المحكمة الجنائية الدولية تُعيد ترتيب الأوراق: مذكرة اعتقال نتنياهو وجالانت
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، متهمة إياهما بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة. شملت التهم الموجهة لهما القتل والاضطهاد واستخدام التجويع كسلاح حرب، بالإضافة إلى تعطيل تقديم المساعدات الإنسانية وفرض قيود أثرت على الإمدادات الأساسية مثل المياه والكهرباء والرعاية الطبية. وجاء هذا القرار بناء على طلب من النيابة العامة في المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، بعدما تقدمت السلطة الفلسطينية بطلب رسمي للنيابة العامة للخوض في هذا التحقيق، حيث عملت على جمع الأدلة وتوثيقها وتقديمها للمحكمة.
يهدف هذا التحليل الى استعراض قرار المحكمة بشأن مذكرات اعتقال بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، مع تسليط الضوء على دوافع القرار، ومضمونه، وانعكاساته القرار على الوضع الداخلي في إسرائيل، بالإضافة الى رؤية العالم لإسرائيل، ومواقف الدول من هذا القرار، مع استعراض التداعيات القانونية والسياسية لتنفيذه.
- الدوافع ومضمون القرار الصادر عن محكمة الجنايات الدولية
يحمل قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن مذكرات اعتقال بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت أهمية كبرى على مستوى الجرائم الفردية. اليوم، يواجه نتيناهو وغالانت ذات الجرائم تهما مشابهة لتلك التي وجهت لأشخاص كانوا موضوعًا أمام محكمة الجنايات الدولية منهم توماس لوبانغا (جمهورية الكونغو الديمقراطية)، وجوزيف كوني (أوغندا)، وهي جرائم لا تركز فقط على العنف العسكري، بل تشمل أيضًا العنف القائم على التعذيب اليومي، مثل تعريض حياة آلاف الناس للتجويع المقصود، ضمن واقع يومي من النزوح المتكرر، وتدمير البنية التحتية الصحية والتعليمية، وهي الاستراتيجية التي تحمل في داخلها تحقيق الموت الأقل كلفة عبر وضع الناس في ظروف غاية في البؤس تقود إلى موتهم البطيء بفعل الجوع والأمراض.
يعكس قرار محكمة الجنايات الدولية نقلة نوعية في تناول العنف الاسرائيلي، إذ لا يركز فقط على البعد العسكري للعنف، بل يسلط الضوء على العنف التجويعي والتدميري للبنية التحتية الفلسطينية. يأتي القرار باتهام شخصيات بارزة تمثل دولة قوية تمتلك ترسانة عسكرية وتكنولوجية ضخمة وتحظى بدعم غالبية الدول القوية، ليؤكد مبدأ محاسبة السياسيين الذين يرتكبون جرائم حرب، حتى وإن كانوا يمثلون دولاً قوية أو غير ملتزمة باتفاقية روما.
ردود الفعل الإسرائيلية على القرار
وصف بنيامين نتيناهو القرار بأنه “مخزٍ، ومعادٍ للسامية”، في محاولة منه لتوظيف خطاب يربط بين معارضة سياسات اسرئيل واعتبار أن كل ما يمس بصورة إسرائيل أو ملاحقة إجرامها أو معارضة خطابها بأنه وضع معادٍ للسامية، أي أنه يعبر عن حالة كراهية وتحامل وتمييز ضد اليهود، وهو ما يعني بأن قرار المحكمة يخدم أجندات سياسية بدلا من تحقيق العدالة، حيث استهدفت اليهود كقومية وليس نتنياهو وغالانت كمجرمي حرب.
في ذات السياق اعتبر أن المحكمة الجنائية الدولية أصبحت “أداة للمماحكة السياسية”، وهو المفهوم الذي يشير إلى استخدام القضايا القانونية أو المؤسسية لتحقيق أهداف سياسية بدلاً من السعي لتحقيق العدالة أو حل القضايا بشكل محايد، يريد نتيناهو من ذلك القول بأن المحكمة قراراتها سياسية، ولكن الحقيقة التي تكمن على مدار أكثر من عام على هذه الإبادة، يتضح أن ما قامت به إسرائيل لم يستهدف حركة حماس وتدمير البنية التحتية للإرهاب، بقدر ما استهدفت السكان الفلسطينيين عبر القتل المتعمد والتجويع وتدمير المستشفيات والبنية التحتية، وهو ما يعيدنا إلى فحوى الاتهام الذي عنوّن قرار المحكمة باتهام إسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
في ذات السياق، فإن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو يعمق الإنقسامات السياسية داخل اسرائيل، ويهدد استقرار حكومة نتيناهو، حتى وإن لم تظهر للعلن بشكل مباشر، زعيم المعارضة يائير لابيد وصف القرار بأنه “مكافأة للإرهاب”، حيث ربطه بما يحدث في غزة، بينما اعتبر بني غانتس أن القرار يعكس “عمى أخلاقياً”، رغم أن هذه الإدانة والوصف لا تلغي الصراعات التي تحدث داخل المكاتب حول شرعية نتيناهو، أو بالأحرى استغلال قرار المحكمة لإزاحته عن الحكم.
التداعيات السياسية والقانونية للقرار
شهدت المواقف الأوروبية تبايناً. أشارت بريطانيا إلى استعدادها لتنفيذ مذكرة الاعتقال مع التأكيد على الالتزام بالقوانين الدولية، بينما أعربت ألمانيا عن تحفظاتها القانونية، مشيرة إلى صعوبة تنفيذ القرار. من جانبها استنكرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، المساواة بين إسرائيل وحركة حماس، مؤكدة أن دوافع القرار يجب أن تكون موضوعية وغير سياسية. أما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية فقد أعربت عن رفضها القاطع لمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، معتبرة أنها غير ملزمة قانونياً بالنسبة لها، لأن إسرائيل والولايات المتحدة ليستا أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية.
هذا التباين بين التلميح الدولي بتنفيذ القرار والتحفظ عليه يعكس صعوبة تطبيقه، ويمنح نتنياهو حماية فعلية من الإعتقال، خاصة إذا بقي في دول ذات علاقات قوية مع إسرائيل، ومع ذلك فإن توقيع 124 دولة على ميثاق روما الأساسي يُمَّكن هذه الدول من فرض قيود على سفر القادة إلى أراضيها أو تدعم فرض العقوبات على إسرائيل حال رفضها للتعاون.