ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
الانتقام ليس سياسة
Vengeance Is Not a Policy
مجلّة فورين بوليسي الأمريكيّة
بقلم إيان إس. لوستيك أستاذ فخري في جامعة بنسلفانيا ومؤلف كتاب النموذج المفقود: من حل الدولتين إلى واقع الدولة الواحدة.
١٣ تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢٣
يرى كاتب هذا المقال المطوّل بأنّ الهجمات الأخيرة من جانب حماس والجهاد الإسلامي ضد الإسرائيليين قد تركت أثرا عاطفيّا عميقا لديهم ولم تستثن أحدا منهم. ويحاجج بأنّ ردود الفعل العاطفية والأخلاقية تلك حقيقيّة ولكنّ لا بدّ من التحرّك خارج ردود الفعل العاطفية لتحديد ومعالجة جذور تلك الهجمات. فيما يلي ترجمة تلخيصيّة للمقال:
عودة إلى الجذور
لفهم العنف الأخير بفعاليّة، من الضروري وجود منظور تاريخي. يعود الصراع إلى تشريد الفلسطينيين في عام 1948 وإنشاء قطاع غزة كملاذ. يوضّح الكاتب كيفيّة تحوّل هذه المنطقة، التي كانت في السابق موطنا للفلسطينيين إلى مدينة أشكلون اليهوديّة بالكامل. في عام 1947، اعتمدت الأمم المتحدة قرارا بتقسيم فلسطين إلى دولة يهوديّة ودولة فلسطينيّة، وكان من المقرّر أن تشمل هذه المنطقة بما فيها غزة ومحيطها ضمن الدولة العربيّة. ومع ذلك، فشلت الأمم المتحدة في توفير الموارد اللازمة، مما أدى إلى فوضى في فلسطين. انتهى الانتداب البريطاني وشهدت فلسطين صراعا أهليّا بين اليهود والعرب حول السيطرة على الأراضي.
نتيجة لهذا الصراع، إلى جانب المعارك بين إسرائيل وقوّات العرب الغازية والحملات الإسرائيلية المتزايدة تدريجيًا لطرد المدنيين العرب من المناطق التي كان من المفترض أن تكون جزءا من الدولة العربية، حدث تشريد لـ 750 ألف فلسطيني. لجأ حوالي 200 ألف منهم إلى قطاع غزة، حيث كانت تسيطر عليه القوّات المصريّة. رفضت إسرائيل السماح لهؤلاء الفلسطينيين الذين فرّوا أو تم طردهم بالعودة إلى منازلهم وقامت بتدمير قراهم وبلداتهم لاحقا، مما حوّلهم إلى لاجئين.
كان قطاع غزة تحت حكم مصر أو تأثيرها منذ عام 1949 حتى عام 1956، ثم تحت سيطرة إسرائيل من تشرين الأول/أكتوبر 1956 حتى آذار/ مارس 1957، ومن ثم تحت سيطرة مصر مرّة أخرى حتى حزيران/يونيو 1967، ومنذ ذلك الحين تحت سيطرة إسرائيل. تسبب تدفّق اللاجئين في الضغط على السكّان الأصليين، وأدّت المقاومة الشديدة في أوائل السبعينيات إلى سياسات إسرائيلية نفّذها آرييل شارون، الذي أصبح فيما بعد رئيس وزراء لإسرائيل، تضمّنت بناء شبكة من الطرق في أحياء مكتظة وقتل مئات الفلسطينيين وسحق المنظّمات الفلسطينية الجماهيرية الثائرة المتمركزة في مخيمات اللاجئين.
رأت السلطات الإسرائيليّة أنّ الاعتراف بالهويّة الدينية الإسلامية أقلّ تهديدا من القومية الفلسطينية، لذا قدّمت الدعم لفرع حماس في غزة. بحلول بداية الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى في أواخر عام 1987، كانت حركة الإخوان المسلمين قادرة على إنشاء حركة حماس للتنافس مع منظّمة التحرير الفلسطينية كرائدة للصراع الفلسطيني. قد يبدو أمرا غريبا أنّ إسرائيل ساهمت في إنشاء خصمها، ولكن الفكرة كانت تفضيل حماس على السلطة الفلسطينية التي كانت تهدف إلى بناء دولة فلسطينية تعيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل.
تحوّل في وضع غزة
في عامي 2002 و 2003، حاصرت حكومة آرييل شارون مقرّات ياسر عرفات في رام الله الذي توفي في باريس في العالم التالي. في عام 2005، قامت إسرائيل بإخلاء جيشها و9000 مستوطن من قطاع غزة ورفضت التفاوض مع ممثلين فلسطينيين بشأن الترتيبات بعد الانسحاب.
عندما فازت حماس بالانتخابات التشريعيّة الفلسطينية في عام 2006، ردّت إسرائيل بدعم من الولايات المتحدة بمحاولة انقلاب فاشلة لاستبدال حكم حماس بحكم فتح في غزّة. هزمت حماس قوات فتح في غزة وبسطت سيطرتها على القطاع، ثم حاصرت إسرائيل غزّة وعاملت حماس على أنها المنظّمة المسؤولة عن منع سكّان القطاع من إلحاق الضرر بإسرائيل.
تم فرض هذه العلاقة من خلال الاقتحامات العسكريّة الإسرائيلية إلى قطاع غزة. هذه العمليات، التي استمرت لفترات متفاوتة، أدّت إلى مقتل أكثر من 6,400 فلسطيني بين عامي 2008 وأيلول/ سبتمبر 2023، وألحقت خسائر تقدر بمليارات الدولارات. ومع ذلك، فيما بين هذه العمليات، تعاونت إسرائيل وحماس لمنع الكوارث الإنسانيّة والحفاظ على البيروقراطية الحمساوية وقمع جهود مجموعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية والجهاد الإسلامي لإلحاق الضرر بإسرائيل.
في أيّ سجن، يتم التفريق بين النزلاء الذين يعتبرون جناة يستحقون العقاب والمنظمة التي تمثل هؤلاء النزلاء والتي يمكن أن تكون شريكا مفيدا وموثوقا به. تمكّنت حكومات إسرائيل الأخيرة من الاعتماد على حماس بشكل أكبر من أي وقت مضى كأداة لإدارة قطاع غزة. وتخيّلت أنّها جعلت من حماس كيانا تم ترويضه.
تحدّيات المستقبل
من الضروري أن نفكّر في المستقبل بهذه الطريقة إذا أردنا تجنب اندلاع تمرّد مستقبلي عنيف. تتجلّى الحقيقة المريرة في أنّ قطاع غزة هو مشكلة إسرائيل لأنه، سواء أعجبك ذلك أم لا، جزء من إسرائيل. على الرغم من أنّ معظم الحكومات ووسائل الإعلام قد أشاروا إلى النزاع كحرب بين الدول، فإنّه ليس كذلك. إسرائيل لا تعترف بغزّة (أو فلسطين) كدولة، ولا بحماس كسلطة حاكمة شرعيّة على سكانها.
الحلّ الوحيد هو أن تقرّر إسرائيل ما إذا كانت تريد غزة أم لا. إذا لم ترغب في الاحتفاظ بغزّة، يجب أن تسمح للأمم المتحدة بأخذ المسؤولية ومساعدتها في تحقيق مستقبل أفضل يمكن تحقيقه بمساعدة تعويضات إسرائيلية وأموال من الخليج ودعم أمني دولي.
إذا أرادت إسرائيل الاحتفاظ بغزّة، فينبغي أن تفتح مناطق في شمال النقب لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين كانت منازل أجدادهم موجودة هناك، وتمنح حقوقا متساوية للجميع للمشاركة في حياة الدولة التي تحكمها. في النهاية، يتعيّن أن يشمل ذلك المواطنة المتساوية للجميع.
ثمّة الان مزيد من العرب واليهود يعيشون بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. تحتاج الدولة إلى حلول لتحقيق التعايش بين هذه الجماعات، والتي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير اسم وطبيعة الدولة التي تشترك فيها. تلك المشاكل ستكون أقل وطأة من مشاكلنا الحاليّة وأقل خطرا من تلك التي سنواجهها إذا استمرت السياسات الحالية في التركيز فقط على رعب الكارثة وليس على أسبابها.
للتحميل اضغط هنا