ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم

إيتمار بن غفير، صعود فاشي إسرائيلي إلى السلطة

Itamar Ben Gvir, l’ascension d’un fasciste israélien vers le pouvoir

مجلة أوريان ٢١ الفرنسية

بقلم سيلفان سيبل، عضو سابق في رئاسة تحرير صحيفة لوموند، ورئيس تحرير سابق لمجلة Courrier International. وهو مؤلف كتابَيّ “المجتمع الإسرائيلي في مأزق” و “دولة إسرائيل ضد اليهود”.

٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٢٢

يستهلّ الكاتب مقاله باستعراض تاريخي مقتضب لليمين المتطرّف للحركة الصهيونيّة، موضّحًا بأنّ اليمين المتطرف الفاشي والاستعماري والعنصري لطالما كان موجودًا، لكنّه كان على الدوام ممثلًا لأقليّة منبوذة تتأرجح حسب الظروف. يذكر الكاتب في هذا السياق حالتين، تمثّلت الحالة الأولى بـ “تحالف المتعصّبين” بقيادة “أبا أهيمير”، وهي مجموعة ضعيفة انفصلت عام ١٩٢٨ عن “شباب اليمين الصهيوني”، وكانت معادية جدًّا للعرب، كما كان زعيمها داعمًا لأدولف هتلر لمجرّد معاداة الأخير للشيوعيّة، ولم تعش هذه الحركة سوى بضع سنوات.

 تمثّلت الحالة الثانية بـ “الكهانيّة” نسبة للحاخام الأمريكي “مئير كاهانا”، في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي، إذ جمعت هذه الأيدلوجيّة بين التصوّف العرقي اليهودي القائم على عبادة أرض إسرائيل وعنصريّة وحشيّة تجاه “العرب” الذين دعا إلى طردهم عن هذه الأرض، ونجح كهانا في انتخاب نفسه نائبا عام ١٩٨٤، لكن تمّ نبذه بالإجماع في الكنيست من اليمين واليسار عام ١٩٨٨ ومنعت المحكمة العليا حزبه “كاخ” من المشاركة في الانتخابات واصفة إيّاه بـ “العنصريّ”. وفي عام ١٩٩٠ قام أمريكي من أصل مصري باغتيال كهانا في نيويورك منهيًا هذه الحالة “الكهانيّة”، لكن بعد مرور ٤٠ عامًا، عادت هذه الأيدلوجيا لتأخذ شكلًا جديًدا أكثر تجذّرًا وقوّة وريادة مع وصول إيتمار بن غفير إلى السلطة وحصول حزبه على مركز القوّة الثالثة في البرلمان بـ ١٤ مقعدًا من أصل ١٢٠.

إعادة بناء الهيكل

وفقًا للكاتب، تصف منظّمة حقوق الإنسان الإسرائيليّة “بتسيلم” بن غفير بالمجسّد لـ “التفوّق اليهوديّ”. بن غفير، اليهودي من أصل عراقي، والبالغ من العمر ٤٦ عامًا، عاش حياته في محيط من الإرهاب الإسرائيلي السياسي والاجتماعي، ويعتبر “كاهانا” قدوة له، ويعلّق صورة منفّذ مجزرة الحرم الإبراهيمي، باروخ غولدشتاين، على حائط غرفته، ويفتخر دومًا بقاتل رئيس الوزراء السابق “إسحق رابين”. يؤمن بن غفير بحتميّة إعادة بناء الهيكل، الذي دمّره الرومان عام ٧٠ ميلاديّة، على أنقاض المسجد الأقصى، ويدعو إلى استخدام الكرسي الكهربائي ووسائل قذرة أخرى لتعذيب المعتقلين الفلسطينيين، كما دعا مؤخّرًا إلى نفي كل فلسطيني يقوم بإلقاء زجاجة حارقة على الجنود الإسرائيليين. ويتساءل الكاتب مستهجنًا، ماذا لو كان كلّ الفلسطينيين إرهابيين في عيني بن غفير؟

من هم أصحاب المكان؟

يحاجج الكاتب بأنّ خصوصيّة بن غفير تكمن، إلى جانب نشاطه الاستعماريّ، في الهجوم الذي يقوده ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، معتقدًا بأن التهديد الرئيسي لمستقبل إسرائيل لا يكمن في إيران ولا في الأراضي الفلسطينية، بل في “العدوّ الماكر” الموجود في قلب إسرائيل، ويقصد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين يصفهم أيضا بـ “الطابور الخامس”، الأمر الذي ساهم بلا شكّ في حصوله على أصوات الناخبين الجدد.

لهذا السبب تركّزت الحملة الانتخابية لحزب بن غفير على فكرة واحدة تمثّلت في “من هم أصحاب المكان؟”. وفقًا للكاتب، يشكو بن غفير على الدوام بأن اليهود يتعرّضون لنهب غير مبرر، فالمسلمون يشغلون اليوم مكان الهيكل الذي “بني على أنقاضه المسجد الأقصى”، وقبل أسبوعين من الانتخابات التشريعيّة اقتحم بن غفير، على رأس مجموعة من اليهود المتطرفين، حيّ الشيخ جرّاج ملوّحًا بمسدسه وصارخًا “نحن أصحاب المكان هنا”.

وفي أعقاب نجاحه الانتخابي، قاد بن غفير وأتباعه مداهمات حقيقية في شوارع القدس المؤدية إلى البلدة العربية القديمة، تحت أعين رجال الشرطة المتواطئين. وفي الخليل في ١٩ تشرين الثاني/ نوفمبر، شارك مئات من أتباعه في موكب ديني قوامه ٣٠ ألف مستوطن، ونهبوا شققًا فلسطينية، وقاموا بمعاملة ساكنيها بوحشية بينما كان الجنود الإسرائيليّون يكتفون بالمشاهدة، حتى أن بعضهم انخرط في وحشيّتهم.

مخاوف هيئة الأركان العامة للجيش

يوضح الكاتب بأنّ هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي أبلغت بنيامين نتنياهو بأنها متوجسة من تعيين بن غفير على رأس وزارة الأمن القومي، ماذا عساه يفعل بكل تلك السلطة؟ وكيف سيكون ردّ فعل أتباعه إذا ما توسعت دائرة المقاومة المسلّحة التي تشهدها حاليًّا الضفة الغربية؟  فخلال حملتهم في مدينة الخليل، هاجم المستوطنون الفلسطينيين، وقام جندي إسرائيلي كذلك بتعنيف ناشط يهودي مناهض للكولونيالية، بينما كان أحد زملائه يشرح أمام الكاميرات الواقع الجديد الذي ستشهده الأراضي المحتلة قائلًا: “بن غفير سيصلح الوضع هنا. أنا من يضع القانون الآن”.

يضيف الكاتب مستهجنًا، بأنّ الجيش قام بحبس الجنديّ الذي ارتكب أعمال العنف المصوّرة لمدة عشرة أيام، فماذا فعل بن غفير؟ سارع إلى زيارة عائلته وعبّر لها عن دعمه. أن يتعاطف وزير الأمن القومي مع المعتدي أمر يعطي فكرة عمّا يمكن أن يحدث في المستقبل القريب تحت رقابته. ويمكن أن نتخيل أعمال العنف الوشيكة التي سيقوم بها المستوطنون ومؤيدوهم، إيمانًا منهم، بوجود بن غفير في هذه المنصب، أنهم سيفلتون تمامًا من العقاب. 

تسارع الاستيطان والقمع

يحاجج الكاتب بأنّ بن غفير، في المنصب الذي سيشغله، سيكون بالضرورة عضوًا في مجلس الوزراء الأمني، وهو أهم هيئة حكومية. قليلون من لاحظوا أنه تم تغيير اسم وزارته بالفعل. لطالما كانت تحمل اسم “وزارة الأمن العام”، لكنها أصبحت مع بن غفير “وزارة الأمن القومي”، وهي طريقة لإظهار أنها ستكون أكثر أهمية مما كانت عليه تحت من سبقه. سيكون نفوذ بن غفير في الجزء الفلسطيني للقدس ذا ثقل، وكذلك فيما يسمى بالبلدات والقرى “المختلطة”، حيث يعيش اليهود والفلسطينيون (بشكل منفصل)، أو في تلك التي يسكنها فلسطينيو الداخل حصريًّا، والذي يتهمهم بن غفير في المقام الأول بـ“عدم الولاء”. بيد أن أهميته ستكون كبيرة أيضًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث وافق نتنياهو على طلبه لإدارة شرطة الحدود – التي كانت إلى حد الآن تحت مسؤولية وزارة الدفاع – والتي تُعرف بشكل خاص بوحشيتها.

مضيفًا بأنّه في الوقت ذاته، وبعد أن فهم زعيم الطرف الآخر للصهيونية الدينية الراديكالية “بتسلإيل سموتريش” أنه لن يحصل على منصب وزير الدفاع الذي كان يطمح إليه، بات الآن يطالب بوزارة المالية، بل حتى بوضع الإدارة المدنية للضفة الغربية تحت رقابته. باختصار، لقد حصل بن غفير حتى الآن على معظم ما طالب به. هذا لا يضمن مستقبله السياسي في عهد نتنياهو، لكنه يعزز خطرين، أولهما أن مؤيدي حركتي بن غفير وسموتريتش سيشعرون بحرية أكبر في تنفيذ أعمال وحشية ضد الفلسطينيين وكذلك ضد اليهود الإسرائيليين المناهضين للاحتلال ومنظماتهم غير الحكومية. وثانيهما أن رئيس الوزراء مستعد لتقديم الكثير من التنازلات لضمان بقائه السياسي وتجنب السجن.

خاتمة

 يختم الكاتب مقاله بالقول بأنّه في الولايات المتحدة الأمريكية، تنأى الجالية اليهودية بنفسها أكثر فأكثر عن المنعرج الاحتلالي والفاشي الذي تتخذه إسرائيل. أما في فرنسا، فالأمر مختلف، حيث يواصل المجلس الممثل للمؤسسات اليهودية دعمه لإسرائيل بلا هوادة. متسائلا: إلى متى؟ وإلى أي مدى؟

للتحميل اضغط هنا