ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
Unconditional U.S. Support of Israel Fuels Jewish Extremist Violence
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
بقلم طارق كيني الشوّا، زميل متخصص في سياسة الولايات المتحدة لدى شبكة السياسة الفلسطينية، حاصل على درجة الماجستير في الشؤون الدولية من جامعة كولومبيا
٢ آذار/ مارس ٢٠٢٣
في ضوء تصاعد عنف المستوطنين في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، والذي توّج مؤخّرا بالهجوم الهمجي على بلدة حوّارة، والتصريحات الرسميّة الإسرائيليّة التي دعت إلى “محوها من الوجود”، يستعرض الكاتب تصاعد عنف المستوطنين في السنوات الماضية الذي رافقه صعود في اليمين المتطرّف نحو رأس هرم السلطة في إسرائيل، معلّلا بأنّ الأمور آلت لما آلت إليه بفعل الدعم غير المشروط للولايات المتّحدة لإسرائيل مقدّما حججا وأمثلة على ذلك. فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:
في كانون الثاني/ يناير، وصل وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، إلى إسرائيل في وقت بدت فيه احتمالات إحياء ما يسمى بعملية السلام أكثر قتامة من أي وقت مضى. قبل أسبوع من وصوله، قتلت القوات الإسرائيلية تسعة فلسطينيين في اقتحام لمخيّم جنين للّاجئين في شمال الضفة الغربية. وفي اليوم التالي، أطلق فلسطيني النار على مستوطنين إسرائيليين في مستوطنة نيفي يعقوب بالقدس الشرقية المحتلة، مما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص.
إنّ تصاعد العنف كان نتيجة اضطراب متعدد الاتّجاهات وأوسع نطاقا؛ فقد شهد عام ٢٠٢٢ أكبر عدد من القتلى الفلسطينيين على يد الإسرائيليين منذ عام ٢٠٠٦، وانتخاب ائتلاف حاكم إسرائيلي يميني متطرف يضمّ أعضاء بارزين يدعون صراحة إلى التطهير العرقي للفلسطينيين، ناهيك عن التوسّع غير المسبوق في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، والهجمات المتصاعدة من قبل المستوطنين، والتهجير المتسارع للفلسطينيين.
بالنسبة إلى إدارة بايدن، أتاح احتضان الحكومة الإسرائيلية غير المبرر لليمين المتطرّف فرصة للارتقاء إلى مستوى خطابها السامي بشأن حقوق الإنسان واستعادة الاحترام للدبلوماسية الأمريكية التي حطّمتها إدارة ترامب، فقد شكّل هذا الأمر فرصة للمطالبة بمساءلة القادة المسؤولين عن تدهور الوضع.
وبدلاً من ذلك، تخلّصت إسرائيل من المأزق وقيل للفلسطينيين، مرّة أخرى، إنّه يجب عليهم الانتظار ووضع ثقتهم في عمليّة خانتهم منذ فترة طويلة. واقفا إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، كرّر بلينكن بطريقة “آليّة” دعم واشنطن لـ “حلّ الدولتين” وناشد الجانبين استعادة الهدوء.
بالعودة إلى نقاط الحوار التي عفا عليها الزمن والتي تمّ التخلّي عنها في المجالات كافّة، بما في ذلك من قبل الرجل الذي يقف بجانبه، أثبت بلينكن أنّ حكومة الولايات المتحدة ليست فقط بعيدة عن الواقع، ولكنّها ترفض الاعتراف به. والأهمّ من ذلك، أنّ الأحداث التي أعقبت زيارة بلينكن أظهرت للعالم أنّ استراتيجية واشنطن تأتي بنتائج عكسيّة.
بدلاً من الحفاظ على الوضع الراهن لاحتلال إسرائيلي مستقرّ مع الحد الأدنى من المقاومة من الفلسطينيين والمجتمع الدولي، فإنّ رفض إدارة بايدن العنيد لمحاسبة إسرائيل هو في الواقع تمكينها من الانهيار العنيف.
بصفتها أقوى دولة في العالم، تمارس الولايات المتحدة بانتظام نفوذها الدبلوماسي والاقتصادي والعسكري في جميع أنحاء العالم للحصول على ما تريد. إذا كانت الولايات المتحدة حقا “الوسيط الصادق للسلام” كما زعمت منذ فترة طويلة، فهناك العديد من الخطوات التي يمكن أن تتخذها إدارة بايدن لإثبات ذلك.
على سبيل المثال، يمكن أن تشترط منحها لإسرائيل ما يقرب من ٣ مليارات دولار سنويا بالتزام الأخيرة بالقانون الدولي وإنهاء الاحتلال. ويمكنها أيضا الاعتراف بجرائم الحرب الإسرائيلية، مثل مقتل الصحفية شيرين أبو عقلة، على أنها انتهاكات لـ “قانون ليهي” الذي ينصّ على أنّ الأسلحة الأمريكية ينبغي أن تستخدم لأغراض دفاعيّة فقط.
إضافة إلى ذلك، يمكن لواشنطن أن تلزم إسرائيل بنفس المعايير التي تطبّقها على الدول الأخرى، من خلال إنهاء سلوكها المتمثّل في حماية إسرائيل من المساءلة في المحافل الدولية كالأمم المتحدة أو المحكمة الجنائية الدولية. بالطبع، قد يمثّل الحدّ الأدنى هذا، جزءً بسيطا فقط من الأدوات المتاحة لأقوى دولة في العالم.
ومع ذلك، لم تكن الولايات المتحدة يوما وسيطا نزيها للسلام، وأصبح من الواضح أنّ واشنطن تجني الآن ما زرعته. فقد غذّت الشيكات المفتوحة والمعاملة الخاصّة الغطرسة الإسرائيلية.
عقب زيارة بلينكن، أعلنت إدارة بايدن بحماس أنّها تجنّبت المزيد من الأزمات من خلال “رشوة فعّالة” للسلطة الفلسطينية لسحب دعمها لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدين التوسع الاستيطاني الإسرائيلي مقابل التزامات إسرائيلية صريحة بخفض عدد الاقتحامات المميتة على المدن الفلسطينية، وتجميد بناء المستوطنات وإيقاف هدم المنازل مؤقتا.
بعد أيام قليلة من التوصل إلى الاتفاق، قتل الجنود الإسرائيليون ١١ فلسطينيا وجرحوا قرابة ٥٠٠ شخص في اقتحام لنابلس، وأعلنوا بناء أكثر من ٧٠٠٠ وحدة استيطانية، وهدموا عدة منازل فلسطينية بالقرب من بيت لحم. من الواضح أن تأثير الولايات المتّحدة كان عظيما!!
في غضون ذلك، تضع إسرائيل الأساس لانتفاضة ثالثة، وتواصل المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية التوسع في جميع أنحاء الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، ولا تزال غزّة تحت حصار خانق، وأوضح قادة إسرائيل بأنّ لا مصلحة لديهم في السماح بدولة فلسطينية.
يساهم كلّ هذا في إدراك أنّ الدولة الفلسطينية التي يمكن تشكيلها في ظل أكثر الظروف مثاليّة ستكون ذات سيادة بالاسم فقط، وهو واقع ظلّ الفلسطينيون ينبّهون العالم إليه منذ سنوات. وقتلت القوات الإسرائيلية، واثقة من تمتّعها بكامل الحصانة، صحفيين أمريكيين فلسطينيين، ودمّرت رياض أطفال مموّلة من الاتحاد الأوروبي، وطهّرت عرقيّا أحياء بأكملها دون خشية من الملاحقة القضائيّة. في الواقع، تمّ تمكين كل هذا من قبل أقوى دولة في العالم، والتي أوضحت مرارا وتكرارا أنّها ستعطي الأولوية للعلاقات غير الاحتكاكية مع إسرائيل على معايير حقوق الإنسان التي تدّعي التمسك بها ورؤيتها الخاصة لعمليّة السلام.
من خلال رفض التمسك بالتزامها المعلن بحقوق الإنسان عندما يتعلّق الأمر بالفلسطينيين، تواجه الولايات المتحدة الآن الانهيار الحتمي للوضع الراهن الذي ساعدت في ترسيخه لفترة طويلة. إنّ قرار إدارة بايدن بتجاهل الغطرسة المتزايدة للحكومة الإسرائيلية وتصعيد العنف في الضفة الغربية لن يؤدي إلا إلى صب المزيد من الزيت على النار.
ومن خلال رفضها اتّخاذ موقف ضد التطرّف الإسرائيلي، تعطي واشنطن بشكل فعّال قادة إسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذ خيالاتهم الأكثر عنفا.
في الأسبوع الماضي، بعد مقتل مستوطنين اثنين في بلدة حوّارة الفلسطينية، هاجم مئات المستوطنين الإسرائيليين البلدة فيما وصفه كثيرون بأنّه مذبحة. وبينما كان الجنود الإسرائيليّون يكتفون بالمشاهدة، هاجموا الفلسطينيين، مما أسفر عن مقتل شخص واحد على الأقل وإصابة حوالي ٣٩٠ آخرين، وإضرام النار في السيارات والمنازل.
ردا على ذلك، أشاد المشرّع الإسرائيلي اليميني المتطرف، زفيكا فوغل، بإرهاب المستوطنين، قائلاً: “حوّارة مغلقة ومحترقة، هذا ما أريد أن أراه”. وبعد أيام، دعا وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الدولة بشكل صريح إلى تنفيذ تطهير عرقي، قائلاً إنّه يجب “محو حوّارة” من قبل الجيش الإسرائيلي.
هذه ليست أصوات هامشية، فعلى العكس، هم يمثلون المعتقدات السائدة لمجتمع مبني على تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم بشكل منهجي. وينبغي على صانعي السياسة في واشنطن الاعتراف باحتضان إسرائيل الشعبي للتطرّف اليميني على أنّه ليس مجرد انحراف، بل هو الذروة المنطقيّة لعقود من الاستبداد الإسرائيلي الذي كافأه وشجعه أقوى داعم دولي له في كل مرحلة تقريبا.
يمكن أن تزداد الأمور سوءا؛ فقد ساعدت واجهة الشرعيّة التي غطّت عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة على ترسيخ الهيمنة الإسرائيلية من خلال تشتيت انتباه الفلسطينيين والمجتمع الدولي بأساطير إقامة دولة في نهاية المطاف مقابل الخضوع. لعقود من الزمان، حقّق هذا النهج الأهداف الأمريكية والإسرائيلية لإدارة الوضع الراهن بهدوء قدر الإمكان، بأقل قدر من المقاومة. الآن، عندما يدعو القادة الإسرائيليون إلى التطهير العرقي، يجب على العالم أن يأخذهم على محمل الجدّ لأنهم واثقون من أنّ أولئك الذين لديهم القدرة على إيقافهم غير مستعدّين للقيام بذلك.
للتحميل اضغط هنا