* هاني رمضان طالب

ملخص:

وقعت القائمة العربية الموحدة برئاسة النائب “منصور عباس” على اتفاقية ثنائية مع حزب (يوجد مستقبل) برئاسة “يائير لبيد” كجزء من اتفاقية الائتلاف الحكومي بتاريخ 11/ 6/ 2021، وبموجبها تنضم (الموحدة) للحكومة الإسرائيلية الجديدة التي أطلقت على نفسها اسم حكومة التغيير. وقد أثار هذا القرار جدلاً واسعاً بين فلسطينيين الـــ 48 عموماً، وعلى مستوى الأحزاب السياسية العربية (القائمة المشتركة كممثل عنها) على وجه التحديد، إذ يُعد سابقة في العمل السياسي العربي داخل إسرائيل. وذلك استناداً لما تقوله وتكرر قوله (الموحدة)، بأن الذهاب إلى الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) إنما هو من أجل التأثير. فالتأثير هو ما تسعى إليه القوائم والأحزاب السياسية كافة، في إسرائيل، وفي غيرها من الدول المصنفة ديمقراطية، فهذا سر وجودها. هنا يظهر هدف هذه الورقة، الذي من الممكن صياغته على هيئة التساؤل التالي: ما طبيعة وجدوى التأثير المنشود الذي تسعى إلى إحداثه القائمة الموحدة في اطار علاقة الأقلية العربية بالنظام السياسي في إسرائيل؟ وما هي مآلاته؟

مقدمة:

تاريخياً، لم تختلف سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه الفلسطينيين في الداخل، إذ انتقلت من مرحلة الحكم العسكري واستخدام القوة والقمع المباشرين إلى مرحلة (تقنين العنف) وتغليفه بسياسات صنفتها على أنها قانونية، كاتباع سياسات الإقصاء والتهميش ومصادرة الأراضي وتضييق الحيز المكاني، كونهم – الأقلية الفلسطينية – جماعات لا تسعى لاستيعابها في الدولة بشكل كامل، ولا تريد في الوقت نفسه إقصاءها والتخلص منها بشكل كامل، عبر الطرد مثلاً، لاعتبارات عديدة، وصفها بعض الباحثين على أنها سياسة (الاستثناء غير القابل للضم)، الضم لدائرة المواطنة الإسرائيلية الحقيقية. حيث أن هذه السياسات التي تم هندستها بعناية تأتي في إطار المساعي الصهيونية الاستراتيجية لتهجيرهم، أو على الأقل، للحفاظ عليهم باعتبارهم جماعات تحت السيطرة، وغير قابلة للتوسع الجغرافي أو للزيادة ديمغرافياً، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح من خلال سن (قانون القومية) كقانون أساس يحمل صفة دستورية، أو قانون يسمو على القوانين العادية في العام 2018.

أما فيما يتعلق بالعمل السياسي للفلسطينيين في الداخل، فقد اتبعت إسرائيل طرق ووسائل شتى من أجل قمع ومحاصرة التشكيلات السياسية العربية المختلفة ونشاطاتها السياسية كذلك، سواءً الأحزاب التي لا تمانع المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية، أو تلك التي ترفضها (الحركة الإسلامية الشمالية مثلاً) من حيث المبدأ، وإحدى أهم هذه الوسائل هي استخدام (القانون الإسرائيلي) الذي تم تطويعه بشكل يضمن تحقيق هذه الأهداف. وفي هذا السياق، لم يسبق لأي من الأحزاب العربية أن شاركت في الحكومات الإسرائيلية منذ قيام الدولة، باستثناء ظاهرة (القوائم العربية التابعة للأحزاب الصهيونية)، وهي ظاهرة انتشرت خلال سنوات ما بعد النكبة، واستمرت خلال سنوات الحكم العسكري، إلى أن انتهت بشكل نهائي مطلع العام 1981 بعد أن تم محاربتها عربياً، لأنها لا تعبر عن طموحاتهم وتطلعاتهم الوطنية والسياسية، انطلاقاً من كونهم أقلية أصلانية تعيش في بلادها. حيث اكتفت الأحزاب العربية- الوطنية- التي تشكلت خلال، وما بعد، سنوات الحكم العسكري بمحاولة تحقيق أهدافها عبر طرق ووسائل مختلفة، عن طريق العمل الجماهيري والشعبي، أو من خلال المشاركة في الانتخابات، لكن مع البقاء في المعارضة وعدم المشاركة في تركيبة الحكومات المختلفة[1].

إلا أن القائمة الموحدة برئاسة “منصور عباس” خرجت عن هذا العرف وحالة الإجماع السياسي عن طريق المشاركة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحالي، برئاسة “نفتالي بينت” رئيس حزب (يمينا) اليميني، و”يائير لبيد” رئيس حزب (يوجد مستقبل)، الوسطي.

أولاً: القائمة العربية الموحدة والائتلاف الحكومي.

تمثل القائمة العربية الموحدة الذراع السياسية للحركة الإسلامية التي تشارك في الانتخابات الإسرائيلية العامة، والمعروفة باسم الحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي). وخاضت القائمة الموحدة الانتخابات ودخلت الكنيست منذ عام 1996 عندما حدث الانشقاق في الحركة الإسلامية في أراضي 1948، بين تيار يؤيد الدخول للكنيست بقيادة الشيخ “عبد الله نمر درويش”، وتيار آخر يعارض المشاركة في الكنيست بقيادة الشيخ “رائد صلاح”. عُرف التيار المعارض باسم الحركة الإسلامية (الجناح الشمالي)، وحظرته قانونياً الحكومة الإسرائيلية في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بعد ملاحقات قضائية للشيخ صلاح، بسبب مواقفه الداعية لحماية المسجد الأقصى، عقب اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000. وفي عام 2015 تشكلت “القائمة المشتركة” من الأحزاب الفاعلة في صفوف المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، وكانت القائمة الموحدة إحدى مركباتها الأربعة (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة/ الحزب الشيوعي الإسرائيلي، التجمع الوطني الديمقراطي، الحركة العربية للتغيير، والقائمة العربية الموحدة). وعشية الانتخابات الإسرائيلية العامة عام 2020 حققت (المشتركة) إنجازاً كبيراً بحصولها على 15 مقعداً، ما أهلها لتكون القوة الثالثة في الكنيست الإسرائيلي السابق.

لكن، وبسبب قرار القائمة المشتركة دعم رئيس تحالف أزرق أبيض “بيني غانتس” بعد انتخابات 2020، المكلف وقتها بمهمة تأليف الحكومة الإسرائيلية، بالمقابل رفض غانتس تأليف حكومة بالاعتماد على القائمة المشتركة، وذهب إلى تشكيل حكومة بالتحالف مع زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، ظهرت بوادر الخلاف في القائمة المشتركة. وعشية الانتخابات الأخيرة التي جرت في آذار/مارس 2021، قررت القائمة الموحدة الانشقاق عن القائمة المشتركة، وخوض الانتخابات بشكل منفصل، وحصلت فيها على أربعة مقاعد، في حين ظلت القائمة المشتركة بمركباتها الثلاثة الأخرى وحصلت على ستة مقاعد[2].

لقد ذهبت القائمة الموحدة إلى الانضمام لحكومة “بينت – لبيد”، بعد عام تقريباً من تحركها المحموم من أجل المشاركة أو دعم أي ائتلاف حكومي، واصفةً هذه الخطوة بأنها جاءت من أجل (التأثير من داخل النظام السياسي) على حد تعبير قادتها. وقد اتبعت القائمة العربية الموحدة برئاسة “منصور عباس” خطاباً وسلوكاً سياسيين يراهنان على الانخراط في أي حكومة إسرائيلية، تحديداً بعد انتخابات آذار/ مارس 2020. فبعد فشل “بنيامين نتنياهو” تشكيل الحكومة، بسبب رفض حزب (الصهيونية الدينية) دعم القائمة العربية الموحدة للائتلاف الحكومي، وقعت الأخيرة اتفاق المشاركة في الائتلاف الحكومي مع حزب (يوجد مستقبل) برئاسة “يئير لبيد”. ويمكن ذكر أهم بنود الاتفاقية حسب ما نشره موقع الكنيست (بالعبرية)، على النحو التالي:[3]

  1. تدعم القائمة العربية الموحدة تشكيل الحكومة، وتكون جزءاً من الائتلاف الحكومي، وتكون ملتزمة بقرارات الحكومة وإدارة الائتلاف، وتدعم إجراءاتها في الكنيست.
  2. تدعم القائمة العربية الموحدة كل تعديلات التشريع التي ترفع للكنيست بعد التوقيع على هذه الاتفاقية.
  3. تلتزم القائمة العربية الموحدة بدعم اجراءات الائتلاف في الكنيست، والتصويت لمرشحي الائتلاف للمناصب المختلفة في الكنيست واللجان المختلفة.
  4. تعمل القائمة العربية الموحدة لضمان بقاء عمل الحكومة حتى نهاية دورتها، بما في ذلك دعم ميزانية الدولة ومعارضة اقتراحات حجب الثقة عنها، أو اقتراحات حل الكنيست.
  5. ستُقسم لجنة الداخلية وحماية البيئة إلى لجنتين: لجنة الداخلية وحماية البيئة، ولجنة الأمن الداخلي.
  6. ستحصل القائمة العربية الموحدة على المناصب التالية: نائب وزير في مكتب رئيس الحكومة، ورئيس لجنة الداخلية، ونائب رئيس الكنيست، ورئيس اللجنة لشؤون المجتمع العربي.
  7. يتفق الطرفان على العمل على صياغة خطة خمسية لتقليص الفجوات للمجتمع العربي والدرزي والشركسي والبدوي بميزانية قدرها 30 مليار شيكل حتى نهاية 2026، وذلك دون المس بقرارات حكومية سابقة، وتبلور الخطة الخمسية بالتنسيق بين هيئة التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي وقسم الميزانيات في وزارة المالية، وبالتشاور مع لجنة شؤون المجتمع العربي.
  8. ستقر الحكومة خطة خمسية لمكافحة العنف والجريمة في المجتمع العربي حسب تقرير المديرين، والقرار الحكومي حامل الرقم 852 بميزانية قدرها 2.5 مليار شيكل لخمس سنوات، منها مليار شيكل ذات طابع مدني لمكافحة الجريمة والعنف ليس لها صلة بوزارة الأمن الداخلي.
  9. ستتبنى الحكومة خطة (نتيفي أيالون) الاستراتيجية بإجمالي مقداره 20 مليار شيكل حتى عام 2030 للمواصلات الداخلية في المجتمع العربي، وستمول الخطة بملياري شيكل خلال فترة العامين 2022 – 2023.
  10. ستقر الحكومة ضمن ميزانية الدولة السنوية مبلغ 100 مليون شيكل سنوياً لمدة خمس سنوات من أجل اصلاح أعطاب في تطوير مشاريع البلدات العربية.
  11. ستعمل الحكومة على تحقيق تمثيل مُنصف للمجتمع العربي في وظائف خدمات الدولة، والشركات والتعاونيات الحكومية بما يوازي نسبته من السكان من خلال قرار حكومي.
  12. تحسين الخطط الحكومية المتعلقة بالتخطيط والسكن في المجتمع العربي، ومنح السلطات المحلية العربية صلاحيات أوسع في هذا المضمار.
  13. ستعمل الحكومة على رفع عدد الوحدات السكنية للمجتمع العربي بمعدل 10 آلاف وحدة سكنية في السنة.
  14. إقامة لجنة وزارية لشؤون المجتمع العربي برئاسة رئيس الحكومة.
  15. تذليل العقبات التخطيطية والبيروقراطية لتراخيص البناء في المجتمع العربي، والتوجه إلى المستشار القضائي للحكومة من أجل فحص إلغاء المخالفات التي أُعطيت للعرب فيما يتعلق بالبناء غير المرخص.
  16. تلتزم الحكومة بأن تصدق خلال 45 يوماً من تشكيلها على قرار الحكومة بشأن الاعتراف بثلاث قرى بدوية في النقب، وبالتوازي خلال تسعة شهور من تشكيل الحكومة سوف تقدم لها خطة لتسوية/ تنظيم توطين البدو في النقب حسب المصلحة العامة في النقب لتصدق عليها.

ثانياً: نهج المشاركة من أجل التأثير.

شاركت كتلة (القائمة العربية الموحدة) برئاسة عضو الكنيست “منصور عباس”، ولها أربعة مقاعد برلمانية، في الائتلاف الحاكم في إسرائيل، ويعتبر “عباس” من ضمن طاقم الثماني، وهو طاقم مكون من رؤساء الأحزاب الثمانية التي تشكل الحكومة، لكن (الموحدة) ليس لها تمثيل في الطاقم الوزاري، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ الكنيست، بأن قائمة تنشط بين فلسطيني 48 تكون شريكة فعلياً وكلياً في الائتلاف الحاكم. إذ تخلــت كتلــة (الموحــدة) عــن أي مطلــب ســياسي تجــاه الائتــلاف، وركزت مطالبها في شؤون مدنية تتعلق بالجماهير العربية، وابتعــد غالبيــة نوابهــا في الأســابيع التــي تلــت الانتخابــات، وخــلال مدة تشــكيل الحكومــة تجنبت ذكر أي من مفردات الخطاب الوطني الفلسطيني، خاصة في أوج عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، خلال شهر مايو/ أيار 2021. هذا بالإضافة إلى توافــق هــذه الكتلــة مــع مشــاريع قوانــين وقــرارات وسياســات تتناقض مع أبسط محددات الخطــاب الوطنــي الفلســطيني، مثــل عــدم الاعــراض عــلى مشــاريع اســتيطانية، من ضمنهــا إقامــة مســتوطنة جديــدة، وتأييــد قانــون حكومــي لتشــجيع المتدينــات اليهوديــات عــلى التجنيــد في الجيــش، وتأييــد نائبــين مــن الكتلــة لقانــون حرمــان العائــلات الفلســطينية مــن لــم الشــمل، وغيرهــا[4].

وفي الأول مــن نيســان/ ابريل 2021 توجه “منصور عباس” إلى الإسرائيليين في خطـاب اســتمر ســبعة دقائــق بث بشكل متزامــن عــلى قنــوات التلفــزة الإسرائيليــة الرئيســية كلها، ويمكــن تلخيــص الخطـاب في عبــارة “عبــاس” التــي وجههــا إلى الإسرائيليــين، ومفادهــا أن (مــا يجمعنــا أكــبر بكثيــر ممــا يفرقنــا). جــاء هــذا الخطــاب بعــد تصريحــات ســابقة لمنصــور عبــاس أراد مــن خالهــا التقــرب مــن حــزب الليكــود، وعــدم اســتثناء إمكانيــة التحالــف مــع “نتنياهــو” في أي تشــكيلة حكوميــة مســتقبلية. وقــد رأى العديــد مــن المحللــين العــرب والإسرائيليــين، بــأن ســلوك “عبــاس”، والقائمــة العربيــة الموحــدة التــي يرأســها، يــؤشر عــلى ولادة نهــج ســياسي جديــد، يمكــن تلخيصــه بالنقــاط التاليــة:[5]

  1. الانفصــال عــن الفلســطينيين خــارج أراضي 48 مــن خــلال قطــع الروابــط السياســية مــع الضفــة الغربيــة، قطــاع غــزة، ودول عربيــة أخــرى.
  2. انخــراط الفلســطينيين في أراضي 48 في المجتمــع الإسرائيـلي اقتصادياً.
  3. إعــادة تعريــف العــرب داخــل إسرائيــل مــن خــلال تصنيفــات لا سياســية تســقط عنهــم فلســطينيتهم.
  4. عــدم اســتبعاد التنســيق والتحالــف مــع الأحــزاب الإسرائيليــة كافــة، مــن اليمــين واليســار عــلى حد سواء.

في سبيل الدخول للائتلاف الحكومي، غيبت القائمة العربية الموحدة الموضوع الفلسطيني والقضايا الوطنية المتعلقة بالفلسطينيين داخل الخط الأخضر، كمجموعة وطنية أصلانية، وهذا التغييب يمثل بشكل أو بآخر اسهام في بقاء الواقع الصهيوني الاستعماري على حاله، واقع قائم على قاعدة التمييز العنصري بين موطنين الدولة، من خلال سياسات وقوانين سنتها منظومة الحكم في إسرائيل، تعبر عن تفضيل اليهود على غيرهم.

ويؤكد النهج الجديد أن الحركات الإسلامية ليست واحدة، فالحركة الإسلامية (الجناح الشمالي) المحظورة اسرائيلياً قاطعت انتخابات الكنيست منذ نشأتها، وتنبت توجهاً تنظيمياً لمجتمع فلسطيني 48 حسب رؤيتها الإسلامية والأيديولوجية، إلى جانب الملاحقات السياسية المستمرة التي ما زال يتعرض اليها أعضاؤها (حبس الشيخ رائد صلاح، والشيخ كمال الخطيب)، إذ تنطلق هذ المقاطعة من اعتبارات سياسية وثيولوجية. بالمقابل، تمثل مشاركة الحركة الإسلامية الأخرى (الجناح الجنوبي) عبر ذراعها السياسي (القائمة العربية الموحدة) في الكنيست من منطلقات سياسية وثيولوجية مغايرة، حيث تشارك في حكومة إسرائيلية ذات توجه يميني، وتتصرف في البرلمان مثل أي حزب سياسي إسرائيلي آخر.[6]

لقد أطلق النائب “عباس” على نهجه اسم (المشاركة من أجل التأثير). وهو يقر بأن له ثمناً، ولكنه يرى أنه فاعل وحاضر وفرض قضايا المجتمع العربي على الطاولة وعلى الرأي العام الإسرائيلي وهذه بداية التغيير، ويعتمد هذا النهج، حسب تصريحات عباس وغيره من قادة القائمة الموحدة والحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي)، على التحالف مع أي حزب إسرائيلي يوافق على التعاون بشأن الاحتياجات المدنية للمجتمع العربي في إسرائيل، وعدم إيلاء الأولوية القصوى للقضية الوطنية لأنها بمثابة عائق أمام تحالفات مع أحزاب إسرائيلية وأمام المشاركة في الحكومة. وجرى ذلك مع تغييب الفروق بين التيارات السياسية الإسرائيلية من أجل التحالف معها، على عكس ما اتبعته الأحزاب العربية التي غيَّبت الفروق بين الأحزاب الصهيونية لكي لا تتحالف معها. وعلى حد تعبير عباس فإن السرديات التاريخية ما هي إلا سرديات داخلية ليست لها علاقة بالصراع[7].

وينطلق النهج الجديد، من فرضية أن سياسات المنظومة الإسرائيلية تجاه الأقلية العربية هي نتاج تحالفات سياسية مصلحية، يمكن قطعها وتغييرها وبناء تحالفات جديدة قد تغير من تعامل النظام السياسي مع مطالب المجتمع العربي، من خلال التأثير من الداخل. حيث دأبت القائمة الموحدة على الإعلان علناً وجهراً، بأن الهدف الأساسي للذهاب إلى الكنيست إنما هو (التأثير). وللتذكير، رفعت القائمة المشتركة، قبل انشقاق (الموحدة) عنها شعار التأثير أيضاً، لكن كان المقصود وقتها، إسقاط حكومة “نتنياهو” بسبب عنصريته المفرطة، والتي توّجت بسن قانون القومية في صيف العام 2018.

يتضح هنا، أن شعار التأثير ضمن الاطار الذي تلوّح به وتروّجه (الموحدة) يعني شيئاً واحداً ومحدداً، هو تحقيق إنجازات عينية للفلسطينيين داخل إسرائيل، من خلال زيادة الميزانيات والمخصصات وتحسين مستوى الخدمات، وتقديم معالجات مناسبة للقضايا الحارقة التي يعانون منها، مثل ظاهرة الجريمة المنظمة، والضائقة السكنية الخانقة، وعشرات آلاف البيوت المهددة بالهدم، بسبب عدم الترخيص، وعشرات القرى منزوعة الاعتراف، وبالتالي منزوعة الخدمات الأساسية، في النقب.

ثالثاً: جدوى النهج الجديد.

اذا كان نهج القائمة العربية الموحدة الجديد يعتمد بشكل عام على قدرتها تقديم خدمات وتحقيق إنجازات مطلبية للمجتمع العربي   من خلال التأثير داخل الائتلاف الحكومي والكنيست، بصرف النظر عن السؤال الوطني، فان هذا الاعتبار يواجه تحديات جدية متمثلة في قدرتها الفعلية على تحقيق إنجازات حقيقية للمجتمع العربي، أو على الأقل تنفيذ ما جاء في الاتفاقية التي وقعتها مع حزب (يوجد مستقبل)، التي تعد بعض بنودها غير قابلة للقياس وفحص مدي تطبيقها، فعلى سبيل المثال، البند الخامس عشر من الاتفاقية، وهو من أهم القضايا التي تعاني منها الأقلية العربية في “إسرائيل” وهي (البناء والترخيص)، فتواجه مطالب (الموحدة) العديد من العوائق من بينها، موقف وزارة المالية برئاسة المتطرف “أفيغادور ليبرمان”، ومسألة لجنة الداخلية التي ستترأسها القائمة الموحدة، فقد قُلصت صلاحياتها، وانتُزعت القضايا التي تتعلق بالأمن الداخلي منها، أي الشرطة ودورها، ولعل العقبة الأكثر صعوبة هي مدى التزام رئيس الحكومة في الفترة الأولى “نفتالي بينت” ببنود الاتفاق الثنائي بين القائمة العربية الموحدة وحزب (يوجد مستقبل). كما ويبرز ذلك بشكل واضح في موقف الحكومة الاسرائيلية والأحزاب اليمينية الصهيونية من مسألة هدم البيوت والقرى البدوية في منطقة النقب[8].

وفي ضوء ايلاء “منصور عباس” اهتماماً أكبر بمناطق جنوب فلسطين التاريخية خاصة (النقب) على حساب الوسط والشمال، وذلك لسبب بسيط هو أن منطقة النقب تمثل أوسع قاعدة انتخابية داعمة للقائمة العربية الموحدة، إذ حاول “عباس” جاهداً بعد اعتراف من الحكومة الإسرائيلية في 3/ نوفمبر/ 2021، بثلاثة قرى في النقب هي (خشم زنة، ورخمة، وعبدة) تسويق هذا القرار وتضخيمه بالادعاء أنه أحد أهم انجازات القائمة العربية الموحدة لخدمة المجتمع الفلسطيني في الداخل. لكن، في الواقع، ووفقاً للقرار، فقد أقرت حكومة الاحتلال “الاعتراف” بالقرى البدوية، في اطار إقامة مدينة جديدة للفلسطينيين البدو في النقب في سياق مخططات “إسرائيل” لتجميع أكثر من 70 ألف فلسطيني يعيشون في نحو 35 قرية قائمة قبل النكبة على أقل مساحة من الأراضي، وتقليص عدد هذه البلدات عبر دمج كل عدة قرى في بلدة واحدة. كما ربطت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أيضاً بين القرار وبدء عمليات التصويت على ميزانية دولة الاحتلال الإسرائيلي، باعتباره تلبية من حكومة “نفتالي بينت” لشروط القائمة الموحدة للحركة الإسلامية الجنوبية بقيادة “منصور عباس”، مقابل التصويت إلى جانب ميزانية الدولة. حتى أن، جمعية “رجافيم” الصهيونية اليمينة التي تدعو لتكثيف الاستيطان اليهودي في النقب، أعلنت عن أن القرار الإسرائيلي الأخير يمثل بداية (الحل) في النقب وفتح آفاق أمام تكثيف الاستيطان اليهودي فيه واستعادة أراضي الدولة التي يسيطر عليها البدو الفلسطينيون في النقب[9].

كما قوبل إعلان وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، “زئيف إلكين”، عن استئناف عمليات التجريف والتشجير التي يقوم بها الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كييمت-كاكال) في أراضي النقب، والتي أدت مؤخراً – منذ كانون الثاني/ يناير – إلى اندلاع مواجهات عنيفة مع السكان البدو الذين رفضوا الانصياع لقرار التشجير، واعلان وزيرة الداخلية الإسرائيلية، “إيليت شاكيد”، عزمها على بناء عشر مستوطنات جديدة في النقب إلى جانب المصادقة على إقامة مدينتين استيطانيتين جديدتين، الأولى تدعى (كسيف) وستخصص لليهود الحريديم المتدينين، وستقام في منطقة تل عراد وضواحي بلدة كسيفة البدوية، وستضم 100 ألف نسمة سيتم فيها بناء مناطق صناعية وتشغيلية واسعة ومركز طبي يمنح تأهيلاً مهنياً في مجالات طبية، ومنطقة لصناعات “الهايتك” (التقنية العالية)، كما يشمل المخطط بناء مؤسسات تعليمية بكل المستويات للحريديم. والثانية (نيتسانا) على أراضي قرية بير هداج الفلسطينية الواقعة على الحدود مع مصر وستضم 2200 عائلة، حيث سيتم إقامة حي سكني في المرحلة الأولى، يشمل “الجالية التربوية الاستيطانية نيتسانا، وسيتم توسيع هذه البلدة في مرحلة لاحقة[10]. بالإضافة إلى وصول عضو الكنيست “إيتمار بن غفير”، من حزب “قوة يهودية” التابع لتيار الصهيونية الدينية، يوم الأربعاء 12 كانون الثاني/ 2022، إلى النقب لزراعة أشجار وقال بأن: “الصراع في النقب هو رمز سيادتنا على أرض إسرائيل”[11]. من جانب القائمة العربية الموحدة بمجرد اعلان – في سياق محاولتها لاتخاذ موقف إزاء هذا الوضع لرفع الحرج – بأنها ستقاطع التصويت في الكنيست، إلى حين وقف أعمال التجريف في منطقة النقب.

لقد جاءت الهبة الشعبية في النقب التي تركزت في سعوة على أرض الأطرش بشكل خاص، بعد مواجهات عديدة اندلعت مرات عديدة أخرى سبقتها في النقب، مثلاً في قرية العراقيب، وطويل أبو جرول، وبير هداج، وغيرها، لكن تميزت المواجهات التي استمرت أياماً هذه المرة بأبعادها السياسية الداخلية، إذ تراشقت الأطراف السياسية الاتهامات وإلقاء اللائمة على القائمة الموحدة واتهامها بالتضليل بشأن نهج الحكومة الجديدة، ومطالبتها بالخروج من الائتلاف الحكومي، مما سيؤدي إلى اسقاط الحكومة، كما تطورت الأزمة مع الحكومة بسبب الخلاف مع الموحدة التي امتنعت عن التصويت مع الائتلاف الحكومي ما أدى في بعض الحالات إلى تأجيل التصويت في شهر شباط 2022 على بعض القوانين، وتم تجميد التشجير في الوقت الحالي مع استمرار المفاوضات في هذا الشأن بين القائمة الموحدة والحكومة. لكن الأهم من ذلك، هو أن السياسات الحكومية في منطقة بئر السبع غير منوطة بالقائمة العربية الموحدة أو بالائتلاف الحكومي أو حتى بالحكومة القائمة، بل ان ما يجري اليوم في بئر السبع هو ما جرى في أرض فلسطين طوال الوقت بوتيرة مختلفة، من الجليل والساحل، إلى وسط الضفة والقدس، إلى جنوب فلسطين. لكن الفارق هنا كان مشاركة حزب عربي فلسطيني ذا خلفية إسلامية (القائمة العربية الموحدة) في الائتلاف الحاكم في إسرائيل كان قد وعد بالتأثير والتغيير[12].

يبدو أن لشعار (التأثير) الذي تلوح به وتروجه الموحدة بعداً آخر، نظراً إلى اقترانه بشعار الواقعية السياسية المروج له، وليس مصادفة أن الشعارين مدمجان في شعار واحد ينادي (بواقعية التأثير والتغيير). هذا البعد أو الوجه الآخر للتأثير يتطلب على أرض الواقع، من بين أشياء أخرى، توهين صلة الربط بين القضايا المطلبية لفلسطينيي 1948 والقضايا السياسية/ الوطنية العليا للفلسطينيين عموماً، ذلك التوهين الذي يتطلب بدوره إخراج القضايا السياسية/ الوطنية العليا للفلسطينيين، من حيز المساومات بين الكتل البرلمانية (بوضعها على الرفّ أو بترحيلها الى ساحة العمل أو النضال خارج أروقة الكنيست). فهناك مقايضة مضمرة أو ضمنية من نوع ما، وعصب هذه المقايضة، يتمثل ببساطة في: أنه لغرض المساومات بين الكتل البرلمانية، سقف أعلى للقضايا المطلبية، خصوصاً الحارقة منها (مجال التأثير المقصود والمنشود)، مقابل سقف أدنى للقضايا السياسية/ الوطنية الفلسطينية العليا.[13]

رابعاً: القائمة الموحدة والتوجه نحو التطبيع.

على الرغم من أن النائب “منصور عباس” مسلم متدين يمثل حزباً إسلامياً، إلا أنه اتبع مساراً سياسياً براغماتياً لتحقيق الفوز الانتخابي، إذ دفع بجدول الأعمال الاجتماعي والاقتصادي للسكان العرب في إسرائيل، ولم تكن هذه خطوة تكتيكية قصيرة الأجل. فخلال عام 2020، أشار “عباس” علناً إلى انفتاحه للعمل مع التحالفات الصهيونية المحافظة، بما في ذلك التعاون مع رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو”، الذي تودد بقوة إلى “عباس” والأقلية العربية في إسرائيل. إن مثل هذه المقايضة المضمرة أو الضمنية، على خطورتها، لا تفسر وحدها أو بمفردها ما يحكى عن تقارب بين (الموحدة) ومعسكر اليمين واليمين المتطرف الذي يقوده نتنياهو. فهناك قدر غير قليل من التوافق حول أمور اجتماعية/ دينية بين (القائمة الموحدة)، المحافظة اجتماعياً ودينياً، ومعسكر أحزاب اليمين المحافظ بدوره اجتماعياً ودينياً. وفي مثل هذه الأمور الاجتماعية/ الدينية، قضايا المثليين والزواج المدني مثلًا، فإن (الموحدة) أكثر توافقاً مع حزب شاس أو حزب “يهدوت هتوراه” منه مع الجبهة العربية للتغيير ذات النزعة الليبرالية العلمانية.

إن توجه “منصور عباس” أحادي الجانب يعكس روح اتفاقات إبراهيم، إذ يخلق – تأثيراً تطبيعياً – على السياسة العربية الإسرائيلية في الداخل، ويبدو أن عباس قد تعدى حدود السياسة العربية خلال عقود من النضال السياسي والأيديولوجي، للمطالبة بالمساواة، ومقاومة التمييز العنصري للنظام السياسي في إسرائيل ضد الأقلية العربية. وبدلاً من ذلك، اختار “عباس” نهج عمل موجه نحو القضايا الخدماتية لمعالجة الإشكاليات والاجتماعية والاقتصادية الملحة داخل المجتمع العربي[14].

بداية، وقبل الاستفاضة في نقاش مسألة التطبيع الداخلي – ان صح التعبير – التي ميزت توجه القائمة العربية الموحدة برئاسة “منصور عباس”، من الضروري تعريف مفهوم التطبيع، وذلك على النحو التالي:

التطبيع: في اللغة، العودة إلى وضع أو ظرف عادي[15]، أما اصطلاحاً، فقد ظهر هذا المفهوم لأول مرة في المعجم الصهيوني، وذلك، للإشارة ليهود المنفى الذين يعدهم الصهاينة شخصيات طفيلية شاذة، حيث طرحت الصهيونية نفسها على أنها حركة سياسية واجتماعية ستقوم بتطبيع اليهود، أي بإعادة صياغتهم بحيث يصبحون شعباً طبيعياً مثل باقي الشعوب. ثم برز مفهوم التطبيع مرة أخرى في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، بعد توقيع معاهدة السلام بين كل من إسرائيل ومصر، إذ طالبت الدولة الصهيونية بتطبيع العلاقات فيما بين البلدين، أي جعلها علاقات طبيعية عادية مثل تلك التي تنشأ بين أي بلدين[16].

كما يعرف التطبيع بالمعنى العام، بأنه: المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصاً للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين أو عرب وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات)، ولا يستوفي الشرطين التاليين:[17]

  1. أن يعترف الطرف الإسرائيلي بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني التي كفلها القانون الدولي، بحقه في تقرير المصير.
  2. وأن يشكل النشاط شكلاً من أشكال النضال المشترك ضد نظام الاحتلال والاستعمار-الاستيطاني والأبارتهايد الإسرائيلي.

بشكل عام، وطوال عقود، قوبل أي نوع من أنواع التواصل الرسمي وغير الرسمي بين الحكومات أو الحركات والأحزاب السياسية أو حتى الأفراد العرب مع نظرائهم من الإسرائيليين برفض واستنكار كبيرين، (بصرف النظر عن توقيع بعض الدول العربية اتفاقيات سلام مع إسرائيل)، وذلك لأن سبب المقاطعة أو جوهر الإشكال الرئيسي لا يزال قائماً، وهو استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية/ الفلسطينية. إذ كانت الدول العربية – بمن فيهم الفلسطينيون – قد أعلنت مراراً وبشكل واضح عن استعدادها لبناء علاقات طبيعية مع “إسرائيل” وتطبيع كامل للعلاقات معها في اطار التوصل لسلام شامل وعادل يضمن انسحابها من الأراضي التي احتلت عام 1967 وقيام دولة فلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لقضية اللاجئين، وانهاء باقي ملفات الوضع النهائي. ولعل أبرز تلك الإعلانات ما عُرف بمبادرة السلام العربية التي أُقرت في القمة العربية في بيروت عام 2002. إلا أن “إسرائيل” تجاهلت كل الدعوات، وأمعنت في سياساتها الاستعمارية، من خلال تطبيق حكومات إسرائيل لنظام الأبارتهايد[18]، وارتكاب جرائم الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين القاطنين في المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط ونهر الأردن على باعتبارها أعلى سلطة فعلية على الأرض[19].

هنا، ومن نفس الزاوية، يمكن ربط حالة الجدل والاستنكار التي صاحبت توجه القائمة العربية الموحدة للمشاركة في الائتلاف الحكومي في “إسرائيل”، وهو عدم زوال سبب الإشكال الرئيسي، فلم تعترف منظومة الحكم في “إسرائيل” بحقوق الأقلية العربية الجماعية الوطنية والقومية، بالإضافة إلى عدم حصولها على المساواة المدنية الكاملة. الأمر الذي يستدعي تغيير جوهر النظام بما يتلاءم مع هذه المطالب، أي المطالبة بنزع الصفة العرقية أو الاستعمارية عنه. بكلمات أخرى، ان توجه القائمة الموحدة الجديد يعكس حقيقة أنها باتت تتعامل مع ذاتها كما لو أنها حزب إسرائيلي تقليدي يستطيع تحقيق إنجازات مدنية للمجتمع العربي في أراضي 1948، وهذا قد ينطوي على تغاضٍ عن ماهية النظام السياسي الإسرائيلي. وليس من باب المبالغة القول: إن القائمة الموحدة برئاسة “منصور عباس” تقوم بالتماهي مع تجربة الأحزاب الدينية اليهودية قبل عقود، عندما كانت هذه الأحزاب تشارك في الائتلافات الحكومية بالأساس من أجل مصالحها الاقتصادية المتعلقة بمؤسساتها التعليمية وبمصالح جمهورها في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية[20].

وفي ذات السياق، يظهر بأن جلَّ النقد الذي يوجه إلى القائمة الموحدة ولا سيما من طرف القوى السياسية الفلسطينية (سواء في أراضي 48، أو من جانب قيادة منظمة التحرير، أو من حركة حماس) التي تنتقدها، يتمحور حول انحراف الموحدة في تعاملها مع المجتمع العربي في “إسرائيل”، على اساس أنه مجموعة من المهاجرين وليس مجموعة أصلانية في وطن. حيث وصل الأمر، بـــــ “منصور عباس” أن أعلن بتاريخ 21/ 12/ 2021، خلال (مؤتمر إسرائيل للأعمال)، الذي تنظمه صحيفة (غلوبس) عن تبنيه قانون القومية الإسرائيلي، الذي ينص على أن (إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي)، إذ قال: “الشعب اليهودي قرر أن يقيم دولة يهودية. هكذا وُلدت وهكذا ستبقى”، وسط تصفيق حاد من الحاضرين. وأضاف بأن “دولة إسرائيل وُلدت كدولة يهودية وهكذا ستبقى، نحن واقعيون. ولا أريد أن أوهم أي أحد، والسؤال ليس ما هي هوية الدولة، وإنما ما هي مكانة المواطن العربي فيها”. وقد أشار أيضاً إلى أن: “لا شك في أننا أمام بداية عهد جديد، وأقول هذا بحذر وآمل أن تنجح هذه الخطوة وأن تكون الشراكة على مستوى الائتلاف اتجاهاً لشراكات أخرى في الاقتصاد والصناعة وغيرها”[21].

لقد اعتاد المواطنون الفلسطينيون في أراضي 48 دوماً على سماع تصريحات من جانب منظومة الحكم في “إسرائيل” تهددهم بالترحيل من الوطن إذا لم يقبلوا بـــ (يهودية الدولة)، لكن النائب “منصور عباس” لم يقبل هذه التصريحات فحسب، بل بات من المدافعين عنها، إذ أضاف إليها عبارة غريبة عجيبة، إذ قال: “من يريد أن يخوض معركة وجودية مع “إسرائيل” في قضية يهودية الدولة فليتنازل عن مواطنته فيها”[22]، وهو بذلك، يعيد نفس التصريحات الصهيونية ويتبناها، فاذا كان “عباس” يقوم بمهمة ضرورية لتغيير من خلال – التأثير – على طريقة تعامل الحكومات الإسرائيلية مع الأقلية العربية، لكنه في هذا، قد تجاوز خطوط حمراء عديدة لثوابت الموقف السياسي الوطني الفلسطيني.

الخاتمة:

لقد بررت القائمة العربية الموحدة برئاسة “منصور عباس” نهجها السياسي الجديد بأنه جاء من أجل (التأثير) من الداخل على النظام السياسي في “إسرائيل” لصالح المجتمع العربي وقضاياه الحياتية الملحة، وفي هذا السبيل تغاضت عن بل وتجاوزت ثوابت شكلت اطاراً للعمل السياسي للأقلية العربية في “إسرائيل” خلال عقود ماضية، إلى أن تماهت بشكل أو بآخر (التطبيع) مع الرواية الصهيونية من خلال عدة نقاط، كان من أبرزها، تبني “عباس” لقضية (يهودية الدولة)، الذي يؤدي إلى شرعنة التمييز العنصري ضد مواطنين “إسرائيل” من غير اليهود – العرب -، أي تأييد بقائهم مواطنين من الدرجة الثانية فيها.

لكن، في ظل تأليف الحكومة الإسرائيلية – حتى الآن – من ثماني قوائم مرتبطة ومعتمدة على بعضها البعض لضمان بقائها، وتمكن ” نفتالي بينت” و ” يائير لبيد” من ادخال مركب جديد إلى الحكومة، فما سيتبقى من ثِقل للقائمة الموحدة ومدى قدرتها على ممارسة ذلك (التأثير) المزعوم. أو حتى حدث سيناريو آخر – لو ضعيف الاحتمال – يتمثل في خروج “بنيامين نتنياهو” من المشهد السياسي بشكل نهائي لأي سبب كان، بالتالي، قد يشارك حزب الليكود مباشرة في الحكومة من دون “نتنياهو”، ومن ثم تنتهي الحاجة الاضطرارية لوجود (الموحدة) في الائتلاف الحكومي.

لذا، سيبقى انضمام القائمة العربية الموحدة إلى الائتلاف الحكومي في “إسرائيل” تحت مظلة البراغماتية والواقعية السياسية، موضع خلاف ورفض بينها وبين معظم مركبات قيادة الشعب الفلسطيني بشكل عام، ولجنة المتابعة العليا لشؤون الفلسطينيين في أراضي 48 على وجه الخصوص، حيث أشار إلى ذلك رئيس اللجنة “محمد بركة”، الذي اعتبر بدوره أن مساندة القائمة العربية الموحدة للحكومة وانضمامها إليها يمثل خطأ جسيماً، وحذر من خطورة هذا الأمر[23].

للتحميل اضغط هنا

* باحث دكتوراه في العلاقات الدولية، جامعة القرآن الكريم وتأصيل العلوم، جمهورية السودان.

المصادر

[1] ورقة تقدير موقف، “”القائمة العربية الموحّدة” في الحكومة الإسرائيلية الجديدة: فرص ومعيقات”، مركز مدار، 2/ 7 / 2021، متاح على الرابط التالي:   آخر زيارة بتاريخ 3/ 4/ 2022.

[2] أنطوان شلحت، “القائمة العربية الموحدة ومشاركتها في الحكومة الإسرائيلية: عوائق وتحديات”، مركز الجزيرة للدراسات، 25/ 7/ 2021، متاح على الرابط التالي:   آخر زيارة بتاريخ 3/ 4/ 2022.

[3] نقلاً عن ورقة تقدير موقف، “القائمة العربية الموحدة في الحكومة الإسرائيلية وتحديات / فخ المشاركة فيها”، وحدة السياسات، مركز مدى الكرمل، حزيران 2021، ص1- 2.

[4] برهوم جرايسي، “مع مرور مائة يوم على تشكيل حكومة بينيت- لبيد: حكومة تناقضات سياسية وفكرية تبدي ثباتاً في أشهرها الأولى”، مجلة قضايا إسرائيلية الصادرة عن مركز (مدار)، عدد 83، ص 118 – 126.

[5] وليد حباس، “بين سياسات الاستيعاب والاستيعاب الذاتي”، مجلة قضايا إسرائيلية الصادرة عن مركز (مدار)، عدد 77، ص47 – 55.

[6] ورقة تقدير موقف، “القائمة العربية الموحدة في الحكومة الإسرائيلية وتحديات / فخ المشاركة فيها”، وحدة السياسات، مركز مدى الكرمل، حزيران 2021، ص5.

[7] أنطوان شلحت، “القائمة العربية الموحدة ومشاركتها في الحكومة الإسرائيلية: عوائق وتحديات”، مركز الجزيرة للدراسات، 25/ 7/ 2021، متاح على الرابط التالي: آخر زيارة بتاريخ: 3/ 4/ 2022.

[8] ورقة تقدير موقف، “القائمة العربية الموحدة في الحكومة الإسرائيلية وتحديات / فخ المشاركة فيها”، مصدر سابق، ص6.

[9] نضال محمد وتد، ” مناورة إسرائيلية جديدة لتهجير بدو النقب: اعتراف مشروط بـ3 قرى”، صحيفة العربي الجديد، 3/ 11/ 2021،

[10] رغدة عتمه، ” حكومة بينيت تؤسس مرحلة جديدة في تطوير حوض الاستيطان في النقب”، اندبندت عربية، 28/ 3/ 2022

[11] وليد حباس، ” معنى استثناء النقب في “عام الإغفال”، عام امتناع اليهود عن غرس الأشجار “بأمر من الله”، مركز مدار، 17/ 1/ 2022

[12] أحمد أمارة، “الفلسطينيون في إسرائيل”، في تقرير مدار الاستراتيجي 2022، تحرير هنيدة غانم، (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية مدار، آذار 2022، رام الله)، ص208.

[13] سعيد زيداني، “ما بين “المشتركة” و”الموحدة” الفلسطينتين من اتصال وانفصال”، صحيفة العربي الجديد، 26/ 3/ 2021، متاح على الرابط التالي: آخر زيارة بتاريخ: 3/ 4/ 2022.

[14]Dan Diker, Khaled Abu Toameh “Mansour Abbas, Mahmoud Abbas, and the Abraham Effect”.  Jerusalem Center for Public Affairs. 21. 4. 2022. Website:

[15] قاموس المعاني الجامع، متاح على الرابط التالي: آخر زيارة بتاريخ: 3/ 4/ 2022.

[16] د عبد الوهاب المسيري، “موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية”، الطبعة الأولى، جزء 7، (القاهرة: دار الشروق، 1999م)، ص13.

[17] الموقع الرسمي لحركة مقاطعة إسرائيل B D S، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3q7Y5g7  آخر زيارة بتاريخ: 3/ 4/ 2022.

[18] تقرير لمركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الانسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، بعنوان “أنه أبارتهايد”، 12/ 12/ 2021، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/38pmTKe  آخر زيارة بتاريخ: 3/ 4/ 2022.

[19] تقرير منظمة Human Rights Watch، بعنوان: “تجاوزوا الحد”، 26/ 4/ 2021، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3zDLNPC  آخر زيارة بتاريخ: 3/ 4/ 2022.

[20] أنطوان شلحت، ” القائمة العربية الموحدة ومشاركتها في الحكومة الإسرائيلية: عوائق وتحديات”، 25/ 7 / 2021، متاح على الرابط التالي:   آخر زيارة بتاريخ: 3/ 4/ 2022.

[21] شبكة أجيال الإعلامية، ” منصور عباس يتبنى قانون القومية ويقول: “إسرائيل يهودية وهكذا ستبقى”، 21/ 12/ 2021، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3qZldNY آخر زيارة بتاريخ: 3/ 4/ 2022.

[22] نظير مجلي، لقاء تلفزيوني على قناة الغد الفضائية، 29/ 11/ 2021، متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/3qjZQ9W  آخر زيارة بتاريخ 11/ 1/ 2022.

[23] في ندوة لـ”مدار” بركة: لا ينبغي توقع الكثير من الحكومة الإسرائيلية الجديدة وانضمام القائمة الموحدة خطأ جسيم، 14 / 7 / 2021 متاح على الرابط التالي: https://bit.ly/33hjJWf  آخر زيارة بتاريخ: 10/ 1/ 2022.