ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
الحرب في الشرق الأوسط: “سياسة الكيل بمكيالين تجعل بلداننا غير مسموعة على مستوى العالم“
Guerre au Proche-Orient : « La politique du “deux poids, deux mesures” rend nos pays inaudibles à l’échelle de la planète »
جريدة لوموند الفرنسية
(30 تشرين الأول/ أكتوبر 2024)
أعرب عدة مفكرين ومثقفين فرنسيين، من بينهم روني براومان، أنييس ليفالوا، ونويل مامير، في مقال نشرته جريدة لوموند عن قلقهم من أن التباين في تعامل الدول الغربية مع الحرب في أوكرانيا ومع الصراعات في غزة والضفة الغربية ولبنان يعزز فكرة أن دبلوماسية دول الشمال ما زالت عالقة في الحقبة الاستعمارية، متوقعين تفاقم الأمور في الشرق الأوسط وتسارع التصعيد الذي قد يفضي إلى الحرب الشاملة. فيما يلي ترجمة كاملة للمقال:
محليا، أضحت الضفة الغربية إحدى جبهات هذه الحرب، حيث تسعى الحكومة الإسرائيلية الحالية، المدعومة من اليمين المتطرف، إلى تشديد الخناق من خلال إنشاء مستوطنات جديدة وطرد الفلسطينيين بشكل مستمر. وسقط أكثر من 700 ضحية فلسطينية منذ عام، في مواجهة صامتة تهدف إلى جعل احتلال جميع الأراضي الفلسطينية غرب نهر الأردن أمرا لا رجعة فيه. ويبدو أن “إسرائيل الكبرى” أصبحت ضمن الأهداف المطروحة على الأجندة السياسية.
على الصعيد الإقليمي، لا تضع الغارات الإسرائيلية أي حدود في سماء الشرق الأوسط. حيث يستهدف رئيس الوزراء الإسرائيلي إيران ومنشآتها العسكرية وحتى النظام في طهران. في الواقع، يعيد بنيامين نتنياهو انتهاج مسار تبناه المحافظون الأمريكيون قبل نحو ربع قرن. بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي، أعلن الاستراتيجيون في البيت الأبيض “حربا على الإرهاب”، بحجة فرض الديمقراطية بالقوة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. شهدنا تحالفا بقيادة واشنطن يطيح بنظام صدام حسين في العراق، ما خلق بيئة خصبة لانتشار الجهادية وظهور تنظيم الدولة الإسلامية، تماما كما نشأت القاعدة بعد الغزو الروسي لأفغانستان. في ذلك الوقت، رفض الرئيس الفرنسي جاك شيراك (1995-2007) انضمام فرنسا إلى هذا التحالف.
ستظل هناك صورة عالقة في الأذهان، وهي مشهد نتنياهو في 27 أيلول/ سبتمبر أثناء خطابه أمام الأمم المتحدة، حيث رفض مشروع هدنة مع حزب الله قدمته واشنطن وباريس بموافقة عدة دول خليجية. بعد ذلك مباشرة، أمر بقصف بيروت، مما أدى إلى مقتل حسن نصر الله. اليوم، يتساءل البعض عما إذا كان نتنياهو سيعتبر مقتل يحيى السنوار “نصرا كافيا” لتغيير مساره المتطرف.
غضب عارم من ازدواجية المعايير
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ظلّت كافة الدعوات إلى وقف إطلاق النار في غزة أو لبنان حبرا على ورق. وعلى مدار عام، انصبّ التركيز على “أمن إسرائيل”، فيما لم يتم التطرق إلى حق الفلسطينيين في أمنهم، سواء كان ذلك أمنا جسديا أو غذائيا أو صحيا. بعد الهجوم الدموي الذي شنته حماس، رأت الدول الأوروبية أن لإسرائيل كامل الحق في الرد على طريقتها، متجاهلة الحروب الإسرائيلية الأربع السابقة والهجمات المستمرة على غزة. لم يكن أحد يتخيل حجم الكارثة التي ستقع على الفلسطينيين. وبعد عام، أصبحت غزة ركاما حيث قُتل أكثر من 40 ألف شخص، وتصاعدت المواجهات نحو ديناميكية حرب إقليمية، ووجدت الدول الغربية نفسها محاصرة.
مهما تحدثنا عن وقف إطلاق النار، أو الهدنة، أو الحلول الدبلوماسية، أو تقديم المساعدات الإنسانية، فإن سياسة “الكيل بمكيالين” تجعل أصوات بلداننا غير مسموعة على مستوى العالم. ومع تزامن الحربين في أوكرانيا والشرق الأوسط، برز التفاوت الواضح في تعامل الدول الغربية تجاه هاتين الأزمتين. فمن ناحية، دعمت هذه الدول استقلال أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي، ومن ناحية أخرى، تخلت تماما عن حقوق الشعب الفلسطيني منذ فشل اتفاقيات أوسلو [الموقعة في 1993]، مع دعم مطلق للرد الإسرائيلي، وكأن كل شيء بدأ في 7 تشرين الأول/ أكتوبر.
إعطاء فرصة للعدالة
في خضم هذه الفوضى، لم تلتزم أوروبا الصمت؛ إذ رغم منعه من دخول إسرائيل، لم يتردد رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، في التعبير عن موقفه. كما تحدث المسؤولون الفرنسيون والألمان، واعترفت إسبانيا وإيرلندا بدولة فلسطين. ورغم استمرارها في تقديم المساعدات لإعادة بناء البنية التحتية الفلسطينية المدمرة، لم تعد أوروبا تمتلك الوسائل الكافية للتحرك. في حين تمكنت من اتخاذ موقف موحد تقريبا ضد فلاديمير بوتين خلال الغزو الروسي لأوكرانيا.
إذا أرادت الدول الغربية استعادة مصداقيتها، فعليها أن تتخلى عن سياسة “الكيل بمكيالين”. عليها أن تعمل بكل قوتها على إعادة إحياء القانون الدولي والعدالة، والإقرار بأن فرض العقوبات أصبح ضرورة، مع تقديم دعم لا لبس فيه للمحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه، يوآف غالانت. يجري حاليا التخطيط لإبطاء أو تعطيل هذه الإجراءات في تجاهل واضح لتعهدات الدول الموقعة على معاهدة روما.
فهل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يبرر صمته تجاه هذه المأساة المستمرة، في الوقت الذي يفرض فيه العقوبات على روسيا، إيران، كوريا الشمالية وسوريا؟