خلدون البرغوثي- باحث في الشؤون الإسرائيلية في مركز الأبحاث

حصل وزير “الأمن القومي” الإسرائيلي زعيم حزب “قوة يهودية” شديد التطرف ايتمار بن جفير على موافقة الحكومة الإسرائيلية على إقامة جهاز أمني جديد تحت مسمى “الحرس الوطني” يكون خاضعا بشكل مباشر له[1]. وتمكن بن جفير من الحصول على موافقة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مقابل موافقة حزب “قوة يهودية” على تجميد عملية تشريع ما تسمى “قوانين إصلاح القضاء”[2]، وذلك في إطار جهود الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هيرتسوغ لتخفيف حالة التوتر والصدام في الشارع الإسرائيلي، بعد اثني عشر أسبوعا من تظاهرات المعارضة الرافضة لاستهداف القضاء الإسرائيلي من قبل الائتلاف الحكومي.

وكان لقرار المحكمة العليا الإسرائيلية منع وزير الأمن القومي من إصدار أوامر “عملياتية” مباشرة للشرطة الإسرائيلية وحصر دوره في الجانب الإشرافي وليست التنفيذي المخول به فقط المفوض العام للشرطة الإسرائيلية يعكوف شبتاي،[3]، كان هذا القرار دافعا لبن جفير إلى تجديد سعيه لتشكيل قوة أمنية تكون خاضعة له بشكل مباشر. ويسعى بن جفير لأن تكون هذه القوة رأس حربة في استهداف فلسطينيي الـ48 في أي تصعيد مقبل[4].

وسبق أن طرح رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق نفتالي بينيت عام 2021 وبعد أحداث “هبة الأقصى” فكرة إقامة قوة أمنية جديدة تحت مسمى “الحرس الوطني” لمساندة الشرطة في قمع المواجهات التي حصلت في أراضي 48، لكن هذه القوة كان يفترض أن تكون في إطار قوات حرس الحدود[5]، أي أنها في النهاية خاضعة مباشرة لتعليمات المفوض العام للشرطة، وليس لوزير الأمن الداخلي.

ويشمل قرار إقامة “الحرس الوطني” الحالي اقتطاع 1.5 في المئة من موازنات الوزارات لتستخدم في تمويل إنشاء هذه القوة[6].

وفور الإعلان عن قرار الحكومة الإسرائيلية إنشاء القوة هذه، وجه المفوض العام للشرطة شبتاي رسالة لبن جفير يتساءل فيها عن مبررات إقامة جهاز أمني جديد يتولى مهام وصلاحيات مخولة بها الشرطة أصلا، “خاصة أن تبريرات القرار لا تتضمن أية مسوغات مقنعة لإقامة هذا الجهاز غير الضروري”، وحذر شبتاي من أن “إقامة مثل هذا الجهاز المستقل عن الشرطة ستكون له تبعات كبيرة قد تصل إلى المس بالأمن الشخصي للإسرائيليين، كما لم يتم عرض أية فوائد له”، وطالب شبتاي بإجراء حوار معمق مع كافة الأطراف ذات الصلة خاصة الشرطة”[7].

كما عبرت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية جالي بهراف-ميارا عن رفضها للخطوة مؤكدة وجود موانع قانونية تحول دون إقامة “الحرس الوطني”. وكتبت بهراف-ميارا: “اقتراح متخذي القرار فيه عيوب من حيث أنه، من وجهة نظر عملية، يجسد ترتيبا مقلوبا للإجراءات والعمل المكتبي الضروري لاتخاذ قرار سياساتي جديد، لا سيما فيما يتعلق بإنشاء هيئة جديدة للأمن وإنفاذ قانون. وبحسب الاقتراح فإن الحكومة اتخذت بالفعل قرارا بإنشاء هيئة جديدة بل وحددت أهدافها ومهامها، ليصبح دور اللجنة المشكلة من عدة وزارات فقط تنفيذ قرار الحكومة، وهذا القرار فيه خلل في ظل غياب بنية أساسية قائمة على معلومات وعلى مهنية ضرورية، وبات القرار مقيدا لأي رأي للجنة الوزارية بشكل مسبق. لذلك فإنه من أجل فحص إقامة “الحرس الوطني” فإن الأمر يتطلب أن يكون محور القرار هو تحفيز عمل الهيئات الحكومية التي يجب أن تدرسه، بما في ذلك ما يتعلق بالحاجة ذاتها إلى إنشاء الحرس الوطني كهيئة تعمل خارج الشرطة”[8].

كما هاجم زعيم المعارضة يائير لبيد قرار إنشاء “الحرس الوطني” وقال: “الحكومة قررت اقتطاعات من موازنة كافة الوزارات كي تمول إنشاء الميليشيا الخاصة ببن جفير، سيقتطعون من الصحة والتعليم والرفاه والمواصلات العامة ومن وزارة الجيش، كل هذا من أجل تمويل الجيش الخاص للبلطجية [أو السفاحين] التابعين لمهرج التيك-توك وخبز “الكماج” [الذي منع الأسرى من خبزه]. جدول أولويات هذه الحكومة سخيف وحقير، منذ ثلاثة شهور لا شيء يشغلها سوى تدمير الديمقراطية، وتقديم فانتازيا متطرفة لأشخاص سخيفين”[9].

في شهر تشرين/الثاني يناير 2023، أعلن بن جفير عن نيته تشكيل “الحرس الوطني” وحدد الهدف منه التصدي للفلسطينيين في أراضي 48، وقال “في كل جلسات تقييم الموقف التي شاركت بها، برز خطر كبير على الأمن القومي الإسرائيلي، السيناريو المشار إليه من معظم المختصين هو أن عملية “حارس الأسوار 2”[10] باتت وشيكة، ومثل هذا السيناريو يوجد حل واحد، تقوية الشرطة الزرقاء وإنشاء حرس وطني”[11].

عصابة متطرفة بزي وسلاح رسميين

في كانون الأول/ديسمبر عام 2021 بثت القناة 13 العبرية تحقيقا صحفيا، نفذه أحد صحفييها عبر التخفي والانخراط داخل مجموعات من مستوطني الضفة والقدس والداخل، الذين يستخدمون تطبيق “واتساب” للتواصل بينهم، بهدف تنظيم صفوفهم وشن اعتداءات ضد الفلسطينيين خاصة فيما تسمى المدن أو البلدات المختلطة مثل مدينتي اللد ويافا، على غرار الهجوم الذي شنته ما تسمى مجموعات “نواة التوراة” في أيار على اللد وأطلق خلاله أحد المستوطنين النار على الشاب موسى مالك حسونة (25 عاما) فقتله وأصاب شابين آخرين. وحسب تحقيق القناة 13 فإن من “يقود هذه المجموعات ناشطون في حركة “لاهافا” (لهب) الأرهابية، وقادة بارزون في حزب “قوة يهودية”[12]، الذي يقود بن جفير.

وقررت القناة خلال إعداد التحقيق سحب الصحفي من داخل المجموعات وتسليم المعلومات حولها هذه للشرطة الإسرائيلية بعد أن وردت معلومات للصحفي عن نية هذه المجموعات تنفيذ هجمات إرهابية ضد فلسطينيين في مدينة الرملة يوم السبت 4/12/2021. لكن الشرطة الإسرائيلية وبدلا من نصب كمين لعصابات المستوطنين توجهت مباشرة إلى أبرز قادة هذه المجموعات الذي برز بشكل واضح في مقاطع الفيديو المصورة بكاميرات خفية، وحذرته من تنفيذ جريمته[13]، تاركة له المجال للنجاة هو وباقي الإرهابيين في مجموعاته من الاعتقال والمحاكمة متلبسين بمحاولة جرائم ضد الفلسطينيين.

ولتأكيد العلاقة بين هذه المجموعات ومجموعات شبيهة خاصة “لا فاميليا” التي تضم مشجعي فريق “بيتار يروشلايم” اليمينيين المتطرفين وشديدي الكراهية والعداء للعرب والمسلمين، وبين الميليشيا التي يسعى بن جفير لإنشائها، قال الأخير في مقابلة صحفية، إن “مجموعات (لا فاميليا) تضم ضباطا وأشخاصا ذوي قيم، وإنه يدعوهم للإنضمام للحرس الوطني”[14].

من هو بن جفير؟

في فترة شبابه كان بن جفير ناشطا في حركة “كاخ” المتطرفة التي اعتبرت حركة إرهابية عام 1994، بعد تنفيذ أحد ناشطيها وهو باروخ جولدشتاين مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل وقضى فيها 29 مصليا فلسطينيا، وأصيب أكثر من 130 آخرين. وكان إلى فترة قريبة يعلق صورة جولدشتاين في منزله، معتبرا إياه “قديسا” وبطلا يستحق التقدير، كما أجرى بن جفير حفل وصول ابنه سن البلوغ قرب الموقع المدفون فيه جولدشتاين. وفي مقابلة صحفية مصورة سئل بن جفير إن كان جولدشتاين إرهابيا وخالف وصايا التوراة التي تقول “لا تقتل”، قال بن جفير إن هذه الوصية تخص اليهودي تجاه اليهودي، ولا تشمل قتل غير اليهود. كذلك يعتبر بن جفير أحد المحرضين على رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق يتسحاق رابين، الذي اغتيل برصاص المتطرف ايغال عمير عام 1995. وتوجد مقابلات صحفية معه وهو يمسك شعار انتزع عن مركبة رابين ويقول “مثلما وصلنا لسيارته يمكن أن نصل إليه.. ومن يفعل شيئا خطيرا لإسرائيل (قاصدا اتفاقية أوسلو) فيجب أن يحدث شيء خطير له”.

ولبن جفير أكثر من 53 ملفا جنائيا لدى الشرطة الإسرائيلية التي بات مسؤولا عنها، وأدين في بعض هذه الملفات بتهم الاعتداء والعنصرية ودعم تنظيم إرهابي. وفي عام 2009 حصل على بكالوريوس في القانون لكن نقابة المحامين في إسرائيل رفضت منحه العضوية وشهادة المزاولة حتى عام 2011 بعد تقديمه طعونات ضد قرار النقابة، وافتتح مكتب محاماة وتولى خلال عمله مهمة الدفاع عن المستوطنين الذي أحرقوا عائلة دوابشة (الشهداء سعد وريهام والرضيع علي، والطفل المصاب أحمد) عام 2015. كما تولى الدفاع عن المستوطن المشتبه به بقتل الشهيدة عائشة الرابي بحجر ألقاه على مركبة الإسرة عام 2018، وكذلك تولى الدفاع عن مستوطن قاصر اتهم بمحاولة إحراق كنيسة “رقاد العذراء” في القدس عام 2015.

يرأس حاليا حزب “قوة يهودية” وهو شريك في الائتلاف الحكومي الذي يقوده بنيامين نتنياهو.

للتحميل اضغط هنا

 

[1]– صحيفة هآرتس، “الحكومة تقرر إقامة حرس وطني تحت قيادة بن جفير” (بالعبرية) 2 نيسان 2023، https://bit.ly/3GaUjds

[2]– موقع واللا، “قوية يهودية: نتنياهو وافق على إقامة “الحرس الوطني” لن جفير مقابلة تأجيل سن قوانين”، 27 آذار 2023، https://bit.ly/3K5cgvg

[3]– صحيفة كالكاليست، “المحكمة العليا: يحظر على بن جفير إصدار تعليمات للشرطة حول طريقة تعاملها مع الاحتجاجات”، (بالعبرية) 19 آذار 2023، https://bit.ly/3Ktrg7G

[4]– موقع هيدابروت، “بن جفير: عملية “حارس الأسوار 2” وشيكة، سنقيم حرس وطني ونعزز الشرطة”، (بالعبرية) 24 كانون الثاني 2023، https://bit.ly/3nLjbC4

[5]– موقع هيدابروت، “يعزز الأمن الداخلي: بينيت وشبتاي وبار ليف يعلنون رسميا عن إقامة الحرس الوطني”، (بالعبرية) 21 حزيران 2022،

[6]– موقع واللا، “الحكومة تقر استقطاعات من الوزارات لصالح إقامة الحرس الوطني”، (بالعبرية) 2 نيسان 2023، https://bit.ly/3K5cqTo

[7]– قناة 13، “المستشارة القضائية للحكومة ضد الحرس الوطني، بن جفير: هي لا تدرك موقعها”، (بالعبرية) 2 نيسان 2023، https://bit.ly/42XFR2d

[8]– يسرائيل هيوم، “المستشارة القضائية للحكومة ضد بن جفير: لا يمكن الموافقة على الحرس الوطني دون عمل الهيئات المختصة”، (بالعبرية) 2 نيسان 2023، https://bit.ly/3ZJKQkw

[9]– يائير لبيد، ” الحكومة قررت اقتطاع من موازنة كافة الوزارات كي تمول إنشاء الميليشيا الخاصة ببن جفير” تويتر، 2 نيسان 2023،

[10]– تصعيد عسكري وميداني يشمل الضفة وغزة وأراضي 48 على غرار ما حدث في أيار 2021

[11]– “موقع هيدابروت، “بن جفير: عملية “حارس الأسوار….”

[12]– خلدون البرغوثي، “عصابات مستوطنين تضم الآلاف تخطط لجرائم ضد الفلسطينيين الشرطة الإسرائيلية والشاباك يغضان الطرف عن العصابات ويتهربان من اعتقال عناصرها، مركز أبحاث م.ت.ف، 7 كانون الأول 2022، https://bit.ly/3GcHijx

[13]– المصدر نفسه

[14]– قناة 13، “بن جفير: إن امتنعت الشرطة عن إقامة الحرس الوطني فسأقوم بإنشاء بنفسي”، (بالعبرية) 1 نيسان 2023،  https://bit.ly/3nEo5ks