ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

A Hezbollah War Would Be Israel’s Biggest Challenge in Decades

مجلة فورين بوليسي الأمريكية

بقلم دانيال بايمان، زميل أقدم في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية وأستاذ في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون، وسيث ج. جونز، نائب الرئيس الأول، ورئيس كرسي هارولد براون، ومدير برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

(31 تموز/ يوليو 2024)

يستعرض الباحثان في هذا المقال، جوانب القوة والضعف في الترسانة العسكرية لكل من حزب الله وإسرائيل، في إطار احتمالية اندلاع حرب بينهما في المستقبل القريب، مع التأكيد على صعوبة التنبؤ باندلاعها ومن سينتصر فيها إن اندلعت، بفعل جملة من العوامل ناقشاها تفصيليا. فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

اغتالت إسرائيل في 31 تموز/ يوليو زعيم حركة حماس السياسي إسماعيل هنية في طهران، وسبقت ذلك في 30 تموز/ يوليو بضربة استهدفت قائد حزب الله فؤاد شكر في بيروت. قد يكون هذا مؤشرا على تصاعد الصراع بين إسرائيل ولبنان؛ إذ جاءت هذه العمليات بعد أن تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بفرض “ثمن باهظ” على حزب الله بعد هجوم صاروخي أدى إلى مقتل 12 طفلا في ملعب كرة قدم في بلدة مجدل شمس الدرزية، الواقعة في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. قد يحاول الطرفان التراجع عن مزيد من التصعيد، ولكن ذلك ليس مضمونا على الإطلاق وستكون الحرب كارثية للطرفين.

منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أطلق حزب الله آلاف الصواريخ والقذائف على إسرائيل، كما استهدف بصواريخ موجهة مضادة للدبابات أهدافا على طول الحدود. وردت إسرائيل بضربات جوية ومدفعية استهدفت مواقع حزب الله في لبنان، بالإضافة إلى اغتيال عدد من قادة حزب الله. وبلغت حصيلة القتلى حوالي 350 مقاتلا من حزب الله و100 مدني لبناني، بالإضافة إلى 23 جنديا إسرائيليا و17 مدنيا. وقد تسببت المعارك المستمرة في نزوح 60,000 إسرائيلي من شمال إسرائيل وحوالي 100,000 شخص من الجانب اللبناني للحدود.

إذا اتسع نطاق الصراع، فإن ترسانة حزب الله الهائلة من الصواريخ والقذائف وقواته العسكرية المدربة جيدا ستشكل تهديدا كبيرا لإسرائيل، حيث من المحتمل أن يكون الدمار أكبر بكثير مما شهدته إسرائيل منذ عقود، حتى بالمقارنة مع هجوم 7 أكتوبر. ومع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي كان يستعد لهذه الحرب منذ فترة طويلة، ومن المرجح أن تكون حملته ماهرة وشرسة في الوقت ذاته، مما سيؤدي إلى تدمير لبنان كما سيدمر حزب الله.

قد تمتد الحرب أيضا إلى سوريا والعراق المجاورتين، حيث تمتلك قوات شريكة لإيران متحالفة مع حزب الله قدرات صاروخية وطائرات مسيرة يمكن أن تصل إلى إسرائيل. وقد يدعم الحوثيون في اليمن أيضا حزب الله في الصراع ويواصلون حربهم ضد إسرائيل حتى إذا توقفت المعارك في غزة.

رغم أن حربا كبرى ستكون مدمرة، إلا أن احتمال وقوعها يبقى واردا. من الصعب التحكم في مستويات العنف، وقد تؤدي الضربات الانتقامية إلى دوامة خطيرة من التصعيد؛ فالحكومة الإسرائيلية وشعبها بعد 7 أكتوبر لا يتحملون أي تهديدات محتملة على حدودهم. وبسبب هذا الخطر، ينبغي على الولايات المتحدة أن تواصل جهودها للتوسط لوقف إطلاق النار، ولكن ينبغي أيضا أن تستعد لاحتمال فشل تلك الجهود.

يشكل حزب الله، الذي يُعتبر من بين أكثر الجماعات المسلحة غير الحكومية تسليحا في العالم، تهديدا جويا أكبر لإسرائيل مقارنة بحركة حماس. وبفضل المساعدة التقنية الإيرانية، يمتلك حزب الله ترسانة أكبر بكثير تتراوح بين 120,000 و200,000 صاروخ وقذيفة. الغالبية العظمى من هذه الأسلحة هي طائرات مسيرة وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى غير موجهة، مثل صواريخ بركان وفجر-3 وفجر-5. كما يمتلك حزب الله صواريخ باليستية قصيرة ومتوسطة المدى، مثل زلزال-1 وزلزال-2 ونسخ من صواريخ سكود B وC وD ، والأكثر خطورة هي صواريخ فاتح-110 وM-600، وهي صواريخ باليستية قصيرة المدى موجهة بدقة. تُستخدم هذه الصواريخ أيضا من قبل روسيا في حربها على أوكرانيا، ويبلغ مداها من 250 إلى 300 كيلومتر (155 إلى 186 ميلا)، مما يجعلها قادرة على الوصول إلى جميع المناطق المأهولة في إسرائيل.

إلى جانب هذه الترسانة الضخمة من الصواريخ والقذائف، يمتلك حزب الله بعضا من أكثر المقاتلين مهارة في الشرق الأوسط. منذ نشأته في أوائل الثمانينات، قاتل حزب الله الجيش الإسرائيلي، وتمكن في النهاية من إجبار إسرائيل على الانسحاب من لبنان بالقوة العسكرية في عام 2000، الذي يعدّ النصر العسكري العربي الوحيد الواضح على إسرائيل. بعد ست سنوات، خاضت إسرائيل وحزب الله حربا استمرت 34 يوما انتهت بالتعادل، ولم يكن أي من الطرفين حريصا على تكرار التجربة.

تدخل حزب الله تقريبا منذ بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011، حيث عمل مع إيران والحكومة السورية للحفاظ على نظام الأسد في السلطة. وقد أكسبته هذه التجربة خبرة قتالية كبيرة، حيث نسقت قواته مع القوات الجوية الروسية بعد تدخل موسكو في عام 2015، وعملت عن كثب مع قوات القدس الإيرانية التي لعبت دورا حاسما في دعم الحكومة السورية. هؤلاء الجنود المتمرسون ماهرون؛ إذ يتمتعون بروح معنوية عالية وقادرون على تنفيذ عمليات معقدة، مثل دمج المناورات البرية مع النيران الداعمة، ويمكنهم الاستمرار في القتال حتى في مواجهة صراع وحشي.

قد تكون بعض المهارات التي تعلمها حزب الله، مثل مكافحة التمرد في المناطق الحضرية، أقل أهمية في القتال مع قوات الدفاع الإسرائيلية، إلا أن الخسائر الكبيرة التي تكبدها حزب الله تجعله حذرا من خوض حرب جديدة. لكن إذا وقعت الحرب، فإن حزب الله سيكون مستعدا. مقاتلوه سيقاتلون دفاعيا من مواقع محصنة في تضاريس يعرفونها جيدا، كما يمتلك مقاتلو حزب الله صواريخ موجهة مضادة للدبابات، وأنظمة دفاع جوي محمولة، وأنظمة صواريخ أرض-جو. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك حزب الله أجهزة متفجرة متطورة، بما في ذلك المتفجرات الموجهة التي استخدمتها الجماعات المدعومة من إيران في العراق ضد القوات الأمريكية، والقادرة على اختراق ناقلات الجنود المدرعة والدبابات.

في حرب 2006، كشف حزب الله عن أسلحة متطورة يمتلكها على غرار الصواريخ المضادة للسفن، حيث استخدمها لضرب بارجة حربية إسرائيلية بنجاح. ومنذ ذلك الحين، وسع حزب الله ترسانته من الصواريخ المضادة للسفن بمساعدة روسية. وفي عام 2006، أظهر حزب الله أيضا امتلاكه شبكة أنفاق ضخمة، واستمر ذلك في السنوات التالية: في عام 2019، اكتشفت إسرائيل نفقا يبلغ عمقه 22 طابقا. وكما تعلمت إسرائيل في لبنان عام 2006 ومرة أخرى في غزة منذ عام 2022، فإن الأنفاق تمثل كابوسا للعمليات العسكرية، حيث تتطلب فرقا مدربة لتطهيرها، وتتيح للمدافعين تنفيذ الكمائن والمحاولات المفاجئة للاستيلاء على مواقع العدو.

مع ذلك، تمتلك إسرائيل جيشا متمرسا في القتال ولديه تفوق كبير في القدرات التكنولوجية، من الطائرات الشبح من الجيل الخامس F-35 Lightning II إلى واحدة من أكثر مخزونات الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز تطورا في الشرق الأوسط. إذا دخل الجيش الإسرائيلي إلى لبنان، فإنه سيدخل بقوة نيران ساحقة وسيقوم بتدمير أي مقاومة واسعة النطاق لحزب الله بسرعة، مما سيضطر الجماعة إلى القتال كوحدات صغيرة ومقاتلين غير نظاميين، ومن المرجح أنها استعدت له. لقد تدربت إسرائيل أيضا بانتظام على قتال حزب الله: على عكس حماس التي قللت إسرائيل من شأنها قبل 7 أكتوبر، فإن قوات الدفاع الإسرائيلية تحترم قدرات حزب الله بشكل كبير.

مع ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي كان في حالة حرب لأكثر من عام في غزة، دون أن تظهر نهاية قريبة في الأفق. تعتمد إسرائيل على قوات الاحتياط للعمليات الكبرى، مثل العمليات في غزة، والعديد من أفراد الاحتياط قد خاضوا جولات متعددة من الخدمة، مما يجهد المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين. ويعاني الجيش الإسرائيلي أيضاً من نقص في الذخيرة وقطع الغيار، وسيجد صعوبة في العثور على الموارد اللازمة لتلبية متطلبات صراع شامل مع حزب الله.

أحد الأسئلة المهمة هو كيفية استخدام كل طرف لحرب الطائرات المسيرة. أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية كيف أن استخدام الطائرات المسيرة يغير من طبيعة الحرب، خاصة عند استخدامها في عمليات الأسلحة المشتركة. يمكن للطائرات المسيرة أن تُستخدم للإنذار المبكر، والوعي بالمعركة، وتوجيه الضربات من بعيد، والهجمات، والحرب الإلكترونية، وعمليات المعلومات، كما يمكن دمجها مع المشاة، والنيران المباشرة وغير المباشرة، والطيران، وقدرات أخرى مشتركة. وقد أدت الحرب في أوكرانيا أيضا إلى ابتكارات كبيرة في مكافحة الطائرات المسيرة، بما في ذلك الحرب الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، وأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي. وتستخدمها إسرائيل، الرائدة في استخدام الطائرات المسيرة، في جميع جوانب عملياتها الجوية تقريبا، بينما استخدم حزب الله أيضا الطائرات المسيرة للاستطلاع ومهاجمة إسرائيل. من الممكن أن يمتلك حزب الله ما يصل إلى 2000 طائرة مسيرة، قدمتها له إيران على الأغلب.

بشكل عام، يُعتبر كل من حزب الله والجيش الإسرائيلي منظمتين تتعلمان وتتطوران. بينما كانت إسرائيل تستعد لهذا الصراع منذ عام 2006، من المرجح أن جيشها قد جمع معلومات استخباراتية كبيرة، وطور مفاهيم عملياتية مناسبة لجنوب لبنان، واستعد لتجنب تكرار الصراع الأخير. ولكن حزب الله ليس فاعلا ثابتا، ومع المساعدة الإيرانية وربما الروسية، هو أيضا قد استعد لجولة أخرى.

الحرب لها طريقة في جعل المحللين الذين يحاولون التنبؤ بطبيعتها ونتائجها يبدون مخطئين: قلة توقعت أن يقاوم الجيش الأوكراني العدوان الروسي بفعالية، كمثال حديث. ما إذا كان حزب الله يمكنه مقاومة الهجوم الإسرائيلي ومدى استعداده لتحمل المعاناة يبقى مجهولا. وبالمثل، من سيبتكر ويتكيف بفعالية أكبر سيتم اكتشافه فقط عندما—أو إذا—بدأ الصراع.

ينبغي على الولايات المتحدة أن تحاول تحقيق السلام والاستعداد لاحتمال توسع الصراع في آن. إنّ جهود آموس هوكستين، المسؤول عن لبنان في إدارة بايدن، لتأمين وقف إطلاق النار تستحق الثناء وينبغي أن تستمر. ومع ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تستعد أيضا لمواجهة أي تورط إيراني أكبر، وأي تدخل من وكلائها في العراق وسوريا، وأن توضّح لحزب الله أنه إذا تصاعد الصراع، فإن الولايات المتحدة ستدعم إسرائيل بشكل قوي.

 

للتحميل اضغط هنا