ترجمة وتحرير: يسار ابو خشوم
Israel Is a Strategic Liability for the United States
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
بقلم جون هوفمان، محلل سياسة خارجية في معهد كاتو وأستاذ مساعد في جامعة جورج ميسون.
(٢٢ أذار/ مارس ٢٠٢٤)
يتناول الكاتب في هذا المقال المطوّل طبيعة العلاقة “الخاصّة” بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، في ضوء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، محاججا بأن هذه الحرب قد أضرت بالمكانة الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع، ولا سيّما من حيث القيم والمعايير، بفعل هذه العلاقة “الخاصة” التي يدعو إلى مراجعتها وإعادة تشكيلها بما يتماشى مع المصلحة الأمريكية. فيما يلي ترجمة كاملة للمقال:
في الوقت الذي يصرّح فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن عودة الشرق الأوسط إلى الوضع القائم قبل السابع من أكتوبر غير ممكنة، يستمر في الإبقاء على ما يُسمّى بالعلاقة الخاصة بين واشنطن وإسرائيل. يعتبر هذا الدعم الأمريكي غير المتزعزع لإسرائيل، الذي بدأ منذ تأسيس الدولة في عام 1948، جزءا أساسيا من سياسة الشرق الأوسط الأمريكية، حيث تُعد إسرائيل أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأمريكية.
مع استمرار تقديم الولايات المتحدة ما يقرب من 3.8 مليار دولار سنويا في صورة مساعدات وصفقات أسلحة لإسرائيل، يظل الغموض يحيط بالمنافع التي تعود على الولايات المتحدة من هذه العلاقة الأحادية الاتجاه. وعلى الرغم من ادعاءات بعض المؤيدين بأن هذا الدعم حيوي لتقدم المصالح الأمريكية في المنطقة، فإن الحرب الأخيرة في غزة كشفت عن الآثار السلبية العديدة لهذه العلاقة على المكانة الاستراتيجية لواشنطن في الشرق الأوسط وعلى صورتها العالمية.
يشير الوضع الحالي إلى ضرورة إعادة تقييم جذري للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، خاصة في ضوء التحديات الاستراتيجية والتغيرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. هذا التقييم قد يساعد في تحديد مسار جديد يحافظ على المصالح الأمريكية ويعزز الاستقرار الإقليمي، بعيدا عن السياسات السابقة التي تبنت الدعم غير المشروط لإسرائيل دون النظر في العواقب الإستراتيجية والأخلاقية الناتجة عن هذا الدعم.
العقاب الجماعي والسياسة الأمريكية المتناقضة
بلغت حملة إسرائيل من العقاب الجماعي ضد غزة مستويات تاريخية، مع تسجيل السلطات الصحية في غزة “مقتل” أكثر من 32 ألف شخص، أغلبهم من النساء والأطفال. وتم تدمير البنية التحتية المدنية بشكل منهجي، وبدأت تتفشّى المجاعة والأمراض، مما دفع الحكومة الأمريكية ودول أخرى لنقل المساعدات جوا إلى القطاع ونشر قوات أمريكية لكسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل باستخدام الأسلحة الأمريكية.
على الرغم من الدمار والمعاناة في غزة، استمرت إدارة بايدن في تزويد إسرائيل بالأسلحة المتطورة، موافقة على صفقات عسكرية عديدة واستخدام الفيتو ضد قرارات مجلس الأمن الدولي التي تدعو إلى وقف إنساني فوري لإطلاق النار. تشير هذه السياسات إلى تناقض في موقف الإدارة الأمريكية، الذي يدعم إسرائيل بشكل غير مشروط بينما يحاول الضغط لوقف مؤقت للقتال.
تبقى إدارة بايدن عاجزة أو غير راغبة في التأثير على سياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بقيادة نتنياهو، الذي يصر على استكمال العملية البرية في رفح. لا يساهم الخطاب السياسي الفارغ والمتحجّر من قبل الولايات المتحدة في حل الأزمة، بل يعمق من تعقيدها، مما يظهر الحاجة الماسة لمراجعة وتعديل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
العلاقة الخاصّة وتداعياتها على النزاع في غزة
الإجراءات الرمزية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية مؤخرا، على غرار الأمر التنفيذي الذي يفرض عقوبات على مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية وتجديد موقفها بأن توسيع المستوطنات يتعارض مع القانون الدولي، لم تؤثر على وقف العنف في غزة أو تبرئة واشنطن من التواطؤ في النزاع. بل على العكس، فقد شرعت إسرائيل ببناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية رغم العنف المتزايد ضد الفلسطينيين، دون رد فعل جاد من الولايات المتحدة لوقف هذه الخطوة.
وتعكس خطة نتنياهو لما بعد الحرب نية لاستمرار الاحتلال العسكري لغزة والضفة الغربية، ما يهدد باستمرار عدم الاستقرار في المنطقة. بالمقابل، تشمل رؤية إدارة بايدن “مسارا” نحو دولة فلسطينية دون خطط ملموسة للتنفيذ، مما يدل على تناقض في السياسة الأمريكية تجاه الصراع. تعمّق هذه السياسة الالتزام بالوضع القائم وتفشل في توفير رؤية واضحة لمستقبل الشعب الفلسطيني.
للدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل خلال الحرب في غزة تداعيات إقليمية وخيمة؛ إذ يهدد بجر المنطقة بأكملها إلى حرب شاملة. كما يشوّه هذا الدعم أيضا صورة الولايات المتحدة كرمز للقيم الليبرالية ويتعارض مع مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، مما يحد من قدرتها على التأثير الإيجابي في الشرق الأوسط ويعيق الدبلوماسية الرصينة.
خاتمة
في الختام، يبدو أن الوقت قد حان للولايات المتحدة لـ “تطبيع” علاقاتها مع إسرائيل بما يتماشى مع كيفية تعاملها مع الدول الأخرى، مع التركيز على حماية المصالح الأمريكية والدفع نحو حلول دبلوماسية تنهي النزاعات وتسهم في استقرار المنطقة. يواجه الرئيس بايدن وإدارته قرارا حاسما: إما الاستمرار في دعم سياسات حكومة نتنياهو التي تقود المنطقة نحو الهاوية، أو الضغط بقوة من أجل تغيير مسار يخدم السلام والاستقرار الإقليمي والمصالح الأمريكية على المدى الطويل.
للتحميل اضغط هنا