
Reconnaissance de la Palestine : « Pour que cet acte soit réellement positif, il faudrait qu’il soit assorti de sanctions contre Israël »
صحيفة لوموند الفرنسية
23 أيلول/ سبتمبر 2025
ترجمة : يسار ابو خشوم
يأتي هذا المقال كإعادة صياغة وتحليل لمضامين مقابلة مطوّلة نشرتها صحيفة لوموند الفرنسية مع أستاذة القانون الدولي البارزة، مونيك شميلييه-جندرو، التي عُرفت بدفاعها المستمر عن حقوق الشعب الفلسطيني وتفكيكها للسياسات الإسرائيلية في ضوء القانون الدولي. وقد ركزت في حديثها على الموجة الجديدة من اعترافات بعض الدول الغربية الكبرى بدولة فلسطين، وعلى رأسها فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، وما إذا كان لهذه الخطوة وقع عملي يتجاوز رمزيتها. لا يقدّم هذا المقال وجهة نظر شخصية، بل هو محاولة لإعادة تقديم أبرز الأفكار التي طرحتها الضيفة في الحوار المذكور، والوقوف على أبعاد هذا الموقف الدبلوماسي الجديد.
منذ البداية شددت شميلييه-جندرو على أن هذه الاعترافات، وإن جاءت متأخرة، تبدو محدودة الفعالية. فهي من جهة «متأخرة جدا»، إذ تركت هذه الدول لإسرائيل متسعا من الوقت لتدمير كل المقومات التي كان يمكن أن تشكّل أساسا لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، عبر عقود من الاحتلال والاستيطان المنهجي. ومن جهة أخرى «قليلة جدا» لأنها لا تلامس جوهر الإشكالية، إذ أن الاعتراف الرمزي وحده لا يعيد للشعب الفلسطيني ما سُلب منه من أرض وحقوق، ولا يكفل له السيادة ولا يوقف العدوان. فالقانون الدولي، كما تذكّر الباحثة، لا تُختزل روحه في البيانات أو الرموز، وإنما يتطلب إجراءات ملموسة تفرض على إسرائيل الامتثال. ومن هنا، فإن الخطوة الغربية تبدو أقرب إلى إقرار معنوي بوجود الشعور الوطني الفلسطيني وصموده، أكثر منها وسيلة عملية لإعادة بناء أسس الدولة التي يجري تفريغها على الأرض.
ولكي يكون للاعتراف معنى حقيقي، تضع جندرو قائمة من العناصر التي تحدّد عادة وجود أي دولة: أرض متصلة وقابلة للحياة، سكان يجتمعون بحرية في إطار وطني واحد، مؤسسات سيادية تمارس وظائفها بشكل مستقل، وعاصمة يتم اختيارها بإرادة سيادية. لكن إسرائيل، على حدّ قولها، سعت منذ إنشائها إلى تقويض كل هذه العناصر مجتمعة، فيما اكتفى المجتمع الدولي بالمراقبة دون تدخل. وحده الوعي الوطني الفلسطيني صمد أمام هذه المحاولات، وبقي شاهدا على عمق الانتماء الجماعي الذي يشكّل جوهر الهوية الفلسطينية. ولذلك فإن الاقتصار على الاعتراف بهذا الوعي دون دعم مادي ملموس لإعادة بناء أسس الدولة يُعد ضربا من النفاق، لأنه يغفل عن حقيقة أن الاحتلال مستمر في إلغاء كل ما يجعل من الدولة الفلسطينية كيانا قابلا للتحقق.
وتطرح الخبيرة القانونية أدوات عملية لتصحيح المسار. فهي تشير إلى الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في تموز/يوليو 2024، والذي أكّد بوضوح أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يشكل خرقا صارخا للقانون الدولي. وقد تبعت ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها في أيلول/سبتمبر 2024، حيث طالبت إسرائيل بسحب المستوطنين وتفكيك المستوطنات وردّ الأراضي أو تعويض أصحابها. وبما أنّ القرار نصّ على مراجعة التنفيذ بعد عام، فإن لحظة المحاسبة قد حانت. غير أن هذا يتطلب إرادة سياسية لدى الدول المعنية لتفعيل هذه القرارات وتحويلها من نصوص إلى واقع على الأرض، وهو ما لم يظهر بعد بشكل جاد.
وعلى الصعيد العملي، تبرز أسئلة حول الكيفية التي ستتجسد فيها هذه الاعترافات: هل ستتحول بعثة فلسطين في باريس إلى سفارة كاملة الصلاحيات؟ وكيف ستتعامل فرنسا مع تمثيلها في الأراضي الفلسطينية؟ هل ستكتفي بتحويل قنصليتها في القدس إلى سفارة، وهو ما يحمل دلالة سياسية كبرى؟ أم ستؤسس سفارة في رام الله؟ برأي شميلييه-جندرو، فإن الخيار الأول سيكون أكثر تأثيرا من الناحية السياسية، لأنه يشكّل إقراراً بحق الفلسطينيين في القدس، حتى وإن اعتبرته إسرائيل استفزازا لا يُطاق. ومهما كانت الخطوة، فهي تحمل رسائل واضحة بشأن مكانة القضية الفلسطينية في الأجندة الدبلوماسية لهذه الدول.
وفيما يتعلق بمستقبل المفاوضات، تؤكد الخبيرة أن القانون الدولي ليس مجالا للتفاوض؛ فالمبادئ الأساسية كإنهاء الاحتلال أو احترام حقوق الإنسان ليست خاضعة للمساومة. ما يمكن التفاوض حوله هو آليات تطبيق هذه المبادئ فقط. من هنا، ترى أن اعترافات الدول الغربية بدولة فلسطين قد يكون لها أثر إذا استُثمرت كأدوات ضغط فعلية ضمن أي عملية تفاوضية. غير أن ذلك يفترض وجود وسطاء ذوي مصداقية، لا ينحازون لإسرائيل، بعكس الولايات المتحدة التي أدت دور الراعي التقليدي للمفاوضات، لكنها كانت، بحسب تعبيرها، راعيا منحازا جعل مسار التسوية غير متوازن منذ البداية.
أما بخصوص الأثر المباشر لهذه الاعترافات على الحرب الدائرة في غزة، والتي صنفتها إحدى لجان التحقيق التابعة للأمم المتحدة باعتبارها إبادة جماعية، تبدو جندرو متشائمة. فهي ترى أن الاعتراف لا يمكن أن يشكّل ردا كافيا على حجم المأساة. لكنه مع ذلك يحمل دلالة رمزية، وكأنه رسالة للمحتل: بينما تسعى إسرائيل إلى محو هوية هذا الشعب، يردّ العالم بالاعتراف بوجوده الوطني. بيد أن هذه الرسالة ستظل قاصرة إن لم تُقرَن بقرارات أكثر جرأة، مثل فرض عقوبات اقتصادية وسياسية صارمة على إسرائيل، أو نشر قوة طوارئ متعددة الجنسيات في غزة والضفة الغربية بتفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهنا تستحضر الباحثة سابقة عام 1950 حين لجأت الأمم المتحدة إلى القرار 377 لتجاوز تعطيل مجلس الأمن بسبب الفيتو السوفياتي إبان الحرب الكورية. ووفقا لها، يمكن اليوم إعادة استخدام هذه الآلية لتجاوز العجز الذي يسببه الفيتو الأميركي الدائم لمصلحة إسرائيل.
في الختام، تعيد مونيك شميلييه-جندرو التأكيد على أن الخطوة الغربية الأخيرة، مهما كان صداها الإعلامي والسياسي، ستظل محدودة إن لم تُترجم إلى إجراءات عملية تفرض على إسرائيل احترام القانون الدولي. فالقضية الفلسطينية ليست بحاجة إلى اعترافات شكلية، بل إلى سياسات ملموسة تعيد للفلسطينيين حقوقهم على الأرض، وتكسر دوامة الإفلات من العقاب التي طالما استندت إليها إسرائيل. قد يكون الاعتراف بدولة فلسطين، في نهاية المطاف، خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه لن يغير شيئا جوهريا ما لم تقترن به شجاعة سياسية دولية حقيقية تضع حدا لسياسات الاحتلال وتفتح الطريق أمام سيادة فلسطينية فعلية.