفسها كلاعب رئيسي من خلال استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية.

بالنسبة إلى الصين، فإن النجاح الدبلوماسي أمر مؤكد ويوضّح نفوذها المتزايد مع الجهات الفاعلة الإقليمية المتحالفة تقليديا مع الأمريكيين، ولا سيّما المملكة العربية السعودية. لكن هل تعني الوساطة الصينية في الملف السعودي الإيراني نموذجا جديدا في النظام الإقليمي أو حتى العالمي؟ إذا اغتنمت الصين الفرصة لتقديم نفسها أمام أعين العالم كقوة رائدة في مجال حل النزاعات، فإنّ البعض يدعو إلى وضع نطاق مثل هذا التوغل الدبلوماسي في منظوره الصحيح، والذي يبدو قبل كل شيء أنه قائم على مصالحها الاقتصادية في المنطقة.

تعتمد الصين اعتمادا كبيرا على الدول العربية في مجال الطاقة، فأكثر من٤٠٪ من نفطها يأتي من الخليج، وتعدّ الشريك التجاري الرئيسي للمملكة العربية السعودية، وتعهّدت الصين منذ عدة سنوات بإحداث تقارب في الوقت المناسب مع دول الشرق الأوسط. في كانون الثاني/ يناير ٢٠١٦، بدأ الرئيس شي جين بينغ سلسلة من الزيارات الرسمية إلى مصر والمملكة العربية السعودية وإيران كجزء من مبادرة الحزام والطريق، المعروفة أيضا باسم “طرق الحرير الجديدة”، التي أطلقها الرئيس الصيني في عام ٢٠١٣، إذ ترتكز على مشاريع البنية التحتية مثل بناء الموانئ والملاعب والاستثمارات في شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية.

في آذار/ مارس ٢٠٢١، في خضمّ استئناف المحادثات النووية الإيرانية في فيينا، وقع وانغ يي اتفاقية “تعاون استراتيجي” مدتها خمسة وعشرون عاما مع الجمهورية الإسلامية بقيمة ٤٠٠ مليار دولار، والتي تنص على استثمارات صينية مقابل استثمارات إيرانية ونفط بسعر مخفّض. وانعكس اهتمام الصين باللاعبين الإقليميين الرئيسيين في زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى الرياض في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى بكين في ١٤ شباط/ فبراير الماضي.

“بدعم صينيّ أو دونه”

لكن يبدو أنّ دور الوساطة الذي تلعبه الصين في استئناف الحوار السعودي الإيراني يحظى بزخم إيجابيّ. لا يبدو أن تدخّل بكين يثير التساؤلات حول الدوائر الدبلوماسية التقليدية في المنطقة. تقول كاميل لونز، الباحثة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS)، ومقرّه البحرين: “يجب علينا وضع دور الوساطة الصينية في منظورها الصحيح. الوساطة الحقيقية تجري منذ عدة سنوات، بتيسير من العراق وسلطنة عمان. ستبرم إيران والسعودية هذه الصفقة، بدعم صيني أو دونه “.

لقد استضافت بغداد ومسقط بالفعل المحادثات بين الخصمين منذ عام ٢٠١٦، فلماذا إذن وقع الاختيار على الصين؟ ” يحاجج روبرت موغيلنيكي، الباحث في معهد دول الخليج العربيّة في واشنطن، بأنّ “الترويج لهذه الاتفاقية ليس مثالا على الأعمال الخيرية للسياسة الخارجية من جانب الصينيين، بل يصبّ في صميم مصلحتهم. فيراه الصينيّون كمشاركة في جهد دبلوماسي منخفض المخاطر ومرتفع المردود نسبيا”.

هل ستحلّ محلّ الولايات المتّحدة؟

ومع ذلك، هل يمكننا أن نرى في هذا النجاح الدبلوماسي الصيني ثورة حقيقية في ميزان القوى الإقليمي؟ إنّ الأمر ليس كذلك وفقا لروبرت موغيلنيكي، الذي يؤكد أنّ “نهج الصين الدبلوماسي تجاه الشرق الأوسط نادرا ما كان، إن حصل، استبدالا لدور الولايات المتحدة في المنطقة”.

خاصّة وأنّ الاتفاق بحسب الباحث، لا يعدّ علامة على انقطاع في المنطق الصيني المتمثّل في التأثير من خلال الاقتصاد، بل هو بالأحرى نتيجة لهذا المنطق. “غدونا نسمع، عاما بعد عام، بأنّ سياسة النفوذ الصيني ستنتقل بالضرورة من طبيعة اقتصادية بحتة إلى بُعد أمني. الحقيقة هي أنّ هذا التغيير لم يحدث، على الأقل في الوقت الحالي “. مضيفا: “سأكون مندهشا جدا لرؤيتهم يتدخلون في قضايا أكثر صعوبة في المنطقة.  سيحاولون الحصول بكلّ بساطة على أقصى منفعة من هذه الصفقة “.

روسيا الخاسر الأكبر؟

على الرغم من ازدراء الولايات المتحدة لما يمكن أن يمثله هذا التدخل الصيني، إلّا أنّ هذه المبادرة لا يمكن أن تثير غضب واشنطن. يعلّق روبرت موغيلنيكي: “هذا الاتفاق في مصلحة السعوديين والإيرانيين والصينيين وكذلك الأمريكيين. يُنظر إلى المحادثات بين الجانبين بشكل إيجابي، حيث ينبغي أن تقلل من احتمالية نشوب صراع إقليمي وتصعيد التوترات “.

بعد الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، يوم الجمعة، قال البيت الأبيض إنه يرحب بـ “أيّ جهد دبلوماسي يهدف إلى إنهاء الحرب في اليمن وتخفيف التوترات في المنطقة”، بينما أبدى تحفظاته على قدرة الإيرانيين على احترام الصفقة.

هل ينبغي لنا إذن أن نبحث بأيّ ثمن عن خاسر في هذا الاتفاق الذي يبدو أنّه يفتح الطريق أمام خفض التوترات الإقليمية؟ وإذا كان هناك خاسر، فهل هو بالضرورة على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي؟ إنّ ظهور الصين كحكم ذي مصداقية في القضايا الدبلوماسية الإقليمية قد أضعف بشكل فعّال الهيمنة الغربية في هذه المنطقة، ولكن قبل كل شيء يمكن أن يقوّض جهود روسيا، التي أرادت بالتحديد أن تشكّل بديلا للولايات المتحدة في المنطقة؛ إذ دعت الدبلوماسية الروسية في تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٢٢ الإيرانيين والسعوديين إلى “حلّ خلافاتهم من خلال الحوار” وذكّرت بأنها “مستعدة لتقديم وساطتها”، دعوة لم يتم تلبيتها رغم المفاوضات الجارية بالفعل.

للتحميل اضغط هنا