Un accord maritime flottant entre le Liban et Israël

مجلة أوريان ٢١ الفرنسية

بقلم جو مكرون، مستشار مستقل، عمل في مركز مكافحة الإرهاب في ويست بوينت ومركز كولين باول للدراسات السياسية، وعمل أيضًا مستشارًا لصندوق النقد الدولي بشأن المشاركة العامة في الشرق الأوسط وتقلّد مناصب مختلفة داخل منظومة الأمم المتحدة.

٢٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢

 في ضوء توصّل لبنان وإسرائيل مؤخّرًا لاتفاق ترسيم الحدود البحريّة، يتناول هذا المقال تعقيدات ودوافع هذا الاتّفاق، مبرزًا دور حزب الله من خلال التهديد بالتصعيد العسكري، ودور الولايات المتّحدة الفعّال بضغطها على إسرائيل بغية تجنّب اندلاع حرب إقليميّة، مع التأكيد على هشاشة هذا الاتّفاق وعدم امتثاله النموذجي للقانون الدولي من حيث الوضوح وإلزاميّة التنفيذ.

اتفاق معقّد وتأويل حزب الله

يوضّح الكاتب بأنّ التوصّل إلى اتفاق ترسيم الحدود هذا كان في غاية التعقيد، وقبلت به لبنان وإسرائيل على مضض بفضل الوساطة الأمريكيّة، وبشكل رئيسيّ بغية تجنّب اندلاع حرب إقليميّة، مع التأكيد على عدم ضمان الذهاب نحو التصعيد على المدى الطويل. يرجع الكاتب أسباب هذا التعقيد إلى عدم وجود قنوات تواصل مباشرة بين البلدين، إذ أنّهما في حرب منذ ٧٤ عامًا، إضافة إلى الآجال القصيرة للتوصّل لاتفاق والمرتبطة بنهاية عهدة الرئيس اللبناني ميشيل عون في ٣١ تشرين الأول/ أكتوبر، والانتخابات التشريعيّة الإسرائيليّة المزمع عقدها في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث تبدو حظوظ نتنياهو مرتفعة للفوز بها.

في الوقت الذي يصف فيه الأمريكيّون والإسرائيليّون هذا الاتفاق بـ “الاتفاق البحريّ” والرئيس ميشيل عون بـ “الاتفاق غير المباشر”، يفضّل حزب الله وصفه بـ “التفاهم” بغية تجنّب شبهة التطبيع. يفضّل الكاتب مصطلح “تسوية”، تسوية من أجل فوائد اقتصادية. كذلك، يبرز الكاتب عدم اتفاق الطرفين الرئيسيين حول معنى هذا الاتفاق. فقد أعلن رئيس الوزراء المناوب الإسرائيلي نفتالي بينيت أنّ “الاتفاق ليس انتصارًا دبلوماسيًا تاريخيًا، ولا هو استسلام رهيب”. أما نصر الله، فقد حيّا وحدة ونجاعة الوفد اللبناني الرسمي أثناء المفاوضات، مؤكّدًّا أنّ الحزب لا يتحمّل مسؤوليّة تحديد خطوط الترسيم، وبالنسبة إليه تمتد الخطوط البحريّة اللبنانيّة حتى بحر غزّة.

فوائد اقتصاديّة مشتركة

يقول الكاتب بأنّ هذا الترسيم لم يكن ليتمّ لولا التصعيد العسكري لحزب الله فيما يخصّ استخراج إسرائيل للغاز من حقل كاريش، بإرساله طائرات مسيّرة الصيف الماضي فوق الحقل، إضافة إلى الجهود الرسميّة اللبنانيّة والضغوط الأمريكيّة على الإسرائليّين. محاججًا بأنّ هذا الاتفاق، فضلًا عن تجنيبه المنطقة لصراع مسلّح جديد، فإنّه يعود بفوائد اقتصاديّة على الطرفين اللبناني والإسرائيلي. تضمّن الاتفاق السماح لإسرائيل  باستخراج الغاز من حقل كاريش مقابل تمكّن لبنان من استخراج الغاز من حقل قانا، الذي من شأنه المساهمة في خروج لبنان من أزمته الاقتصاديّة، واستفادة إسرائيل من غاز حقل كاريش في ظلّ أزمة الغاز المرتبطة بالحرب الروسيّة الأوكرانيّة، لكن يلفت الكاتب النظر إلى أنّ احتياطات الغاز في حقل كاريش مثبتة بالفعل، لكن لم يجر تقييمها بعد في حقل قانا.

“توتال” الفرنسيّة والولايات المتّحدة كضامنين

وفقًا للكاتب، تستند الاتفاقية البحرية إلى ضامنين هما الولايات المتحدة كوسيط، و“توتال إنيرجيز” الفرنسيّة باعتبارها المشغّل الرئيسي لمنطقة الغاز ٩ في لبنان، وهما من سيضمنان تنفيذ الاتفاقية. وستضمن إدارة بايدن تمكّن “توتال” من الشروع في أشغالها في حقل قانا على الفور، ودون أي عوائق إسرائيلية. وقد تعهدت الولايات المتحدة في رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية بضمان عدم وصول عائدات الغاز اللبناني إلى حزب الله.

يمثّل حقل قانا بؤرة النفوذ الفرنسي في هذه الاتفاقية البحرية، من خلال لعب دور خلف الكواليس في هذه المحادثات، وتظهر بوضوح حدود هذا التأثير بما أن الولايات المتحدة أخذت الدور القيادي. في الواقع، دفعت “توتال” من جيبها كي يتم إبرام هذه الاتفاقية، دون أي نفع ملموس بالنسبة للسياسة الخارجية الفرنسية. وللتنازل عن حقوقها في حقل قانا بالكامل، يُفترض أن تحصل إسرائيل على تسوية مالية من شركة “توتال” تُقدّر بنحو ١٧٪ من عائدات هذا الحقل. وقد صرّح لبنان بأنه لا علاقة له بهذه التسوية، وأن إيراداتها يجب أن تأتي من دخل “توتال” لا من دخل لبنان.

علاوة على ذلك، فإن الاتفاق بين “توتال” وإسرائيل يتكوّن من أربع مراحل قد يستغرق تنفيذها بالكامل نصف قرن. ويتعين على إسرائيل و“توتال” الانتهاء من اتفاقية مالية قبل بدء مرحلة الاستكشاف التي قد تدوم من ٢ إلى ٤ سنوات، والتي سيتم خلالها إجراء الدراسات الجيولوجية الأولية واختبار الحفر. المرحلة التالية هي مرحلة التقدير (من عام إلى عامين)، والتي سيتم خلالها إجراء عمليات حفر استكشافية إضافية. وستتفق إسرائيل و“توتال” على كمية الغاز الطبيعي من قانا ومقدار الربح الذي ستحصل عليه إسرائيل في المقابل. ولن يبدأ الحفر حتى تتلقى إسرائيل دفعة أولية من شركة “توتال”. كما لن تبدأ مرحلة التطوير (من ٤ إلى ٧ سنوات) حتى يتم دفع دفعة أخرى لإسرائيل. وفي المرحلة النهائية من الاستخراج (من ٢٥ إلى ٥٠ سنة)، ستستمر إسرائيل في تلقي المدفوعات وفقًا لجدول زمني متفق عليه. وهكذا يترك حقل قانا المجال مفتوحًا لتفسيرات متضاربة وتعقيدات مستقبلية.

خاتمة

يختم الكاتب مقاله بالتأكيد على أننا لسنا أمام اتفاق نموذجي يهدف إلى ترسيم الحدود البحرية وفقًا للقانون الدولي، بل هو اتفاق محدود النطاق، ولا ترافقه آلية واضحة لتنفيذ أو حل النزاعات التي قد تنشأ بالرغم من النوايا الحسنة للأطراف المعنية وضمانات إدارة جو بايدن. ومن الواضح أن حزب الله لم يوقّع عليه وهو ليس جزءًا منه، ما يمكّنه من القول متى شاء إنه غير ملزم به. كما أن هذا الاتفاق ما كان ليحدث لولا التقارب الأمريكي الإيراني الدقيق الذي تجلّى في نفس الوقت من خلال انتخاب رئيس عراقي جديد في ١٣ أكتوبر/تشرين الأول. ورغم عيوب هذا الاتّفاق إلا أنه يمثل خطوة حاسمة في إرساء قواعد التدخّل في شرق البحر الأبيض المتوسط.

للتحميل اضغط هنا