ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
البدو في إسرائيل بين نارين
Les Bédouins d’Israël pris entre deux feux
جريدة لوموند الفرنسية
بقلم جون بيير فيليو، بروفيسور في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة “سيونس بو” في باريس
22 أيلول/ سبتمبر 2024
يتناول الكاتب في هذا المقال معاناة بدو النقب، الذين يتعرضون للتمييز ويواجهون خطر التهجير الدائم من قراهم، إضافة إلى دفعهم الدائم لفاتورة باهظة لأية مواجهة بين إسرائيل وحركات المقاومة. فيما يلي ترجمة كاملة للمقال:
في 27 آب/ أغسطس الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي عن تحرير كايد فرحان القاضي، بعد “عملية معقدة” في نفق بقطاع غزة. كان القاضي قد اختُطف في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 من كيبوتس ماغين، الواقع على الحدود مع القطاع الفلسطيني. وكان هذا البدوي الإسرائيلي البالغ من العمر 52 عاما يعمل كحارس هناك، في حين أنه يقيم، على غرار العديد من أفراد مجتمعه العربي، في قرية في صحراء النقب. وقد تم استقبال تحرير القاضي بعد 326 يوما من الأسر بحفاوة من الطبقة السياسية ووسائل الإعلام في إسرائيل، حيث وصف الرئيس إسحاق هرتسوغ ذلك بأنه “لحظة سعيدة لدولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي”. ولكن القرية التي عاد إليها القاضي، خربة كركور، تواجه أمرا حكوميا بهدم 70% من مبانيها. صحيح أن السلطات أعلنت أن منزل القاضي سيُستثنى من الهدم، ولكن هذا المثال يبرز الوضع الصعب للبدو في إسرائيل، الذين يجدون أنفسهم في كثير من الأحيان بين نيران متقاطعة.
بين التوطين والطرد
يقطن البدو في صحراء النقب منذ قرون، وهي الصحراء التي تمتد اليوم من إسرائيل وصولا إلى شبه جزيرة سيناء المصرية وخليج العقبة، الميناء الأردني الذي يقابله منتجع إيلات السياحي في إسرائيل. وقد طور البدو نمط حياة شبه رحّال يجمع بين الزراعة الواسعة والرعي. خلال الحكم العثماني، تم تسريع توطينهم عندما تم إنشاء مدينة بئر السبع في عام 1899 على موقع معروف منذ العصور القديمة ولكنه كان مهجورا منذ ألف عام. وكان من المفترض أن يعود جزء من النقب إلى الدولة العربية المقرر إنشاؤها وفقا لخطة تقسيم فلسطين لعام 1947 التي لم تتحقق. بالمقابل، تمكنت إسرائيل من السيطرة على النقب بعد هزيمة الجيش المصري في المنطقة عقب تأسيسها عام 1948. من بين مئة ألف بدوي فلسطيني كانوا يعيشون في المنطقة، أُجبر 80% منهم على الفرار، خاصة إلى غزة، في حين بقي حوالي 20 ألفا في المنطقة.
بعد حصولهم على الجنسية الإسرائيلية، عاشت هذه الأقلية البدوية خلال عقدين تحت إدارة عسكرية صارمة كانت تنظم، من بين أمور أخرى، تنقلاتهم في هذه المنطقة الاستراتيجية. ومع ذلك، أُتيح للبدو فرصة الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي على أساس تطوعي، وهو امتياز مهم في مجتمع يعتمد بشكل كبير على الجيش، امتياز كان مستثنى منه بقية العرب في إسرائيل، باستثناء الدروز الذين خضعوا للتجنيد الإجباري مثلهم مثل اليهود. بفضل معرفتهم العميقة بالصحراء، كان البدو يشغلون في كثير من الأحيان مناصب كشافة، مع احتمالات الترقية داخل الجيش. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك ضغوط متعددة على البدو لإجبارهم على الانتقال إلى سبع “مدن جديدة” أنشئت بين عامي 1968 و1990، وأكبرها اليوم هي رهط التي يسكنها حوالي 70 ألف نسمة.
بين نتنياهو وحماس
اليوم، يتجاوز عدد السكان البدو في النقب 300 ألف نسمة. وقد ساهمت الزيادة السكانية لفترة طويلة في زيادة عدد السكان بمعدل يفوق المتوسط الوطني بثلاثة أضعاف، حيث بلغت ذروتها في عام 1998 بمعدل أكثر من عشرة أطفال لكل امرأة، قبل أن تنخفض بشكل حاد في السنوات اللاحقة. يعود هذا الانخفاض جزئيا إلى الارتفاع الملحوظ في مستوى التعليم بين النساء، اللواتي يمثلن 70% من الطلاب البدو في جامعة بن غوريون في بئر السبع. وفي الوقت ذاته، أطلق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في عام 2011 خطة لتهجير عشرات الآلاف من البدو من النقب الذين لا يزالون يعيشون في قراهم القديمة غير المعترف بها من قبل الدولة الإسرائيلية. أثارت هذه الخطة موجة احتجاجات غير مسبوقة بين البدو، بما في ذلك “يوم غضب” في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، كما ازدادت الحوادث، خاصة أثناء عمليات الهدم. في كانون الثاني/ يناير 2017، قُتل مدرس بدوي على يد الشرطة واتهمه نتنياهو بأنه “إرهابي” من تنظيم الدولة الإسلامية، قبل أن يتراجع رئيس الوزراء ويقدم اعتذارا متأخرا لعائلته.
كما أنّ إيتمار بن غفير، الناشط المتطرف الذي عيّنه نتنياهو وزيرا للأمن القومي في كانون الأول/ ديسمبر 2022، عازم على تنفيذ خطة تهجير جماعي للبدو المتشبّثين بأراضيهم. وكانت القرى غير المعترف بها منذ فترة طويلة محرومة من المياه، والكهرباء، والصرف الصحي، وبالطبع من الملاجئ المضادة للصواريخ، مما يعرّض السكان البدو لهجمات الصواريخ من حماس، وحتى للصواريخ الإيرانية كما حدث في 14 نيسان/ أبريل 2024 (وكانت الضحية الوحيدة الإسرائيلية آنذاك فتاة بدوية تبلغ من العمر 7 سنوات، أصيبت بجروح خطيرة في الرأس ونجت لاحقا). على الرغم من أن البدو في النقب دفعوا ثمنا باهظا لهجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث قتل 21 شخصا واحتُجزت ست رهائن، إلا أن العديد من البدو سارعوا يومها إلى إنقاذ الشبان الذين تجمعوا في مهرجان “نوفا”، مساعدة أنقذت مئات الأرواح في وقت كانت القوات الأمنية الإسرائيلية لم تصل بعد إلى موقع الحادثة (القصص البطولية التي وثقها الكتاب الإسرائيليون في كتاب “في قلب 7 أكتوبر” الذي نشرته دار ديلكورت، تتناول هذه الوقائع).
يبدو أن هذا كله لم يكن كافيا لتخفيف الرغبة التدميرية لحكومة نتنياهو، التي أصدرت أكثر من ألفي أمر هدم ضد منازل البدو في النقب خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2024. وعلى الأقل، سيكون بإمكان كايد فرحان القاضي البقاء في منزله في خربة كركور. ولكن سيكون هذا عزاءه الوحيد، في حين أن منازل أقاربه موضوعة على قائمة الهدم.