
- عن المركز
- دراسات وأبحاث
- متابعات
- مراجعات
- إصدارات المركز
- وثائق
- مركز الإعلام
- مؤتمرات
إدانات بلا أثر: العالم يتحدث عن غزة ولا يفعل شيئا
The turning point that wasn’t: the way the world talks about Israel’s war has changed Nothing else has
صحيفة الغارديان البريطانية
ترجمة وتحرير: يسار ابو خشوم
يتناول هذا المقال التحول الظاهري في الخطاب الأوروبي تجاه الحرب على غزة، مسلطا الضوء على الفجوة بين الإدانات اللفظية والتقاعس الفعلي عن اتخاذ إجراءات ملموسة لوقف المجازر الإسرائيلية، ويدعو إلى تجاوز الأقوال نحو خطوات عملية تضع حدا لحصانة إسرائيل وتعيد الاعتبار للعدالة الدولية. فيما يلي ترجمة تلخيصيّة للمقال:
رغم التصاعد المفاجئ في لهجة الإدانات الصادرة عن عواصم أوروبية تجاه إسرائيل، وسط مشاهد المجازر والانهيار الإنساني في قطاع غزة، لا يزال هذا التحول اللفظي محصورا في الإطار البلاغي، دون أن يترجم إلى أي خطوات ملموسة أو أدوات ضغط حقيقية. في المشهد الراهن، لعلّ الخطاب الأوروبي قد تخلى عن نغمة «القلق» التقليدية، ليتبنى مصطلحات أكثر وضوحا على شاكلة «الجرائم غير المبررة» و»الاستخدام المفرط للقوة»، لكنه يظل عاجزا عن إحداث تغيير فعلي على الأرض. يطرح هذا التحول الظاهري سؤالا مركزيا: هل يكفي الخطاب في مواجهة مجزرة تتواصل منذ ما يقارب العامين؟ وهل يمكن إحداث فرق دون إرادة سياسية قادرة على كسر عقيدة الحصانة التي لطالما تمتعت بها إسرائيل في الغرب؟ وسط هذا التردد، يتحول الخطاب الجديد إلى قشرة شفافة تغطي جوهرا قديما من التواطؤ والصمت الفعلي.
الانفصام بين الخطاب السياسي والمأساة الواقعية
في الواقع، يُخفي هذا التبدل في الخطاب جدارا سميكا من التناقض بين ما يُقال وما يُفعل. إذ لا تزال أدوات القانون الدولي مشلولة، والمؤسسات الإنسانية والقضائية عاجزة عن ترجمة تقاريرها إلى إجراءات حقيقية تردع الآلة العسكرية الإسرائيلية. طوال أشهر الحرب، ظلّ العالم يشهد مجازر موثقة بالصوت والصورة، بيد أن الردود الغربية اقتصرت على بيانات إدانة جوفاء. لقد باتت غزة مختبرا مفتوحا لانهيار المنظومة الأخلاقية العالمية، حيث تحوّلت الضحية إلى متهم، والجاني إلى طرف «يدافع عن نفسه»، والجيش الذي يستهدف الطواقم الطبية يُقدَّم كأكثر جيوش العالم «تحضّرا». وفي حين يتصاعد عدد القتلى يوميا، وتُهجّر أحياء بأكملها، ويتحول الحصار إلى سلاح لتجويع شعب بأسره، تكتفي العواصم الغربية بمراقبة الموت الجماعي من خلف زجاج ملوّن بالشعارات. حتى المحاولات الخجولة لانتقاد إسرائيل تُقابل بهجوم سياسي مضاد، تُتهم فيه دول كفرنسا والمملكة المتحدة بـ»الانحياز لحماس» لمجرد مطالبتها بوقف القتل. لقد تحولت غزة إلى جيتو حديث، يُعاقب سكانه جماعيا تحت ذرائع بالية.
مخاوف التحالفات القديمة تعرقل أي تحرك فعلي
يعود الاستعصاء الأوروبي على اتخاذ مواقف ملموسة في جزء كبير منه إلى حسابات سياسية قديمة، لا تزال تتحكم في بوصلة القرار الغربي. إذ تخشى بعض العواصم من فقدان دورها في المنطقة إن هي اصطدمت بإسرائيل، وتخشى أخرى أن يؤدي فرض العقوبات إلى تقوية إيران أو تهديد التوازنات الأمنية. كما يلوّح البعض بمفهوم «الدَين الأخلاقي» لإسرائيل بعد المحرقة، وكأن هذا الدَين يبرر مجازر جديدة بحق شعب آخر. لكن صارت هذه الحجج غير قابلة للتسويق، بل تزيد من ترسيخ صورة التواطؤ. لقد حطّمت إسرائيل بيدها كل رواية عن «الاستقرار الإقليمي» الذي كانت تدعي تمثيله، وأثبتت أنها لم تعد شريكا في نظام دولي قائم على القانون. بل إنها بصراحتها المفرطة في التهديد والوعيد، وتصريحات قادتها الداعية صراحة لتدمير غزة وتهجير سكانها، لم تترك أيّة مساحة للشك في نواياها الاستعمارية. وإذا استمر الصمت على هذه الجرائم، فلن يترك ذلك أثرا على الفلسطينيين وحدهم، بل سيصيب النظام العالمي بأكمله بانهيار أخلاقي وسياسي يصعب إصلاحه.
ما بعد الخطاب
لم يعد مقبولا أن تبقى الإجراءات الغربية محصورة في مراجعة محتملة لبعض الاتفاقات التجارية أو تعليقات دبلوماسية خجولة. فمثل هذه الآليات التي تُستخدم على عجل ضد دول أخرى، يجب أن تُفعّل الآن ضد إسرائيل أيضا، إذا كانت هناك نية حقيقية لتغيير الواقع. يملك الاتحاد الأوروبي، مثلا، ورقة ضغط قوية كونه يستورد ثلث صادرات إسرائيل، ويمكنه فرض حظر اقتصادي واضح. كما أن فرض عقوبات على المستوطنين وعلى القادة السياسيين والعسكريين الذين يسهلون الاحتلال والاستيطان بات ضرورة ملحة. إن تفعيل مذكرات المحكمة الجنائية الدولية ليس خيارا قانونيا فقط، بل هو اختبار للعدالة الدولية نفسها. وحتى لو تم اتخاذ هذه الخطوات، فإنها ستبقى بداية خجولة ومتأخرة قياسا بحجم المأساة. ومع ذلك، فإن عدم التحرك يعني ببساطة التسليم بانهيار منظومة القيم التي يدّعي الغرب حمايتها. هذه ليست مسألة فلسطينية فقط، بل تحدٍّ عالمي يمتحن ما إذا كان القانون الدولي مجرّد ديكور، أم أنه قادر فعلا على محاسبة من يرتكب الجرائم، أيّا كانت هويته.
خاتمة
أثبتت الأسابيع الأخيرة أن الخطاب الغربي تجاه الحرب على غزة قابل للتغيير، لكنه يظل أجوفا ما لم يُقرن بأفعال وازنة. وإذا استمر هذا التردد في ترجمة الأقوال إلى قرارات، سيتحول التواطؤ الصامت إلى موقف رسمي. وستظل غزة والضفة الغربية تدفعان الفاتورة الأكبر. اللحظة الحالية ليست مجرد فرصة أخلاقية بل اختبار تاريخي، ستُسأل عنه الأجيال القادمة. إما أن يُعاد تعريف دور أوروبا في العالم، أو تُسجَّل كشاهدة مترددة على واحدة من أكثر الجرائم وضوحا في القرن الحادي والعشرين.