د. مواهب تحسين القط

 المقدمة

منذ أن احتلت بريطانيا فلسطين عام 1917، بدأ عدد من القادة السياسيين والمفكرين الصهاينة بطرح عدد من الأفكار، ثم تلا ذلك طرح عدد من المشاريع الصهيونية، التي كان الهدف منها جميعها إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين، ومال الطرح الصهيوني في البداية إلى إنشاء دولة ثنائية القومية، لكن بعد حرب 1948، اختلفت الرؤية الصهيونية لتسوية القضية الفلسطينية؛ بسبب هزيمة الدول العربية خلال حرب عام 1948، وما ترتب عنها من قيام إسرائيل، واعتراف معظم دول العالم بها ودعمها عسكريّاً وسياسيّاً من قبل بريطانيا، ومن ثمّ الولايات المتحدة الأميركية. وبعد حرب 1967، ازداد الموقف الإسرائيلي تعنتاً وصلابة، وأصر قادة إسرائيل الصهاينة في أفكارهم، ومن ثم في مشاريعهم، على عدم التنازل عن أي شبر من الأراضي العربية التي احتلوها عام 1967، وزادوا على ذلك بالدعوة إلى تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة، ودارت هذه الأفكار والمشاريع حول تسوية القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، ولكن في هذه الدراسة، سيتم تسليط الضوء على ما يتعلق بتسوية القضية الفلسطينية.

أولاً: الأفكار والمشاريع الصهيونية لتسوية القضية الفلسطينية من 1918-1948

بدأت هذه الأفكار في المؤتمر الذي عقدته اللجنة الصهيونية في حيفا في كانون الأول (ديسمبر) عام 1918، وطالبت خلال هذا المؤتمر بتنفيذ وعد بلفور، وإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين، وتغيير اسم فلسطين إلى أرض إسرائيل([1]). وفي العام نفسه، طرح ديفيد بن غوريون فكرة إقامة حكمين ذاتيين لليهود وللعرب في الشؤون الثقافية والاقتصادية والاجتماعية كافة([2]). وبعد أحداث البراق، تطورت أفكاره تجاه هذا الطرح، فدعا إلى تجزئة فلسطين إلى كنتونات تتمتع باستقلال ذاتي، بعضها عربي والآخر يهودي، ويكون لكل كنتون برلمان وحكومة، ويتحد الاثنان ضمن اتحاد فيدرالي يترأسه المندوب السامي، وتتكون الحكومة الفيدرالية من تسعة وزراء، ثلاثة من العرب، وثلاثة من اليهود، وثلاثة من البريطانيين. وعارض بن غوريون فكرة انتخاب المجلس التشريعي حسب نسبة السكان، مدعياً أنه سيكون برلماناً عربيّاً وقال: “إنني أرفض حق عرب فلسطين في السلطة الوحيدة على الأرض”. وبعد ذلك، جاء بأفكار جديدة تقوم على فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين تتمتعان بقدر من السيادة، على أن يكون هناك مجلس حاكم بين العرب واليهود والبريطانيين، ويمثل هذا حكومة فلسطينية إلى جانب هيئة تشريعية نيابية تمثل مجلس الاتحاد الفيدرالي. ولم يرسم بن غوريون حدود فلسطين الاتحادية، إلا أنه ضم إليها شرق الأردن([3]). لقد كان هدف بن غوريون من هذه الأفكار والتطلعات أن يضع موطئ قدم للصهاينة في فلسطين، ما يخلق أغلبية يهودية، وبالتالي، يكون قد وضع الخطوة الأولى في طريق إنشاء الدولة اليهودية. وفي عام 1934، توجه بن غوريون إلى جنيف، والتقى مع بعض قيادات الحركة القومية العربية متل: شكيب أرسلان، ورياض الصلح، وغيرهما، عارضاً عليهم اتفاقاً لإقامة دولة يهودية في فلسطين وشرقي الأردن مقابل رابطة عربية، إذ يزعم أنّ هذه الرابطة ستجنب السكان الفلسطينيين العرب وضع الأقلية بارتباطهم مع ملايين العرب، إلا أن لقاءاته وجهوده قد باءت بالفشل([4]). ومن المشاريع التي طرحت خلال هذه الفترة:

  1. مشروع الدولة ثنائية القومية 1922

وقد طرح زئيف جابوتنسكي هذا المشروع كرد على الكتاب الأبيض الذي أصدره ونستون تشرشل عام 1922([5]). وتتضمن فكرة ثنائية القومية وجود جماعتين قوميتين في فلسطين، تشكل كل منهما كياناً داخل دولة واحدة، وإعطاء كل قومية أو شعب حقوقاً متساوية في إطار الدولة الواحدة. وتلاشى هذا المشروع مع اندلاع الحرب العالمية الثانية([6]).

وتكمن خطورة هذا المشروع في مساواته بين العرب واليهود، على الرغم من أنّ اليهود شكلوا –آنذاك- فقط ما نسبته 11% من مجموع سكان فلسطين، وبالتالي، كان طرح هذا المشروع كخطوة أولى لتهويد فلسطين.

  1. مشروع فكتور جاكوبسون عام 1932

حيث جاء بطرح جديد عندما دعا إلى إلحاق فلسطين بالعراق وسوريا بعد انتهاء الانتداب، وطالب بتأسيس مجتمعين يقومان على أساس الحكم الذاتي، وتوقع جاكوبسون أن يتحد هذان المجتمعان في دولة أكبر، دولة فيدرالية، تسمى فيدرالية الشرق الأوسط، بحيث يطلق على دولة اليهود اسم إسرائيل، ودولة العرب فلسطين. وتقوم ما سماها دولة إسرائيل على الأرض الفلسطينية الممتدة من النقب إلى حدود فلسطين الشمالية، ووادي الأردن إلى الشمال من بحيرة طبريا، وعبر جاكوبسون عن أسفه، لأن هذه الدولة لا تشمل القدس والبحر الميت([7]).

  1. مشروع دولة فلسطين الفيدرالية عام 1936

عرض هذا المشروع القاضي اليهودي برنارد روزنبلات عضو اللجنة التنفيذية الصهيونية في فلسطين، كرد على القرار الذي أصدرته لجنة بيل عام 1936 القاضي بتقسيم فلسطين، وفصل العرب عن اليهود كل في دولته، واستند فيه إلى المبادئ الأساسية للنظام الفيدرالي الأميركي، وفيه رفض السلام الذي يجعل اليهود أقلية في فلسطين، وبرر هذا الرفض بأن وجود أقلية يتناقض مع فكرة الوطن القومي اليهودي. وصرح أن الصهيونية لا تعني فقط عودة اليهود إلى فلسطين، بل تعني بعث أمة يهودية قادرة على استعادة الماضي، وكان ضد فكرة فصل الدولة اليهودية عن الدولة العربية، وأكد إمكانية خلق تعاون بين الدولتين العربية واليهودية في ظل دولة فيدرالية موحدة. واقترح إلى جانب الدولتين إيجاد منطقة انتداب بريطانية تضم الناصرة وبيت لحم والقدس القديمة. وتشمل الدولة العربية -حسب اقتراحه- شرق الأردن والمثلث الممتد بين جنين وطولكرم ورام الله والرملة ونابلس، بينما تضم الدولة اليهودية منطقة الجليل بأكملها، ومنطقة الحولة، ووادي سارونة، والسهل الساحلي حتى غزة، بالإضافة إلى القدس الغربية([8]).

  1. مشروع بن غوريون عام 1946

بعد أن اجتمع بن غوريون بالإدارة الموسعة للوكالة اليهودية في باريس، طرح مشروعاً كرد على مشروع موريسون([9])، وتضمن مشروع بن غوريون ثلاث أفكار رئيسية، تضمنت الفكرة الأولى إعلان المنطقة التي تحت السيطرة البريطانية في الجانب الشرقي من نهر الأردن –المملكة الأردنية الهاشمية– منطقة محايدة للأبد. أما الفكرتان الثانية والثالثة، فتهدفان إلى قيام دولتين مستقلتين. وجعل الأماكن المقدسة في أرض فلسطين ممتلكات دولية، بحيث تكون القدس جزءاً من تسوية شاملة تتعلق بالأماكن المقدسة كلها في أرض فلسطين، على أن ترث الأمم المتحدة مكان بريطانيا في إدارة هذه المنطقة([10]).

  1. مشروع حزب العمل الإسرائيلي “هاشومير هاتساعير عام 1947

في أواخر نيسان (أبريل) من عام 1947، قدم حزب العمل الإسرائيلي مشروعاً لحل القضية الفلسطينية بصفته حزباً يهوديّاً معارضاً، وذكر أن الوكالة اليهودية هي الممثل الرسمي للشعب اليهودي فيما يتعلق بشؤون فلسطين، وركز الحزب في مشروعه على ثلاث قضايا وهي: رفض التقسيم، ورفض فكرة وجود قومية موحدة في فلسطين، ورفض منح فلسطين استقلالاً آنيّاً. ووجد أن الحل الأمثل يكون في دولة ثنائية يشترك في مؤسساتها العرب واليهود على حد سواء، ولكن رأينا فيما بعد تغيراً واضحاً في أفكار الحزب، فقد طلب من هيئة الأمم المساعدة في إنشاء الوطن القومي اليهودي، ودعم الهجرة اليهودية، ودعم الاستيطان المكثف([11]).

ثانيًا: الأفكار والمشاريع الصهيونية والإسرائيلية خلال الفترة الممتدة من 1948-1966

وجاءت الأفكار والمشاريع الصهيونية والإسرائيلية خلال هذه الفترة مختلفة عما سبقها من حيث الطرح والمضمون، فخلال النقاش الذي دار عند اجتماع إعلان قيام إسرائيل عام 1948، رفض كل من بن غوريون وبيغن وضع حدود ثابتة لإسرائيل([12]). إذ زعم مناحيم بيغن أن الأسلحة العبرية هي التي تقرر ذلك، وعلى الرغم من ذلك، عدَّ إمارة شرق الأردن جزءاً من إسرائيل([13]). وجاء حزب حيروت بنفس الطرح خلال الانتخابات التي جرت في إسرائيل عام 1949، عندما رفض ما جاء في اتفاقيات رودس بين إسرائيل والدول العربية، وما وضع من حدود لدولة إسرائيل في هذه الاتفاقيات، موضحاً أن الوطن القومي اليهودي يشمل ضفتي الأردن، وأن تقسيم الوطن عمل غير مشروع، وأن أي موافقة على هذا التقسيم غير ملزمة للشعب اليهودي، وأن من واجبه أن يعيد الأجزاء المقتطعة من الوطن إلى السيادة اليهودية([14]). وأكد نفس المقترح بن غوريون أثناء خطابه في الكنيست في الخامس من كانون الأول لعام 1949 ([15]). كذلك دعا بيغن أثناء خطابه في الكنيست عام 1950 إلى السيطرة على كامل الأرض الفلسطينية التي عدها أرض إسرائيل([16]).

أما شاريت، فجاء بأفكار مختلفة، إذ مال عام 1948 وأثناء اجتماعه مع الوسيط الدولي برنادوت، لفكرة إنشاء دولة فلسطينية منفصلة، مع تقسيم المنطقة إلى أجزاء، يلحق كل جزء منها بدولة من دول الجوار([17]). أمّا المشاريع التي طرحت خلال هذه الفترة، فكانت كالآتي:

  1. مشروع موشيه شاريت عام 1956

قام شاريت خلال زيارته لواشنطن عام 1956، بإجراء محادثات مع وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية دالاس، وعرض خلال اجتماعه مشروعاً لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، واشتمل مشروعه على موافقة إسرائيل على إجراء تعديلات متبادلة في خطوط الهدنة، بهدف تحسين الأوضاع الأمنية مع رفضها التفاوض على أساس خط التقسيم لعام 1947، واستعداد إسرائيل لجمع الأموال اللازمة من أجل تعويض اللاجئين الفلسطينيين، وقبولها بالقرض الذي عرضته الولايات المتحدة للمساهمة في إعادة توطين اللاجئين وإسكانهم، إلا أن إسرائيل بقيت مصرة على توطينهم في الدول العربية. كذلك عرض قبول إسرائيل بمشروع تطوير نهر الأردن الذي اقترحه جونستون، وفيه تشترك مع الدول العربية في الاستفادة من مياه نهر الأردن واليرموك. واعتبرت إسرائيل هذه الخطوة تنازلاً من طرفها، لأن ما يزيد على نصف الموارد المائية سيذهب للدول العربية([18]). وكان شاريت من الرافضين لهذا المشروع قبل توجهه إلى الولايات المتحدة الأميركية بعام، بحجة أنّ المشروع أعطى الأردن مياه اليرموك كلها و190 مليون متر مكعب من نهر الأردن، وبالمقابل، أعطى إسرائيل من نهر الأردن حوالي 100 مليون متر مكعب. وعزا هذا التقسيم إلى الضغط الذي مارسه العرب على جونستون ووصفه بالكارثة الحقيقية. وأورد –وبسخرية- تبرير الولايات المتحدة لهذه الزيادة بربطها بتوطين اللاجئين الفلسطينيين على الضفة الشرقية من نهر الأردن([19]). وجاء هذا التغير المفاجئ في موقف شاريت من المشروع تماشياً مع السياسة الإسرائيلية القائمة على ادعاء رغبتها في السلام مع العرب للحفاظ على استمرار الدعم الأميركي لها.

  1. مشروع موشيه ديان عام 1959

وفيه عرض ديان فكرة الاتحاد الكونفيدرالي مع الأردن، مبيناً إمكانية امتداد هذا الاتحاد في مرحلة ثالثة ليشمل لبنان. كما أعرب ديان عن أمله في أن يصل تعداد سكان إسرائيل من اليهود خلال عشر سنوات إلى 4 ملايين نسمة([20]).

  1. مشروع أشكول عام 1965

    ردّاً على مقترحات الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي عام 1965، قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول مشروعاً أثناء خطابه في الكنيست الإسرائيلي، يقوم على تسوية سلمية بين العرب وإسرائيل على أساس وضع إسرائيل القائم باستثناء بعض التعديلات الطفيفة عند نقاط معينة على الحدود، كما دعا المشروع إلى إعادة توطين اللاجئين ودمجهم في البلدان العربية التي يعيشون بها، وأكد حرية النقل البري والبحري بين الدول العربية وإسرائيل([21]). إن ما اشتمل عليه المشروع يصب في مصلحة إسرائيل، ففيه تحصل على اعتراف عربي بوجودها، وتسيطر على الموارد الاقتصادية العربية، وتتخلص من عبء قضية اللاجئين الفلسطينيين.

ثالثاً: الأفكار والمشاريع الصهيونية والإسرائيلية خلال الفترة الممتدة من 1967-1978

وبعد حرب 1967، هُزم العرب مرة أخرى أمام إسرائيل، ونتيجة لذلك، احتلت إسرائيل مزيداً من الأرض العربية، وأمام هذا الواقع، طرح القادة الإسرائيليون الصهاينة العديد من الأفكار والمشاريع لتسوية القضية الفلسطينية. فكان هناك اختلاف في الطرح، فالقوى الصهيونية ركزت على ضم معظم الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل منذ 5 حزيران (يونيو) 1967، بحجة أن الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل أصغر من أن تتم تجزئتها، ويمثل هذا الاتجاه القوى السياسية الصهيونية ابتداء من حزب العمل وحتى كتلة الليكود. وكان هناك خوف لدى هؤلاء الصهاينة من تزايد السكان العرب، ما يحول اليهود إلى أقلية، لذلك، شجع الصهاينة الهجرة اليهودية([22]). أما القوى غير الصهيونية، فدعت إلى تجاهل المشكلة الفلسطينية، لأن اللاجئين سيتم استيعابهم في الدول العربية المجاورة، وسيذوبون في هذه الدول، وبعض هذه القوى دعا إلى احتواء المشكلة الفلسطينية بإقامة كيان فلسطيني يتمتع بدرجة من الحكم الذاتي مع ربطه بإسرائيل، ومنع ارتباطه بالعالم العربي، وهناك من رفض السياسات الصهيونية السائدة في أوساط النخبة الإسرائيلية الحاكمة، مثل حركة هاعولام هازبه التي يتزعمها الصحفي الإسرائيلي أوري أفنيري، وتنادي هذه الحركة بانسحاب إسرائيل إلى الحدود القائمة قبل 5 حزيران (يونيو) 1967([23])، إلا أن الأفكار غير الصهيونية بقيت حبراً على ورق؛ لأن مركز الحكم والسياسة بيد القوى الصهيونية التي كانت اتجاهاتها على النقيض من الاتجاهات السابقة.

ومن الأفكار التي طرحت خلال هذه الفترة ما نادى به كل من موشيه ديان وحاييم هرتسوغ حول إنشاء حكم ذاتي للفلسطينيين تحت رقابة الإسرائيليين، وعدّ هرتسوغ فيما بعد أن عدم تطبيق الحكم الذاتي بعد حرب 1967 كان خطأ كبيراً ارتكبه الإسرائيليون([24]). أما بن غوريون، فطرح فكرة إقامة سلام مع العرب، ولكن بشرط عدم تنازل إسرائيل عن الجولان والقدس الشرقية([25]). كذلك صرح موشيه ديان في 10 آب (أغسطس) عام 1967 برفض إسرائيل للعودة إلى حدود عام 1949 القديمة، وإنّما إلى خريطة عام 1967، وبيّن أن إسرائيل بحاجة إلى حدود تضمن فيها سلاماً، لا يعتمد على الأمنيات العربية. وأكد أشكول رفضه التنازل عن أي إصبع مما سماها أرض إسرائيل، وكان ضد عودة اللاجئين الفلسطينيين([26]).

أمّا إيجال آلون، فتركزت فكرته على تكثيف الاستيطان، ودعا في 15 آب (أغسطس) عام 1967 أمام اتحاد الكيبوتسات إلى توطين اليهود في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان، بحجة حفظ أمن إسرائيل، وزعم أن الاستيطان اليهودي هو فقط ما يوفر السلام لإسرائيل([27])، وطرح خلال هذه الفترة عدداً من المشاريع لتسوية القضية الفلسطينية، وحملت هذه المشاريع بين ثناياها عدداً من الاتجاهات السياسية، بعضها صهيوني والآخر غير صهيوني، وهي:

  1. مشروع أوري أفنيري 1967

عرض عضو الكنيست أفنيري هذا المشروع على الحكومة الإسرائيلية في اليوم الخامس من حرب عام 1967، وقد طالب فيه بإجراء استفتاء شعبي بين سكان قطاع غزة والضفة الغربية، حول مستقبلهم بصورة ديمقراطية، ويدور الاستفتاء حول إنشاء دولة فلسطينية تضم الضفة الغربية وقطاع غزة، أو الارتباط باتحاد فيدرالي مع إسرائيل. أمّا الخيار الثالث، فقد تضمن إعادة المناطق المحتلة إلى الأردن. وقد جوبه هذا المشروع برفض من قبل رئيس الحكومة ليفي أشكول على حد تعبير أفنيري، مصرحاً برغبة أشكول بعدم بحث أي مشروع مع العرب إلا عن طريق المفاوضات([28]). ولم يكن هدف أشكول من هذه المفاوضات تحقيق السلام مع العرب، وإنما كنوع من المناورة للحصول على مواقع أفضل، ما يحقق لإسرائيل توسعاً إقليميّاً أكبر فأكبر.

  1. مشروع إيجال ألون عام 1967

في 13 تموز (يوليو) عام 1967، طرح إيجال ألون مشروعاً على حكومته يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة، وبيّن فيه إصرار إسرائيل على أن حدها الشرقي يتمثل بنهر الأردن وخط يقطع البحر الميت، وعرض فكرة تقسيم مناطق الحكم الذاتي إلى ثلاث مناطق وهي: السامرة، ويهودا، وغزة، وحل قضية اللاجئين على أساس تعاون إقليمي وبمساعدة دولية، وقد لقي هذا المشروع قبولاً من جانب الصهاينة التقليديين الذين يرغبون في الحفاظ على “نقاء” إسرائيل([29]).

  1. مشروع أبا إيبان عام 1968

طرحه إيبان في 8 تشرين الأول (أكتوبر) عام 1968 أمام الجمعية العمومية عندما كان يشغل منصب وزير خارجية الكيان الصهيوني، وفيه صرح أن حكومته تعتزم بذل جهود جديدة لتسوية الصراع العربي الصهيوني وإحلال السلام في المنطقة، وتضمن مشروعه تسعة بنود وهي: أولاً: إقامة سلام عادل وشامل في المنطقة يلي وقف إطلاق النار، وتحديد خريطة متفق عليها للحدود الآمنة والمعترف بها. ثانياً: الاتفاق على حل النزاع سلميّاً يتم الاستعاضة عن خطوط وقف النار بحدود آمنة ومعترف بها من قبل إسرائيل والدول العربية المجاورة لها. ثالثاً: إقامة ترتيبات أمنية متفق عليها، لتجنب الأوضاع التي تؤدي إلى انهيار السلام. رابعاً: الإبقاء على حرية الحركة والانتقال عبر حدود المنطقة. خامساً: ضمان حرية الملاحة على أساس المساواة الكاملة بين إسرائيل وسائر الدول العربية المطلة على البحر. سادساً: حل مشكلة اللاجئين بالدعوة إلى عقد مؤتمر تحضره الدول الشرق أوسطية والدول المساهمة في إعانة اللاجئين والأجهزة المتخصصة في هيئة الأمم المتحدة من أجل رسم خطة لحل مشكلة اللاجئين عن طريق دمجهم في المجتمعات الموجودين فيها، سابعاً: إيجاد وضع خاص للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، إذ إن إسرائيل لا تسعى للسيطرة عليها، وإنما تقع تحت مسؤولية الجهات الدينية التي تقدسها. ثامناً: عقد اتفاقيات تعاقدية بين حكومة إسرائيل والحكومات العربية تنص على الاعتراف المتبادل بسيادة ووحدة أراضي كل دولة في المنطقة. تاسعاً: إن تحقيق السلام بين إسرائيل والدول العربية يقتضي إيجاد تعاون مشترك بين إسرائيل وسائر الدول العربية حول بعض الموارد الرئيسية وحول وسائل الاتصال في المنطقة([30]).

إنّ الطرح الإسرائيلي لهذا المشروع ينسجم مع التفسير الإسرائيلي لقرار مجلس الأمن الدولي 242، وفيه ترى إسرائيل أن تحقيق السلام مع العرب لا يتم إلا باستمرار احتلالها للأراضي العربية، كما يمثل هذا المشروع الفهم الصهيوني لتسوية القضية الفلسطينية بما يخدم الكيان الصهيوني واستمرارية وجوده على أرض فلسطين ضمن حدود آمنة ومعترف بها.

  1. مشروع مبام للسلام 1969

في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1969، أقر حزب مبام مشروعاً جديداً اشتمل على عدد من البنود وهي: تأييد إسرائيل لحل سياسي يقوم على أساس وجود دولتين مستقلتين وذاتي سيادة، إسرائيل من جهة، ودولة عربية من جهة أخرى. وعدم انسحاب إسرائيل من الخطوط التي وصل إليها أثناء حرب الأيام الستة إلا بالتوصل إلى تسوية سلمية يتم فيها تحديد الحدود الآمنة. وكذلك بقاء القدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل. ونادى بتجريد الضفة الغربية وإعادتها إلى الدول العربية المجاورة مع إدخال تعديلات لصالح أمن إسرائيل. أما قطاع غزة، فتحدد مكانته السياسية عندما يحين الوقت، بعد مراعاة مقتضيات أمن إسرائيل([31]).

  1. مشروع غولدا مائير عام 1971

في 9 شباط (فبراير) عام 1971، ألقت رئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير بياناً أمام الكنيست الإسرائيلي، أكدت فيه رفضها لمشروع التسوية الجزئية -السلام العربي مع إسرائيل مقابل انسحاب إسرائيل من سيناء- الذي طرحه الرئيس المصري أنور السادات، وبعد ذلك، طرحت مشروعاً مضادّاً نشرته صحيفة “التايمز” اللندنية بينت فيه مطالب إسرائيل. أمّا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فقد أكدت غولدا مائير عدم إعادة قطاع غزة لإشراف مصر، وأنّ القدس ستبقى موحدة وجزءاً من إسرائيل. كذلك دعت إلى إجراء مفاوضات حول خط الحدود في الضفة الغربية، بشرط عدم السماح لأي قوات عربية بالعبور إلى الضفة الغربية لنهر الأردن، كذلك أكدت فيه معارضة إسرائيل لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة، لأنّ وجودها يشكل خطراً عسكريّاً على أمن إسرائيل([32]).

  1. مشروع بيغن للحكم الذاتي 1977

بعد شهور من زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل، وفي 28 كانون الثاني (يناير) من عام 1977، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن بإلقاء خطاب في الكنيست الإسرائيلي اقترح فيه تشكيل حكم إداري ذاتي لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، يقوم على أساس إلغاء الحكم العسكري فيهما، وبعد ذلك، ينتخب السكان العرب مجلساً إداريّاً يتألف من 11 عضواً من السكان العرب المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعد خمس سنوات من الحكم الذاتي، يحق لإسرائيل المطالبة بإحلال سلطتها في الضفة الغربية وقطاع غزة([33]). وبعد ذلك بعام، وبرعاية أميركية، تم طرح مشروع الحكم الذاتي، إذ أصبح أحد البنود التي شملتها اتفاقية كامب ديفيد التي وقعت بين إسرائيل ومصر عام 1978([34]).

  1. مشروع روابط القرى عام 1978

وفي سبيل فرض الحكم الذاتي على الفلسطينيين في الضفة الغربية من جهة، ولتصفية القضية الفلسطينية وإثارة الخلافات بين أبناء الشعب الفلسطيني من جهة أخرى، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في عام 1978، وعلى يد رئيس الإدارة المدنية، بإنشاء “روابط القرى”. وكان الهدف منها إقامة اتحادات موالية للاحتلال، تكون بديلاً عن رؤساء البلديات المؤيدين لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان مركزها في المدن على عكس تسميتها([35]). وقد تم دعمها سياسيّاً وعسكريّاً من قبل الإدارة المدنية الإسرائيلية، وكانت لها صلاحيات واسعة عسكرية وسياسية واجتماعية، وقد نفذت سياسة الحكم العسكري الإسرائيلي في ظلم الفلسطينيين([36]).

 الخاتمة

بعد أن تم استعراض عدد من الأفكار والمشاريع الصهيونية والإسرائيلية خلال الفترة الزمنية الممتدة بين (1918-1978)، نلاحظ أن هناك اختلافاً فيها من حيث الطرح والمضمون، فقبل قيام إسرائيل عام 1948، كان هدف الصهيونية في البداية إيجاد موطئ قدم لهم في فلسطين. ولكن بعد حرب 1948، تغيرت الأفكار، فدعا الصهاينة إلى التجرد من اتفاقيات الهدنة، ونادوا بالسيطرة على كامل فلسطين، وإسكان اللاجئين في الدول العربية، وبعد هزيمة العرب عام 1967، أكد القادة الإسرائيليون الصهاينة عدم تنازلهم عن شبر واحد من الأراضي التي احتلوها عام 1967، وهدفوا من هذا الطرح إلى أن يجروا العرب إلى طاولة السلام لسحب الاعتراف العربي بوجود إسرائيل، فالأفكار والمشاريع التي طرحت كانت نتاجاً لما نلحظه على أرض الواقع من تعزيز لوجود إسرائيل وتهميش للقضية الفلسطينية.

 

للتحميل اضغط هنا

 

الهوامش:

 ([1]) طربين، فلسطين في عهد الانتداب البريطاني، ص999.

([2]) شبتاي، بن غوريون والعرب، ص92-96.

([3]) المرجع نفسه، ص92-96، 116، 120-121، 125.

([4]) Karsh, Palestine,p.29.

([5]) هلال، مشروعات الدولة اليهودية، ص25.

([6]) الكيالي، وآخرون، موسوعة السياسة، ج2، ص711.

([7]) رزوق، إسرائيل الكبرى، ص45، 50.

([8]) جرار، مشاريع التسوية، ص275-278.

([9]) مشروع موريسون: وجاء هذا المشروع في 31 تموز (يوليو) من عام 1946 كرد على رفض العرب لتوصيات اللجنة الأنجلو أميركية، وفيه قسمت فلسطين إلى أربع مناطق وهي: منطقة عربية، ومنطقة يهودية، وثالثة القدس، ورابعة النقب وقد رفض هذا المشروع من قبل العرب واليهود. للاطلاع أنظر: مقدادي، العلاقات الصهيونية البريطانية، ص113-114.

([10]) سخنيني، فلسطين الدولة، ص166.

([11]) جرار، مشاريع التسوية، ص291-294.

([12]) Bar Zohar, The Armed Prophet , p. 133. Bethell, The Palestine , p.354.

([13]) بيغن، التمرد، ص39، 172، 460.

([14]) سيغف، الإسرائيليون، ص14، 16

([15]) العابد، العنف والسلام، ص78.

([16]) رياض، الفكر الإسرائيلي، ص127.

([17]) Karsh,op.cit, p.234.

([18]) الهور، مشاريع التسوية، ص56.

([19]) شاريت، يوميات شخصية، ص318، 321.

([20]) معهد البحوث والدراسات، الاستعمار الاستيطاني ج2، ص148.

([21]) الهور، مشاريع التسوية، ص68، 62.

([22]) المرجع نفسه، ص494-496.

([23]) معهد البحوث والدراسات، الاستعمار الاستيطاني، ج2، ص498-504.

 (23) Herzog,Living History,p. p.171,178.

)[25]) Ibid, p. 173.

([26]) العابد، العنف والسلام، ص73.

([27]) معهد البحوث والدراسات، الاستعمار الاستيطاني، ج2، ص485.

([28])https://www.arab48.com  أخذ بتاريخ 4/5 /2018.

([29]) أبو عرفة، الاستيطان، ص241.

([30]) الكيالي،، موسوعة السياسة،، مج6، ص186-187. الهور، مشاريع التسوية، ص114-115.

([31]) الهور، مشاريع التسوية، ص113-114.

([32]) الهور، مشاريع التسوية، ص151.

([33]) المرجع نفسه، ص170، 202.

([34]) ديان، أنا وكامب ديفيد، ص170، 202.

([35]) جفال وآخرون، إسرائيل، ص92. شحادة، قانون المحتل، ص171-173.

([36]) شحادة، قانون المحتل، ص171-173، 178

قائمة المصادر والمراجع باللغة العربية واللغة الإنجليزية

  • Bar Zohar, Michael ,The Armed Prophet: A Biogra-phy of Ben Gurion, Arthur Barker Limited, London, 1966.
  • Bethell,Nicholas,The PalestineTriangle –The Struggle for Holy Land,1935-1948,G.P.Putnam s Sons, New York ,1979.
  • بيغن، مناحيم، التمرد، ترجمة حسن البدري (د. ط)، دار الفكر، (د. م)، 1970.
  • جرار، مروان، مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية (1920-1948)، رسالة دكتوراة غير منشورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن، 1997.
  • جفال، مصطفى وآخرون، إسرائيل في ظل حكومة بيغن الثانية، (ط1)، معهد الإنماء العربي برنامج الدراسات الإستراتيجية، بيروت، 1982.
  • ديان، موشيه، أنا وكامب ديفيد، ترجمة غازي السعدي، (ط1)، دار الجليل، عمان، 1987.
  • رزوق، أسعد، إسرائيل الكبرى- دراسة في الفكر التوسعي الصهيوني، جزءان (ط 3)، دار الحمراء للطباعة والنشر، بيروت، 1991.
  • رياض، عادل، الفكر الإسرائيلي حدود الدولة، (د.ط)، دار النهضة العربية للنشر، بيروت، 1989.
  • سخنيني، عصام، فلسطين الدولة، جذور المسألة في التاريخ الفلسطيني، منشورات دار الأسوار، عكا، 1986.
  • سيغف، توم، الإسرائيليون الأوائل 1949، (ط1)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية بيروت، 1986.
  • شاريت، موشيه، يوميات شخصية، ترجمة أحمد خليفة، (ط1)، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1996.
  • شبتاي، تيبت، بن غوريون والعرب، ترجمة غازي السعدي، (ط1)، دار الجليل للدراسات والنشر والأبحاث، عمان، 1987.
  • شحادة، رجا، قانون المحتل الإسرائيلي في الضفة الغربية، (ط1)، ترجمة محمود زايد، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1990.
  • طربين، أحمد، فلسطين في عهد الانتداب البريطاني. في: وليد الخالدي (محرر)، القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني (ط1)، الأمانة العامة لاتحاد الجامعات، القاهرة، 1989.
  • العابد، إبراهيم، العنف والسلام. دراسة في الإستراتيجية الصهيونية (ط1)، منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، مركز الأبحاث، 1967.
  • أبو عرفة، عبد الرحمن، الاستيطان: التطبيق العملي للصهيونية: دراسة عن الاستيطان اليهودي في فلسطين خلال القرن الأخير، ( ط1)، وكالة أبو عرفة، القدس، 1981.
  • الكيالي، عبد الوهاب وآخرون، موسوعة السياسة، 7 مج، (ط1)، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1981.
  • Karsh,Efraim,Palestine Betrayed,Yale University Press, New York 2010.
  • معهد البحوث والدراسات العربية، الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين 1948-1973، (د.ط) جزءان، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، بيروت، 1975.
  • هلال، علي الدين، مشروعات الدولة اليهودية، (ط1)، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة، 1978.
  • الهور، منير وآخرون، مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية منذ 1947-1982، (ط1)، دار الجليل، عمان، 1983.
  • Herzog, Chaim,Living History, Weidenfeld and Nicolson, London, 1997.
  • https://www.arab48.com   أخذ بتاريخ 4/5 /2018