
- عن المركز
- دراسات وأبحاث
- متابعات
- مراجعات
- إصدارات المركز
- وثائق
- مركز الإعلام
- مؤتمرات
ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر بدأ بالتصدع
Israel’s Peace With Egypt Is Starting to Crack
مجلة Foreign Policy الأمريكية
بقلم ستيفن كوك، كاتب عمود في المجلة، وزميل أول في دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية
(27 شباط/ فبراير 2025)
يحلل المقال تصاعد التوتر بين مصر وإسرائيل، الذي قد يهدد استقرار اتفاق السلام الموقع بينهما منذ عام 1979. فمع تصاعد الخطاب الإعلامي العدائي وتحركات الجيش المصري في سيناء، بدأت الاتهامات المتبادلة حول انتهاك المعاهدة تأخذ طابعا أكثر جدية. يشير المقال إلى أن الحكومة المصرية قد تستغل هذه التوترات لتعزيز مكانتها الداخلية، في حين تسعى إسرائيل إلى مراقبة التطورات عن كثب. كما يسلط الضوء على الغياب الأمريكي عن المشهد، ما يزيد من هشاشة الوضع ويثير القلق بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين. فيما يلي ترجمة كاملة للمقال:
في هذه اللحظة الممتدة من التاريخ، باتت الأحداث التي كانت تبدو مستحيلة الحدوث تتحقق بانتظام، وقد ينضم إلى القائمة قريبا تطور آخر غير متوقع. بدأ المحللون في الشرق الأوسط يتساءلون عن مدى استمرارية معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية لعام 1979. فقد أضافت الأشهر الستة عشر الأخيرة من الحرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة توترا جديدا إلى علاقة كانت دائما تحت ضغوط علنية.
في المواجهات السابقة بين مصر وإسرائيل، بذل المسؤولون في كلا البلدين جهودا كبيرة للحفاظ على سلامة المعاهدة، لكن هذا قد يتغير. ففي 6 كانون الثاني/ يناير، نشر المحامي الأمريكي المقيم في إسرائيل، مارك زيل، على منصة X، أن مصر نشرت أعدادا كبيرة من القوات في شبه جزيرة سيناء، بما في ذلك “أعداد كبيرة من الجنود، وإنشاء حواجز مضادة للدبابات، ونشر فرق مدرعة”. وعلى الرغم من أن منصة X تعج بالمعلومات المضللة، إلا أن تغريدات زيل لفتت انتباهي، ليس فقط لأن الحرب في غزة زادت من التوتر بين القاهرة والقدس، ولكن أيضا لأن زيل، بصفته رئيس Republican Overseas Israel والمستشار القانوني لـ Republicans Overseas، من المحتمل أن يكون لديه صلات قوية في كل من إسرائيل والولايات المتحدة. لا أريد التشكيك في دوافعه، لكن لدي معرفة جيدة بكيفية عمل إسرائيل، ويبدو أن زيل من النوع الذي قد ينقل إليه المسؤولون الإسرائيليون الكبار معلومات حساسة.
عندما سألت أحد معارفي المصريين عن هذا المنشور، أكد أن كل ما تفعله القوات المصرية في سيناء يتم بموافقة إسرائيل، وأن هذه الأنشطة روتينية تماما. ورغم أنه قدم حجة مقنعة، كان من الصعب تجاهل التدهور في العلاقات المصرية-الإسرائيلية خلال الأسابيع الستة الماضية. وبالطبع، زادت وسائل التواصل الاجتماعي من تفاقم هذا التوتر من خلال نشر صور مزيفة لدبابات مصرية في أماكن غير مصرح بها، واستخدام مقاطع فيديو قديمة من سيناء للادعاء بوجود انتهاكات جديدة. كما ظهر مقطع فيديو مزيف لضابط إسرائيلي يشكر علنا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على تعاونه مع إسرائيل، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى إصدار بيان يؤكد أن الفيديو مزور ويحذر من أن جهات خارجية تحاول تقويض العلاقات المصرية-الإسرائيلية.
كما لعبت وسائل الإعلام التقليدية دورا في تصعيد التوتر. في الأسابيع الأخيرة، بدأ بعض مذيعي البرامج الحوارية في مصر بالترويج لخطاب عدائي. وكما قال لي صديق مصري آخر: “الإعلام الآن يتصرف كما كان يفعل قبل حرب 1967”. في الوقت ذاته، انتقد بعض المدونين الإسرائيليين السيسي وطالبوا إسرائيل بعدم تكرار أخطائها في سيناء كما فعلت في لبنان مع حزب الله.
وسط هذه الفوضى على منصة X والتحليلات المتوترة في وسائل الإعلام التقليدية، بدأ المسؤولون الإسرائيليون في اتهام مصر بانتهاك معاهدة السلام. فقد صرّح السفير الإسرائيلي الجديد لدى الولايات المتحدة، يحيئيل ليتر، بأن مصر ارتكبت “انتهاكا خطيرا جدا” للاتفاق. كما حذر السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، قائلا: “بعد السابع من أكتوبر، يجب أن تدق هذه التحركات المصرية ناقوس الخطر. لقد تعلمنا الدرس. يجب أن نراقب مصر عن كثب ونستعد لكل السيناريوهات”.
لا أحاول إثارة القلق، لكن هناك العديد من الأمور التي حدثت خلال الأشهر الستة عشر الماضية والتي كنت أعتقد سابقا أنها مستحيلة. والتوتر بين القاهرة والقدس حقيقي للغاية—فهذه ليست مجرد قصص سخيفة مثل “علكة الموساد” أو “أسماك القرش التابعة للموساد”.
إلى حد ما، فإن التوتر بين مصر وإسرائيل ليس مفاجئا بالنظر إلى حجم الدمار في الأشهر الأخيرة، لكن هناك عوامل أعمق من مجرد غضب الحكومة المصرية من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. لا شك أن هناك ملايين المصريين الذين يشعرون بقلق عميق إزاء عدد الضحايا والأوضاع الإنسانية في غزة.
المشكلة الأكثر جوهرية هي أن حرب غزة أعادت إحياء الاستياء المصري طويل الأمد من معاهدة السلام مع إسرائيل التي أُبرمت قبل 46 عاما. لقد استفادت مصر من هذه المعاهدة، لكن من منظور العديد من المصريين، فإنها سمحت للإسرائيليين بملاحقة مصالحهم في المنطقة دون قيود، بينما أدى الدعم الأمريكي للقاهرة—الذي كان الهدف الأساسي لأنور السادات عند السعي للسلام—إلى تقليص دور مصر إلى مجرد متفرج في منطقة كان من المفترض أن تقودها. بمعنى آخر، كثير من المصريين لا يحبون المعاهدة لأنها جعلتهم ضعفاء.
لقد أكدت الحرب في غزة مرارا هذا الضعف. لم تستطع الحكومة المصرية وقف القتال، أو تقديم مساعدات إنسانية كافية للفلسطينيين، أو منع إسرائيل من السيطرة على ممر فيلادلفيا ومعبر رفح. صحيح أن مصر لعبت دورا مهما في التفاوض على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في كانون الثاني/ يناير، لكنها كانت في مرتبة ثانوية مقارنة بدور قطر. كما أن نهاية القتال (حتى الآن) لا تغير حقيقة أن الحكومة المصرية لم تستطع سوى اتخاذ خطوات رمزية ضد إسرائيل خلال الحرب، بما في ذلك دعمها لأكثر من 10 قرارات مناهضة لإسرائيل في الأمم المتحدة وانضمامها إلى قضية جنوب إفريقيا في المحكمة الجنائية الدولية.
لقد أضعفت أزمة غزة مكانة السيسي أكثر، خاصة أنه، خلال الاثني عشر عاما الماضية، فقد كل الشعبية التي اكتسبها بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي المنتمي إلى الإخوان المسلمين. إن نشر القوات في سيناء هو بمثابة رسالة واضحة للمصريين بأن بلادهم ليست ضعيفة، وأن الجيش المصري سيحمي المصالح الوطنية وشرف الأمة. تصعيد التوتر مع إسرائيل واستفزازها للرد على هذه التحركات في سيناء هو استراتيجية سياسية ذكية بالنسبة للسيسي. فبغض النظر عن النتيجة، سيبدو السيسي كرجل قوي. إلا إذا اندلعت حرب، بالطبع.
أما بالنسبة لإسرائيل، فقد طلبت حكومتها توضيحا بشأن التحركات العسكرية المصرية في سيناء عبر القنوات الدبلوماسية الرسمية مع قوة المراقبين متعددة الجنسيات. لكن قبل ذلك بفترة طويلة، كان بعض الإسرائيليين في الدوائر السياسية والإعلامية يثيرون مخاوف بشأن تحركات مصر، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان البعض في إسرائيل يسعى لاستغلال القضية لإثارة المشاكل للسيسي في واشنطن. وقبل أن يصبح موضوع سيناء قضية خلافية، كان هناك محللون وأعضاء في الكونغرس وغيرهم يطالبون مصر بقبول اللاجئين الفلسطينيين من غزة. كانت خطة “ريفييرا غزة” التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعبيرا صريحا عن أفكار لطالما راودت هؤلاء المسؤولين.
وهنا تكمن المشكلة الحقيقية التي تجعل التوتر الحالي بين مصر وإسرائيل مثيرا للقلق: الولايات المتحدة غائبة تماما. لقد كان اتفاق السلام لعام 1979 ركيزة أساسية في السياسة الأمريكية لعقود، حيث منع اندلاع حرب كبيرة بين الدول العربية وإسرائيل، مما حافظ على استقرار المنطقة. حتى لو كنت مصمما على تغيير السياسة الخارجية كما يريد ترامب، فإن أهمية هذه العلاقات يجب أن تكون واضحة بذاتها. هذا هو الوقت الذي يجب أن يسافر فيه مستشار الأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية والمبعوث الخاص للشرق الأوسط إلى المنطقة لضمان عدم انهيار العلاقات المصرية-الإسرائيلية. لكن عدم تحركهم يؤكد واقعا كان يوما غير وارد البتّة لكنه أصبح اليوم محتملا: الولايات المتحدة لم تعد ركيزة للاستقرار.
لنأمل أن تسود الحكمة في القاهرة والقدس.