نعيم ناصر[*]
“تراجيديا” اللاجئ الفلسطيني فصول من معاناة لا تنتهي. فمأساته ليست قسوة الغربة والشتات، أو عسف الاحتلال وظلمه، فحسب، فهاتان يمكن تحملهما، وإنما الأشد مضاضة هو معاملة ذوي القربى له، والقيود التي تفرضها بعض الدول على تنقلاته، والقوانين والإجراءات، التي تحد من سعيه في طلب الرزق.
ولعل وثائق السفر الفلسطينية هي أحد المظاهر المرة لهذه المعاناة. إذ يكاد لا يخلو مطار من مطارات الدول العربية والأجنبية من أكثر من قصة مؤلمة عن حجم المعاناة، التي يلقاها حاملو هذه الوثائق. فعدا عن المعاملة المذلة، التي يلقونها من قبل موظفي المطارات، تسمع عشرات القصص والحكايات عن مدد الانتظار لعشرات العائلات الفلسطينية في قاعات “الترانزيت” التي قد تمتد أياما، بل أسابيع، في بعض الأحيان، لأن دولا عربية عديدة ترفض استقبال حاملي وثائق السفر الفلسطينية، وتعيدهم من حيث أتوا، لا لجرم ارتكبوه سوى امتلاكهم لهذا “الوباء” الذي يسمى وثيقة سفر. فمتى بدأت رحلة اللاجئ الفلسطيني مع هذه الوثيقة؟ وكيف تعاملت معها الدول العربية؟.
بوصول قوافل اللاجئين الفلسطينيين، عقب النكبة في العام 1948، إلى الدول العربية المجاورة، وصراعهم من أجل البقاء، نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية للدول التي لجأوا اليها، برزت حاجتهم الماسة لوثائق سفر تمكنهم من التنقل لالتقاط لقمة العيش خارج نطاق تلك الدول، وخصوصاً في دول الخليج العربي الغنية.
صحيح أن اللاجئين الذين لجأوا إلى الضفة الغربية وإلى الضفة الشرقية حصلوا على الجنسية الأردنية وأصبحوا مواطنين أردنيين رسمياً. وصحيح أن نفراً قليلا من أغنياء هؤلاء اللاجئين استطاع الحصول على “جنسية” عربية، إلا أن الغالبية العظمى من اللاجئين- قبل ضم الضفة الغربية إلى الأردن في العام 1950- لم تكن تملك أية وثيقة سفر. فغدا الحصول على هذه الوثيقة هاجساً يؤرقها وهدفاً تسعى لتحقيقه.
وعندما أثيرت، لأول مرة، قضية منح اللاجئين الفلسطينيين وثائق سفر، عقب النكبة، مع الدول العربية، كانت الحجة جاهزة، وهي أن وضع اللاجئين وضع مؤقت، وأن منحهم “الجنسية” يقوض الجهود الرامية إلى تحقيق عودتهم، ومنحهم “تعويضات”. وبسبب تفاعل هذه المشكلة بين أوساط اللاجئين، والعبء الإضافي، الذي شكلته على كاهل الدول العربية المضيفة، طالب مجلس الجامعة العربية بتاريخ 14 أيلول (سبتمبر) 1952 بإصدار جواز سفر موحد للاجئين تسهيلا لسفرهم وتحركاتهم، شرط أن لا يشكل هذا الإجراء قبولاً بالوضع السياسي، آنذاك، أو انتقاصاً من حقوق اللاجئين في فلسطين. وبقي هذا القرار حبراً على ورق ولم تنفذه أي من الدول العربية.
وبعد هذا التاريخ بعام ونصف، تقريباً، صدر عن الجامعة العربية بتاريخ 27/1/1954 قرار آخر يدعو كل الحكومات المضيفة للاجئين الفلسطينيين إلى منحهم وثائق سفر مؤقتة، كلاً بمفرده، شريطة أن لا يكون اللاجئ قد حصل على جنسية بلد آخر.
وبتاريخ 14/10/1955 صدر قرار آخر عن الجامعة العربية طالب بمنح وثائق سفر للاجئين الفلسطينيين المقيمين خارج العالم العربي. وبتاريخ 9/4/1959 طلبت الجامعة العربية من الدول العربية أن تتعاطف مع رغبات اللاجئين المقيمين على أراضيها في إيجاد فرص عمل لهم، لكن الجامعة أصرت في الوقت عينه على أن يحتفظ اللاجئون بهويتهم الفلسطينية.
وفي جميع الأحوال لم تكن قرارات الجامعة العربية، في هذا الشأن وغيره، ملزمة، لذا فقد تم تجاهلها في الغالب، ولم ترغب أية دولة عربية – باستثناء الأردن وسورية والعراق – في دمج اللاجئين في نسيجها الاجتماعي. والأمر المهم في هذا الصدد هو أن أحداً من المسؤولين العرب لم يكن على اطلاع مباشر على هذه المشكلة، أو بالأحرى لم يكن مهتماً بما يعنيه كون اللاجئ الفلسطيني دون دولة، وما يتبع ذلك من أمور تتعلق بالسفر والسكن وفرص التعليم والعمل وغيرها من الهموم. وعليه، وحتى أواخر الخمسينات، لم يجر إصدار بطاقة هوية موحدة، أو وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين. ويبدو أن هذا الأمر (إصدار وثائق موحدة للاجئين) لم يرق للحكومات العربية، في ذلك الحين، إذ فضلت كل دولة، فيما بعد، أن تتصرف بطريقتها الخاصة تجاه هذه المشكلة، فعمدت إلى إصدار وثائق سفر خاصة باللاجئين المقيمين على أراضيها، وبشروط وقيود تختلف من بلد لآخر.
أنواع وثائق السفر التي يحملها اللاجئون الفلسطينيون
الوثيقة المصرية:
ففي مصر، وبعد وصول عدد محدود من اللاجئين الفلسطينيين إليها (كانوا في العام 1946 بحدود 7000 نسمة) عمدت الحكومة المصرية إلى إبدال بعض بطاقات الهوية الفلسطينية وجوازات السفر التي منحتها لهم بريطانيا ببطاقات هوية مصرية، ثم منحوا فيما بعد (1949) وثائق سفر تحمل اسم حكومة عموم فلسطين، أسوة بالفلسطينيين في قطاع غزة، وذلك عقب تشكيل هذه الحكومة في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1948. وبهذا أصبح الفلسطينيون الخاضعون لقوانين الإدارة المصرية في قطاع غزة يحملون هذه الوثيقة. ولكن قيمتها تضاءلت مع تضاؤل الاعتراف العربي بتلك الحكومة. وحتى مصر، التي كانت تدعم تشكيلها كان الدخول إليها أو الخروج منها مشكلة لحاملي هذه الوثيقة، وكي يغادر الفلسطيني قطاع غزة كان عليه أن يحصل على إذن حكومة عموم فلسطين والحكومة المصرية. وحتى بعد الحصول على الإذن، يجب على صاحب الطلب أن يحصل على تصريح من الدولة أو الدول، التي ينوي التوجه إليها من قنصليتها في القاهرة. وعلى رغم أن وثائق سفر حكومة عموم فلسطين تمنح أصحابها حق الإقامة لعام واحد في مصر، إلا أنها لم تسمح لهم بالعمل فيها. فقد كتب في تلك الوثائق عبارة صريحة تقول: “ممنوع من العمل بأجر أو من دون أجر”، وقد استمر العمل بهذه الوثيقة حتى العام 1964، التاريخ الذي “دفنت” فيه حكومة عموم فلسطين رسميا، وشهد قيام منظمة التحرير الفلسطينية.
أما وثائق السفر المصرية الحالية فقد صدرت في العام 1961 (على رغم وجود وثائق سفر حكومة عموم فلسطين) بموجب القرار 28 لسنة 1960، الصادر عن الجمهورية العربية المتحدة، التي ضمت كلا من مصر وسورية. وكي يحصل الفلسطيني على وثيقة سفر مصرية عليه أن يقدم الدليل على أنه لاجئ، وأنه يقيم في قطاع غزة أو في الجمهورية العربية المتحدة. وكانت الوثيقة تحدد الإقليم، الذي يسكنه حاملها، لكنها لم تكن صالحة للسفر بين الإقليمين (كانت سورية في تلك الفترة تعرف بالإقليم الشمالي ومصر بالإقليم الجنوبي) ولا للسفر إلى أي بلد لم يكن محدداً في تلك الوثيقة. وإضافة إلى ذلك لا يستطيع حامل الوثيقة المصرية المقيم في الخارج دخول أراضي الجمهورية العربية المتحدة، ولاحقا جمهورية مصر العربية، إلا بعد حصوله على إذن مسبق من سفارة أو قنصلية مصر في الخارج.
وقد احتوت الوثيقة المصرية على ما ينص بالحرف على ما ذكرنا. حيث جاء فيها: “.. تصلح هذه الوثيقة للسفر إلى البلاد المدونة بها دون غيرها. كما لا تخول حاملها دخول جمهورية مصر العربية، إلا إذا حصل على تأشيرة دخول أو مرور، أو تأشيرة عودة..”.
وكانت تنتاب الفلسطينيين، الذين يحملون هذه الوثائق، ويعملون في الخارج، حالة من القلق الدائم. فأغلب هؤلاء يحصلون على إقامتهم من خلال إذن العمل، الذي يمنح لهم وصلاحية وثيقة السفر، ويفقدون حق الإقامة عند فقدانهم لإذن العمل، لأي سبب كان، وعندها تبدأ المأساة الحقيقية. فوثائق السفر التي يحملونها لا تؤمن لهم مكان إقامة جديداً، وخصوصاً بعد احتلال قطاع غزة في العام 1967. وكم من أسرة فلسطينية فقد معيلها تصريح العمل، فحملتها الطائرات بين العواصم، لتقذفها كل عاصمة إلى أخرى، ليستمر ذلك بضعة أسابيع، في بعض الأحيان، كما حدث للأسر، التي هجرت من الكويت عقب حرب الخليج الثانية 1991.
وبعد التوقيع على اتفاقات أوسلو في العام 1993، وعودة القيادة الفلسطينية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1994، وقيام السلطة الوطنية، عمدت الأخيرة إلى إصدار “جوازات” سفر فلسطينية لتكون بديلاً من وثائق السفر المصرية لسكان قطاع غزة، أما أبناء القطاع في الشتات، فلا يزالون يحملون الوثيقة المصرية، ومنهم من تحصل على جواز سفر فلسطيني خال من رقم بطاقة الهوية التي تصدر من الاحتلال، ما يعني أنه محروم من دخول قطاع غزة.
الوثيقة اللبنانية:
ووثائق السفر، التي يحملها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان تحمل تقريبا “مواصفات” الوثيقة المصرية. وقد استخدمت السلطات اللبنانية الوثيقة، عقب خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان في العام 1982، وسيلة ضغط لإجبار اللاجئين على الرحيل وعدم العودة إلى الأراضي اللبنانية. وتمثلت هذه الضغوط في رفض السفارات اللبنانية في الخارج تجديد هذه الوثائق، حيث كان جزء كبير من الفلسطينيين قد انتهت تصاريح عملهم، وطلب منهم الرحيل، دون أن يجدوا بلداً يمكن أن يستقبلهم، بعد أن رفضت السلطات اللبنانية، في حينه، استقبالهم بوثائقهم غير المجددة. كما واجهت بعضهم، نتيجة للمشكلة نفسها (تجديد الوثائق)، مشكلة معقدة أخرى من نوع آخر. فحكومات الدول، التي كانوا يعملون فيها رفضت تجديد إقامتهم على وثائقهم التي انتهت صلاحيتها، وقد واجه هؤلاء وضعاً صعباً، كان يمكن أن يؤثر في عملهم ومستقبلهم في تلك البلدان. ولكن هذا القرار أُلغي في وقت لاحق، بعد تفاقم مشكلات هذه الوثائق، وتدخل م. ت. ف لدى السلطات اللبنانية، التي أمرت سفاراتها، من جديد بتجديد وثائق السفر، التي تنتهي صلاحياتها. وبعد استقرار الأوضاع في لبنان لجأ بعض الدول الأوروبية إلى طرد حاملي وثائق السفر اللبنانية من الفلسطينيين من أراضيها، الأمر الذي حمل الحكومة اللبنانية إلى إصدار قرار يلزم كل فلسطيني “لبناني” يرغب في العودة إلى لبنان الحصول على تأشيرة دخول. وكان الهدف من ذلك منع عودة هؤلاء اللاجئين من جديد إلى مخيماتهم. ولكن هذا القرار أُلغي في منتصف التسعينات بعد احتجاج عدد كبير من الدول الأوروبية على هذا الإجراء.
وبتاريخ 6/9/2016 أصدر مدير الأمن العام اللبناني عباس إبراهيم قراراً قضى باستبدال وثائق السفر القديمة للاجئين الفلسطينيين في لبنان بوثائق سفر “بيومترية” يمكن قراءتها إلكترونياً.
الوثيقة السورية:
أما اللاجئون الفلسطينيون، حملة الوثائق السورية، فهم أفضل حالاً من أشقائهم حملة الوثائق المصرية واللبنانية. فعلى الرغم من أن سورية لم تمنحهم الجنسية، إلا أنه لم يكن لعدم حصولهم عليها أي تأثير يذكر، نظراً إلى طبيعة معاملتهم على المستوى الداخلي. ففي الخمسينات من القرن الماضي صدرت سلسلة من القوانين ساوت الفلسطينيين مع المواطنين السوريين في جميع المجالات الحيوية، كالتوظيف، والتعليم، والنشاط التجاري…الخ، وما يزال هذا الإجراء قائما حتى وقتنا الحالي. كما أن حاملي هذه الوثائق ممن يعملون في الخارج لا يحتاجون إلى تأشيرة من السلطات السورية للعودة إلى مكان إقامتهم في سورية، كما هي الحال في مصر ولبنان.
والمشكلة الوحيدة، التي يعاني منها أصحاب هذه الوثائق هي نفسها، التي يعاني منها حملة الوثائق الأخرى عند خروجهم من سورية إلى الخارج. فهم على رغم أن وثائقهم تحمل رجاء باسم سورية لتسهيل مهمة حامليها، إلا أنهم يتعرضون لمضايقات شتى في المطارات العربية والأجنبية كافة إذا لم يحصلوا على تأشيرات دخول مسبقة.
الوثيقة العراقية:
وحصل الفلسطينيون المسجلون كلاجئين في العراق على وثائق سفر صادرة عن الحكومة العراقية. وخضع حاملو هذه الوثائق، في حقوقهم وواجباتهم، لقوانين كانت كثيراً ما تتغير حسب طبيعة الحكم القائم في العراق. غير أن اللاجئين الفلسطينيين في هذا البلد ظلوا يتمتعون بحق الإقامة والعمل دون عوائق، وبقيت المشكلة، التي تواجههم هي مشكلة الوثائق الفلسطينية كلها من حيث دخول الأقطار العربية والأجنبية من غير تأشيرة.
وثيقة السفر اليمنية:
هي غير جواز السفر الذي منح لأعضاء الفصائل الفلسطينية، وقد أعطيت للفلسطينيين، الذين فقدوا جوازات أو وثائق سفرهم. وهذه الوثيقة كانت شبيهة بالوثيقة المصرية، حيث لا تمنح صاحبها حق دخول اليمن دون تأشيرة، ولا تعطيه حق العمل في اليمن، وينطبق عليها ما ينطبق على الوثائق الأخرى من جهة الدخول إلى البلاد العربية والأجنبية. وقد ألغيت هذه الوثائق بعد وحدة اليمنين في أوائل التسعينات.
“جواز” السفر الفلسطيني:
يعتبر جواز السفر الفلسطيني، الذي أصدرته السلطة الفلسطينية في شهر نيسان (أبريل) 1995، بمثابة وثيقة سفر. ولا يصبح هذا “الجواز” ساريا، إلا إذا حظي بموافقة الدولة العبرية شرط أن يحمل صاحبه هوية صادرة عنها، باستثناء سكان القدس الذين ما زالوا يحملون وثائق سفر إسرائيلية أو جوازات سفر أردنية مؤقتة، وقطاع غزة، أو للعائدين إليها عقب اتفاق أوسلو، الذي وقّع بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين إسرائيل في العام 1993. وهذا الجواز لا يتضمن إضافة مرافقين إليه كبقية جوازات بعض دول العالم، مثل الزوجة أو الأولاد، إذ على المرافقين استخراج جوازات سفر خاصة بهم. وحاملو هذا “الجواز” يعانون، وإن بنسبة أقل، من أشقائهم الذين يحملون وثائق سفر مصرية أو لبنانية أو سورية أو عراقية، من الإجراءات المفروضة عليهم من قبل الدول التي ينوون السفر إليها.
ويقصد بالنسبة الأقل أن هناك نحو 89 دولة اعترفت بالجواز الفلسطيني حسب إحصاءات العام 2005، منها 38 دولة لا تلزم حامله الحصول على تأشيرة دخول إذا نوى السفر إليها، وجميع هذه الدول تتبع قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. أما باقي الدول المشار إليها فتلزم حامله الحصول على تأشيرة دخول للسفر إليها من سفاراتها أو قنصلياتها.
وبخصوص الدول العربية فإن معظمها، إن لم تكن كلها، تلزم حامل جواز السفر الفلسطيني الحصول على تأشيرة دخول إليها، أو وفق تنسيق مسبق ولأغراض خاصة جداً.
أما بخصوص مصر والأردن، فإن حاملي الجواز الفلسطيني والراغبين بزيارة الدولة الأولى (مصر) فيجب أن يكونوا قد بلغوا الخمسين من أعمارهم فما فوق، باستثناء النساء اللواتي يحق لهن دخولها من دون ممانعة.
وبخصوص الدولة الثانية (الأردن) فإن حملة الجواز من سكان الضفة الغربية يحق لهم دخولها وفق “فيزا” تمنح لهم من سلطة الجوازات الأردنية في جسر الملك حسين. أما سكان قطاع غزة ممن يحملون هذا الجواز فلا يسمح لهم الدخول إلا وفق عدم ممانعة من السلطات الأمنية الأردنية.
وبعبارة أخرى يمكن القول إن من يقرر منح جواز السفر الفلسطيني أو حجبه هو إسرائيل. والأدهى من ذلك أن على من فقد هذا الجواز وهو في زيارة لإحدى الدول الأجنبية، أن يلجأ إلى السفارة الإسرائيلية في البلد المعني لتسهل له العودة إلى فلسطين للحصول على جواز سفر بدل المفقود، وليس إلى السفارة الفلسطينية.
أما حاملو الجواز الفلسطيني من الفلسطينيين، الذين لا يملكون أياً من وثائق السفر المشار إليها سابقاً، وليس لديهم بطاقات هوية كالتي لدى سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، فمعاناتهم أشد وأقسى من أشقائهم الذين سبق ذكرهم. علماً أن حاملي هذا الجواز لا يسمح لهم الدخول إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، وإنما يمكّنهم من التنقل والسفر بشروط الدول التي ينوون زيارتها.
قرارات حبر على ورق
هذه المعاناة الشديدة، التي ألمت باللاجئين الفلسطينيين من حملة وثائق السفر، سوف تتبدى على نحو مفجع، حين، نتصفح القرارات الرسمية العربية الخاصة بمعاملة هؤلاء اللاجئين، التي وافقت عليها أغلب الدول العربية. ففي اجتماع وزراء الداخلية العرب، الذي عقد في الدار البيضاء في المغرب بتاريخ 10 أيلول (سبتمبر) 1965 أقر المجتمعون برتوكول الدار البيضاء بشأن معاملة الفلسطينيين، ودعوا الدول الأعضاء في الجامعة العربية إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لوضع أحكام القرارات موضع التنفيذ. وجاء في مواد البروتوكول الآتي:
- مع الاحتفاظ بجنسيتهم الفلسطينية يكون للفلسطينيين المقيمين حاليا في أراضي الدول العربية الحق في العمل والاستخدام، أسوة بمواطنيها.
- يكون للفلسطينيين المقيمين حالياً في تلك الدول، ومتى اقتضت مصلحتهم ذلك، حق الخروج منها والعودة إليها.
- يعامل حاملو الوثائق، في أراضي دول الجامعة العربية، معاملة رعايا دول الجامعة في شأن التأشيرات والإقامة.
وبقيت هذه القرارات حبراً على ورق، وحفظت في الملفات ولم ينفذ أي بند منها.
وعقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982 طرح أمر وثائق السفر للبحث في اجتماع وزراء الداخلية العرب، الذي عقد في الدار البيضاء بتاريخ 15/2/1982، وتقرر الآتي: “نظراً للظروف الخاصة، والمتمثلة بتشريده عن وطنه، وسرقة أمواله وموارد رزقه، واعتباراً من الدول العربية لواجبات دعم صمود هذا الشعب في داخل الأرض المحتلة وخارجها، ووجوب تمكينه من مواصلة نضالــه بقيادة م. ت. ف حتى يتم تحرير بلاده، وإنشاء دولته الفلسطينية المستقلة على أرض وطنه يقرر:
- تعامل وثيقة السفر الخاصة باللاجئين الفلسطينيين، الصادرة من أي قطر عربي، معاملة جواز السفر نفسه الخاص بمواطني ذلك القطر.
- يعامل الفلسطيني الحامل لوثيقة سفر اللاجئين الفلسطينيين معاملة رعايا الدول المصدرة لهذه الوثيقة في حرية الإقامة والعمل والتنقل.
- يجري التنسيق ثنائياً مع م. ت. ف. لتحديد الإجراءات الخاصة بتنفيذ البندين السابقين.
- في حالة ارتكاب الفلسطيني لأية جريمة، في أي قطر عربي، تسري عليه قوانين القطر الذي يقيم فيه.
وبتاريخ 18/3/1983 قدمت م. ت. ف مذكرة إلى مؤتمر المشرفين على شؤون الفلسطينيين في الدول العربية تناولت معاناة حاملي وثائق السفر من الفلسطينيين، وقرارات الجامعة العربية الخاصة بهم. ومما جاء فيها: “إن الإجراءات، التي يعامل الفلسطينيون على أساسها بالنسبة لسفرهم وإقامتهم وعملهم تختلف بين قطر وآخر، مما يؤدي إلى وجود مصاعب أمامهم وثغرات في معاملتهم. فضلاً عن أن هذه الإجراءات تتعرض، أحيانا، للتبديل والتعديل والتأويل، وأنه بدلاً من تقديم جميع التسهيلات، التي تحمل الفلسطينيين على الاحتفاظ بجنسيتهم وضعت – باسم المحافظة على هذه الجنسية – قيود وإجراءات خاصة بهم في حالات سفرهم وإقامتهم وعملهم اضطرت الكثيرين منهم إلى محاولة اكتساب جنسية أخرى تخلصاً من هذه القيود والإجراءات، وسعياً وراء الحصول على تسهيلات. كما أن وثائق السفر الخاصة بالفلسطينيين، التي تمنحها لهم بعض الدول العربية تعتبر في نظر كثير من الجهات المختصة في الدول العربية وغيرها، وثائق سفر من الدرجة الثانية يعامل أصحابها على أساس ذلك، ويعتبرون، أحياناً في حكم من لا جنسية لهم ويوضعون في أوضاع حرجة ودقيقة تثير تذمرهم وشكواهم، حتى كاد حاملو هذه الوثائق يحرمون من دخول هذا القطر أو ذاك، ويمنعون من العمل هنا وهناك، لمجرد كونهم يحملون وثائق سفر فلسطينية، مما جعلهم يضيقون ذرعا بهذه الوثائق، ويحاولون الحصول على أي جواز سفر لا يعرض حامله لما تعرضه له وثيقة السفر الفلسطينية”.
وطرحت قضية معاملة اللاجئين الفلسطينيين، مرة أخرى، على مجلس الجامعة العربية في اجتماعه، الذي عقد في تونس في شهر نيسان 1984. وبعد أن استعرض المجلس القرارات السابقة بهذا الشأن، وفي ضوئها قرر الآتي:
“1- أن تقوم الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالاتصالات اللازمة بالدول، التي لم تنضم إلى بروتوكول معاملة الفلسطينيين في الدول العربية من أجل الانضمام إلى هذا البروتوكول وتطبيق أحكامه.
2- تسهيل مهمة م. ت. ف في الاتصال بالجهات المختصة في الدول العربية من أجل وضع قرارات وزراء الداخلية العرب، وبروتوكول معاملة الفلسطينيين في الدول العربية موضع التنفيذ.
3- أن تباشر م. ت. ف اتصلاتها الثنائية بالجهات المختصة في الدول العربية من أجل تذليل الصعوبات، التي يواجهها الفلسطينيون وحاملو وثائق السفر في دخولهم إلى الدول العربية وخروجهم منها، وذلك تحقيقاً لأحكام بروتوكول معاملة الفلسطينيين في الدول العربية الصادر بتاريخ 10/9/1965 بالدار البيضاء”.
وتلا هذه القرارات قرارات وقرارات.. وفي كل اجتماع لوزراء الداخلية العرب يطرح مندوب م. ت. ف أمر وثائق السفر الفلسطينية، وتتخذ قرارات تؤكد القرارات السابقة.. وهكذا تدور المشكلة ضمن دائرة مغلقة، ومأساة اللاجئين من حملة الوثائق تتفاقم، ومعاناتهم تزداد اتساعاً دون أن يوضع لها حد!!