[*]عليان الهندي
بعد توقف في مسيرة السلام والمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لأكثر من أربعة أعوام، ونتيجة لمصلحة إسرائيلية وأمريكية، عاد الطرفان لطاولة المفاوضات على أمل منهما (على الأقل في الجانب الفلسطيني) بالتوصل لحل نهائي يلبي متطلبات الحد الأدنى الفلسطينية المتمثلة بإقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967م. ونظراً لمعرفة الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، بعناصر الحل النهائي الأساسية وحتى التفصيلية نتيجة للمفاوضات السابقة التي جرت على مدار أكثر من عقدين ماضيين، فإن تقرير “المطالب الأمنية الإسرائيلية من الدولة الفلسطينية” هو جزء من سلسلة تقارير نحاول فيها تسليط الأضواء على المواقف الإسرائيلية المختلفة من قضايا الحل النهائي مع الفلسطينيين، إذا تم التوصل له.
يذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألقى خطاباً مشهوراً في مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار إيلان بتل أبيب، صرح فيه أنه يوافق على حل دولتين لشعبين، شريطة اعتراف الفلسطينيين ببقاء الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، وبيهودية الدولة العبرية. وبعد الخطاب تنافست مراكز الأبحاث والمخططون العسكريون الإسرائيليون وبعض جنرالات الجيش السابقين والحاليين في طرح ومحاولة طرح المطالب الأمنية الإسرائيلية من الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح في حال قيامها.
وكان “الحق التاريخي لليهود” في فلسطين والأمن من مكونات الصهيونية منذ نشأتها وتبنيها مبدأ “السور والبرج”1 حتى هذا اليوم في تعاملها مع الفلسطينيين خاصة ما يتعلق بالحل النهائي معهم. وعلى أية حال، لم يشغل الأمن وعناصره حيزاً مهماً وحاسماً في عملية السلام، بل كان الهدف الدائم هو إطالة وتخليد الاحتلال والمحافظة على المستوطنات القائمة نظراً لوجود تيار صهيوني (علماني ومتدين) حاكم يعتقد بأن عامل الوقت يعمل لصالح إسرائيل، وليس في صالح الفلسطينيين والعرب.
ملخص تاريخي
لم تحتج فلسطين قبل احتلالها من بريطانيا عام 1917 إلى أية تسويات أمنية مع جاراتها كونها من ناحية جغرافية تشكل موقعا استراتيجيا لربطها آسيا بإفريقيا، وتاريخيا كون حضارتها وإرثها الديني والثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي جزءا لا يتجزأ من المنطقة العربية والإسلامية (الإمبراطورية العثمانية). ونتيجة لذلك، كانت فلسطين -على مر التاريخ- معبرا مهما للقوى الغازية الطامعة في المشرق العربي. واعتبر أي ضعف لفلسطين من الناحية الأمنية، ضعفا وخرقا للأمن القومي العربي والإسلامي. وعليه، كانت المحافظة على فلسطين جزءا من المحافظة على أمن المنطقة من أي عدوان أو غزو خارجي. الأمر الذي تطلب إعطاء جهد خاص من الدولتين العربية والإسلامية للمحافظة على أمنها أكثر من أية منطقة أخرى تابعة لها.
ونتيجية لاتفاقية سايكس بيكو القاضية بتقسيم المشرق العربي، ووعد بلفور بمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين، بدأت الحركة الصهيونية، ومن بعدها دولة إسرائيل البحث عن تسويات أمنية تحفظ وجودها من الزوال والتصدى لأي هجوم عربي عليها كونها جسماً غريباً في المنطقة.
وبالتعاون مع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة فيما بعد، وضعت إسرائيل العناصر الأمنية الأساسية والإستراتيجية الكفيلة بحمايتها والمتمثلة:
- إضعاف الدول العربية من خلال التعاون مع قوى الاستعمار في المنطقة لشن العدوان مثل (حرب السويس 1956)، وتشجيع وتدريب قوى الانفصال غير العربية (الأكراد في العراق)، والتحالف مع دول غير عربية مثل إيران (الشاه رضا بهلوي).
- المحافظة على تفوق الأسلحة الإسرائيلية التقليدية على كل الأسلحة العربية، والهجوم المضاد المسبق وفق منطق الردع.
- اعتبار الأردن منطقة فاصلة بين إسرائيل وبين الجبهة الشرقية (العراق) وفق المفهوم الإسرائيلي.
- امتلاك قنابل وقدرات نووية كحام لوجود دولة إسرائيل من الزوال، والعمل على حرمان الدول العربية منها.
- إقامة تحالف إستراتيجي مع الدولة العظمى كبريطانيا قبل الحرب العالمية الثانية، ومن ثم الولايات المتحدة2.
وشكلت منطقة ما أصبح يعرف بعد نكبة عام 1948م بالضفة الغربية وقطاع غزة مشكلة وخرقا أمنيا واضحا لأمن إسرائيل، لم تنجح الدول العربية في استغلاله لصالحها ومن ثم فقدت هاتين المنطقتين لصالح إسرائيل في عدوان شنته إسرائيل على دول الطوق العربية في عام 1967م.
هزيمة العرب السريعة، وعدم قدرة إسرائيل على تنفيذ مخططها الرامي لتهجير سكان الضفة الغربية وقطاع غزة من مناطقهم، وبناء مستعمرات جديدة لإسكان اليهود، دفعها للبحث عن مبررات أمنية لتخليد سيطرتها على الضفة الغربية وقطاع غزة وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم.
وجاءت المبررات الأمنية على شكل مستعمرات وقواعد عسكرية ومحطات إنذار، وغيرها من الإجراءات.
وخلال بحثها عن حل للقضية الفلسطينية ظل الأمن “البقرة المقدسة” لإسرائيل إن كان في المخططات التي طرحتها (مثل خطتي ألون وشارون وغيرهما) أو من خلال المفاوضات مع العرب (مصر في عهد الرئيس المصري أنور السادات أو مع الأردن في عهد الملك حسين) ومع الفلسطينيين منذ بداية أوسلو.
الأبعاد الأمنية لخطتي ألون وشارون
أشغل عرض فلسطين الجغرافي الضيق (في أضيق منطقة من فلسطين يبلغ عرض “إسرائيل” من 14-20 كم وهي في حدود ما أصبح يعرف بالخط الأخضر مع دولة إسرائيل، وهي المنطقة التي يوجد فيها 70% من السكان والمنشآت الإسرائيلية اليهودية) المخططين والقادة العسكريين الإسرائيليين. وكانت خطة ألون التي عرضت في شهر تموز (يوليو) عام 1967 تحت عنوان “مستقبل المناطق وطرق حل مسألة اللاجئين” أول هذه المخططات التي حملت في طياتها الكثير من التفاصيل -لن اتطرق إليها- بما في ذلك الأبعاد الأمنية[3].
واعتقد ألون أن إسرائيل تواجه تهديدين أساسين: الأول -تهديد داخلي، يتمثل بوجود أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، يهدد دولة إسرائيل كـ”دولة يهودية وديمقراطية”، حيث كان الحل بالنسبة له هو إجراء مفاوضات مع “زعماء محليين” لإقامة قطاع حكم ذاتي مرتبط مع إسرائيل اقتصاديا ودفاعيا وتقنيا وعلميا. ومن أجل مواجهة مقاومة الفلسطينيين اقترح إقامة قطاع أمني[4] في “غرب الضفة الغربية” حيث انتشرت المستعمرات والمعسكرات الإسرائيلية في هذه المنطقة.
ولمواجهة التهديد الثاني– القادم من الشرق اقترح ألون إيجاد قطاع أمني شرقي[5] على طول غور الأردن تستثنى منه أريحا كمدخل لعلاقة مستقبلية بين الحكم الذاتي الفلسطيني وبين المملكة الأردنية الهاشمية، وتكون هذه المنطقة خط الدفاع الثاني عن الدولة العبرية في مواجهة أي هجوم عربي من الشرق[6]. كذلك اعتقد ألون أن الدفاع عن الدولة العبرية في مواجهة التهديدات الخارجية الجنوبية يتطلب منها احتلال واستعمار منطقة العريش المصرية، لكي تصبح المنطقة “محطة إنذار متقدمة” لإسرائيل تستطيع من خلالها مواجهة أي هجوم مصري في الأراضي المصرية فقط[7]، بدلا من نقل المعركة إلى داخل إسرائيل. أما من الشمال فقد اعتبر ألون أن احتلال هضبة الجولان وبناء مستعمرات ووجود قواعد عسكرية فيها سيجعلها قاعدة عسكرية متقدمة لمواجهة أي هجوم من سوريا ولبنان عليها.
لكن مشروع ألون فشل في توطين اليهود في غور الأردن، وأخليت مستوطنات ياميت في صحراء سيناء بعد توقيع اتفاقية السلام (كامب ديفيد) ولم تنجح بتوطين عدد كبير من اليهود في هضبة الجولان. غير أنها نجحت في نهاية المطاف في السيطرة على مزيد من أراضي الفلسطينيين في غرب وغور الضفة الغربية تحت مبررات الأمن والدفاع عن الدولة العبرية.
وفي الوقت الذي عملت فيه خطة ألون على التخلص من الفلسطينيين وحماية ما يسمى بحدودها من مقاومة الفلسطينيين والعرب وبقاء المعركة في أرض العدو على حد وصفه، جاءت خطة شارون الداعية لمحاربة المقاومة الفلسطينية من الداخل. غير أن المقاصد الحقيقية، لشارون وخطته (طرحت في 29 أيلول (سبتمبر) 1977، كانت هي الاستيطان وقضم المزيد من أراضي الفلسطينيين.
وادعى شارون أن خطة ألون جاءت لحماية حدود إسرائيل الخارجية من أية هجمات خارجية، أي حماية دولة إسرائيل من الإبادة، في حين أن خطته تدعو لحماية تل أبيب والمدن الإسرائيلية من نابلس وجنين ورام الله، أي مقاومة ما أسماه “الإرهاب” من داخل المدن الفلسطينية والمحافظة على استقرار دولة إسرائيل من الانهيار الداخلي في حال نشوب مقاومة فلسطينية مسلحة[8].
واعتقد شارون أن الأمن الإسرائيلي الداخلي لا يحفظ إلا بالانتشار الاستيطاني على ظهور الجبال الواقعة في قلب المدن الفلسطينية وفي داخل المدن الفلسطينية نفسها[9].
كذلك دعت خطة شارون إلى السيطرة على محاور الطرق الرئيسية في الضفة الغربية بما في ذلك الشوارع التي شقتها إسرائيل بحجة المحافظة على الأمن وتسريع تحرك القوات الإسرائيلية في حال هجوم من الشرق مثل شارع ألون المطل على الغور وشارع عابر السامرة.
يذكر أن خطة شارون سبق وقدمها البروفيسور من جامعة حيفا أبراهام فيكمن إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين ورفضها لأنها تمنع مستقبلا أي اتفاق سلام مع العرب. وتدعو الخطة إلى إعادة انتشار اليهود في كل فلسطين بدلا من تجمعهم في “دولة مدينة” على الساحل، وإسكانهم على ظهور الجبال في الضفة الغربية. وتجمع الخطة بين العناصر التي طرحها ألون وبين الخطة التي طرحها موشيه ديان المسماة الكتل “القبضات”. لكن شارون الذي عمل في ذلك الحين مستشارا لرئيس الوزراء إسحاق رابين اطلع على الخطة وتبناها، وأضاف عليها طابعه الخاص.
ونتيجة لتنفيذ الخطة على الأرض قطعت أوصال الضفة الغربية إلى ثلاثة تجمعات فلسطينية يفصل بينها مستوطنات وطرق طولية وعرضية. ولم يعد الجيش الإسرائيلي يسيطر وحده، بل امتدت السيطرة إلى المستوطنين أيضا، الذين ينشرون الخوف والرعب في شوارع الضفة الغربية بهدف التضييق على الفلسطينيين ودفعهم للهجرة الطوعية. ونتيجة لذلك أصبح من المحال التوصل لاتفاقية سلام مع الدولة العبرية، نتيجة ما تسميه الأمن الذي لبس كليا ثوب الاستيطان.
وهنا، لا بد من إشارة أخيرة إلى مشروع موشيه ديان المسمى الكتل (القبضات) أو “السلام الاقتصادي[10]” أو “الاندماج الاقتصادي”، التي قدمها في 20 آب (أغسطس) عام 1967م، والتي نصت على قيام التجمعات المدنية الاستيطانية في الضفة الغربية. ونتيجة لذلك، أقيمت مدن إسرائيلية في الضفة الغربية مثل غوش عتصيون ومعاليه أدوميم وأريئيل وفي جنين، وهي التي تشكل اليوم إحدى العقبات الأساسية أمام التقدم في مسيرة السلام[11].
المطالب الأمنية الإسرائيلية في كامب ديفيد الثانية
حسب الوثيقة التي نشرها غلعاد شير في كتابه “على بعد خطوة”، وهي ملحقة بالكتاب ومعنونة بـ”اتفاق إطار على الوضع النهائي- مسودة عمل داخلي من قبل طاقم المفاوضات”. أحاول طرح المطالب الأمنية الإسرائيلية من الفلسطينيين في مؤتمر كامب ديفيد الثانية، وهي كثيرة ومتنوعة تفرغ الدولة الفلسطينية من مضمونها وسيادتها وتحولها لكيان ملحق بإسرائيل.
ووفق الوثيقة تحتفظ إسرائيل بقوات عسكرية بشكل متواصل ومستقل وبمحطات إنذار مبكر في فلسطين وبمناطق أمنية في غور الأردن وعلى طول الحدود مع مصر، وفي مناطق معدة للانتشار في حالات الطوراىء، لسنوات عديدة[12]. كذلك تطلعت إسرائيل إلى تخصيص مناطق محددة يحق لإسرائيل من خلالها الاحتفاظ بمواقع عسكرية دائمة أو تعزيزها في حالات الطوارئ. وفي المنطقة المحددة تطبق قيود حول التخطيط والبناء الفلسطيني[13]. وذكرت الوثيقة أن إسرائيل ستحتفظ بمواقع عسكرية في فلسطين. وطالبت إسرائيل بحق الوصول إلى هذه المناطق بحرية وبدون قيود عبر الطرق المخصصة لها، وبأن تلتزم فلسطين بضمان أن النشاطات الفلسطينية لا تمس باستخدام فاعل للمواقع المذكورة أعلاه[14].
كذلك تحتفظ إسرائيل بخطوط التنقل -خطوط المواصلات- مثل شارع ألون وعابر السامرة وشارع 433 وشارع القدس أريحا للحركة الإسرائيلية الحرة وغير المحدودة من وإلى المناطق المذكورة أعلاه. وفي حالة تهديد قريب بهجوم عسكري تعطى لإسرائيل أولوية استخدام هذه الشوارع بحرية وبدون قيود على تحركات الجيش الإسرائيلي وطواقمه. وتأخذ فلسطين على عاتقها ضمان أن الأعمال الفلسطينية لا تمس من خلال الاستخدام المكثف بخطوط المواصلات المخصصة لإسرائيل[15].
وبحجة أن الواقع الجغرافي والطبوغرافي لفلسطين لا ينقسمان، وعدم إمكانية إدارة مجال جوي وبحري وكهرومغناطيسي فلسطيني مستقل، ومن أجل مصالح إسرائيل الحيوية، تسيطر إسرائيل على المجال الجوي الفلسطيني الذي سيخضع للإشراف والرقابة والإدارة الإسرائيلية الموحدة، وعلى المجال البحري، وعلى الأطياف الكهرومغناطيسية[16].
وتخضع الطواقم الإسرائيلية في المناطق الأمنية والمناطق المحددة والمواقع العسكرية أو في خطوط المواصلات الموصولة إليها للقانون والمسؤولية الإسرائيلية فقط[17].
وتحدثت الوثيقة عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح لها قوة أمن وشرطة بما في ذلك شرطة بحرية مسلحة بأسلحة خفيفة بهدف المحافظة على الأمن الداخلي، وتطبيق القانون والنظام العام ومحاربة الإرهاب فقط. ويتم تسليح قوى الأمن والشرطة الفلسطينية وفق تسليح قوى الشرطة في أوروبا الغربية. وبما يتلاءم مع عدد السكان. ويمنع على الدولة الفلسطينية استيراد أو تصنيع الأسلحة الثقيلية والمتوسطة مثل العبوات الناسفة الجانبية أو الصواريخ الخفيفة وراجمات الصواريخ. ويتفق على تسويات خاصة متعلقة بتصدير وتطوير وإنتاج المعدات الأمنية والعسكرية أو المواد ذات الاستخدام الثنائي (عسكري/ مدني) في فلسطين بالاتفاق النهائي.
وأضافت الوثيقة، أن الدولة الفلسطينية ستعمل على حل العناصر المسلحة الأخرى داخل أراضيها، وتحارب “الإرهاب” بكل أشكاله، لاعتباره عنصراً حاسماً في الجهود المشتركة للوصول إلى علاقات سلام واستقرار. كذلك تشكل إسرائيل وفلسطين نظام أمن حدودي على طول حدودها بهدف مراقبة الحركة بين الحدود وتطبيق سلطة القانون، وتشكل لجنة تعاون مشترك في المجال الأمني تعمل، بالإضافة إلى أدوارها الأخرى، كطاقم لحل كل النزاعات المتعلقة بالأمن.
وذكرت الوثيقة أن الدولة الفلسطينية ستتخذ كل الخطوات المطلوبة بهدف منع أعمال حربية أو معادية وعنيفة موجهة ضد الطرف الآخر وضد من يقع تحت سيطرتها (المقصود هنا المستوطنات والمستوطنين) أو ضد أملاكهم. ولن تسمح فلسطين بدخول أو انتشار أو وضع أو عمل داخل أراضيها أو انتقال عبر أراضيها واستخدام مجالها الجوي ، أو دخول مياهها الإقليمية لقوات أو أسلحة أو معدات أو أية مواد عسكرية أو أمنية لأي طرف ثالث إلا إذا اتفق الطرفان على ذلك. ولن تصبح طرفا في حلف أو اتفاق أو أي نشاط مشترك ذي طابع عسكري أو شبه عسكري أو أمني.
المطالب الأمنية لحكومة نتنياهو الحالية
منذ فترة حكمه الأولى عام 1996 اعتقد نتنياهو أن إمكانية الحل مع الفلسطينيين غير واردة نظرا لمطالب إسرائيل الإستراتيجية في الضفة الغربية، وجل ما بحث عنه في الموضوع الفلسطيني هو منح الفلسطينيين حكما ذاتيا موسعا، تحافظ فيه إسرائيل على مصالحها الحيوية من دون إدارة حياة الفلسطينيين. وبعد انتفاضة النفق عام 1996 ونتيجة للضغط الأمريكي أجرى بنيامين نتنياهو مفاوضات مع الشهيد ياسر عرفات في الولايات المتحدة بمنتجع واي ريفر أسفرت عن اتفاق “واي ريفر”. ونتيجة للضغوط الدولية خاصة الأمريكية منها، أعلن نتنياهو بخطابه في جامعة بار إيلان عن موافقته على دولة فلسطينية شريطة أن تكون دولة منزوعة السلاح وأن يعترف الفلسطينيون بيهودية دولة إسرائيل، بعد أن فشل في تسويق السلام الاقتصادي[18]. ولم يحدد نتنياهو مطالبه الأمنية في خطابه، كما رفض تحديدها في “مفاوضات التقريب” التي جرت برعاية أمريكية وإشراف السيناتور الأمريكي السابق جورج ميتشل خلال جولاته المكوكية في المنطقة. لكن نتنياهو وخلال فترتي حكمه اشترط التفاوض أولا على التسويات الأمنية المستقبلية.
لكن، لا يخفى على أحد أن نتنياهو يطمح بالسيطرة على ما نسبته 40% من الضفة الغربية تحت شعار إقامة “مناطق أمنية[19]“ أو “مناطق دفاعية[20]“ تضم 85% من المستوطنين (تضم من 5-7 كتل استيطانية من أهمها معاليه ادوميم وأريئيل وغوش عتصيون)، وتضع غور الأردن (باستثناء أريحا وضواحيها) وشمال البحر الميت وبرية القدس وبرية بيت لحم وجزءاً من برية الخليل (التي تسميها إسرائيل صحراء يهودا) تحت سيطرة إسرائيلية لفترات طويلة جدا تمتد من 20-45 عاماً بحجة مواجهة المخاطر القادمة من الجبهة الشرقية، ومواجهة التحديات التي خلقها “الربيع العربي” لإسرائيل خاصة التهديدات التي تسميها إسرائيل تهديدات قادمة من جهات “إسلامية جهادية متطرفة” منتشرة في سيناء والجولان وقطاع غزة وربما تنتشر مستقبلا في الأردن. وكذلك مواجهة الحشودات الشعبية على الحدود المختلفة لإسرائيل كتلك التي حدثت في “مسيرة العودة” عام 2011م.
ومن أجل مواجهة التحديات المذكورة تريد إسرائيل المحافظة على معسكرات الجيش الإسرائيلي في غور الأردن وبناء مطار عسكري، وتوفير بنية تحتية للتصدي لـ “الارهاب الجوي” العابر للحدود من قبل “التنظيمات” الإسلامية المتطرفة” على حد وصفهم، ونشر بطاريات صواريخ الباتريوت على طول الحدود مع الأردن للتصدي للصواريخ التي قد تطلق على إسرائيل، والمحافظة على محطات الإنذار المبكر المنتشرة على طول الحدود، وغير ذلك[21]. لكن الحقيقة هي أن إسرائيل تخطط لبناء المزيد من المستوطنات والمتنزهات العامة والحدائق لمد حدود بلدية القدس حتى مشارف البحر الميت[22]. كذلك تتطلع إسرائيل إلى السيطرة على الجبال المطلة على غور الأردن التي تطل على شارع ألون فيما سماه نتنياهو نفسه بـ “ألون +”.
ومتمشيا مع نهج شارون وأولمرت يسعى نتنياهو لتعزيز “المنطقة الأمنية الغربية” التي أقيمت على طول الخط الأخضر مع حدود دولة إسرائيل لحماية ما تسميه إسرائيل “مطار بن غوريون” في اللد والتجمعات السكانية اليهودية في الشريط الساحلي وحماية شارع عابر إسرائيل (شارع رقم 6) من الصواريخ قصيرة المدى وقذائف الهاون التي قد تطلق من أراضي الضفة الغربية[23].
كما تطالب إسرائيل بالسيطرة وإعطائها الأولوية بالتحرك في محاور الطرق الرئيسية في الضفة الغربية (مثل عابر السامرة وطريق ألون وشارع 443 وغيرها من الشوارع) التي شقتها هي من أجل تسهيل تحريك قواتها وكسر أي حصار مستقبلي أو قطع مستقبلي لإسرائيل في أضيق مناطقها (تسميها إسرائيل الخاصرة الضيقة التي يبلغ عرضها من الخط الأخضر ما يقارب 15 كم هوائياً). الأمر الذي يعني أن إسرائيل تتطلع إلى تحويل التجمعات الفلسطينية إلى كانتونات[24].
كذلك ترغب إسرائيل بالسيطرة على الأطياف المغناطيسية (وسائل الاتصال الحديثة والتقليدية) في الضفة الغربية وقطاع غزة من دون أية مشاركة فلسطينية الأمر الذي يحرم الدولة الفلسطينية المستقبلية عنصرا مهما من عناصر سيادتها.
وستطالب إسرائيل من الفلسطينيين عدم عقد الدولة الفلسطينية بعد قيامها أية اتفاقيات دفاعية أو تتعارض مع مصالح إسرائيل الأمنية مع أي طرف كان[25]. وبخصوص تسليح الدولة الفلسطينية المستقبلية يمنع عليها إدخال الصواريخ أو القذائف على مختلف أنواعها أو الصواريخ المضادة للطائرات أو الدبابات، أو أية أسلحة ثقيلة[26].
كما ستطلب إسرائيل إشراك الأردن ومصر في أية تسويات أمنية مستقبلية مع الفلسطينيين لضمان عدم تهريب الأسلحة للضفة الغربية وقطاع غزة[27].
كذلك سترفض إسرائيل وجود أية قوات دولية في الضفة الغربية لأنها تعتبر كل فلسطين وحدة أمنية واحدة لا يجوز إدخال أية قوات غريبة إليها بما في ذلك قوات غربية لأن هذه القوات لم تنجح في حماية أمن دولة إسرائيل كما هو الحال في جنوب لبنان وفي الجولان في الوقت الحاضر[28].
وبخصوص قطاع غزة، وعندما انسحبت إسرائيل بشكل أحادي الجانب ومن دون طلب ثمن ذلك من الفلسطينيين، طلبت من الولايات المتحدة ضمانات -منحت لها- مقابل الانسحاب بالمحافظة على سيادة إسرائيل على المجالين الجوي والبحري ورقابة على الداخل والخارج من معبر رفح البري[29]. ويبدو أنها لن تتنازل عن هذا المطلب في أية مفاوضات مع الفلسطينيين بخصوص المنطقتين في حال وُحدت المنطقتان سياسيا.
خلاصة
ذكر شلومو غازيت في كتابه “الطعم في المصيدة” أن إسرائيل تتطلع إلى تسويات أمنية في الحل النهائي مع الفلسطينيين لا يلعب فيها “القدر” دورا. أي أنها تتطلع إلى تسويات أمنية تأخذ بعين الاعتبار، كل مطالب إسرائيل الأمنية الاستراتيجية والتكتيكية من دون أن تأخذ بعين الاعتبار أي مطلب للفلسطينيين يتعلق بأمنهم ووجودهم خاصة أنهم الطرف الأضعف والمعتدى عليه وعلى حقوقه منذ أكثر من قرن من الزمان.
وعلى فرض أنه تم التوصل لحلول لقضايا القدس والمستوطنات والحدود والمياه وغيرها من القضايا المتعلقة بالحل النهائي، فإن المطالب الأمنية الإسرائيلية تفرغ الدولة الفلسطينية المستقلة من أي مضون سيادي أو حتى رمزي.
فمجمل المطالب الأمنية الإسرائيلية، تعني بوضوح أن الدولة الفلسطينية المستقبلية هي كيان وظيفي فرعي مقسم يتحكم فيه موظفون يهود يتواجدون في المعابر البرية والجوية والبحرية لهذه الدولة، وتدار بواسطة ضباط المعسكرات والمناطق الأمنية التي تطمح إسرائيل بوجودها في الضفة الغربية في الحل النهائي.
كما أن التسويات الأمنية التي تقترحها إسرائيل على الفلسطينيين في الحل النهائي تقطعهم بشكل غير طبيعي عن واقعهم ومحيطهم وامتدادهم الطبيعي مع العالم العربي والإسلامي، وتحولهم لكيان غريب آخر في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى ضوء مطلب الفلسطينيين بدولة مستقلة ذات سيادة، ورفضهم وجود أي قوات إسرائيلية في الضفة الغربية في الحل النهائي، فإنهم سيجدون صعوبة في التوصل لحل مع الدولة العبرية، التي تتطلع لمصالحها فقط من دون أخذ مصالح العرب أو الفلسطينيين بعين الاعتبار.
الهوامش
[*] باحث في الشؤون الإسرائيلية، ومترجم عن اللغة العبرية، مقيم في رام الله.
- نوع من الاستيطان الداعي إلى الاستيطان في قلب المناطق العربية ووضع برج حراسة وأسيجة لمنع التسلل إلى داخل المستعمرة وحمايتها من العرب على حد وصفهم.
- إلياهو أغرس، ما هو الدافع لألون، دفار، 31 كانون الأول (ديسمبر) عام 1969، من أرشيف يغيئال ألون.
- برنيع ناحوم، في الجبل والغور أيضا، صحيفة دافار، 12 أيلول (سبتمبر) 1969.
- خارطة الجدار تشبه إلى حد بعيد الذي بني في أواسط العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
- الإجراءات الإسرائيلية في برية القدس تسير بنفس الاتجاه حيث تحاول إسرائيل السيطرة على المنطقة الصحراوية الممتدة من شارع رقم واحد الذي يصل القدس بأريحا حتى جسر الملك حسين (منطقة ممتدة من برية القدس ومرورا ببرية بيت لحم حتى برية الخليل.
- شاليف أرييه، الضفة الغربية –خط الدفاع الثاني عن دولة إسرائيل، ص 220، جامعة تل أبيب، مركز يافا للدراسات الاستراتيجية، 1978 .
- ألفر يوسي، مستوطنات وحدود في الحل النهائي، ص 20، مركز يافا للدراسات الاسترتيجية في جامعة تل أبيب، 1995.
- المصدر نفسه، ص 22.
- المصدر نفسه، ص 23.
- يبدو أن نتنياهو طرح خطته للسلام الاقتصادي اعتمادا على مشروع موشيه ديان مع تطوير فكرة ربط السكان الفلسطينيين اقتصاديا مع المستوطنين، بديلا عن ربطهم اقتصاديا مع إسرائيل بعد اكتمال بناء الجدار.
- غازيت شلومو، الطعم في المصيدة، ترجمة عليان الهندي، ص 170، مؤسسة باب الواد للاعلام والصحافة، 2001.
- الهندي عليان، الجدار الفاصل، وجهات نظر إسرائيلية في الفصل أحادي الجانب، ص 133، الحملة الشعبية للسلام والديمقراطية، 2004. الوثيقة في الكتاب ترجمت من كتاب غلعاد شير، على بعد خطوة، الذي يتحدث عن المفاوضات التي سبقت كامب ديفيد وخلاله.
- المصدر نفسه، ص 134.
- المصدر نفسه.
- المصدر نفسه، ص 134.
- المصدرنفسه،
- المصدر نفسه،
- المصدر نفسه.
- إلدار عقيبا، الخارطة التي لا يوجد شريك لها، الموقع الاليكتروني لصحيفة هأرتس، haaretz.co.il، 6/7/2010.
- أراد عوزي، الاحتياجات الأمنية الأساسية لإسرائيل في الحل النهائي مع الفلسطينيين، يوم دراسي عقد في المركز المقدسي للشؤون العامة والدولة في 22/6/2010.
- المصدر نفسه ، محاضرة الجنرال احتياط عوزي ديان.
- المصدر نفسه ، محاضرة الجنرال احتياط عوزي ديان.
- الجبهة الأمامية للقدس، دراسة حول مشروع استيطاني يمتد حتى البحر الميت، صدر عن مركز القدس للدراسات الإسرائيلية عام 2008.
- محاضرة الجنرال عوزي ديان، حدود قابلة للدفاع عنها لضمان مستقبل إسرائيل، يوم دراسي حول الاحتياجات الأمنية الأساسية لإسرائيل في التسوية مع الفلسطينيين 22/6/2010.
- أريئيلي شاؤول، أرض إسرائيل ضد دولة إسرائيل- الأرض والأمن والاستيطان، مجلة أفق جديد 10/6/2005.
- محاضرة الجنرال احتياط يعقوب عميدرور، المخاطر الكامنة في وضع قوات غريبة في غور الأردن، المصدر نفسه.
- محاضرة الجنرال احتياط أهارون زئيفي بركش، محاضرة مبادئ أساسية في دولة فلسطينية منزوعة السلاح، المصدر نفسه.
- محاضرة الجنرال احتياط غيورا أيلاند، تغير طابع التهديدات وتأثيرها على التسويات الأمنية المطلوبة، المصدر نفسه.
- دوري غولد، محاضرة الولايات المتحدة والحدود التي يمكن الدفاع عنها. المصدر نفسه، عمل غولد سفيرا لإسرائيل في الأمم المتحدم وهو من الشخصيات المقربة من بنيامين نتياهو.