[*]عبد الغني سلامة

 منذ أكثر من ثلاثة عقود، ومصطلح “الوطن البديل”، يجري تداوله في الأوساط الشعبية والإعلامية، وحتى السياسية؛ دون أن نفهم بشكل واضح ماذا يُقصد به؟ وهل هو خطر حقيقي، أم مجرد أوهام سياسية؟ وإذا كان تهديدا جديا؛ فعلى من يشكل الخطر الأساسي؟! وما مدى خطورته؟ وهل هناك أوطان بديلة أخرى يجري الحديث عنها في كواليس السياسة الدولية غير الأردن؟

مثل هذه الأسئلة، وغيرها قد تتبادر لذهن أي متابع أو محلل سياسي. ومن خلال هذه الورقة البحثية، سنحاول الإجابة عليها، وتفكيك بعض الغموض الذي يكتنف هذا المصطلح، ومعرفة تداعياته المستقبلية على القضية الفلسطينية والمنطقة بشكل عام.

التصور التقليدي الشائع لمفهوم الوطن البديل، هو إقامة دولة فلسطينية قاعدتها الجغرافية شرق النهر أساساً، وتلتحق بها الكتل السكانية غرب النهر. وهذا المشروع إضافة إلى دوره المرسوم لتصفية قضية فلسطين، سيكون مقدمة لما هو أبعد من ذلك؛ أي إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة برمتها، وإعادة توزيع الأدوار بين دولها.

وهذا التصور ظل مرفوضا من قبل الأردنيين والفلسطينيين على حد سواء، وبشكل حاسم، على الأقل حتى هذه اللحظة، فهل يمكن أن تتغير الظروف والمعطيات السياسية لدرجة تجعل من هذا الحل هو المخرج الوحيد؟

العلاقات الفلسطينية الأردنية– نبذة تاريخية

العلاقة بين الأردن وفلسطين لا تشبهها أي علاقة أخرى بين أي دولتين؛ فالبلدان لا يفصل بينهما سوى مجرى النهر، وقد توثقت الصلات التاريخية بينهما منذ أقدم الأزمان، في زمن الدولة العثمانية وقبلها لم يكن هناك كيان سياسي مستقل اسمه الأردن، وكانت التقسيمات الإدارية للمحافظات تمتد من الشرق للغرب دون أي اعتبار لأية حدود سياسية فاصلة، وخلال الفترات السابقة نمت علاقات طبيعية وصلات قربى ومصاهرة بين من هم شرق النهر ومن هم غربه، حتى باتوا بمثابة شعب واحد يصعب التفريق بينه.

وبناء على تقسيمات سايكس بيكو ونتائج الحرب العالمية الأولى، تم إنشاء إمارة شرق الأردن، للتمهيد لقيام دولة إسرائيل فيما بعد، ولما حلت النكبة (1948) توجهت أغلبية جموع اللاجئين نحو الأردن، الذي منحهم المواطنة الكاملة أسوة بالشرق أردنيين، وفي بداية الخمسينات كان مؤتمر أريحا قد حسم العلاقة بين الضفتين لتكونا معاً موحدتين تحت السيادة الهاشمية، واستمر الحكم الأردني للضفة الغربية حتى نكسة حزيران (يونيو) (1967)، حيث وقعت الضفة بأكملها تحت قبضة الاحتلال الإسرائيلي. لكن الارتباط الإداري والدستوري بقي على حاله، كما ظلت رعاية الأماكن المقدسة في القدس خاضعة للقصر الملكي.

بيد أن العلاقة بين الضفتين ستتعرض لهزات سياسية ابتداءً من بداية السبعينات من القرن الماضي؛ ففي العام 1972 طرح الملك الحسين بن طلال مشرع المملكة العربية المتحدة المكونة من قُطرين: فلسطيني، ويتكون من الضفة الغربية، وأردني ويتكون من الضفة الشرقية، بحيث تكون عمّان هي العاصمة المركزية للمملكة، والقدس عاصمة لقُطر فلسطين. لكن هذا المشروع لم يرَ النور، وكان الملك حسين قد أعلن حينها: “إن القضية الفلسطينية قضية أردنية–فلسطينية قبل أن تكون شأنا عربيا ولن نسمح لأحد بأن يتدخل في شؤوننا”، ولكن مؤتمر قمة الرباط 1974 اعترف رسميا بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وبذلك بدأت عملية سحب البساط (فيما يخص تمثيل الشعب الفلسطيني) من تحت قدمي الملك الأردني، الذي وجد نفسه مجبرا على التعامل مع المتغير الجديد.

ومع ذلك، كانت التحركات والمشاريع التي طرحت في أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد 1978، تعتمد على وجود الأردن بشكل أساسي: (مشروع ريغان 1982)، الكونفدرالية مع الأردن (مشروع الملك حسين 1983)، (مشروع الملك فهد في قمة فاس الثانية 1982) الذي كرس المشاركة الأردنية فيما يخص التمثيل الفلسطيني، كما دخل الملك حسين مع ياسر عرفات في حوار سياسي في نيسان 1983 يستند إلى مشروع الكونفدرالية.

وفي منتصف الثمانينات عقدت منظمة التحرير الفلسطينية مع النظام الأردني ما عرف باتفاق شباط كإطار للتعاون والتنسيق السياسي بين الطرفين، وصدر بيان مشترك نص علي مقايضة الأرض بالسلام، كما وردت في قرارت الأمم المتحدة وإقامة كونفدرالية بين دولتي الأردن وفلسطين، واعتماد وفد مشترك مما يعطي الأردن دوراً رئيساً فيما يتعلق بالتمثيل الفلسطيني. لكن هذا الاتفاق سرعان ما انهار قبل أن يكمل عامه الأول، بعد أن وصل لمرحلة من سوء التفاهم وفقدان الثقة، الأمر الذي دعا النظام للطلب من قيادات المنظمة بمغادرة الأراضي الأردنية. وفي نفس العام طرح الملك مشروع التقاسم الوظيفي بين الأردن والضفة الغربية، من خلال خطة تنموية خمسية، فسرها المراقبون بأنها لتعزيز الدور الأردني في الضفة الغربية.

في نهاية العام 1987 اندلعت الانتفاضة الشعبية في الأراضي المحتلة، وفي العام التالي أعلن الملك فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية، لإتاحة الفرصة للفلسطينيين للمضي قدما في مشروع إعلان الدولة الفلسطينية (تشرين الأول 1988)، وبذلك بدأت مرحلة جديدة ومختلفة من العلاقات الأردنية الفلسطينية، أهم سماتها خروج الضفة الغربية من دائرة الأطماع الأردنية، وقد تُوجت بافتتاح سفارة لفلسطين في عمّان، وبذلك أُعيد ترسيم هذه العلاقة ليصبح شعارها “الأردن هو الأردن، وفلسطين هي فلسطين”. ولم تعد المملكة أسيرة لأحلام الماضي وطموحات الجيل السابق.

في مؤتمر مدريد للسلام (تشرين الأول 1992) رفضت الولايات المتحدة مشاركة المنظمة بصفة مباشرة؛ فخاض الفلسطينيون المفاوضات بوفد من قيادات الداخل تحت مظلة أردنية، الأمر الذي أضعف من قوة تمثيل المنظمة. وبعد توقيع اتفاقية أوسلو شعرت القيادة الأردنية أن الأمور تسير من وراء ظهرها على حساب الأردن، وعبرت بعض النخب عن خشيتها أن تنقلب الأمور، أي بدلا من الحديث عن خيار أردني لحل القضية الفلسطينية تنقلب الأوضاع ليكون المطروح خياراً فلسطينياً يقوض الدولة الأردنية، رغم تأكيد القيادة الفلسطينية على احترام سيادة الأردن. وفي النهاية تم توقيع معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية في تشرين الأول 1994، والتي أكدت على ترسيم الحدود، واحترام إسرائيل للدور الخاص بالأردن في الأماكن المقدسة في القدس.

الوطن البديل بين الحقيقة والوهم

بعد خروج القوات الفلسطينية من بيروت في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي صيف العام 1982، أعلن الجنرال آرئيل شارون لأول مرة بشكل علني مشروع الوطن البديل؛ حيث دعا الفلسطينيين لإقامة دولتهم فوق الأرض الأردنية، ومنذ ذلك الحين وهذا التصور للحل النهائي للقضية الفلسطينية، والمعروف باسم “الوطن البديل”، يدخل بين الفينة والأخرى بشكل مكثف على خطّ السجال السياسي، ثم ما يلبث أن يختفي، ليعاود الظهور بقوة في مواقيت أخرى؛ الأمر الذي جعل منه بصورة ما يتحول إلى اسم حركي لمقاصد أخرى في سياق المشاحنات الإقليمية، أو المناكفات الداخلية، فضلا عن التهديدات السياسية الموجهة بشكل أساسي لكل من الأردن وفلسطين على حد سواء، حيث تلجأ إسرائيل لهذا التهديد لابتزاز مواقف سياسية من الطرفين، أو لتجنب الضغوط الدولية عليها كلما أُغلق الأفق السياسي، لتوحي للعالم بأن هناك حلاً مناسباً لكن الآخرين هم الذين يرفضونه.

ويرى بعض المراقبين أن المبالغة في الحديث عن خطر الوطن البديل من قبل أطراف أردنية محددة هو لتوظيف هذا التهديد لتحقيق مكاسب فئوية، أو لتعزيز نعرات التعصب الوطني، بما يوحي على الفور بمقاصد إقصائية تجاه الفلسطينيين، سواء المقيمين في الأردن منذ أكثر من ستة عقود، أو تجاه فلسطينيي الأرض المحتلة، الذين ترغب إسرائيل بطردهم. بينما التهوين منه أو إهماله والتشكيك بمطلقيه يعني عدم الجدية في التصدي لمشاريع التسوية التصفوية، أو ربما القبول بها، أو بوجود مطامع أردنية للهيمنة على التمثيل الفلسطيني أو احتواء القضية.

الوطن البديل، الخطر على الأردن

إذا كان المقصود بالوطن البديل هو حل وتفكيك المملكة الأردنية الهاشمية وقيام دولة فلسطينية بدلا منها، فمن البديهي أن يكون هذا الحل مرفوضاً تماما من قبل الأردنيين والفلسطينيين على حد سواء، لأنه يعني إنهاء القضية الفلسطينية دون إنهاء الاحتلال، ويعني زوال النظام الأردني. لكن الأمر ليس مطروحا دائما بهذه الصورة المباشرة والفجة.

اليوم يرفض الأردن مشروع الوطن البديل، وبشكل حاسم لا يقبل التأويل، كما جاء على لسان الملك شخصيا، وكما صرح رئيس الحكومة مراراً وتكراراً، وكما أكّد البرلمان، والأحزاب السياسية والمعارضة، والقوى والفعاليات الشعبية.. لأن الجميع يدرك مدى خطورة هذا المشروع، وضرره الكبير على الدولة الأردنية. ولكن ماذا لو كانت هناك صيغة ما تحقق مشروع الوطن البديل دون زوال النظام (أي بقاء الأسرة الحاكمة على رأس السلطات في البلاد)!؟

الأسرة الهاشمية حكمت الضفتين الشرقية والغربية مدة سبعة عشر عاما (1950-1967)، ما يعني أنه ليس كل حل يتضمن مشروع الوطن البديل يعني بالضرورة زوال النظام الأردني، ويعني أيضا أن القوى والفعاليات الرسمية والشعبية والحزبية سواء في الأردن أو في فلسطين والتي ترفض اليوم مشروع الوطن البديل أنها ستظل رافضة للأبد.. فربما تتغير الظروف وتقتنع بأنه يمثل الحل الأمثل، أو أنه لا بديل عنه، أو تجد نفسها مرغمة بالقبول به، أو أن يُفرض عليها بالقوة، كما هو الاحتلال الإسرائيلي فارض نفسه على المنطقة بأسرها بالقوة.

ومن ناحية ثانية، فإن الأردن مثل أي دولة أخرى في العالم، يحكمه تحالف طبقي حاكم، يتشارك الحكم والسلطة مع رأس النظام؛ فالملك لا يتربع لوحده على قمة السلطة، حتى لو امتلك كامل الصلاحيات التي يمنحه إياها الدستور. وهذا التحالف حتى لو جيء به بطريقة ديمقراطية وعن طريق الانتخابات، تربطه معا مصالح مشتركة، وهنا أي تهديد جدي للنظام سيؤثر مباشرة على هذا التحالف الحاكم، ويجب أن ندرك أن جزءاً كبيراً ومهماً من القوى المؤثرة واللاعبة في التحالف الحاكم هي من خارج السلطة، أي القوى الاقتصادية الرئيسية في البلد. وما يعنينا هنا أنه لمعرفة مدى إمكانية تمرير أطروحات الوطن البديل لا بد من معرفة حجم تأثير هذه الأطروحات على التحالف الطبقي الحاكم بشكل عام، سواء من ناحية سلبية أم إيجابية، وإدراكنا لمدى تكيُّف تلك القوى مع أي متغير سياسي جديد. ما يعني (مرة ثانية) أنه ليس كل حل يتضمن مشروع الوطن البديل يعني بالضرورة تهديداً لمصالح الطبقة الحاكمة في الأردن (من داخل وخارج السلطة).

والمقصود بهذا الكلام أنه لا يجوز الاطمئنان لعدم إمكانية تمرير مشروع الوطن البديل، لمجرد أن الطرفين الفلسطيني والأردني يرفضانه بقوة.. ولا يجوز الرهان على موقف القصر الرافض، فربما تكون الضغوطات والمغريات أقوى من قدرته على الصمود بوجهها، كما لا يجوز الرهان على رفض القوى والفعاليات الاقتصادية، لأنها ببساطة يمكن أن توائم مصالحها مع أي مشروع سياسي، وأيضا لا يجوز الرهان على رفض القوى الشعبية والحزبية للمشروع، لأن المنطقة شهدت وما زالت تشهد متغيرات جذرية على كافة الأصعدة، لم تكن في دائرة التوقعات في زمن سابق.

الهواجس والمخاطر

أخطر ما في الموضوع، أن تكون ردة الفعل الأردنية في تخوفها من الوطن البديل، أو أي حل أمريكي–إسرائيلي في المستقبل (فدرالية، كونفدرالية، تقاسم وظيفي) منحصرة في زاوية تخوفها من تغير الميزان الديموغرافي، أي خشيتها أن يصبح الفلسطينيون هم الأكثرية العددية في الدولة، وبالتالي يخسر الأردنيون امتيازاتهم!

فقد عبَّر أردنيون كُثر عن خشيتهم على مستقبلهم السياسي والاقتصادي، وعلى وظائفهم ومصالحهم، وهويتهم الوطنية التي يظنون أنها أصبحت في خطر أمام المخططات الرامية إلى إيجاد وطن بديل للفلسطينيين في الأردن. وفي المقابل ظهرت دعوات لأردنيين من أصول فلسطينية تطالب بتحقيق المساواة الكاملة في المواطنة مع الشرق أردنيين، وتسلم مسؤوليات حُرموا منها في الفترات السابقة في مجالس النواب والأعيان والحكومة والجيش والأمن العام والحكام الإداريين، وسمي هؤلاء بأصحاب الحقوق المنقوصة.[1] كما ظهرت دعوات لفلسطينيين مقيمين في الأردن تطالب بحل مشكلات الهوية والإقامة وجواز السفر، الأمر الذي تعاملت معه الحكومة بصور مختلفة، كانت تثير أحيانا تخوفات من أن تكون جزءاً من مخططات التوطين.

ومع ذلك، للنخب الأردنية الحق بالتعبير عن تخوفاتها وهواجسها من مشروع الوطن البديل، خاصة وأن تاريخ العلاقات الأردنية الفلسطينية اكتنفه شيءٌ من الاضطراب والالتباس في كثير من الأحيان. إلا أن هذه الهواجس تحولت مع الوقت لدى البعض من جيل السياسيين الأردنيين الذين عاشوا عقود العلاقة المضطربة إلى حالة مرضية، سيما وأن اليمين الإسرائيلي لم يتوقف عن تغذية هذه المخاوف، وتضخيمها.

بعض الكتاب الأردنيين حمّلوا الجانب الفلسطيني مسؤولية التمهيد لمشروع الوطن البديل، من خلال طرحهم لمصطلحي الفيدرالية والكونفدرالية. علما بأن الأردن هو أول من استخدم مصطلح “الفيدرالية” في مشروع المملكة المتحدة عام 1972، واستخدم مصطلح “الكونفدرالية” صراحة في “اتفاق عمان” بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1985.

عن هذا الجانب كتب “فهد الخيطان” في مقالته على “الغد الأردنية”: “تخلص الملك عبد الله الثاني مبكرا من أوهام الفيدرالية والكونفدرالية. فيما بقيت بنية الدولة البيروقراطية تحمل هذه الإرث الثقيل، وتنظر بريبة وشك إلى كل خطوة من خطوات عملية السلام المتعثرة، باعتبارها مشروعا للحل على حساب الأردن”. [2]

وأضاف الكاتب: “أحيانا، أجد العذر لهؤلاء لأنهم ما يزالون على قناعاتهم القديمة التي كرستها سنوات العهد السابق، ومفادها أن الهاشميين لم يتخلوا عن حلمهم في فلسطين، وأن دور الأردن، لا بل وجوده واستمراره، مرهون بحل للقضية الفلسطينية”.

الكاتب “د. ﻣﺤمد أبو رﻣﺎن”، في ﻣﻘﺎﻟﻪ على “الغد”، ﺗحدث ﻋﻦ افتعال معارك وهمية في الأوساط الأردنية؛ مشيراً إﻟﻰ اﻟجدل الدائم ﺑﺸﺄن الوطن اﻟبدﻳﻞ، معتبرا إياه شماعة يجري توظيفها أحيانا ﻓﻲ ﺣﺴﺎﺑﺎت وﺻﺮاﻋﺎت قوى داخلية، إذ ﻛﻤﺎ ﻳقول “أبو رﻣﺎن”: “أي ﺧﺒﺮ صغير يتحول إلى ﺷﺮارة ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ إﺷﻌﺎل الهواجس”. كما حدث مثلا في الجدال حول ﻗﺎنون الانتخابات الذي يُراد إدﺧﺎل هواجس الوطﻦ اﻟبدﻳﻞ ﻓﻲ ﻧﻘﺎﺷﺎﺗﻪ.

الباحث الأردني “جميل النمري” يرى أن تعبير “الوطن البديل”، لم يعد يعني الشيء نفسه دائما، وليس بالضرورة أن يعني بالضبط التعبير الأصلي القديم، وهو قيام الدولة الفلسطينية شرق النهر بدلاً من غربه؛ بمعنى أنه قد يكون في النهاية شيئا مختلفا عن التصور الإسرائيلي التقليدي، الذي يعتبر الأردن جزءاً من الأرض التوراتية، وأن إسرائيل مقابل حل المشكلة الفلسطينية ستقبل بالتنازل عن أطماعها هناك (في الأردن) والسماح للفلسطينيين ببناء دولتهم فوق الأرض الأردنية، معتبراً أن هذا الطرح لغو متطرف، لا مكان له في الميدان.

أمّا الشيء الممكن فعليا حسب “النمري” فهو التالي: “تستمر مسيرة السلام بالتعثر متنقلة من تفاهمات جزئية إلى أخرى، في الأثناء، يتوسع الاستيطان ليُقطّع أوصال الضفة الغربية، ويغدو أمراً واقعياً، وتصبح الدولة الفلسطينية مستحيلة فعليا. وإسرائيل لن تقبل أبدا بحل الدولة الواحدة بالشراكة مع الفلسطينيين. وفي النهاية، فإن البديل الوحيد يصبح هو الشراكة مع الأردن في دولة واحدة، وستقود الأوضاع الصعبة التي لا تنتهي أبداً، ومن دون أي أمل باستقلال وطني، إلى أن يصبح الاتحاد مع الأردن مطلبا للخلاص، ولا يستطيع الأردن أن يستمر في التنكر لهذا المخرج الوحيد، الذي سيضغط العالم من أجله، ويقدم المساعدات والإغراءات، ومن يدير القرار عند الطرفين في ذلك الحين سيكون ضمن ظروف ومناخات مختلفة تماما عمّا هو الحال الآن”. [3]

ويؤكد الكاتب على أن اليمين الإسرائيلي، الذي يقاوم بشدّة مفاوضات جادّة ومخلصة للوصول إلى سلام عادل وشامل على أساس حلّ الدولتين، يراهن بكلّ جدية على هذا المخطط.

الإعلامية “لميس أندوني” اعتبرت الكونفدرالية بين الأردن وفلسطين عبارة عن فخ سياسي، ووصفت الحديث عنها بأنها صيغة ستنهي الاحتلال الإسرائيلي بالوهم، الذي يجب التخلص منه. كما رأت أن شرط اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية، هو التفاهم مع الأردن على صيغة ارتباط معينة، الغرض منه دائماً الإعفاء التاريخي لإسرائيل من استحقاقات احتلالها وتشريدها واقتلاعها للشعب الفلسطيني، وأضافت: “إسرائيل لن تسمح بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، والحديث عن الدولة، إسرائيلياً لا يعني أكثر من الاعتراف، بكينونة مشوهة وممزقة، وتضحي الكونفدرالية هنا غطاء لمنح شرعية زائفة لإنهاء القضية الفلسطينية”. [4]

الوطن البديل، تصفية للقضية الفلسطينية

يرتكز الصراع العربي الصهيوني بشكل أساسي على محوري الأرض والشعب؛ فمن جهة يعتمد المشروع الصهيوني في نجاحه أو فشله على مدى قدرته في السيطرة على الأرض وتفريغها من السكان، وفي الجهة المقابلة، يُقاس صمود وثبات المشروع الوطني الفلسطيني، ومدى إمكانية تحقيقه غاياته وانتصاره بمقدار صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه الفلسطينية، وتثبيت هويته السياسية والوطنية.

ومنذ أن تفجر الصراع لم تدخر الحركة الصهيونية جهدا في سبيل الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، واقتلاع سكانها وتهجيرهم، وبشتى الأساليب، وفي المقابل صمد الشعب الفلسطيني فوق أرضه رغم كل الضغوطات، فيما تمسك فلسطينيو الشتات بحقهم في العودة لوطنهم.

في مرحلة ما بعد النكبة، كان الخطر الأكبر الذي يتهدد الشعب والقضية هو مؤامرات الدمج، والتوطين، والإذابة، وطمس الهوية الوطنية، أي اقتلاع الشعب الفلسطيني من جغرافية المنطقة، ومنع أي حضور سياسي له، وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية لاجئين؛ فركّز الفلسطينيون في نضالهم على ضرورة بلورة كيانية سياسية للشعب الفلسطيني، وانتزاع الاعتراف العالمي بها، وقد سعوا لذلك من خلال الكفاح المسلح.

لذلك رفضت إسرائيل ولعقود طويلة الاعتراف بوجود كيان سياسي اسمه “الشعب الفلسطيني”، وظلت تتجاهل وجوده، وتتعامل معه ككتل سكانية، إلى أن اضطرت للاعتراف به على إثر تغيرات سياسية جذرية وعميقة ضربت المنطقة برمتها بدءاً من تسعينات القرن الماضي، وأصابت الحركة الصهيونية، وجعلها تغير في إستراتيجياتها، كما أصابت الإستراتيجية الفلسطينية بنفس الوقت. تلك التغيرات ترجمتها اتفاقية أوسلو.

ومع ذلك، ظلت الإستراتيجية الصهيونية تبحث عن أي بدائل أو مشاريع تفضي إلى نفي الشعب الفلسطيني وحل قضيته دون أن تنسحب من الأراضي المحتلة، ومن بين أهم هذه الخيارات مشروع الوطن البديل.

وﺑموازاة هواجس الوطﻦ اﻟبدﻳﻞ ﻓﻲ اﻷردن، ﻛﺎنت هناك هواجس ﻣﻀﺎدة لدى الفلسطينيين، وهي قضية التمثيل، والتخوف من عودة زمن الوصاية والتبعية والاحتواء، ما يهدد مستقبل القضية الفلسطينية برمتها. وما أثار تلك التخوفات مؤخراً  التسريبات غير المؤكدة في خطة “كيري”، والتي رأى فيها بعض المحللين وأطراف من السلطة عملية تصفية للقضية الفلسطينية، وعلى حساب الدولة الأردنية، وذلك بتوطين اللاجئين وإقامة كونفديرالية بين المملكة والدولة الفلسطينية الموعودة، وما زاد من تلك المخاوف أن كل ما يجري أو يُسرَّب من أنباء، يتم في ظل صمت وغموض مقلقين من صناع القرار الأردنيين والفلسطينيين.

كما تجددت المخاوف بعد اتفاقية الدفاع عن القدس والمقدسات التي وقعها الرئيس الفلسطيني “محمود عباس” مع العاهل الأردني “عبد الله الثاني” في آذار (مارس) 2013، واتفاقية البحرين الأحمر والميت التي تم التوقيع عليها بين الأردن والسلطة الفلسطينية وإسرائيل في أيلول من العام نفسه.

علما بأن النخب الفلسطينية مقتنعة بأن الأردن حسم قضية تمثيل الشعب الفلسطيني إلى غير رجعة، سواء في عهد الملك الراحل بعد أن استنفد كل الطرق للتحايل على قرارات القمم العربية، أو في عهد الملك عبد الله.  كما أن النخب الأردنية مقتنعة بأن الفلسطينيين لا يقبلون بالوطن البديل. وعندما ﺳﺄل أﻋﻀﺎء اﻟﻤﺠلس اﻟثوري ﻓﻲ ﺣﺮﻛﺔ “ﻓﺘﺢ” الرئيس “عباس” عن اتفاقية القدس مع الأردن، أجاب بأن ﻣﺎ ﺟﺮى إنما هو تجديد لوضع قائم، كان من الضروري التأكيد عليه بعد حصول فلسطين على صفة الدولة المراقب في الأمم المتحدة. وعن هذا الجانب كتب “د. أحمد عزم” في مقاله على الغد “إن المشكلة تكمن في الإعلان عن اتفاقيات ثنائية أو إقليمية في اللحظة الأخيرة دون مقدمات، وبغياب كامل للشفافية والمساءلة، الأمر الذي يغذي التخوفات من مؤامرات ومشاريع يجري الإعداد لها في الخفاء”.[5]

الوطن البديل، سيناريوهات مطروحة

يرى بعض المراقبين أن الوقت ملائم لفرض الخيار الإقليمي لاحتواء القضية الفلسطينية، خاصة وأن إسرائيل تعتبر هذه المرحلة هي الأفضل لمثل هذا الخيار؛ أي في ظل الانقسام الفلسطيني وحالة الضعف العربي، وتداعيات ما يسمى بالربيع العربي، والمناخ الدولي، سيما وأن أمريكا ما زالت تنظر للصراع العربي الصهيوني من زاوية إدارة الصراع لا حله، وبشكل منحاز لإسرائيل.

ففي شرحه للإستراتيجية الجديدة زعم الأكاديمي الأمريكي “روبرت كاغان” (مستشار حملة المرشح الجمهوري جورج ماكين) أن الأردن هو الوطن الطبيعي لملايين الفلسطينيين من سكانه، وكذلك هو الحل الأمثل لقضية اللاجئين الذين ذابت غالبيتهم في المجتمعات التي يقيمون فيها، وأن على سكان المخيمات الاختيار بين البقاء فيها أو الاستيطان في الأراضي الفلسطينية «شرق الأردن». موضحا أن الأردن يضم أغلبية الفلسطينيين، وبالتالي لن تكون هناك حاجة لدولة أخرى، وأن مشكلة الضفة الغربية تحل من خلال ضم المستوطنات إلى إسرائيل، وتواصل التجمعات السكانية الفلسطينية مع الدولة الفلسطينية شرق الأردن. [6]

صحيح أن أطروحات “كاغان” بشأن الوطن البديل لا تعدو عن كونها مجرد تصورات للمحافظين الجدد، وأنها لم تقترب من الواقع رغم مرور أكثر من ست سنوات عليها، إلا أن خطورتها تكمن بطريقة تجاهل الأمريكان لجوهر القضية الفلسطينية، ونظرتهم السطحية لها، أو أن تتحول هذه الأطروحات مع الوقت إلى إستراتيجية أمريكية رسمية بدلا من مناقشة المبادرات الدولية والإقليمية التي تُطرح لحل القضية الفلسطينية، من منطلق أن هناك احتلالاً إسرائيلياً ينبغي أن ينتهي، ومن منطلق أن هناك حقوقا للشعب الفلسطيني ينبغي التعامل معها، وأيضا من منظور قرارات الشرعية الدولية وما تتطلبه عملية بناء سلام واقعي وعادل في المنطقة. [7]

عن هذا الجانب كتب “د. ناجي شراب”: “إن خطورة هذا الطرح تتمثل في هدفه الساعي لتصفية القضية الفلسطينية، بالإبقاء على الاحتلال الإسرائيلي، وإعفاء إسرائيل من كونها سلطة احتلال، والتسليم بكل إجراءات الاحتلال من تهويد ومصادرة الأراضي كأمر واقع، وحل قضية اللاجئين والقدس والحدود والدولة الفلسطينية بعيدا عن إسرائيل”.

وأضاف “شراب”: “فوفقاً لهذا التصور، يمكن توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث يقيمون ويعيشون، وأيضا لا حاجة للقدس كعاصمة سياسية طالما هناك عواصم عربية أخرى كثيرة، ولا حاجة لترسيم الحدود لأن الحدود مرسومة بين إسرائيل والأردن، وهي الدولة المقصودة بالوطن البديل، ولا حاجة لإزالة المستوطنات طالما لا حاجة للحديث عن دولة وصلاحيات وسلطة، وطالما أن الأرض العربية أوسع وأكبر، وكذلك إلغاء لكل قرارات الشرعية الدولية التي تشكل مرجعية أساسية للقضية الفلسطينية، وما يترتب على ذلك من إسقاط البعد السياسي للقضية الفلسطينية”.[8]

فيما يرى محللون أردنيون أن إسرائيل تستغل العلاقة الخاصة بين الأردن وفلسطين، لفرض تسوية سياسية وفقاً لمصالحها حتى لو أتت على حساب الأردن، وذلك من خلال إيجاد صيغة اتحادية معينة؛ ففي إحدى الدراسات الإسرائيلية التي أعدت في آذار (مارس) 2005، طرُح الخيار الأردني مرة أخرى كبديل للدولة الفلسطينية، وأوضحت الدراسة أن الخيار الأردني يعني توحد الكيان الفلسطيني فدراليا مع الأردن، وذلك بعد الانسحاب الإسرائيلي من جانب واحد من الضفة الغربية (كما حدث في قطاع غزة) ونقل سيادتها الأمنية للأردن. ما يعني عمليا نقل الهاجس الديمغرافي من إسرائيل إلى الأردن، الأمر الذي سينتج عنه تغيير الميزان الديمغرافي الأردني الداخلي بين الفلسطينيين والشرق أردنيين.[9]

وفي أنباء مسربة، (لا نجزم بصحتها)، تحدثت عن كونفدرالية أردنية فلسطينية وفق المفهوم الإسرائيلي، تقوم على فكرة انتقال مسؤولية حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال إلى الدولة الأردنية لتتولى أمرهم، أي من خلال قيام الأردن بالتقاسم الوظيفي الأمني والإداري مع الاحتلال الإسرائيلي.

هذا السيناريو وفقا لهذا المفهوم، يعني عمليا تجاوز السلطة الفلسطينية (وبالتالي منظمة التحرير)، وإلغاء دورها في التمثيل السياسي والإداري للفلسطينيين؛ حيث أن قيام كونفدرالية بين دولة مستقلة قائمة وبين كيان غير مستقل وخاضع للاحتلال (أي قبل إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية) يعني عمليا تقويض مفهوم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، خاصة حق التحرر الوطني وتقرير المصير وحق العودة للاجئين، ويعني أيضا تخلص إسرائيل من عبء الفلسطينيين كسكان لهم حقوق مدنية.

وفي سيناريو آخر جاء في مقالة للكاتبة “بيسان عدوان”، ذكرت فيها على لسان أحد رجالات القصر “د. عبد السلام المجالي” في محاضرة له بالأردن- نقلا عن صحيفة فلسطينية تحدث فيها عن تصورات مستقبل العلاقات الأردنية الفلسطينية، واستشرف بها إمكانية اتفاق الدولة الفلسطينية المستقلة مع الأردن، لإقامة دولة تسمي (الدولة العربية المتحدة)، وذكر “المجالي” أنه سيتم فيها انتخاب الحكومة بطريقة ديمقراطية، كما يتم انتخاب (النواب والأعيان) مناصفة بين البلدين، ويتبادل البلدان رئاسة كل سلطة، أي إذا كان رئيس الوزراء من الأردن يكون رئيس مجلس النواب من فلسطين، وهكذا، ويكون الملك عبد الله رئيسا للدولة العربية المتحدة، ليس بصفته ملكا للأردن بل بصفته وريثا للسلالة الهاشمية ومظلة لجميع المواطنيين.

وأضافت الكاتبة: “أما بالنسبة لموضوع الجنسية، فستصدر جوازات سفر باسم الدولة العربية المتحدة (الأردن) للأردنيين و(فلسطين) للفلسطينيين، كما هو معمول به بالاتحاد الأوروبي”.[10]

والسيناريوهات المطروحة لا تعتمد على الأردن فقط؛ فهناك تسريبات (غير مؤكدة) عن مخططات لإقامة وطن بديل للفلسطينيين في سيناء. وهناك مخاوف من ضم القطاع إلى مصر، وهو بالحقيقة مسعى إسرائيلي قديم يريد إلقاء غزة في حضن مصر، وهو الأمر الذي رفضته مصر بشدة، لكن على ما يبدو أن جو الاحتقان وحالة التجاذب العميقة في مصر قد أثارت حفيظة الكثير من المصريين إزاء كل ما يطرح بشأن غزة، ولا يستطيع أي متابع لأحوال لمصر هذه الأيام، إلا لمس حالة، تحريض إعلامي ضد الشعب الفلسطيني وحركة حماس بشكل خاص، ترافقها إشاعات بأن الرئيس السابق “محمد مرسي” كان يريد إعطاء سيناء للفلسطينيين، حتى أن بعضهم يعتقد أن مسودة الدستور كُتِبت لتحقيق ذلك. ولكن هذا لا ينفي إمكانية وجود مخططات من هذا القبيل.

الناشط المصري المهندس “ممدوح حمزة”، في تصريح له اعتبر أن خطوات تنفيذ مشروع الوطن البديل للفلسطينيين في سيناء قد بدأت بالفعل، وتابع: “كنا نعتقد أن ترعة السلام التي تشق طريقها في سيناء ذاهبة إلى إسرائيل، ولكن اتضح أن هذه الترعة مخصصة لتوفير المياه للفلسطينيين، الذين سوف يستوطنون في سيناء”، معتبرا أن هذا المشروع سيمكّن الإسرائيليين من فلسطين، ويحرم الفلسطينيين من حق العودة، ويحرم مصر من شمال سيناء، والفائز الوحيد هو إسرائيل.[11]

وفي برنامج “بهدوء” على قناة cbc، وفي حلقة خاصة، كشف الإعلامي “عماد الدين أديب” عن عقد اتفاق بين السيناتور الأمريكي “جون ماكين” والسفيرة “آن باترسون” مع جماعة الإخوان وممثلهم “خيرت الشاطر”، يقوم الاتفاق على مخطط الوطن البديل للفلسطينيين في سيناء، كوسيلة تخفيف الاحتقان السكاني في قطاع غزة ذي الكثافة السكانية العالية، وتحدث “أديب” عن اكتشاف أجهزة الأمن المصرية خطة شركة بريطانية الجنسية تسمي البراق كانت بالكامل لفلسطينيين وتدار من غزة، وكانت تخطط لبناء آلاف الوحدات السكنية في سيناء، وإنشاء منطقة صناعية على مساحة 10كم2 من كلا الجانبين (سيناء وغزة) لاستثمار أموال جماعة الإخوان، وزعم “أديب” أن الرئيس السابق “محمد مرسي” نجح في عقد اتفاق هدنة طويل الأمد بين إسرائيل وحماس كبديل عن إجراء مفاوضات سلام فلسطينية إسرائيلية، مع التحضير والتجهيز لتحويل سيناء إلى وطن بديل.[12]

الخلاصة

  • بعد عقود من الصراع، وجد الكيان الإسرائيلي نفسه مرغما على مواجهة واقع جديد، ومرغما على حل مأزقه التاريخي، خاصة بعد أن فشلت مخططاته في تحقيق أهدافه القديمة (الضم أو الترانزفير)، الأمر الذي دفع بالقيادة الإسرائيلية إلى اتخاذ قرار الفصل بين الشعبين والبحث عن بدائل أخرى، والتي من بينها مشروع الوطن البديل.
  • وإزاء كافة المشاريع والمبادرات السياسية (الدولية والإقليمية) ظلت إسرائيل تتعاطى معها مدفوعة بهاجس الإبقاء على احتلالها وسيطرتها على الأراضي المحتلة، وتضع العراقيل والعقبات أمام مسيرة السلام، وتسعى بنشاط محموم لفرض الحقائق على أرض الواقع، بحيث تقطّع أوصال الضفة الغربية بالمستوطنات، وتضمن هيمنتها على القدس، وتبقي قطاع غزة معزولا ومحاصراً، وفي نفس الوقت تسعى لإيجاد جهة ما تدير السكان، وتعفيها من تبعات الاحتلال، وتمنع المقاومة بجميع أشكالها. وللتهرب من أي ضغوطات دولية، تسعى إسرائيل لتصدير أزمتها إلى الأردن ومصر، ما يعني أن أي استجابة ولو شكلية من قبل إسرائيل تجاه عملية السلام، لا تخرج عن سياق محاولاتها لفرض الهيمنة، سعيا وراء هدفها الأعظم وهو تصفية القضية الفلسطينية والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني.
  • اليوم، بات واضحا أن عملية السلام تعاني من مأزق حاد وعميق، يجعل من كافة البدائل المتاحة أسوأ من بعضها، فبسبب التعنت الإسرائيلي والانحياز الأمريكي، تعثرت عملية السلام، ولم تسفر المفاوضات عن شيء ملموس.
  • من السيناريوهات المطروحة والتي تطفو على السطح بين الحين والآخر، هو تسليم الضفة الغربية للأردن وقطاع غزة لمصر، أو فرض مشروع الوطن البديل، وهي سيناريوهات مرفوضة وطنيا وعربيا، لأنها ببساطة تعني التضحية بكل المنجزات التي تحققت، وضياع قرن كامل من الكفاح الوطني هباءً منثورا .. وهي أيضا خيارات مستبعدة موضوعيا، فالكيانية الفلسطينية باتت من حقائق المنطقة، والدولة الفلسطينية صارت جزءاً من الرؤية الدولية للحل، فضلا على أن كلاً من مصر والأردن ترفضان هذه الحلول.
  • الأردن يرفض الوطن البديل ليس لأنه يتخوف من أية تغييرات فجائية في التركيبة الديموغرافية للبلد وحسب، بل لأن مثل هكذا حل سيكون على حساب الأردن، دولة وكيانا. أما مصر فلا مصلحة لها في ضم قطاع غزة إلى نظام حكمها، لأنها ستكون بذلك كمن يجلب الدب إلى كرمه.
  • “الكونفدرالية، أو الفيدرالية”، قبل قيام الدولة الفلسطينية وحصول الشعب الفلسطيني على حقه بتقرير المصير، واعتراف العالم بذلك، تعني تمريرا لمشاريع إسرائيلية تصفوية، لأن أي حل يؤدي إلى ضياع أو تفتيت أو تهميش الهوية الوطنية والكيانية السياسية للشعب الفلسطيني تعني تصفية القضية، وبالتالي فإن أي حل في جوهره تصفية القضية الفلسطينية سيمثل خطراً استراتيجياً على الأردن وفلسطين معاً، ولا يمكن أن يفيد طرفاً على حساب الآخر.
  • مشروع الوطن البديل إذا ما تم سينهي الحقوق الفلسطينية في إقامة دولة فلسطينية، وسيلغي حق تقرير المصير، وسيعمل على تثبيت الاحتلال، وبقاء المستوطنات، وسيلغي نهائيا حق اللاجئين الفلسطينيين في عودتهم إلي أراضيهم وديارهم عام 1948. والخطر الحقيقي يهدد الأردن أيضا، لأنه سيؤدي إلى تغوّل واستفراد إسرائيل في الأردن، ومن ثم فرض هيمنتها المطلقة على كافة دول المنطقة.
  • مشروع الوطن البديل سواء كان تهديدا جديا، أو كان مجرد فزاعة، يستوجب التصدي له بحزم، بانتهاج كل الأساليب والأدوات على كافة الصعد الفكرية والسياسية والإعلامية والكفاحية، وإجهاضه قبل أن ينمو ويكبر ويصبح أمرا واقعيا، ومن خلال تجديد وتفعيل كل المرجعيات الدولية التي توفر إطاراً عاماً لحل القضية الفلسطينية وبمزيد من التنسيق الفلسطيني العربي، ونبذ حالة الانقسام الفلسطيني التي توفر الذرائع والمبررات لهذه الخيارات.
  • لا خلاف على أن الشعبين الأردني والفلسطيني تربطهما أقوى الصلات التاريخية، والمصير الواحد، والمصالح المشتركة، ولا يعترض أي وطني (أردني أو فلسطيني) على تمتين وترسيخ العلاقات بين البلدين، ضمن أي صيغة وحدوية، انطلاقا من مبادئ العروبة والوحدة والهم المشترك؛ ولكن شريطة أن لا تخدم تلك الصيغة المشروع الإسرائيلي، أو تكون استجابة لإملاءات أمريكية؛ فلا يوجد أردني يقبل بتصفية القضية الفلسطينية، ولا يوجد فلسطيني يقبل بإلغاء الدولة الأردنية.

الهوامش:

[*] باحث مقيم في رام الله.

[1] د. موسى الحسامي العبادي، الوطن البديل، زاد الأردن.    http://www.jordanzad.com/print.php?id=72892

[2] فهد الخيطان، الوطن البديل ليس وهما، صحيفة الغد الأردنية، 25-2-2014.         http://www.alghad.com/articles/505624

[3]  جميل النمري، “ما هو الوطن البديل” جريدة الغد الأردنية،   http://www.factjo.com/pages/aticleviewpage.aspx?id=4298#sthash.wjwt5lut.dpuf

[4] لميس أندوني، عن أي كونفدرالية تتحدثون، العرب اليوم. 16-12-2012.   http://alarabalyawm.net/?p=122447

[5] د. أحمد جميل عزم، الوطن البديل والتمثيل، الغد الأردنية. 29-1-2014.    http://www.alghad.com/articles

[6]  تجدد الحديث عن الوطن البديل، جريدة القدس، 21-7-2008.       http://www.alquds.com/news/article/view/id/29100

[7] د. ناجي شراب، الوطن البديل جهل أم تجاهل، المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات.

[8] المصدر نفسه.

[9] بيسان عدوان، خيار الوطن البديل-دولة فلسطين القادمة في الأردن، الحوار المتمدن، العدد 1349، 16-10-2005.

[10] المصدر نفسه.

[11] ممدوح حمزة، مشروع الوطن البديل بدأ بالفعل في سيناء، صحيفة المصري اليوم، 5-9-2012.         http://www.almasryalyoum.com/News/details/161755

[12] علاء عادل، عماد أديب يكشف مخطط الوطن البديل للفلسطينيين. 28-8-2013.     http://www.albawabhnews.com/125737