ماجد كيالي[*]

لم تبق السياسة الفلسطينية على حالها طوال نصف قرن، وهو عمر الحركة الوطنية المعاصرة، وهذا بديهي، إذ أن الحركات السياسية، مثلها مثل الظواهر الاجتماعية تنشأ وتنمو وتزدهر ثم تذهب إما نحو الشيخوخة والأفول، أو نحو التغيّر والتطور، أو تجمع بين كل ذلك؛ وهذه حال الدول وحتى الإمبراطوريات.

ففي غضون العقود الخمس الماضية حصلت تغيّرات نوعية كبيرة وعاصفة، دولية وإقليمية، وعلى الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي، كما حصل تغيّر في شكل العلاقات العربية -الإسرائيلية، التي انتقلت من حالة الصراع إلى حالة التعايش، أو من ملف  1948، أي ملف معالجة أسباب النكبة ونفي وجود إسرائيل، إلى ملف 1967 أي ملف انهاء الاحتلال والصراع على شكل وجود إسرائيل فقط.

مثلاً، على الصعيد الدولي، كانت الحركة الوطنية الفلسطينية قد انطلقت في مرحلة كان العالم يعيش فيها في ظل الانقسام بين معسكرين أو قطبين، وفي إطار صراعات الحرب الباردة، لكن مع انتهاء الاتحاد السوفييتي (مطلع التسعينات)، وجدت نفسها في عالم مختلف تماماً إذ أضحت الولايات المتحدة الأمريكية، حليف إسرائيل الاستراتيجي، بمثابة القطب المهيمن في العالم، وها هي اليوم تقف في مواجهة مرحلة جديدة، إزاء عالم جديد متعدد الأقطاب، أو إزاء عالم يشهد نوعاً من الانكفاء الأمريكي.

وعلى الصعيد الإقليمي والعربي والفلسطيني ففي هذه الفترة اندلعت حروب وحدثت تطورات عديدة، فثمة حرب حزيران (يونيو) 1967، التي نجم عنها هزيمة إسرائيل لعدة أنظمة عربية، واحتلالها باقي الأراضي الفلسطينية (الضفة والقطاع)، وحرب تشرين أول (أكتوبر) 1973، ثم الحرب الأهلية اللبنانية، التي تلاها توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ثم الغزو الإسرائيلي للبنان (1982)، الذي نجم عنه خروج المقاومة الفلسطينية المسلحة من هذا البلد، وانتهاؤها في الخارج، بعد أن كانت انتهت من الأردن (1970) ثم من سوريا أواسط السبعينات.

وفي خضم هذه التطورات كانت قد حصلت الثورة الإيرانية، ثم الحرب العراقية الإيرانية، وبعدها حرب الخليج الأولى (1991)، التي أدت إلى تضعضع ما تبقى من النظام العربي. وفي غضون كل ذلك، أيضاً، اندلعت الانتفاضة الأولى، وتم عقد مؤتمر مدريد للسلام (1991)، في ظروف انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك التضامن العربي، حيث أدى ذلك  إلى توقيع اتفاق أوسلو مع إسرائيل (1993). بعد ذلك، وبسبب  استمرار المفاوضات وعدم تنفيذ إسرائيل التزاماتها، وانكشاف تعنّتها في عملية التسوية في مفاوضات كامب ديفيد 2 (2000)، اندلعت الانتفاضة الثانية (2000-2004). وفي هذه الظروف وقع الهجوم الإرهابي في 11 أيلول (سبتمبر) (2001)، في الولايات المتحدة، لتندلع الحرب الدولية على الإرهاب، وما تبعها من غزو افغانستان (2002) ثم غزو العراق واحتلاله (2003)، والذي كان من تداعياته قيام إسرائيل باستغلال كل ذلك لمعاودة احتلال مناطق السلطة الفلسطينية، واغتيال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، بعد حصار دام ثلاثة أعوام. بعد ذلك حصلت تطورات عديدة ضمنها صعود حركة “حماس” في السياسة الفلسطينية، إثر فوزها في انتخابات المجلس التشريعي الثاني (2006)، وانقسام النظام السياسي الفلسطيني، مع كل ما تبع ذلك من انعكاسات سلبية تمثلت في تشتّت جهد الفلسطينيين وتنامي مشاعر الإحباط عندهم، لا سيما مع الجمود الحاصل في حركتهم الوطنية، أي في خطاباتها وبناها وأشكال عملها ولا سيما مع تغليبها وضعها كسلطة على وضعها كحركة تحرر وطني.

أزمة الكفاح الفلسطيني

هكذا، فقد كان من الصعب على الفلسطينيين، مع كل ما في هذه المسيرة من عذابات ومعاناة وتضحيات وتعقيدات وبطولات، في هذا الواقع الدولي والعربي، ومع كل هذه التطورات الهائلة، وغير المواتية، تحقيق الفوز على إسرائيل، لا سيما أن المشروع الوطني الفلسطيني، كما تمثلته فصائل حركة التحرر الفلسطينية، في منتصف الستينات، نشأ من الأساس مأزوماً بحكم عوامل متعددة، لعل أهمها يكمن في الآتي:

1 ـ عدم التكافؤ في المعطيات والإمكانيات وموازين القوى المتاحة، بين الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية من جهة، وإسرائيل من الجهة الأخرى، فعدا عن عوامل القوة التي تتمتّع بها إسرائيل، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ومن ناحية الإدارة، فإن هذه الدولة تحظى بدعم الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي تكفل أمنها وتدعم تفوقها العسكري والتكنولوجي والاقتصادي على دول المنطقة.

2 ـ افتقاده لحيّزه، أو لإقليمه، الاجتماعي والجغرافي المتعيّن والمستقلّ والخاصّ، وهذان، أي الحيّز الجغرافي والاجتماعي، أمران لازمان لتشكيل أي حقل سياسي، وعمودان أساسيان، في إنتاج أية وطنية، ولا سيما إذا تعلق الأمر بترسيخها واستمرارها. ومعلوم أن المجتمع الفلسطيني ممزّق ويخضع لأنظمة سياسية متعددة ومتباينة، وأن التواصل بين كل تجمّع وآخر هو في غاية الصعوبة، ما يعقّد ويصعّب عمل الحركة الوطنية الفلسطينية ويعيق تشكّل حقل سياسي فلسطيني، ناهيك أنه يشوهه.

3 ـ تأخّره (بمسافة ثلاثة عقود) عن مشاريع “الوطنيات” العربية، مما جعله يجد نفسه في كثير من المحطات والأحيان في تعارض أو في تصارع معها، وهو ما حصل في الأردن ولبنان ومع سوريا. وبديهي أننا نتكلم عن حركة مسلحة، وليس مجرد حركة سياسية، وهذه كانت تسعى لمواجهة أقوى دولة في الشرق الأوسط، بواسطة الكفاح المسلح، وحرب التحرير الشعبية، لذا فإن أي نظام لن يسمح بوجود قوة عسكرية في أرضه، أو بوجود حركة تحرر تنازعه النفوذ والمكانة، أو تعرّض استقراره للخطر. ولعله جدير بنا أن نذكر هنا أن عدد الفلسطينيين الذين لقوا مصرعهم في خضم الاصطدامات والصراعات خارج فلسطين، ربما أكبر من عدد الذين لقوا مصرعهم داخلها على يد إسرائيل.

4 ـ ضعف إمكانيات الشعب الفلسطيني من الناحية المادية، الأمر الذي جعل حركتهم السياسية تعتمد في مواردها على مصادر خارجية، بدل اعتمادها على شعبها، ما جعلها مرتهنة لهذه المصادر، وهذا بدوره أثر على سلامة خياراتها وخطاباتها السياسية، ما جعلها تميل إلى التماهي أو التماثل مع خطابات الأنظمة العربية.

طبيعي أن كل ذلك أثر سلباً على الحركة الوطنية الفلسطينية وحدّ من قدراتها وقيّد من محاولاتها تطوير أوضاعها، وأسهم في إزاحتها عن الوظائف التي قامت من أجلها، بيد أن ذلك كلّه لا يلغي أن ثمة قسطاً من المسؤولية يقع على عاتق العامل الذاتي، أي على عاتق الحركة الوطنية الفلسطينية، التي لم تستطع الحفاظ على إنجازاتها، ولا تعزيز الطابع المؤسسي والتمثيلي والديمقراطي في بناها وأشكال عملها، ولا الحفاظ على القدر المطلوب من العلاقة بينها وبين مجتمعها. والقصد أنه إذا كانت العوامل السابقة تحدّ من قدرة الفلسطينيين على تحقيق فوز تاريخي على إسرائيل فقد كان يمكن للعامل الذاتي أن يقلّل من المخاسر، ربما، وأن يحافظ على حالة وطنية، أفضل، وأمتن، وأكثر وعداً.

كانت هذه مقدمة ضرورية للتعرّف على العوائق والتعقيدات والتحديات التي واجهت حركة التحرر الفلسطينية في مسيرتها الطويلة والمضنية والمكلفة، بشرياً ومادياً، والتي أثّرت على خطاباتها السياسية، وعلى الخيارات الوطنية التي انتهجتها، من التحرير إلى التسوية، أو من الانتفاضة إلى المفاوضة، ومن حركة التحرر إلى السلطة. وتكتسب هذه المقدمة أهميتها أيضاً من إتاحتها التمييز بين دور العوامل الموضوعية التي قيدت كفاح الفلسطينيين وبين العوامل الذاتية التي أسهمت في إخفاقه أو في الحد من قدراته أو تطوره.

في هذه المادة سنحاول تقديم قراءة موجزة للتحولات الحاصلة في الفكر السياسي الفلسطيني، وفي الخيارات الوطنية الفلسطينية، كما تبدّت في القرارات الصادرة عن اجتماعات دورات المجلس الوطني، طوال العقود الماضية، لا سيما في المرحلة التي هيمنت فيها فصائل المقاومة المسلحة على منظمة التحرير.[1] والجدير بالذكر أن المجلس الوطني هو الهيئة التشريعية الأساسية التي توافق عليها الفلسطينيون في إطار منظمة التحرير التي تعتبر بمثابة الكيان المعنوي والرمزي والممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، في كافة أماكن تواجده.

وكان هذا المجلس عقد أول دورة اجتماعات له في القدس (1964)، في حين تم عقد آخر دورة له (رقم 21) في غزة (1996)، وهي الدورة الوحيدة التي التأمت بعد إقامة كيان السلطة الفلسطينية (1994) في الضفة والقطاع المحتلين.[2]

إذ من المعلوم أن قيام كيان السلطة، وانتقال القيادة الفلسطينية إلى الضفة والقطاع، وتحول ثقل العمل الوطني من الخارج إلى الداخل، أدى إلى تراجع مكانة منظمة التحرير، وتهميش هيئاتها، بحيث لم يبق سوى هيئتي اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي. ويبدو من ذلك أن “المجلس التشريعي”، الذي نشأ بموجب اتفاق أوسلو (1993)، وتأسّس في انتخابات (1996)، حلّ محل المجلس الوطني، وإن انحصرت شرعيته بفلسطينيي الضفة والقطاع، واقتصرت صلاحياته على كيان السلطة، أقلّه من الناحية العملية، أي من دون نصّ تشريعي من إطارات المنظمة التي ظلّت تعتبر المرجعية العليا لشعب فلسطين؛ علماً أن هذا المجلس لم يشتغل على نحو فاعل بسبب الانقسام الفلسطيني.[3]

على أي حال فإن هذه المادة ستتركز في عرض التحولات السياسية الفلسطينية في ثلاث قضايا: الأولى، تعريف الأهداف، أو الحقوق، الوطنية للفلسطينيين. والثانية، الوسائل التي سيعتمدها الفلسطينيون لتحقيق الأهداف واستعادة الحقوق. والثالثة، تتعلق بشكل الكيان الفلسطيني مستقبلاً.

أولاً: من التحرير إلى الدولة

معلوم أن منظمة التحرير، التي تأسّست قبل حرب حزيران (يونيو) 1967، نشأت على “الميثاق القومي الفلسطيني”[4] الذي نصّ على هدف “التحرير”، باعتبار “فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني”. (المادة 1) وأنها “بحدودها..في عهد الانتداب وحدة إقليمية لا تتجزأ” (المادة 2). وأن “الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه”. (المادة 3) وأن “الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، وهو بذلك إستراتيجية وليس تكتيكاً..” (المادة 9) وأن “العمل الفدائي يشكّل نواة حرب التحرير الشعبية الفلسطينية، وهذا يقتضي تصعيده وشموله وحمايته.” (المادة 10) وأن “الشعب العربي الفلسطيني معبّراً عن ذاته بالثورة الفلسطينية المسلحة يرفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريراً كاملاً، ويرفض كل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويلها.” (المادة 21)، وأن “تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام “إسرائيل” باطل من أساسه، مهما طال عليه الزمن لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقّه الطبيعي في وطنه”. (المادة 19)

وقد أكدت قرارات دورات المجلس الوطني الفلسطيني – من الرابع (1968) إلى الحادي عشر (1972) – على هذه المبادئ[5]، في مجمل مقرراتها، على ما سنلاحظ لاحقاً.

بيد أن التغيّر النوعي في التفكير السياسي، والخيارات الوطنية الفلسطينية، بدأ من الدورة (12) للمجلس الوطني (القاهرة 1974)، أي بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، وبتأثير العلاقة مع الاتحاد السوفييتي، وهو ما تمثل بقبول التعاطي مع الجهود السياسية المتعلقة بالتسوية، في ما اعتبر بمثابة نوع من النكوص عن هدف التحرير والتحول إلى هدف إقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة (1967)، وفق ما بات يعرف بـ”البرنامج المرحلي”.

اللافت أن ما سمي برنامج “النقاط العشر”، أو “البرنامج المرحلي”، وقتها، اشتمل على تناقضات عديدة في مقدمته ونصوصه، إذ جاء فيه: “انطلاقا من الميثاق الوطني، ومن الإيمان باستحالة إقامة سلام دائم وعادل في المنطقة دون استعادة شعبنا لكامل حقوقه، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير مصيره على كامل ترابه الوطني”، يقرر:

– تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية، وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها.

– تناضل منظمة التحرير ضد أي مشروع لكيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة والتنازل عن الحق الوطني وحرمان شعبنا من حقوقه في العودة وحقه في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني.

– إن أية خطوة تحريرية تتم، هي لمتابعة تحقيق إستراتيجية منظمة التحرير في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية، المنصوص عليها في قرارات المجالس الوطنية السابقة.

– تناضل السلطة الوطنية – بعد قيامها – من أجل اتحاد أقطار المواجهة في سبيل استكمال تحرير كامل التراب الفلسطيني، وكخطوة على طريق الوحدة العربية الشاملة.

– على ضوء هذا البرنامج تضع قيادة الثورة التكتيك الذي يخدم ويمكن من تحقيق هذه الأهداف.

وقد اتّضح فيما بعد أن هذه الصياغة الملتبسة، كانت للتورية، ولإسكات المعارضة، أو تهدئة مخاوفها، أو للالتفاف عليها، إذ إن مقررات دورات المجلس، من 13-21، باتت تنصّ صراحة على أن كفاح الفلسطينيين بات يهدف لاستعادة الحقوق الوطنية التي أضحت تتمثل بـ”العودة وتقرير المصير، وإقامة دولته الوطنية المستقلة فوق ترابه الوطني” (الدورة 13، القاهرة 1973)، علما بأن “ترابه الوطني” باتت تعني الضفة والقطاع المحتلين (1967).

أيضاً، ومنذ تلك الدورة (13) بات العمل السياسي والدبلوماسي يحتل حيزا كبيرا من جهد القيادة الفلسطينية، إذ نص القرار الصادر عن تلك الدورة “أن المجلس الوطني الفلسطيني، آخذاً بعين الاعتبار الإنجازات الهامة التي تمت على الساحتين العربية والدولية منذ انتهاء الدورة الثانية عشرة للمجلس..يؤكد حرصه “على حق منظمة التحرير..في الاشتراك بشكل مستقل ومتكافئ في جميع المؤتمرات والمحافل والمساعي الدولية المعنية بقضية فلسطين، والصراع العربي– الصهيوني بغرض تحقيق حقوقنا الوطنية الثابتة، وهي الحقوق التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنة 1974، ولا سيما القرار رقم 3236، مع التشديد على أن أية تسوية أو اتفاق يمس حقوق الشعب الفلسطيني، وفي غيابه، باطلة من أساسها”.

وفي الدورة 19 للمجلس الوطني (الجزائر 1988) والذي أطلق ما سمي بـ”هجوم السلام الفلسطيني”، و”إعلان الاستقلال”، فقد أكد المجلس تجاوبه “مع الإرادة الإنسانية الساعية لتعزيز الانفراج الدولي، ونزع السلاح النووي، وتسوية النزاعات الإقليمية بالوسائل السلمية” و”عزم منظمة التحرير.. على الوصول إلى تسوية سياسية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي، وجوهره القضية الفلسطينية، في إطار ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ وأحكام الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة.. وقرارات القمم العربية بما يضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في العودة وتقرير المصير، وإقامة دولته الوطنية المستقلة على ترابه الوطني، ويضع ترتيبات الأمن والسلام لكل دول المنطقة.” وقد وضع المجلس جملة معايير ضمنها: “1 ـ انعقاد المؤتمر الدولي الفعال الخاص بقضية الشرق الأوسط.. تحت إشراف الأمم المتحدة، وبمشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وجميع أطراف الصراع في المنطقة، بما فيها منظمة التحرير.. وعلى قدم المساواة، آخذين بالاعتبار أن المؤتمر الدولي ينعقد على قاعدة قراري مجلس الأمن رقم 242، 338، وضمان الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير عملاً بمبادئ وأحكام ميثاق الأمم المتحدة بشأن حق تقرير المصير للشعوب، وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة أو بالغزو العسكري، ووفق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية. 2- انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها منذ العام 1967 بما فيها القدس العربية. 3- إلغاء جميع إجراءات الإلحاق والضم، وإزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والعربية منذ العام 1967. 4- السعي لوضع الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس العربية، تحت إشراف الأمم المتحدة لفترة محدودة؛ لحماية شعبنا ولتوفير مناخ موات وتحقيق الأمن والسلام للجميع بقبول ورضى متبادلين، ولتمكين الدولة الفلسطينية من ممارسة سلطاتها الفعلية على هذه الأراضي. 5 – حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بهذا الشأن. 6- ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية في الأماكن المقدسة في فلسطين لاتباع جميع الأديان. 7- يضع مجلس الأمن ويضمن ترتيبات الأمن والسلام، بين جميع الدول المعنية في المنطقة بما فيها الدولة الفلسطينية.”

المهم أنه في هذا الإطار أعلن المجلس عن “تشكيل الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين”.. وتفويض “المجلس المركزي واللجنة التنفيذية” بتشكيلها وتحديد موعد ذلك بحيث “يعتمد.. النظام المؤقت للحكم، إلى حين ممارسة الشعب الفلسطيني لسيادته الكاملة على الأرض الفلسطينية.” وعلى أن يتم “تشكيل الحكومة المؤقتة من القيادات والشخصيات والكفاءات الفلسطينية، من داخل الوطن المحتل وخارجه، وعلى أساس التعددية السياسية، وبما يجسد الوحدة الوطنية.” وبحيث تحدد الحكومة المؤقتة برنامجها على قاعدة وثيقة الاستقلال والبرنامج السياسي لمنظمة التحرير.. وقرارات المجالس الوطنية.” وبالمحصلة فقد كلف المجلس “اللجنة التنفيذية.. بصلاحيات ومسؤوليات الحكومة المؤقتة، لحين إعلان تشكيل الحكومة.”

وفي السياق ذاته، أيضاً، جرى في الدورة 20 للمجلس (الجزائر 1991) الترحيب بالجهود والمساعي السلمية الجارية”، والتعامل معها بإيجابية، بما فيها “الدعوة التي أعلنها الرئيسان بوش وغورباتشوف لعقد مؤتمر السلام الخاص بتسوية الصراع القائم في الشرق الأوسط (القصد مؤتمر مدريد)، على أساس أن يستند “إلى الشرعية الدولية وقراراتها، بما فيها قراري مجلس الأمن 242 و338، والالتزام بتطبيقها، والتي تكفل الانسحاب الإسرائيلي الشامل من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة.. وتحقيق مبدأ الأرض مقابل السلام، والحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني.” مع “تأكيد اعتبار القدس جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة.. و”وقف الاستيطان في الأراضي المحتلة” و”حق منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، في تشكيل الوفد الفلسطيني من داخل وخارج الوطن..”، و”تنسيق المواقف العربية بما يضمن تحقيق الحل الشامل، واستبعاد الحلول المنفردة”، و”ضمان ترابط مراحل الحل وصولاً إلى الحل النهائي الشامل، طبقاً لقرارات الشرعية الدولية.”

وفي كل ذلك فقد باتت الدورة 20 آخر دورة للمجلس الوطني في الخارج، إذ بعد ذلك عقد اتفاق أوسلو (1993)، من دون أن يتم تشريع ذلك في هذا المجلس، لا قبل التوقيع ولا بعده. وفي الواقع فإن المجلس الوطني، بعد قيام السلطة عقد دورة واحدة (الدورة 21، غزة، 1996)[6]، كتحصيل حاصل لتراجع مكانة المنظمة لصالح السلطة، إذ بعد الانتقال إلى الداخل اختلفت البنية والخطابات وشكل المشروع الوطني.

عموماً، فإن توجهات المجلس الوطني في هذه الدورة (الـ21) جاءت لتعبر عن هذه الحال، إذ نص في أحد قراراته على أن “بناء وترسيخ السلطة الوطنية الفلسطينية، باعتبارها الحلقة المركزية في برنامج الاستقلال الوطني، هو المهمة الأولى والرئيسية لشعبنا الفلسطيني، ولمجموع القوى والفصائل والأحزاب المنضوية تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية.. إن نجاح الشعب الفلسطيني وقواه في بناء وترسيخ السلطة الوطنية هو الشرط الموضوعي والمسبق؛ لاستكمال مهمة إجلاء القوات الإسرائيلية واستكمال العمل لتعزيز الكيان الوطني الفلسطيني الوليد وتطويره، وصولا إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.. إن المجلس.. وفي ظل سلطتنا يؤكد على تركيز جهود الشعب الفلسطيني، وتجنيد إمكانياته وقدراته كلها في سبيل إزالة الاحتلال والاستيطان، وبناء السلطة وترسيخها على أساس احترام القانون والنظام؛ من أجل التعددية السياسية والطريق الديمقراطي.”

لكن التحول الأهم الذي أحدثته هذه الدورة كانت في قراره المتعلق “بتعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بما يتناسب مع المرحلة والظروف السياسية التي يمر بها الشعب الفلسطيني وأمتنا العربية والعالم،” استناداً إلى “إعلان الاستقلال”، واتفاق أوسلو، الذي نشأت بموجبه السلطة، والذي نص على “إنهاء عقود من المواجهة والنزاع.. والسعي للعيش في ظل تعايش سلمي وبكرامة وأمن متبادلين”. وقد صوت المجلس على تعديل الميثاق بموافقة 504 أصوات ومعارضة 54 صوتا وامتناع 14 عضواً عن التصويت.”[7] هكذا تم اشهار التعديل في اجتماع عقد في غزة (في 14/12/1998) بحضور رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون، ضم أعضاء من المجلسين الوطني والتشريعي، وغيرهما من مؤسسات م.ت.ف. من أجل المصادقة على مضمون رسالة عرفات إلى كلينتون بتاريخ 21/1/1998 بتأكيد إلغاء مواد الميثاق الوطني التي سبق للدورة 21 للمجلس الوطني في 24/4/1996، أن صادقت على إلغائها، أي تلك المواد التي تتعارض مع تعهدات م.ت.ف. بنبذ الإرهاب والاعتراف بإسرائيل والعيش معها بسلام كما نصت عليها الرسائل المتبادلة بين م.ت.ف. والحكومة الاسرائيلية بتاريخ 9-10/9/1993.[8]

ثانياً: من الكفاح المسلح إلى المفاوضة

سنلاحظ في هذا الحيّز من النقاش بأن التحول في الأهداف السياسية، وفي تعريف معنى الحقوق الوطنية، انعكس أيضاً، على تعريف وسائل تحقيق هذه الأهداف واستعادة تلك الحقوق. فبينما نصّ “الميثاق الوطني” على أن “الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، وهو بذلك إستراتيجية وليس تكتيكاً.” (المادة 3)، وهو ما أكدت عليه قرارات المجلس الوطني المتعاقبة حتى الدورة (11)، كما ذكرنا، بات الكفاح المسلح بعد ذلك يعدّ أحد أشكال النضال، وبعد اندلاع الانتفاضة الشعبية الأولى (1987-1993) أخذت قرارات المجلس الوطني تتحدث عن المقاومة الشعبية والجماهيرية بكافة أشكالها.

مثلاً، ففي الدورة السابعة للمجلس الوطني (القاهرة 1970) تم التقرير بأن “الكفاح الشعبي المسلح هو الحل الوحيد للصراع القائم بيننا وبين إسرائيل”، و”أن حرب الشعب الثورية هي الطريق الأساسي لتحرير فلسطين.” كما تمت التوصية بـ”العمل على تسليح جماهير شعبنا الفلسطينية والعربية في الأقطار العربية المجاورة للأرض الفلسطينية المحتلة لحماية المقاومة من محاولات ضربها وتصفيتها والمساهمة القتالية الفعالة في مجابهة أي غزو صهيوني إمبريالي للأرض العربية المحيطة بفلسطين”. وقد أكدت القرارات الصادرة عن الدورة الثامنة (القاهرة، 1971) على أن: “الكفاح الشعبي المسلح” هو الحل الوحيد للصراع القائم بيننا وبين إسرائيل.. إن حرب الشعب الثورية هي الطريق الأساسي لتحرير فلسطين”.

مقابل ذلك فقد جاء النص على ذلك في قرارات الدورة (12) على الشكل الآتي: “تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل، وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية، وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها.” وفي الدورة 13 (القاهرة 1977) تم النص على: “مواصلة الكفاح المسلح وما يترافق معه من أشكال النضال السياسي والجماهيري لتحقيق الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني.” وأن “النضال بجميع أشكاله العسكرية والسياسية والجماهيرية في الأراضي المحتلة يشكّل الحلقة المركزية في برامج المجلس الوطني. وعلى هذا الأساس تناضل منظمة التحرير الفلسطينية من أجل تصعيد الكفاح المسلح في الأراضي المحتلة، وتصعيد كافة أشكال النضال الأخرى المترافقة معه، وتقديم جميع أشكال الدعم المالي والمعنوي لجماهير شعبنا في الأرض المحتلة من أجل تصعيد هذا الكفاح وتعزيز صمودها لدحر الاحتلال وتصفيته.” وفي الدورة 14 (دمشق 1979) جاء القرار كالآتي: “التصميم الثابت على مواصلة وتصعيد الكفاح المسلح وكافة أشكال النضال السياسي والجماهيري، ولا سيما داخل الأرض المحتلة باعتبارها تشكل ميدان الصراع الرئيس مع العدو الصهيوني.” وهكذا لم يعد الكفاح المسلح شكلاً وحيداً أو رئيسياً أو أساسياً وبات إلى جانبه أشكال أخرى.

وبعد الانتقال من الكفاح المسلح إلى المقاومة الشعبية حصلت النقلة الأخرى المتعلقة بتعزيز العمل السياسي والدبلوماسي، والبحث عن حلول سلمية وتفاوضية، وذلك مع الدورة 18 للمجلس الوطني (الجزائر 1987) الذي نص في أحد قراراته على اقتران الحق “المشروع بممارسة الكفاح المسلح في مواجهة الاحتلال الصهيوني”.. بـ”رغبة الشعب الفلسطيني في تحقيق سلام دائم وعادل، يستند إلى حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف، بما فيها حق العودة وتقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة فوق التراب الوطني، وذلك، في إطار مؤتمر دولي فاعل تشارك فيه الدول الأعضاء دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وكافة الأطراف المعنية بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية على قدم المساواة مع الأطراف الأخرى.”

وقد تم ذلك، أيضاً، في “وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني”[9]، والتي تم إقرارها في الدورة 19 للمجلس الوطني (الجزائر 1988)، في ما سمي وقتها بـ”هجوم السلام الفلسطيني”، والتي تحدثت عن “تسوية المشاكل الدولية والإقليمية بالطرق السلمية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها.” ومما جاء في هذه الوثيقة: “قرار الجمعية العامة رقم 181 عام 1947، الذي قسم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية.. ما زال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني.. استناداً إلى الحق الطبيعي والتاريخي والقانوني.. إن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين.. للفلسطينيين أينما كانوا.. تؤمن بتسوية المشاكل الدولية والإقليمية بالطرق السلمية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها.”

وعلى أية حال، فقد باتت هذه العبارات معتمدة في مقررات دورات المجلس الوطني التالية، إلى حين اندلاع الانتفاضة الأولى، حيث باتت أشكال النضال تدمج بين العمل السياسي والمقاومة الشعبية وحتى المقاومة المسلحة، وهذا ما نلاحظه، مثلاً، في مقررات الدورة 19 (الجزائر 1988) التي رأت في الانتفاضة شكلا لـ”التراكم الثوري المتواصل والخلاق لثورتنا.. داخل وخارج الوطن”، حيث “التناغم الثوري بين أطفال (الآر بي جي) وأطفال الحجارة المقدسة.. عبقرية شعبنا حاضرة دوما.. لابتداع الأساليب والوسائل النضالية التي تعزز صموده ومقاومته.. وتصاعد انتفاضته”. وهكذا بات التعويل على الانتفاضة الشعبية يزداد، وهو ما تكرر في قرارات الدورة العشرين للمجلس الوطني (تونس 1991) التي دعت إلى “تطوير الانتفاضة المباركة، وتعزيز طابعها الجماهيري والديمقراطي، ومشاركة شعبنا بأسره في إسنادها ودعمها”، باعتبار ذلك “الضمان الحقيقي الذي يكفل تحقيق الأهداف السياسية والوطنية في المرحلة القادمة من كفاحنا الوطني.” هذا مع تأكيد عزم منظمة التحرير “على الوصول إلى تسوية سياسية.. وضرورة انعقاد المؤتمر الدولي الفعال الخاص بقضية الشرق الأوسط.. تحت إشراف الأمم المتحدة.. ووفق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية.”

أما بعد إقامة السلطة فقد بات الأمر منوطاً بالأمن المتبادل بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، لا سيما مع التوافق على التنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بحسب اتفاقات أوسلو. على ذلك فقد نص قرار المجلس الوطني في الدورة 21 (غزة 1996)، وهي الوحيدة التي عقدت في الأراضي المحتلة في غزة بعد إقامة السلطة (1996)، على “أن الأمن لا ينفصل عن تحقيق السلام ، وأن أقصر الطرق لتوفير الأمن هي السير في طريق السلام والانسحاب (الإسرائيلي) التام من الأرض الفلسطينية”. بل إن هذا المجلس – الذي عقد في ظلّ موجة من العمليات التفجيرية التي شنّتها مجموعات تابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي- أكد على “دعمه الكامل لاتفاقات السلام بين منظمة التحرير وحكومة إسرائيل، والتصدي لجميع المحاولات الرامية إلى تعريض عملية السلام للخطر”.

ثالثاً: أفكار الدولة الديمقرطية والكيانية وما بعد التحرير

سأبدأ هنا من فكرة الدولة الواحدة الديمقراطية العلمانية، وهي تتعلق بموقف حركة التحرر الفلسطيني من مجتمع العدو، أو الآخر، إذ كان الفكر السياسي الفلسطيني يتعاطى مع هذه المسألة بنوع من الإنكار، على اعتبار أن أي مقاربة، في هذا الاتجاه قد تثير الشبهات، أو ربما توحي بإضفاء الشرعية على إسرائيل. ولعل الفقرة الوحيدة التي جاءت في هذا الإطار هي ما تضمنه ميثاق المنظمة (القومي والوطني) باعتبار “اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني لها، يعتبرون فلسطينيين”. (المادة 6)

لكن تصاعد المقاومة الفلسطينية، وانفتاحها على الأفكار اليسارية والتقدمية، التي كانت سائدة آنذاك، وتوسّع عملها في مجال الرأي العام العالمي، وحاجتها لجلب التعاطف مع قضيتها، جعل من الضروري إدخال تغييرات على الفكر السياسي الفلسطيني، في ما يتعلق بالموقف من اليهود، والتمييز بينهم وبين الصهيونية، وبما يتعلق بتصور الحركة الوطنية الفلسطينية للمستقبل، وضرورة الانفتاح على القوى اليهودية غير الصهيونية، وتبني خيار “الدولة الواحدة” الديمقراطية العلمانية. وقد حصل هذا التطور كبير الأهمية، وقتها، بدءاً من الدورة السادسة للمجلس الوطني (القاهرة، 1969).[10]

ففي هذه الدورة تم النص على أن “هدف الكفاح الفلسطيني.. إعادة الشعب الفلسطيني إلى وطنه، وإقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني بعيدة عن كل أنواع التمييز العنصري والتعصب الديني.. وتثبيت هذا الشعار في قراراته وبيانه السياسي. ويطلب إلى اللجنة التنفيذية تشكيل لجنة لدراسته وإعطائه كافة أبعاده ومضامينها بمنتهى الوضوح على أن تتقدم هذه اللجنة بدراستها إلى الدورة القادمة للمجلس الوطني.” وفي الدورة السابعة (القاهرة 1970) صدر قرار اعتبر أن “هدف النضال الفلسطيني هو تحرير فلسطين كاملة ضمن مجتمع يتعايش فيه جميع المواطنين بحقوق وواجبات متساوية ضمن آمال الأمة العربية في الوحدة والتقدم.” وقد تكرّر ذلك في الدورة الثامنة (القاهرة 1971)، بشكل لافت، وفق الآتي: “إن الكفاح الفلسطيني المسلح ليس كفاحا عرقياً أو مذهبياً ضد اليهود. ولهذا، فإن دولة المستقبل في فلسطين المحررة من الاستعمار الصهيوني هي الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي يتمتع الراغبون في العيش بسلام فيها بنفس الحقوق والواجبات ضمن إطار مطامح الأمة العربية في التحرر القومي والوحدة الشاملة.”

وبدءاً من الدورة 13 للمجلس الوطني، أي بعد تبني “البرنامج المرحلي” بدأت تطرح الأفكار بشأن العلاقات مع القوى اليهودية اللاصهيونية، إذ تم وقتها استصدار قرار يؤكد على “أهمية العلاقة والتنسيق مع القوى اليهودية الديمقراطية والتقدمية المناضلة داخل الوطن المحتل وخارجه ضد الصهيونية كعقيدة وممارسة.” وقد تم التعبير عن ذلك في الدورة 15 (دمشق 1981) بالآتي: “يؤكد المجلس الدور الإيجابي الذي تؤديه القوى الديمقراطية والتقدمية اليهودية المعادية للصهيونية عقيدة وممارسة في الوطن المحتل معترفة بمنظمة التحرير باعتبارها ممثلا شرعيا ووحيدا لشعبنا وبالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حق العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني، فإنه يدين أي اتصال يجري مع الأطراف التي تنتهج الصهيونية عقيدة وممارسة.” وفي الدورة 17 (عمان 1984) تم التأكيد على “الإعلان السياسي الصادر عن المجلس الوطني في دورته الثالثة عشرة”، لذلك دعا “المجلس.. اللجنة التنفيذية إلى دراسة التحرك مع القوى المؤيدة لحقنا في العودة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني في هذا الإطار، بما يتلاءم ومصلحة قضية فلسطين والنضال الوطني الفلسطيني.”

وبالطبع فإن أفكار ما بعد التحرير لم تقتصر على الموقف من اليهود والتمييز بينهم وبين الصهيونية، وطرح فكرة الدولة الواحدة الديمقراطية، وتعزيز العلاقات مع القوى اليهودية اللاصهيونية، إذ شملت، أيضاً، الموقف من الكيانية الفلسطينية، ذلك أن “الميثاق القومي” كان اعتبر أن “فلسطين وطن عربي تجمعه روابطه القومية العربية بسائر الأقطار العربية التي تؤلف معها الوطن العربي الكبير”. (المادة 1) وذلك تاثراً بمناخات المرحلة القومية الناصرية وقتها. وقد استبدلت هذه المادة في “الميثاق الوطني” بالعبارة الآتية: “فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني، وهي جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير، والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية”، بحيث أنها عكست في ذلك تعزّز إدراك الفلسطينيين لهويتهم الوطنية، ولخصوصية دورهم في مواجهة محاولات التغييب الإسرائيلية، دون أن يتناقض ذلك مع كونهم جزءاً من الأمة العربية.

ومن دلائل تعزّز الفكرة الكيانية والوطنية الفلسطينية وقتها، عدم تضمين المادة (24) من “الميثاق القومي” في “الميثاق الوطني”، والتي كانت تنص على الآتي: “ﻻ ﺗﻤﺎرس هذه المنظمة أﻳﺔ ﺳﻴﺎدة إﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻀﻔﺔ اﻟﻐﺮﺑﻴﺔ في المملكة اﻷردﻧﻴﺔ اﻟﻬﺎﺷﻤﻴﺔ. وﻻ قطاع ﻏﺰة وﻻ ﻣنطقة الحمّة وﺳيكون نشاطها ﻋﻠﻰ المستوى القومي اﻟشعبي في الميادين اﻟﺘﺤﺮﻳﺮﻳﺔ والتنظيمية واﻟﺴﻴﺎﺳية والمالية.” وبالتأكيد فإن هذه المادة كانت بمثابة ثغرة كبيرة في “الميثاق القومي”، وتعبّر عن تخلّي الفلسطينيين عن حقهم ومسؤوليتهم عن أرضهم، في تنازل للأنظمة العربية المعنية. وقد جاء “الميثاق الوطني” ليضيف في مادتين جديدتين، مضامين تعكس صعود المقاومة الفلسطينية، وتعزز الفكرة الكيانية والوطنية عند الفلسطينيين. إذ أكدت المادة (28) على “رفض كل أنواع التدخل والوصاية والتبعية.” أما المادة (29) فنصّت صراحة على أن “الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الأول والأصيل في تحرير واسترداد وطنه، ويحدد موقفه من كافة الدول والقوى على أساس مواقفها من قضيته، ومدى دعمها له في ثورته لتحقيق أهدافه.” وبديهي أن مشكلة هذا التغيير حصل بعد احتلال مناطق الضفة وغزة والحمّة.

وعندما وجدت القيادة الفلسطينية نفسها في مواجهة تحدي الوصاية والتهميش، بعد أحداث أيلول (1970)، بخاصة مع طرح النظام الأردني لفكرة “المملكة العربية المتحدة”، استنفرت ودعت إلى دورة طارئة (العاشرة) للمجلس الوطني (القاهرة 1972)، وإلى مؤتمر شعبي فلسطيني، كان من مقرراته: “الرفض الكامل لمشروع إقامة.. المملكة العربية المتحدة.. امتدادا للرفض الفلسطيني القاطع والمستمر لكل مشروع يرمي إلى تصفية القضية الفلسطينية والتخلي عن أي جزء من الأرض الفلسطينية، أو أي حق من حقوق الشعب الفلسطيني، والاستسلام للاغتصاب الصهيوني.” وأن “منظمة التحرير.. هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.. وأنه لا يحق لأي كان أن يقرر بشأن فلسطين أرضا وشعبا.. إن أي إجراء أو ترتيب أو اتفاق يصدر عن أي مصدر آخر إنما (هو باطل) وخال من الشرعية كليا ويظل كذلك دوما.”

في السياق ذاته، وكرد على محاولة إسرائيل تصدير قيادات محلية بديلة من قيادة المنظمة، أعلن المؤتمر الشعبي الفلسطيني أن “إجراء انتخابات المجالس البلدية والمحلية في الضفة الغربية المحتلة.. يستهدف إحداث شق في وحدة الشعب الفلسطيني ودفعه إلى التقاتل فيما بينه؛ من أجل القضاء على شخصيته الموحدة ووجوده الوطني وثورته الشعبية المسلحة.” و”على الرغم من أن رؤساء وأعضاء المجالس البلدية والمحلية ليست لهم أي صفة تمثيلية سياسية. فإن الاحتلال الصهيوني يمهد لإعطائهم صفة تمثيلية تتجاوز مهام صلاحياتهم، بل تتجاوز حدود الضفة الغربية أيضا. والهدف من ذلك هو تأمين غطاء للمتعاونين مع الاحتلال، وإقامة تمثيل مزيف للشعب الفلسطيني وخلق بديل فلسطيني لتمرير مشاريع تصفية قضية فلسطين والحقوق التاريخية لشعب فلسطين.. إن أي إجراءات تتم تحت الاحتلال ليست لها بحكم القانون الدولي أي صفة شرعية. وعندما يقع الاحتلال فإن الشرعية تنتقل إلى المقاومة الشعبية.”

وفي الدورة 14 (دمشق 1979) عبر المجلس عن “رفض ومقاومة مشروع الحكم الذاتي في الوطن المحتل لأنه يكرس الاستعمار الاستيطاني الصهيوني.. و”التمسك بفلسطين وطناً تاريخياً لا بديل عنه للشعب الفلسطيني، ومقاومة كافة مشاريع التوطين.”

أما في الدورة 19 للمجلس (الجزائر، 1988) فقد حصل تطور جديد تمثل بالتأكيد على “أن العلاقة المستقبلية بين دولتي الأردن وفلسطين ستقوم على أسس كونفدرالية وعلى أساس الاختيار الطوعي والحر للشعبين الشقيقين، تعزيزاً للروابط التاريخية والمصالح الحيوية المشتركة بينهما.”

إشكالية الرفض والشرعية

من كل ذلك يمكن ملاحظة أن كثيرا من التحولات جاءت على الضدّ من الميثاق والقرارات التي اتخذها المجلس الوطني في دوراته السابقة، والتي نصّت صراحة على “رفض كل الحلول البديلة عن تحرير فلسطين تحريرا كاملا.. وكل المشاريع الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو تدويلها” (الميثاق المادة 21)، والتي دعت إلى صدّ “الدعوات المشبوهة لإنشاء كيان فلسطيني مزيف.. في الأراضي المحتلة بعد عدوان 5 حزيران (يونيو)” باعتبار ذلك يعطي “الشرعية والديمومة لدولة إسرائيل، الأمر الذي يتناقض كلياً مع حق الشعب العربي الفلسطيني في كامل وطنه فلسطين..هذا بالإضافة إلى خلق إدارة عربية فلسطينية عميلة في الأراضي المحتلة بعد 5 حزيران، تستند إليها إسرائيل في التصدي للثورة الفلسطينية”. (الدورة الرابعة القاهرة، 1968)، وبالتالي مواصلة “النضال ضد كل مشروعات التسوية التي تستهدف تصفية قضية شعبنا في تحرير وطنه، أو مسخ هذه القضية بمشروعات الكيانات أو الدولة الفلسطينية، على جزء من أرض فلسطين.” (الدورة العاشرة، القاهرة 1972)

على أي حال فإن القضية هنا لا تتعلق بالنصوص، وإنما تتعلق بشكل أكبر بمدى ملاءمة الخيارات السياسية الفلسطينية، مع ظروف الشعب الفلسطيني، ومدى تماثلها مع حقوقه، وصونها لهويته الوطنية، وتعزيزها لإدراكاته لذاته كشعب، كما تتعلق بمدى استجابة هذه الخيارات لقيم الحقيقة والعدالة، والمشاركة السياسية المبنية على قواعد القناعة والتمثيل والديمقراطية. ولعل ما تقدم يكشف حقيقة أن حركة التحرر الفلسطينية، وبحكم بنيتها وظروف عملها والمعطيات المحيطة بها، اتسمت بالتالي:

أولا: عدم الاهتمام بالإنشاءات السياسية، مع ميلها للروح البراغماتية والعاطفية والمناورة في انتهاج المواقف السياسية وتعيين الخيارات الوطنية.

ثانياً: لا مبالاتها للفجوة القائمة بين الشعارات والإمكانيات، وبين القرارات والقدرات، وبين الخطابات والممارسات.

ثالثا: تدني اهتمامها بالمشاركة السياسية، بحيث أن الفلسطينيين لم يحظوا بمؤسسة لصنع القرار تليق بخبراتهم الفكرية والسياسية، وبمكانة قضيتهم.

رابعاً: افتقادها لآليات العمل الديمقراطي، والتمثيلي، وللطابع المؤسساتي في أطرها ومؤسساتها القيادية والجمعية.

وبديهي أن كل ذلك، مع العوامل الموضوعية أو الخارجية الضاغطة، أدى إلى إهدار جزء كبير من الطاقة الكفاحية للفلسطينيين، وبدّد من إنجازاتهم، وضمنها الإجماعات التي صاغتها حركتهم الوطنية منذ انطلاقها، وكيانهم السياسي المتمثل بمنظمة التحرير.

على ذلك لعل أصدق تعبير عن هذه الحالة، قول نديم روحانا: “كان الهدف الفلسطيني واضحاً، وقد استمر هذا الوضوح فترة طويلة، قبل أن يبدأ تلاشيه بالتدريج حتى صار من الصعب تحديده اليوم.. ومنذ تلك اللحظة التاريخية حتى اليوم، شاب غموض متزايد أهداف الحركة الوطنية الفلسطينية، سواء أكان في الخطاب السياسي، أو في الوعي النخبوي وفي المفاهيم الجماهيرية، حتى أصبح من الصعب اليوم الحديث عن تصور فلسطيني لمعنى الانتصار على الصهيونية، أو لمفهوم مشروع وطني فلسطيني، أو لمعنى تحقيق الأهداف. واليوم لم يعد لدينا برنامج وطني يمكن للشعب الفلسطيني في مختلف تجمعاته، وللأجيال الشابة، الالتفاف حوله أو التجنّد من أجل تحقيقه والاستعداد للتضحية في سبيله.. فقدنا منذ أواسط السبعينات تصوراً فلسطينياً لمشروع وطني جماعي شامل يحافظ على مقومات الهوية الفلسطينية، ولا يقبل تجزئة الشعب الفلسطيني حتى لو قبل بتجزئة الوطن الفلسطيني.. وبغضّ النظر عن الأهداف المتعددة”.[11]

الهوامش:

[*] كاتب وصحافي، مقيم في واشنطن.

[1] بدءاً من الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني، وتقديم أحمد الشقيري استقالته من قيادة منظمة التحرير، بعد حرب حزيران (يونيو) 1967، وصعود المقاومة الفلسطينية المسلحة، تحولت المنظمة إلى إطار يضم الفصائل الفلسطينية، وباتت منذ حينه تحت قيادة حركة “فتح”، التي أصبح زعيمها رئيساً للمنظمة بدءا من الدورة الخامسة للمجلس الوطني (1969). راجع، موقع المجلس الوطني الفلسطيني http://www.palestinepnc.org/index.php?option=com_content&view=article&id=539&Itemid=345&lang=ar

[2] عقد المجلس الوطني الفلسطيني اجتماعات دورته الأولى في القدس (1964)، بعد صدور قرار مؤتمر القمة العربي (القاهرة 1964) بدعم من الرئيس جمال عبد الناصر، يقضي بإنشاء كيان فلسطيني، حيث بادر أحمد الشقيري، إلى الدعوة لهذا الاجتماع لإقامة منظمة التحرير الفلسطينية.               راجع:http://www.palestinepnc.org/index.php?option=com_content&view=article&id=536&Itemid=345&lang=ar ومركز الأنباء والمعلومات الفلسطيني “وفا”       http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=2219

[3] نظمت انتخابات للمجلس التشريعي للسلطة مرتين، الأولى في 1996، والثانية في 2006، وقد نجم عنها فوز حركة “حماس”، لذا فإن هذا المجلس لم يعمل على نحو فاعل لا سيما بسبب الانقسام بين سلطتي الضفة وغزة.

[4] في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني، وبعد دخول الفصائل إلى المنظمة، تم تغيير اسم “الميثاق القومي” إلى “الميثاق الوطني”، بعد أن أدخلت عليه تعديلات عديدة أهمها النص على الكفاح المسلح كطريق لتحرير فلسطين. لمراجعة النصين، “الميثاق القومي”، في موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية في:     http://www.palestine-studies.org/gaza/behindscenes/28-5-1964b.pdf

و”الميثاق الوطني” مركز الأنباء والمعلومات الفلسطيني ـ “وفا” في:                 http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=4921، والتعدادات المتضمنة في المادة هي من      “الميثاق الوطني”.

[5] بالنسبة إلى مجمل نصوص قرارات دورات المجلس لوطني الواردة في المادة، فهي مأخوذة من موقع مركز الأنباء والمعلومات الفلسطيني “وفا”: http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=3237

[6] في الواقع تم عقد اجتماع أطلق عليه اسم الدورة “غير العادية” للمجلس الوطني (رام الله 2009) تركزت أعمالها على إضافة أعضاء للجنة التنفيذية للمنظمة بدل الأعضاء المتوفين.

[7] جاء نص التعديل على النحو الآتي: “إن المجلس الوطني.. إذ ينطلق من وثيقة إعلان الاستقلال والبيان السياسي المعتمد في الدورة التاسعة عشرة المنعقدة في الجزائر في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988، والتي أكدت مبدأ حل النزعات بالطرق السلمية واعتماد حل الدولتين. وإذ يستند إلى مقدمة إعلان المبادئ الموقع في واشنطن في 13 أيلول (سبتمبر) 1993 والتي تضمنت اتفاق الطرفين على أن الوقت قد حان لإنهاء عقود من المواجهة والنزاع والاعتراف بحقوقهما السياسية المشروعة المتبادلة، والسعي للعيش في ظل تعايش سلمي وبكرامة وأمن متبادلين، ولتحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة وشاملة ومصالح تاريخية من خلال العملية السلمية المتفق عليها. وإذ يستند إلى الشرعية الدولية المتمثلة بقرارات الأمم المتحدة بقضية فلسطين بما فيها المتعلقة بالقدس والمستوطنات واللاجئين وبقية قضايا المرحلة النهائية وتطبيق القرارين 242 و338. وإذ يؤكد التزامات منظمة التحرير الواردة في اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو 1993) والاتفاق الموقع في القاهرة ورسائل الاعتراف المتبادلة الموقعة في 9، 10 أيلول 1993، والاتفاقية الإسرائيلية الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة (أوسلو 2) الموقعة في واشنطن في 28 أيلول (سبتمبر) 1995 الذي وافق على اتفاقية أوسلو وجميع ملحقاتها. إذ يستند إلى المبادئ التي انعقد على أساسها مؤتمر مدريد للسلام ومفاوضات واشنطن. يقرر: أولا: تعديل الميثاق الوطني بإلغاء المواد التي تتعارض مع الرسائل المتبادلة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل يومي 9، 10 أيلول (سبتمبر) 1993م. ثانيا: يكلف المجلس الوطني الفلسطيني اللجنة القانونية بإعادة صياغة الميثاق الوطني ويتم عرضها على المجلس المركزي في أول اجتماع له.” للتفاصيل راجع: “مركز الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا” في: http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=3793

[8] هكذا تم إشهار التعديل في اجتماع شعبي عقد في غزة (في 14/12/1998) بحضور رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون، وضم أعضاء من المجلسين الوطني والتشريعي، وغيرهما من مؤسسات م.ت.ف. من أجل المصادقة على مضمون رسالة عرفات إلى كلينتون بتاريخ 21/1/1998 بتأكيد إلغاء مواد الميثاق الوطني التي سبق للدورة 21 للمجلس الوطني في 24/4/1996، أن صادقت على إلغائها، أي تلك المواد التي تتعارض مع تعهدات م.ت.ف. بنبذ الإرهاب والاعتراف بإسرائيل والعيش معها بسلام كما نصت عليها الرسائل المتبادلة بين م.ت.ف. والحكومة الاسرائيلية بتاريخ 9-10/9/1993. وقد جرى التعديل على النحو الآتي: المواد الملغاة هي: “6، 7، 8، 9، 10، 15، 19، 20، 21، 22، 23، 30″، أما المواد التي حذفت منها مقاطع فهي: “1، 2، 3، 4، 5، 11، 13، 14، 16، 17، 18، 25، 26، 27، 29”. عن مركز الأنباء والمعلومات الفلسطيني “وفا” في:         http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=4921

[9] نص وثيقة “إعلان الاستقلال” في موقع المجلس الوطني الفلسطيني:      http://www.palestinepnc.org/index.php?option=com_content&view=article&id=437%3A2010-06-09-23-51-14&catid=97%3A2010-05-25-10-57-00&Itemid=360&lang=ar

[10] في الواقع فإن هذه التحولات حصلت بداية في حركة “فتح”، وانتقلت إلى المنظمة والمجلس الوطني بدفع منها، إذ كانت “فتح” تبنت في أدبياتها فكرة التمييز بين اليهود والصهيونية، وتحرير اليهود من الصهيونية، وإقامة دولة واحدة ديمقراطية لا تميز بين المواطنين من أصحاب الديانات. راجع وثيقة: “دولة فلسطين الديموقراطية”، في “السفير” اللبنانية، 15/1/2013.

[11] نديم روحانا: “المشروع الوطني الفلسطيني نحو استعادة الإطار الكولونيالي الاستيطاني”، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 97، بيروت، ص 19-20.