ترجمة وتحرير: يسار أبو خشوم
بعد عامين من توقيعها، فقدت اتفاقات أبراهام بريقها
Two Years Later, the Abraham Accords Are Losing Their Luster
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
بقلم بن لينفيلد مراسل سابق للشؤون العربية في جيروزاليم بوست
٢٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٢
يحاجج الكاتب على طول هذا المقال بأنّ اتفاقات أبراهام التي وقّعت قبل عامين بين إسرائيل وعدد من الدول العربيّة لم تأت أكلها، بل ازدادت هشاشة مع مرور الوقت، مرجعًا ذلك إلى جملة من العوامل من أهمّها فصل حلّ القضيّة الفلسطينيّة عن التطبيع الإقليمي وتحوّل المشهد السياسي الإسرائيليّ الداخلي أكثر فأكثر نحو اليمين واليمين المتطرّف، فضلًا عن تكثيف قمع السلطات الإسرائيليّة للفلسطينيين، ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطينيّة. فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال:
صادفت الأسبوع الماضي الذكرى السنوية الثانية لتوقيع اتفاقات أبراهام، التي يمكن القول بأنها واحدة من الإنجازات القليلة للسياسة الخارجية لإدارة ترامب، وسط مؤشرات متزايدة على أن تجاوز الاتفاقات للقضية الفلسطينية يثير تساؤلات جدية حول دورها كوسيلة للسلام.
مهدت الاتفاقات – التي تمّ توقيعها في البيت الأبيض قبل عامين بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين – الطريق لظهور وازدهار العلاقات السريّة، ووضعت حدّا للنبذ الإسرائيلي شبه الكامل في العالم العربي من خلال فتح الباب لتحسين العلاقات مع بعض الجيران، كما ساعدت الاتفاقات على ترسيخ مكانة إسرائيل كقوة إقليمية وازنة.
كانت هناك بعض المكاسب الرئيسيّة لإسرائيل، إذ تمّ توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الإمارات هذا العام، التي يتوقّع المسؤولون بأن ترفد ١٠ مليارات دولار في التجارة الثنائية في غضون خمس سنوات. كما وقّعت البلدان اتفاقات في مجالات عدّة، بما في ذلك الطب والاستثمار الثنائي والسفر إلى الفضاء.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد لوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان، الذي زار القدس في ١٥ أيلول/سبتمبر للاحتفال بالذكرى السنوية “لم نوظّف سوى القليل من إمكانات التعاون في جميع المجالات”.
على المستوى الرمزي، وضع بن زايد بشكل مؤثر إكليلًا من الزهور في ياد فاشيم، المركز العالمي لإحياء ذكرى الهولوكوست، وتحدث عن الحاجة إلى التسامح. بالنسبة لأمّة لا تزال تعاني من الصدمة مما فعله النازيون، كانت هذه خطوة نحو الأمام في مناهضة إنكار الهولوكوست المتفشي في العالم العربي.
شهد العام الثاني لاتفاقات أبراهام بدايات ما يسميه المسؤولون الإسرائيليون “الهيكل الإقليمي” الذي يهدف، إلى حد كبير، إلى مواجهة إيران. أظهرت قمة عُقدت في إسرائيل في آذار/ مارس مدى تحسن الموقف الاستراتيجي لإسرائيل، حيث ضمّت وزراء خارجية إسرائيل والإمارات والبحرين ومصر والمغرب والولايات المتحدة. حتى تركيا أذابت الجليد في علاقاتها مع إسرائيل في أعقاب هذه الاتفاقات.
لكن بعد مرور عامين، بدأت الاتفاقات تفقد بريقها بفعل اشتداد صراع إسرائيل مع الفلسطينيين الذي طغى عليها. آنذاك، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالاتفاقات ووصفها بأنها انفراج لأنها فصلت التطبيع مع الدول العربية عن أي سلام إسرائيلي مع الفلسطينيين، ما بدا في حينه وكأنه اختراق يتبدّى الآن العيب الأكبر لتلك الاتفاقات.
بعد حربين في غزة وفي ضوء عدم الاستقرار في الضفة الغربية، قيل إن الغارات العسكرية الإسرائيلية تهدف إلى إحباط أعمال العنف وأن الهجمات الفلسطينية تبعثر جدول أعمال البلاد إلى حد كبير.
ذكرت صحيفة “هآرتس” الأسبوع الماضي أن عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية لعام ٢٠٢٢ قد بلغ بالفعل أعلى إجمالي له منذ سبع سنوات وأن الهجمات الفلسطينية ارتفعت أيضًا بشكل حاد. في إطار التصعيد الحالي لأعمال العنف، قُتل الرائد الإسرائيلي بار فلاح الأربعاء الماضي عشية الذكرى السنوية لاتفاقات أبراهام على يد مسلحين فلسطينيين قُتِلا بعد ذلك برصاص القوات الإسرائيلية. تسببت خسارة فلاح بموجة حزن في المجتمع الإسرائيلي الهشّ. وفي اليوم التالي، قتلت القوات الإسرائيليّة عدي صلاح، ١٧ عامًا، بالرصاص خلال ما وصفها الجيش بالاشتباكات المسلّحة.
ربما تكون اتفاقات أبراهام قد رفعت مكانة إسرائيل الإقليمية، لكن “لم يُترجم ذلك إلى حلّ للمشكلة الأقرب”، قال ألون ليل، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية .
يبدو أن لابيد يعترف بهذه الالتزامات. وقال في تصريحات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الخميس إن “الاتفاق مع الفلسطينيين على دولتين لشعبين هو الشيء الصحيح لأمن إسرائيل واقتصادها ومستقبل أطفالنا”. وانتقد نتنياهو، الذي يأمل في الإطاحة بلابيد في الانتخابات بعد خمسة أسابيع من الآن، قائلا بأن تصريحاته ستعيد تركيز انتباه العالم على الفلسطينيين.
بالنسبة إلى الكثير من الجمهور الإسرائيلي، فإن المكاسب التي تحققت من اتفاقات أبراهام في الخارج قد تم تقييمها من خلال الشعور المستمر بالضيق وانعدام الأمن في الداخل. بدلًا من الانفتاح على العرب، تتزايد الشوفينية الإسرائيلية. السياسيون اليمينيون المتطرفون الذين يدافعون عن طرد العرب أصبحوا الآن من التيار الرئيسي.
“نعم ، من الصعب أن تكون مواطنًا عربيًا في إسرائيل هذه الأيام”، بهذه الكلمات غرّدت الصحفية في صحيفة “هآرتس” شيرين فلاح صعب بينما كان دبلوماسيون إماراتيون يستضيفون حفلًا حاشدا للاحتفال بالذكرى السنوية للاتفاقات. “السمّ والكراهية ضد العرب واضحة جدًا وهي تزداد قوة”.
كما أن العديد من اليهود الإسرائيليين ما زالوا على حافة الهاوية. فبات القلق يساورهم أكثر بشأن توقعات مسؤولي الأمن بتصاعد الهجمات الفلسطينية خلال الأعياد اليهودية القادمة أكثر من قلقهم من قدرتهم على الطيران دون توقف إلى المغرب.
قالت تمار فايس، الروائية التي شاركت في تحرير مختارات من الأدب اليهودي العربي: “في نهاية المطاف، لا يوجد مثل هذا الاختلاف مقارنة بما كان عليه الحال قبل اتفاقات أبراهام”. “لا يفتأ التغيير يبث الأمل، لكن حتى الآن، لم تتغير الأمور. كل ما تبقى هو الأمل. في غضون ذلك، لم نغير أي شيء في توجهنا حيال الفلسطينيين. لم يتغير شيء. كلّ ما أراه أن شعور الشخص في الشارع هو أن الأمور هي ذاتها”.
إن الفصل الواعي للقضية الفلسطينية عن اتفاقات أبراهام قد سمح لإسرائيل، عمليّا، بإضعاف احتمالات تطبيق حلّ الدولتين على الأرض. إذ أن المستوطنات الإسرائيلية آخذة في الازدياد، وجماعات حقوقية تستنكر ما تقول إنها ضغوط متزايدة لتهجير الفلسطينيين حتى يمكن مصادرة أراضيهم.
يمكن رؤية الطبيعة المزدوجة للاتفاقات وإرثها في شخصية وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس. إذ أنّه خارج إسرائيل، يسافر إلى المنطقة لإبرام اتفاقات أمنية مع شركاء التطبيع، في حين أنه في الداخل، قام بحظر منظمات المجتمع المدني الفلسطينية الرئيسية، بحجة تشكيلها جبهات إرهابية. (قال الاتحاد الأوروبي إن إسرائيل لم تثبت هذه المزاعم)
كما أن الاتفاقات لم تنجح في تفكيك العالم العربي. فقد أظهر استطلاع حديث أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن ٢٦ بالمائة فقط من الإماراتيين يرون آثارا إقليمية إيجابية من اتفاقات أبراهام. أما بالنسبة لجانب “التواصل بين الشعوب” الذي يتم التبجح به كثيرًا في الاتفاقات، فإن هذا لم يتحقق تمامًا. على الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين يقولون إن عشرات الآلاف من الإسرائيليين يسافرون إلى دبي كل شهر، إلا أن الإماراتيين لا يردّون الجميل. وفقًا للأرقام التي نقلتها صحيفة “هآرتس” الأسبوع الماضي، زار إسرائيل ٣٦٠٠ سائح فقط من الإمارات والبحرين والمغرب منذ آذار/ مارس.
ويرجع ذلك جزئيًا إلى تنامي صورة إسرائيل كمكان معاد للعرب، مع تحول سياسي لا هوادة فيه إلى اليمين والضغط المتزايد على الفلسطينيين. في الواقع، قد يكون لصورة إسرائيل السلبية علاقة باستمرار المملكة العربية السعودية في رفض التطبيع الكامل واحتضان اتفاقات أبراهام.
بالنسبة للفلسطينيين أنفسهم، كانت الاتفاقات تعني القليل من التغيير. قال غسان الخطيب، وزير التخطيط السابق في السلطة الفلسطينيّة: “إسرائيل الآن أكثر تهديدًا مما كانت عليه قبل عامين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أعوام، ليس بسبب اتفاقات أبراهام ولكن بسبب التغييرات الداخلية في إسرائيل التي تجعلها أكثر يمينيّة”، مضيفًا بأن “التركيبة الداخلية في إسرائيل تمضي أكثر فأكثر نحو إنكار الحقوق الفلسطينية”.
في نهاية المطاف، أعطى إرث الاتفاقات – وفصلها الواضح للقضية الفلسطينية عن الاعتراف الإقليمي – إسرائيل ذريعة لتأجيل الإجابة على الأسئلة الأساسية حول أي نوع من الدولة تريد أن تكون: ديمقراطية غربية أم دولة عرقية يهودية؟
ما لم يعيد شركاء إسرائيل الدوليون الجدد القضية الفلسطينية إلى الصدارة، فإن الصلة بين التطبيع والسلام الحقيقي من المرجح أن تظل هشّة في أحسن الأحوال.
للتحميل اضغط هنا