ترجمات:ما الذي قد تعنيه ضربة عسكرية على إيران بالنسبة للشرق الأوسط؟

ما الذي قد تعنيه ضربة عسكرية على إيران بالنسبة للشرق الأوسط؟

What Would a Military Strike on Iran Mean for the Middle East?

 

مجلة Foreign Policy الأمريكية

بقلم كل من محسى روحي، عزيز الغشيان، وسعيد جعفري

 

ترجمة :يسار ابو خشوم 

 

يتناول هذا المقال المطوّل التداعيات المحتملة لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران، سواء من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل، من خلال تحليل معمّق للآثار الاستراتيجية والعسكرية والسياسية المترتبة على هكذا حدث في منطقة الشرق الأوسط. ويناقش المقال أبعاد هذه الضربة من عدة زوايا، تشمل تأثيرها على البرنامج النووي الإيراني، وانعكاساتها على العلاقات الإقليمية ولا سيما بين السعودية وإيران، بالإضافة إلى التداعيات المتوقعة على الداخل الإيراني من حيث الاستقرار السياسي والاجتماعي. فيما يلي ترجمة تلخيصيّة للمقال:
 

منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، ما فتئ البرنامج النووي الإيراني يشكل إحدى أعقد المعضلات الأمنية والسياسية التي تواجهها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط، ولا سيما إسرائيل ودول الخليج العربي. وبعد انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي الموقع عام 2015، عادت الأزمة لتحتل صدارة الأجندة الدولية، في ظل مؤشرات تفيد بأن طهران باتت على مسافة قصيرة من امتلاك القدرة على تصنيع سلاح نووي. ومع تصاعد التصريحات العدائية من واشنطن وتل أبيب، باتت الضربة العسكرية احتمالا جديا وليس مجرد ورقة ضغط تفاوضية. تتجاوز قضية توجيه ضربة عسكرية لإيران بعدها النووي، لتُحيلنا إلى بنية معقدة من التفاعلات الجيوسياسية، والأبعاد الداخلية للدولة الإيرانية، وموقع القوى الإقليمية الكبرى مثل السعودية، والاصطفافات الدولية التي تتغير بوتيرة متسارعة. فالسؤال لم يعد فقط: “هل ستُضرب إيران؟”، بل أصبح: “ما هي نتائج تلك الضربة على المنطقة برمتها؟ وهل العالم مستعد لتداعياتها بعيدة المدى؟”

 

الكلفة العسكرية الشاملة

تبدو الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، سواء كانت من قِبل الولايات المتحدة بمفردها أو بالتنسيق مع إسرائيل، خيارا محفوفا بالمخاطر والتكاليف. ورغم أن هكذا ضربة قد تؤدي إلى تدمير البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني أو تأخيره بشكل ملحوظ، إلا أنها لن تقضي على الطموح النووي لطهران، بل قد تعزز من قناعة النظام الإيراني بأن امتلاك السلاح النووي هو الضامن الوحيد لبقائه وردع خصومه.

من المتوقع أن تشمل العملية العسكرية استهداف مواقع تحت الأرض، ومراكز القيادة والسيطرة، ومنشآت الأبحاث النووية والحرس الثوري. هذه الضربات، إذا نُفذت بتنسيق أميركي إسرائيلي، ستُحدث شللا مؤقتا في قدرات إيران النووية، لكنها ستفتح الباب واسعا أمام حرب إقليمية قد تمتد إلى مضيق هرمز، وسوريا، ولبنان، والعراق، وحتى اليمن. وكل ذلك في وقت تركز فيه واشنطن استراتيجيا على مواجهة تمدد الصين في آسيا، وهو ما يجعل الانخراط في حرب طويلة في الشرق الأوسط خيارا غير مستدام على المدى البعيد.

وتكمن المعضلة في أن هكذا تصعيد قد يستنزف القدرات الأميركية العسكرية والاستخباراتية، ويحدّ من فاعليتها في مسارح أخرى كبحر الصين الجنوبي، ما من شأنه إضعاف الردع الأميركي على مستوى النظام العالمي برمته. باختصار، الخيار العسكري ضد إيران ليس مجرد عملية محدودة، بل بداية لانزلاق استراتيجي يصعب التحكم في مآلاته.

 

تقارب سعودي إيراني

رغم التاريخ الطويل من التنافس والعداوة بين السعودية وإيران، إلا أن تطورات السنوات الأخيرة تشير إلى تحول حذر نحو التهدئة والانفتاح المتبادل. وقد تلعب أي ضربة عسكرية على إيران دورا محفزا لتعزيز هذا التقارب، خاصة إذا تبنت الرياض سياسة واقعية تقوم على تقليل المخاطر وتوسيع هامش المناورة الدبلوماسية.

تعتمد السعودية في هذا السياق على ثلاثة محاور: أولا، إدانة أي هجوم خارجي على السيادة الإيرانية، دون أن يبدو ذلك انحيازا مباشرا لطهران، حفاظا على التوازن في علاقاتها مع الغرب. ثانيا، استخدام الخطاب المناهض للاحتلال الإسرائيلي كرافعة لتحسين العلاقة مع الشارع العربي والإيراني، خصوصا بعد التصريحات المثيرة للجدل من قِبل الحكومة الإسرائيلية بشأن الفلسطينيين. وثالثا، عرض الوساطة بين إيران والولايات المتحدة، بما يعزز من دور المملكة كلاعب محوري في التهدئة الإقليمية.

ومن المفارقات أن تل أبيب، عبر سياساتها المتشددة، تساهم بشكل غير مباشر في تعزيز التنسيق الإيراني السعودي، ولو بشكل مرحلي. ذلك أن الخطر المشترك من انفجار شامل في المنطقة يُلزم الطرفين بالتحرك وفق براغماتية جديدة تتجاوز الشعارات الأيديولوجية القديمة. لكن رغم ذلك، فإن هذا التقارب ما يزال هشا ويحتاج إلى اختبارات عدة ليتحوّل إلى تحالف استراتيجي مستقر.

 

الداخل الإيراني المتوتر

أما داخل إيران، فإن أي هجوم خارجي من شأنه أن يُعيد إنتاج آليات السيطرة السياسية التي خبرها النظام خلال الحرب مع العراق. فالنظام في طهران يملك تقليدا راسخا في توظيف التهديدات الخارجية لتبرير القمع، وتحويل المعارضة إلى “طابور خامس” يعمل لصالح الأعداء. ومن شأن أي ضربة عسكرية أن تمنح النظام الذريعة المثلى لإغلاق ما تبقى من هوامش حرية التعبير والتنظيم السياسي.

رغم اتساع رقعة السخط الشعبي في السنوات الأخيرة، وتزايد الأمل في التغيير الداخلي، فإن الرهان على التدخل العسكري الخارجي لإحداث تحول سياسي قد يكون وهما خطيرا. فكما أظهرت تجارب العراق وسوريا، غالبا ما تؤدي هكذا سيناريوهات إلى تدمير البنية الوطنية، دون بناء بديل ديمقراطي حقيقي. والأسوأ من ذلك، أن النظام الإيراني قد يخرج أكثر توحشا، بعد أن يحشد المجتمع خلفه تحت عنوان “الدفاع عن السيادة».

من هنا، فإن الضربة العسكرية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تعزز من وحدة النظام وشرعيته الداخلية، وتضعف من زخم القوى المعارضة، وتُبعد أكثر فأكثر فرصة الانتقال السلمي نحو الإصلاح.

 

خاتمة

إن التفكير في ضربة عسكرية ضد إيران لا ينبغي أن ينطلق من شعارات القوة والردع فحسب، بل من إدراك معمق لطبيعة المنطقة، وتشابك التوازنات الدولية، وتعقيد النسيج الداخلي الإيراني. فالمكاسب التي قد تحققها هذه الضربة على المدى القصير، سواء في تعطيل البرنامج النووي أو توجيه رسالة حازمة لطهران، ستقابلها خسائر استراتيجية هائلة، تبدأ من خطر اندلاع حرب إقليمية شاملة، ولا تنتهي عند حدود استنزاف النفوذ الأميركي عالميا. في المقابل، فإن البدائل الدبلوماسية، رغم صعوبتها وتعقيداتها، تبقى أكثر قابلية للبناء والتراكم. ويبدو أن الحل الحقيقي يكمن في سياسة الاحتواء متعددة الأطراف، التي تراعي مصالح الأمن الإقليمي، وتُعيد صياغة الاتفاقات النووية وفق معايير أكثر صرامة، مع ضمانات واضحة لكل الأطراف. في النهاية، الشرق الأوسط ليس مجرد رقعة صراع، بل ساحة اختبار للمنظومة الدولية بأسرها: إما أن تنجح القوى الكبرى في صياغة حلول سياسية مستدامة، أو أن تتورط في دوامات عنف لا يُعرف منتهاها.

 

ترجمات:ما الذي قد تعنيه ضربة عسكرية على إيران بالنسبة للشرق الأوسط؟