ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
الانحدار الخطير في الاستراتيجية الإسرائيلية
The Dangerous Decline in Israeli Strategy
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
بقلم ستيفن والت، منظّر ينتمي إلى المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، وهو كاتب عامود في المجلّة ومدرّس في جامعة هارفارد
(16 آب/ أغسطس 2024)
وفقا لكاتب المقال تواجه إسرائيل اليوم تحديات غير مسبوقة تهدد استقرارها الداخلي والخارجي على عدة جبهات. فعلى الرغم من إنجازاتها العسكرية في العقود الأولى من وجودها، إلا أن الاستراتيجيات التي تبنتها منذ عام 1967 أسهمت في تدهور موقعها الاستراتيجي والسياسي. انقسامات داخلية، حرب لا يمكن الانتصار فيها في غزة، وضغوط دولية متزايدة جعلت إسرائيل في موقف صعب. يستعرض هذا المقال التراجع الخطير في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، من قرار احتلال الأراضي الفلسطينية إلى تعاملها مع البرنامج النووي الإيراني، ويفحص كيف أسهمت هذه القرارات في تقويض أمنها ومستقبلها. فيما يلي ترجمة تلخيصية للمقال:
تواجه إسرائيل تحديات خطيرة تهدد استقرارها الداخلي والخارجي. مواطنوها منقسمون بشكل حاد، ولا يبدو أن الوضع الداخلي سيتحسن قريبا. بالإضافة إلى ذلك، تمضي قدما في حرب لا يمكن الفوز بها في غزة، حيث يظهر جيشها علامات الإرهاق، في حين أن احتمالية نشوب حرب أوسع مع حزب الله أو إيران تظل قائمة. من الجانب الاقتصادي، تعاني إسرائيل بشكل كبير، وتشير التقارير إلى أن حوالي 60,000 شركة قد تغلق أبوابها خلال هذا العام، مما يفاقم أزماتها المتعددة.
لقد أضر السلوك الأخير لإسرائيل بشكل كبير بصورتها على الساحة العالمية، مما جعلها دولة منبوذة بشكل غير مسبوق. بعد الهجمات التي شنتها حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تلقت إسرائيل موجة تعاطف دولية، ولكن بعد مرور أكثر من 10 أشهر، أهدرت إسرائيل هذا الدعم بسبب ممارساتها في غزة والضفة الغربية. علاوة على ذلك، قدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية طلبات لإصدار مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
بات الدعم لإسرائيل في الولايات المتحدة يتراجع، خاصة بين الشباب الأمريكيين، بمن فيهم اليهود الأمريكيون الشباب، الذين يعارضون بشكل متزايد رد فعل إدارة بايدن المتساهل تجاه أفعال إسرائيل. ويتعرّض نتنياهو لانتقادات شديدة في الداخل والخارج، لكن المشكلة أعمق بكثير وتعود إلى تآكل التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي على مدى الخمسين عاما الماضية، حيث أسهمت القرارات الاستراتيجية الرئيسية منذ عام 1967 في تقويض أمن إسرائيل بشكل كبير.
الأخطاء الاستراتيجية المستمرة بعد حرب 1967
شكّل انتصار إسرائيل الساحق في حرب 1967 نقطة تحول رئيسية، حيث أدى إلى تعزيز شعورها بالغطرسة الذي أفسد التفكير الاستراتيجي منذ ذلك الحين. تجلّى الخطأ الرئيسي آنذاك في قرار الاحتفاظ بالضفة الغربية وقطاع غزة واحتلالهما تدريجيا كجزء من خطة لإقامة “إسرائيل الكبرى”. هذا الاحتلال أدى إلى توتر بين الطابع اليهودي لإسرائيل ونظامها الديمقراطي، حيث اضطرت إسرائيل إلى قمع الحقوق السياسية للفلسطينيين، مما أدى إلى خلق نظام أبارتهايد.
أخطأت إسرائيل مرة أخرى عندما فشلت في التقاط إشارات استعداد الرئيس المصري أنور السادات للسلام مقابل استعادة سيناء. أدّت الافتراضات الخاطئة حول ضعف الجيش المصري إلى اندلاع حرب أكتوبر 1973. ورغم أن إسرائيل حققت انتصارات عسكرية، إلا أن الضغط الأمريكي أقنعها ببدء مفاوضات جادة للتخلي عن سيناء، مما أدى إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد. لكن تعنت رئيس الوزراء مناحم بيغن والتزامه بمشروع “إسرائيل الكبرى” منع حل القضية الفلسطينية بشكل دائم.
وكانت إحدى الأخطاء الاستراتيجية الكبرى الأخرى الغزو الإسرائيلي الفاشل للبنان عام 1982، والذي أدى إلى خلق حزب الله. على الرغم من أن الغزو كان نجاحا عسكريا قصير الأمد، إلا أن المقاومة المتزايدة أجبرت إسرائيل على الانسحاب من لبنان في عام 2000. أدى هذا إلى انتفاضة فلسطينية جديدة في عام 1987، مما أثبت أن الفلسطينيين لن يتخلوا عن أرضهم أو يخضعوا للاحتلال الدائم.
الرفض الإسرائيلي للاتفاق النووي الإيراني
مثال آخر على قصر النظر الاستراتيجي لإسرائيل هو معارضتها الشديدة للجهود الدولية للحد من برنامج إيران النووي. رغم أن الاتفاق النووي لعام 2015 كان سيؤخر قدرة إيران على تطوير قنبلة نووية لعقد أو أكثر، إلا أن نتنياهو وأنصاره المتشددين عارضوا الاتفاق بشدة، مما أقنع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب منه في عام 2018. نتيجة لذلك، أصبحت إيران أقرب الآن من أي وقت مضى لتطوير قنبلة نووية، ما يظهر قصر نظر السياسة الإسرائيلية في هذا الصدد.
يعود السبب وراء هذا التراجع الاستراتيجي جزئيا إلى الشعور بالإفلات من العقاب الذي يأتي من الدعم الأمريكي المتواصل. ميل إسرائيل لرؤية نفسها كضحية دائمة واتهام كل معارضة لها بمعاداة السامية يجعل من الصعب عليها إدراك تأثير أفعالها. بالإضافة إلى ذلك، حكم نتنياهو الطويل بصفته رئيس الوزراء صاحب أطول مدة حكم في تاريخ إسرائيل يزيد من تعقيد الأمور، حيث أن أفعاله غالبا ما تكون مدفوعة بمصالح شخصية، كتجنب السجن بتهم الفساد.
تهدد الأفعال الإسرائيلية مستقبلها الطويل الأمد، وينبغي على من يهتم بمستقبل مشرق لإسرائيل أن يشعر بالقلق حيال تدهور تفكيرها الاستراتيجي. لقد ألحقت سياسات إسرائيل الانتقامية وقصر نظرها أضرارا هائلة بالفلسطينيين لعقود، دون أي أمل في إنهاء المقاومة الفلسطينية. كما أنّ هذا الارتباط الوثيق مع شريك غير مستقر يسبب أيضا مشكلات للولايات المتحدة، حيث يجعلها تبدو غير فعالة ومنافقة، مما قد يؤدي إلى موجة جديدة من الإرهاب المعادي لأمريكا.
خاتمة
تظهر استراتيجيات إسرائيل على مدى العقود الماضية أن سياساتها كانت مدفوعة بالغطرسة والإفلات من العقاب، مما أدى إلى تدهور موقعها الاستراتيجي على الصعيدين الداخلي والدولي. من قرارات احتلال الضفة الغربية وغزة إلى معارضة الجهود الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني، تسهم هذه القرارات في تعقيد الوضع الأمني والاقتصادي لإسرائيل. تحتاج إسرائيل إلى مراجعة حساباتها الاستراتيجية والتخلي عن سياسات قصر النظر التي تؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية وزيادة المقاومة الفلسطينية.
للتحميل اضغط هنا