نعيم ناصر[*]

 شكل العام 1948 منعطفا بارزا وخطيرا في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني وقضيته العادلة.  فقد شهد ذلك العام انهيار المقومات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للفئات الاجتماعية كافة.

وكان لمأساة اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه، وتدمير مدنه وقراه ومصادرة أراضيه، وتحويله إلى مجموعات من اللاجئين المعدمين، وإنشاء إسرائيل على أنقاضها، الأثر الكبير في رسم معالم وتطورات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والعربي – الإسرائيلي.

وعلى الرغم من أن النكبة، التي حلت بالشعب الفلسطيني، هي وليدة الهزيمة العربية على أرض فلسطين في العام 1948، إلا أن مسبباتها سبقت هذا التاريخ بعشرات السنين، فهي تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وازدياد الهجرات اليهودية الاستيطانية إلى فلسطين، وإبرام اتفاقية “سايكس بيكو” بين بريطانيا وفرنسا في العام 1916، وتقسيم الدول العربية فيما بينهما، ووعد بلفور في العام 1917.

وعلى امتداد سنوات النكبة شغلت قضية اللاجئين الفلسطينيين الأوساط السياسية والدبلوماسية للدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أصدرت أكثر من قرار ينصّ على عودة اللاجئين إلى الأماكن، التي هُجّروا منها، وتعويضهم عن ممتلكاتهم، التي استولت عليها إسرائيل. ويُعّد القرار (194) أبرزها وأهمها والذي تبعه العشرات من القرارات، التي تؤكد ضرورة تطبيقه.

القرار 194 ومؤتمرا لوزان وباريس

بعد هزيمة الجيوش العربية أمام الجيش الإسرائيلي، وتهجير نحو 800 ألف فلسطيني من وطنهم، وقيام إسرائيل في الرابع عشر من شهر أيار (مايو) 1948، أصبحت مشكلة اللاجئين، منذ ذلك الوقت، مطروحة على أجندة الأمم المتحدة، ومؤسساتها المختلفة. ولعل أبرز القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلستها العامة رقم (186) وأهمها، بخصوص اللاجئين الفلسطينيين، هو القرار (194) المؤرخ في الحادي عشر من شهر كانون الأول (ديسمبر) 1948، وبخاصة الفقرة (11) منه، التي تنص على الآتي:

“تقرّر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقرّرون عدم العودة إلى ديارهم، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يُعوّض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.

تصدر ]الجمعية العامة للأمم المتحدة[ تعليماتها إلى لجنة التوفيق ]لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين[ بتسهيل إعادة اللاجئين، وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك دفع التعويضات، وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة الملائمة في منظمة الأمم المتحدة”.(1)

وبناء على القرار المذكور شكّلت الجمعية العامة لجنة التوفيق من مندوبين من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وتركيا، وأوكلت إليها مهمة التدخل لدى الأطراف المتنازعة (إسرائيل والدول العربية) لتسهيل البحث عن الوسائل الكفيلة بإحلال “سلام إيجابي” يقوم على علاقات طبيعية بين الأطراف بالتدريج لتحلّ محلّ “سلام سلبي” استند على اتفاقات الهدنة، التي تم التفاوض بشأنها بين إسرائيل وبين كل من مصر والأردن وسورية ولبنان، وذلك في الفترة بين شهري شباط (فبراير) وتموز (يوليو) 1949، وكانت ذات طابع عسكري محض لوضع حدّ للاشتباكات بينهما نهائيا.

ولتنفيذ القرار المذكور، عقدت لجنة التوفيق مؤتمرين: الأول في مدينة “لوزان” السويسرية، والثاني في “باريس”.

مؤتمر “لوزان” (27 نيسان (إبريل) إلى 15 أيلول (سبتمبر) 1949):

يعتبر هذا المؤتمر من أوسع المؤتمرات إطلاقا، التي بحثت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بعمق وتوسع، حتى الآن، وضم ممثلين عن الدولة العبرية، وممثلي الدول العربية الأربع: مصر وسورية والأردن ولبنان. ويلاحظ هنا غياب ممثلي الشعب الفلسطيني، الطرف المعني مباشرة بالمشكلة. وقبل البدء بأعمال المؤتمر، التي تمت مباحثاته بين الأطراف في شكل غير مباشر بعد رفض الوفود العربية للمباحثات المباشرة، اصطدمت اللجنة بعقبة إجرائية تمثلت بأولويات جدول الأعمال. فقد اتفقت الوفود العربية، في بداية المؤتمر، على أولوية حل مشكلة اللاجئين، كشرط مسبق لأية مباحثات سلام. (وقد تراجعت الوفود العربية عن هذا الشرط، فيما بعد، كما سيتبين لاحقا) فيما أصرت إسرائيل على أولوية السلام، قبل تناول مسألة اللاجئين. وهكذا وجدت لجنة التوفيق نفسها أمام حلقة مفرغة. “كان في وسع الحكومة الإسرائيلية كسرها بواسطة تقديم اقتراح بناء للمساهمة في حل هذه المشكلة”، حسب رأي اللجنة المذكورة (2).

وبناء على مناشدة من اللجنة اقترحت الولايات المتحدة اتخاذ تدابير لإعادة ربع اللاجئين إلى ديارهم فورا (نحو 200 ألف لاجئ) كبادرة حسن نية من إسرائيل تجاه مباحثات لوزان. إلا أن إسرائيل رفضت ذلك، الأمر الذي أزعج الأمريكيين، وحمل الرئيس ترومان إلى القول، في رسالة وجهها إلى مارك اثريدج، مندوب الولايات المتحدة في اللجنة: “إني مشمئز من الطريقة، التي يتناول الإسرائيليون بها مشكلة اللاجئين. لقد قلت لرئيس ]دولة[ إسرائيل ما اعتقده في هذا الخصوص بحضور سفيره”(3). وعقب الرفض الإسرائيلي شرع المندوب الأمريكي (اثريدج) بحضّ الإسرائيليين على إصدار إعلان متساهل، يقبل مبدأ العودة، الذي نص عليه القرار (194).  “فقد كان من شأن هذه المبادرة أن تؤثر في الممثلين العرب، وتدفعهم باتجاه المصالحة والسلام”، على حد تعبيره. لكن رئيس الوفد الإسرائيلي، والتر ايتان، أشار بوضوح، منذ أول لقاء رسمي له مع أعضاء اللجنة، في الثالث من شهر أيار (مايو) 1949، إلى أن مواقف حكومته بقيت كما هي؛ ثم شرع يذكر بأسس هذه المواقف:

“- إن إسرائيل لا تعتبر نفسها مسؤولة عن وضع اللاجئين، بأي حال من الأحوال، ويجب توجيه اللوم إلى العرب، الذين شنوا الحرب، وحضّوا إخوانهم الفلسطينيين على الفرار من ديارهم؛

“- إن إسرائيل، كدولة في الشرق الأوسط تهتم بوضع هؤلاء ال550 ألفاً الذين لا مأوى لهم (رفض ايتان الرقم 800 ألف لاجئ الذي كان يقدم عادة من قبل العرب) لأسباب إنسانية؛

“- غير أن عودة هؤلاء إلى إسرائيل مستحيلة، إما من وجهة نظر اجتماعية، أو من وجهة نظر عملية. فهروب العرب جعل من البلد أرضا يهودية، لن يكون في وسعهم التعرف عليها. وسيكون السماح لهم بالعودة بمثابة خطوة إلى الوراء، سياسيا واجتماعيا. وعلى هذا فإن إسرائيل تعتقد أنه يجب توطين اللاجئين في البلاد العربية لأسباب اجتماعية وسياسية ودينية واقتصادية”.(4) 

وبناء عليه بدا الموقف الإسرائيلي، في اللقاء الرسمي الأول للمؤتمر، رافضا بشكل صريح للمبدأ الذي نصت عليه الفقرة (11) من القرار (194). وهي النتيجة التي خلصت إليها اللجنة في تقريرها الأولي إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

غير أن الانتهازية السياسية دفعت المسؤولين الإسرائيليين إلى المراوغة، عندما كانت الجمعية العامة تناقش قبول إسرائيل في الأمم المتحدة، بتاريخ الحادي عشر من شهر أيار (مايو) 1949، فعمدوا إلى “تليين” مواقفهم لحمل أعضاء الجمعية العامة على التصويت إلى جانب انضمام إسرائيل إلى الأسرة الدولية، دون إلزامها بتنفيذ القرار (194) مقابل ذلك.

وبرز هذا “اللين” في اقتراحين قدمتهما إسرائيل للجنة، لإظهار حسن نواياها؛ الأول: يتعلق بضم قطاع غزة، بكل ما فيه من لاجئين ومواطنين إلى إسرائيل. والثاني: جمع شمل الأسر. ففي العشرين من شهر أيار (مايو) اقترح الوفد الإسرائيلي على لجنة التوفيق، رسميا، أن تصبح الحدود القديمة، التي كانت تفصل فلسطين عن مصر، الحد الذي يفصل إسرائيل عن مصر. وفي هذه الحالة، تصبح غزة، بمن فيها من السكان، جزءا من إسرائيل. وهو ما اعتبرها ممثلها “مساهمة مرموقة في حل مشكلة اللاجئين”(5) .

وقد أبلغت لجنة التوفيق الإسرائيليين، قبل أن تنقل هذا الاقتراح إلى العرب، أن الأمل بأن يقبلوا به ضعيف. وهو ما حصل، عندما رفضته مصر(بحكم إدارتها لقطاع غزة) وكذلك فعلت باقي الوفود العربية.

أما بخصوص الاقتراح الثاني (جمع شمل الأسر) فقد قننته إسرائيل إلى أبعد الحدود، وأعطته تفسيرا أوروبيا (حددته بفردين أو ثلاثة للأسرة) ما جعله غير واقعي، واعتبرته بمثابة تنازل نهائي ومفرط من قبلها. أما الوفود العربية فلم تعلق على هذا الاقتراح.

مؤتمر باريس 15 أيلول (سبتمبر) إلى 31 كانون الأول (ديسمبر) 1951:

عقب ذلك، وبعد سنة 1949، تقلص اهتمام أطراف الصراع بلجنة التوفيق، وبخاصة لدى إسرائيل، التي لم تغير ولم تعدل أية نقطة من النقاط الأساسية في سياستها، لأن حكومتها، حينذاك، كانت تعتقد أن توطين اللاجئين الفلسطينيين سيلغي مشكلتهم، وأن مسائل القدس والأراضي ستحل كذلك حل أمر واقع.

وبعد تعليق مفاوضات لوزان، وخلال استئناف جلسات لجنة التوفيق في نيويورك في تشرين الأول (أكتوبر) 1949، أشارت الوفود العربية إلى أن المنهج الذي اتبعته اللجنة حتى ذلك الحين – وقوامه مجرد نقل مقترحات طرف إلى الطرف الآخر- لم يفض في رأيها ]أي في رأي هذه الوفود[ إلى نتائج تذكر. وأعربت عن رجائها في أن تقدم اللجنة اقتراحاتها هي. وأعلنت اقتناعها بأن اللجنة ستقوم بهذه المهمة بنجاح .. مضيفة أنها ليست مستعدة لدخول مفاوضات مباشرة مع ممثلي إسرائيل.. وطالب العرب اللجنة بوضوح بأن تضطلع بدور وساطة، من حيث اشتمال الوساطة، كطريقة تسوية للنزاعات، على طرف ثالث مؤهل لاقتراح حلول لا لعرض المساعي الحميدة أو مساعي التوفيق.(6)

وفي المقابل كان الوفد الإسرائيلي، من جهته، يشدد على رغبته في دخول مفاوضات سلام مباشرة مع كل طرف من الأطراف المعنية ]كل على حدة[ وكان رأيه أن رفض الدول العربية الاجتماع مع ممثلي إسرائيل حول طاولة مؤتمر، وبرعاية اللجنة، يجعل مواصلة جهود لجنة التوفيق غير مجدية، بل ضارة.

ورأى وفد إسرائيل أن المنهج القاضي بأن تصوغ اللجنة نفسها في اقتراحات واضحة دقيقة، يضع “جميع إجراءات التوفيق، التي اعتمدت حتى الآن، وكذلك تفويض اللجنة نفسه، موضع إعادة نظر”.(7)

أمام هذين الموقفين المتعارضين، قررت لجنة التوفيق تعليق أعمالها في نيويورك والاجتماع مجددا في جنيف بتاريخ 16/1/1950 لمواصلة المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والعربي، لكن دون جدوى.. إذ لم يكتف الوفد الإسرائيلي بترديد موقف بلاده المعروف من مشكلة اللاجئين، وإنما زاد على ذلك بأنه لا يرغب في التقاء الوفود مجتمعة في كتلة واحدة.. عدا عن أنه لا يمكن التوصل إلى معاهدة سلام رسمية: “فالحل الوحيد بناء السلام على مراحل بالتدريج، من خلال اتفاقات محددة على مواضيع خاصة”.(8)

وعندما وصلت المباحثات في جنيف إلى طريق مسدود، قررت لجنة التوفيق إعطاء فرصة أخيرة للجانبين العربي والإسرائيلي لاستمرار المفاوضات، ودعتهما إلى باريس.. وبدا منذ اللحظة الأولى أن الموقف الإسرائيلي كان يعرّض المؤتمر لخطر الانهيار قبل أن يبدأ. ففي سلسلة من “الملاحظات الأولية” كانت في الواقع تحفظات، طلبت إسرائيل أن يقبل العرب بأن يكون موضوع المؤتمر التسوية النهائية للصراع. وعلاوة على ذلك أبدى المندوبون الإسرائيليون شكوكا كبيرة في جدوى إجراءات تعرض فيها لجنة التوفيق مقترحاتها على الأطراف لمعاينتها ودرسها، لأنهم كانوا لا يزالون يبحثون عن المفاوضات المباشرة مع نظرائهم العرب.

افتتح المؤتمر في منتصف شهر أيلول (سبتمبر) 1951، بإعلان لرئيس لجنة التوفيق، بالمر، الذي هو في الوقت نفسه ممثل الولايات المتحدة في اللجنة، اتخذ شكل الديباجة. وعرض على الجانبين العربي والإسرائيلي الموافقة على إعلان من خمس نقاط هي:

  1. “الإلغاء المتبادل للمطاليب المتعلقة بأضرار الحرب؛
  2. ضرورة قبول إسرائيل عودة عدد محدد من اللاجئين العرب؛
  3. اعتراف إسرائيل بوجوب دفع مبلغ إجمالي تعويضا عن أرزاق اللاجئين ]الفلسطينيين[ غير العائدين(…).
  4. الوقف المتبادل لإجراءات تجميد الحسابات المصرفية،
  5. إمكانية مراجعة أو تعديل اتفاقات الهدنة في بعض النقاط.

ويجب السعي لحل المشكلة بروح واقعية وعلى أساس التنازلات المتبادلة. كما يجب اعتبار هذه المقترحات رزمة واحدة. وينبغي للديباجة المذكورة أن تبدأ بإعلان أولي تعلن الأطراف فيه نياتها السلمية وتصميمها على تسهيل التسوية السلمية في فلسطين”.(9)

وبدورها اقترحت إسرائيل أن يتخذ هذا التأكيد شكل معاهدة عدم اعتداء، تسمح لها بتعزيز مواقفها. أما العرب فإنهم رفضوا الديباجة إلا في صيغة مفيدة موجزة. غير أن لجنة التوفيق اعتبرت أن هذه الصيغة تساهم في توفير جو مؤات لتفحص اقتراحاتها. بيد أن الوفد الإسرائيلي رفض التعديل العربي للنص، الذي يحظر استخدام القوة المسلحة من دون أن يشتمل على التزام بالامتناع عن القيام بأي عمل عدائي تجاه إسرائيل.

وليس هذا، فحسب، بل أخر الوفد الإسرائيلي المناقشات طويلا، مطالبا بأن يؤكد العرب صراحة، كشرط مسبق للمناقشة “عزمهم كأطراف موقعة لاتفاقات الهدنة، كما فسرها مجلس الأمن – وبصفتهم أعضاء في الأمم المتحدة – على احترام التزامهم حيال إسرائيل”(10).

وكانت إسرائيل تطالب بوضوح بإعلان عدم اعتداء،  كذلك أبدت حكومتها، كما في السابق، تحفظات على مبدأ صلاحية اللجنة لتقديم مقترحات، ووصلت في الحين نفسه رفض المقترحات العربية المشار إليها سابقا. ووافقت إسرائيل في النهاية على عرض النقاط الخمس، بحسب رؤيتها. فهي ترفض الإلغاء المتبادل لأضرار الحرب، وتعارض عودة اللاجئين معارضة قاطعة.  وشكل هذا الموقف تراجعا واضحا. في حين قبلت فكرة التعويض، لكنها قرنتها بعدد كبير من التحفظات المتمثلة في: رفض المطاليب الفردية،  ورفض تقديرات مكتب اللاجئين التابع للجنة التوفيق بهذا الخصوص، وربطت موافقتها على التعويض الإجمالي، بأن تحسم منه مسبقا تعويضات أضرار الحرب.

والوفود العربية من جهتها رفضت، أيضا، الإلغاء المتبادل لأضرار الحرب، كما عارضت الحد من حق العودة، أو الحد من التعويضات المتوجّب على إسرائيل دفعها. وفي المقابل، واصلت قبول فكرة وقف التجميد المتبادل للحسابات المصرفية، وأيّدت إعادة النظر في خطوط الهدنة.

إزاء هذه المواقف المتباينة أرجأت لجنة التوفيق المؤتمر إلى إشعار آخر. وطلب العضو الأمريكي في اللجنة من وزارة الخارجية الأمريكية ممارسة نفوذها على الأطراف المتفاوضة، لكن جهودا لم تبذل في هذا الاتجاه.

وفي تقريرها إلى الجمعية العمومية في دورتها السادسة، لاحظت اللجنة فشل مهمتها: “ففي نشاطاتها خلال العام المنصرم –بل خلال أعوام وجودها الثلاثة والحق يقال– لم تكن لجنة التوفيق قادرة على تحقيق تقدم جوهري في المهمة، التي أسندتها  الجمعية العامة إليها، والتي تقوم على مساعدة أطراف المسألة الفلسطينية في تسوية جميع المسائل، التي تفصل بينهم، تسوية نهائية”(11).

وانتقدت اللجنة عجز الجانبين  على قبول تنفيذ أحكام القرار (194) تنفيذا كاملا: “(…) فحكومة إسرائيل ليست مستعدة لتنفيذ الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة الصادر في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948، التي تنص على وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم.

والحكومات العربية، من جهتها، ليست مستعدة لتنفيذ الفقرة الخامسة من القرار المذكور، والتي تدعو إلى تسوية جميع المسائل القائمة بينها وبين إسرائيل تسوية نهائية. فهي (أي الحكومات العربية) لم تظهر في علاقاتها باللجنة، أنها مستعدة في أية حال لمثل هذه التسوية السلمية مع إسرائيل”.(12)

وعلى أساس هذه الاعتبارات، خلصت لجنة التوفيق إلى تقرير عجزها عن مواصلة مهمتها.

“(…) فواقعة عدم قبول الجانبين، حاليا، تنفيذ قرارات الجمعية العامة، التي تحكم عمل اللجنة، تنفيذا كاملا –من جهة أولى– والتغييرات، التي استجدّت في فلسطين خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، من جهة أخرى، وضعت اللجنة في حالة عجز عن الاضطلاع لما انتدبت له. وهذا الوضع الواقعي أمر لا بد من أخذه في الاعتبار في كل دراسة جديدة للمسألة الفلسطينية”(13).

أمام هذه المواقف المتناقضة، بين إسرائيل والعرب، واستحالة حمل الدولة العبرية على تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (194) بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم، جرى حل لجنة التوفيق في نهاية عام 1951، بعد عمل مضن من قبلها استمر ثلاث سنوات. وتعتبر هذه الفترة من أطول الفترات، التي استغرقتها المباحثات الرسمية بين إسرائيل والدول العربية، بخصوص مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.. وهو الأمر الذي انسحب لاحقا على مفاوضات منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل في هذا الخصوص.

وتأسيسا على ما تقدم من وقائع مؤتمري لوزان وباريس يمكن الوصول إلى الاستنتاجات الآتية:

  1. تصرفت إسرائيل في المؤتمر تصرف الطرف المنتصر المتعجرف. وقد راوغت في المفاوضات كسباً للوقت، كي تضفي على مكاسبها في الأرض الفلسطينية طابع الأمر الواقع، سواء من ناحية رفض عودة اللاجئين، وترسيم حدودها، أو مستقبل القدس. وقد استطاعت تحقيق أهدافها بهذه الأساليب مستفيدة من النظام الدولي الجديد، الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، المتعاطف مع اليهود، عموما، ومع أهداف الحركة الصهيونية في فلسطين، خصوصاً.
  2. أما الوفود العربية، فرغم شعورها بمرارة هزيمتها في حرب فلسطين، فقد سعت، في بداية المفاوضات، إلى التسلح بالشرعية الدولية، وبخاصة القرار (194)، لإلزام إسرائيل التقيد به وتنفيذ بنوده، إلا أنها فشلت بسبب الضغوط، التي مورست عليها من قبل الولايات المتحدة، بحيث أخذت تقدم التنازل تلو الآخر، إلى أن شعرت أن المطلوب منها الاستسلام دون شروط، الأمر الذي لم تقوَ عليه.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن غياب ممثل للشعب الفلسطيني عن هذه المفاوضات، إضافة إلى عدم انسجام الوفود العربية فيما بينها، قد أضعف المطاليب العربية، مما سهل على إسرائيل تكريس سياسة الأمر الواقع، وتجميد قرارات الشرعية الدولية.

  1. ظهر من خلال وثائق وزارة الخارجية الأمريكية إلى ما قبل العام 1955، التي أميط عنها اللثام عام 1976، أن الولايات المتحدة كانت حريصة على تثبيت سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية، ولكن مقابل ثمن بخس ترضي به العرب، يتمثل في عودة عدد محدد من اللاجئين الفلسطينيين، لإنقاذ ماء وجههم، وحفاظا على مصالحها النفطية والإستراتيجية في المنطقة من “الخطر” السوفياتي المزعوم، آنذاك، لأنها كانت تتخوف من أن غياب الأمن وعدم الاستقرار السياسي، بسبب مشكلة اللاجئين، ربما سيساعد على “تغلغل الشيوعية في الشرق الأوسط”. ورغم هذا “القلق” الأمريكي لم تمارس الإدارة الأمريكية، في ذلك الوقت، ضغوطا جدية على إسرائيل كي تحملها على احترام قرارات الشرعية الدولية. فخلال مؤتمري لوزان وباريس سنحت لها فرصتان ثمينتان لوضع هذه الضغوط موضع التنفيذ. الأولى: عدم ربط تصويتها على قبول إسرائيل في الأمم المتحدة، بموافقتها على تنفيذ القرار (194)، أو بعضٍ منه، وهو أضعف الإيمان. والثانية: عدم استخدامها المساعدات والقروض الممنوحة من قبلها إلى إسرائيل وسيلة ضغط لحملها على التجاوب مع أهداف الولايات المتحدة المعلنة، وليس التجاوب مع القرارات الدولية!

مشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين

بانفراط لجنة التوفيق، نفضت إسرائيل يديها، لاحقا، من الشق السياسي لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، بوصفها مشكلة عربية “على العرب أن يجدوا حلا لها بتوطينهم في بلدانهم”، وهي على استعداد “من منطلق إنساني” أن تدعم هكذا حل. وفي هذا السبيل جهدت، إسرائيل، بالتعاون مع الغرب، خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة، لطمس هذه المشكلة، وذلك بالعمل على توطينهم خارج فلسطين، وبخاصة في البلدان العربية. وقد برزت منذ العام 1949 مشاريع توطين عديدة، بعضها بريطاني، والبعض الآخر أمريكي وإسرائيلي، وظهرت اقتراحات لتعويضهم وإيجاد فرص عمل لهم لدمجهم في اقتصاديات الدول التي تستضيفهم ورفع مستوى وضعهم المعيشي.

ويمكن تقسيم مشاريع التوطين هذه، وفق الدول التي اقترحتها، وهي على الشكل الآتي:

مشاريع التوطين البريطانية:

مشروع العراق: ويعد من أبرز مشاريع التوطين، التي وضعتها بريطانيا، وقطعت أشواطا على طريق تنفيذه، وذلك حسبما جاء في وثائق الخارجية البريطانية، التي أميط عنها اللثام عام 1985. ففي شهر كانون الثاني (يناير) من عام 1955، كما تقول الوثائق المذكورة، أعدت وزارة الخارجية البريطانية تقريرا مفصلا عن مشكلة اللاجئين، حمله مديرها العام في ذلك الوقت “شكبرج” لدى زيارته لواشنطن لمناقشته مع مسؤولي الإدارة الأمريكية. ومن جملة الأمور، التي تضمنها التقرير بحث إمكانات توطين اللاجئين في العراق، التي أولتها الدوائر البريطانية، في حينه، اهتماما خاصا، وتعاونت في هذا المجال مع سفارتها في بغداد، وقسم التطوير في المكتب البريطاني الذي مقره بيروت، وبقية السفارات البريطانية في المنطقة. وفي ضوء الدراسات والتقارير، التي جرى تبادلها بين هذه الأطراف، انبثقت اقتراحات عدة “بشأن استيعاب العراق لمزيد من اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم”. (كان متوقعا في مدى عشرين عاما أن يوافق العراق على استيعاب نحو مليون لاجئ فلسطيني) وذلك كما جاء في الوثيقة (115625/371-F)(14).

مشروع أنطوني ايدن: أعلن رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، أنطوني ايدن، بتاريخ 9/11/1955 عن استعداد بلاده، بمساعدة دول أخرى، لتقديم الضمانات الرسمية اللازمة إلى إسرائيل والدول العربية، إذا ما تم التوصل إلى اتفاق هدفه موضوع الحدود بين الطرفين.

وقد ارتكز هذا المشروع على النقطتين الآتيتين:

  • على الجانبين العربي والإسرائيلي أن يقدما تنازلات متبادلة.
  • السعي إلى الاتفاق على صيغة تسوية بين الموقف العربي، الذي يطالب بالعودة إلى حدود التقسيم عام 1974، والموقف الإسرائيلي، الذي يتمسك بخطوط الهدنة، كخطوط دائمة.

وقد رفضت إسرائيل هذا المشروع، لأنه يشير إلى أحد قرارات الأمم المتحدة(15).

مشروع اليرموك في الأردن: وقد كان مخططا له أن يستوعب ويعيد توطين 150 ألف لاجئ، إلا أن هذا المشروع توقف بسبب عدم الاتفاق على مشروع جونستون لتقاسم مياه نهر اليرموك بين الأردن وإسرائيل. وهناك مشاريع متنوعة في الأردن -حسب تقرير الخارجية البريطانية– كان من المقرر لها أن تستوعب عشرة آلاف نسمة(16).

مشروع ري سيناء في مصر: اقترح المشروع سنة 1951، وقد خطط له أن يستوعب عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، إلا أن هذا المشروع كان “بحاجة إلى المزيد من الدراسات” كما ورد في تقرير الخارجية البريطانية، وأوصى بنقل مياه نهر النيل إلى الصحراء لتمكين عدد محدود من عائلات اللاجئين الفقيرة في غزة من العمل في الزراعة هناك.

وقد وافقت الحكومة المصرية في حينه، حسب التقرير، على استقبال 7000 فلسطيني لأغراض التوطين. وفي سنة 1953 وقعت الحكومة ووكالة الغوث اتفاقا يقضي بتوفير 230 ألف فدان  من الأراضي الصحراوية بقصد إجراء التجارب، وكان من المفترض اختيار 50 ألف فدان منها للتنمية الزراعية. وقدر الخبراء أن في إمكان مساحة الأرض تلك أن تعيل 50 إلى70 ألف لاجئ(17).

وقد عارض أهالي غزة بشدة أية فكرة لتوطين دائم خارج فلسطين، واندلعت التظاهرات ضد هذا المشروع في غزة في 25 شباط (فبراير) 1955 واستمرت ثلاثة أيام. وأتت حرب السويس سنة 1956 لتقضى على هذا المشروع نهائيا (18).

خطط ومشاريع متنوعة في سورية: خطط لسورية أن تستوعب وتعيد توطين 85 ألف لاجئ. إلا أنه لم تظهر أية نتائج في حينه. ومع ذلك –يقول تقرير الخارجية البريطانية- تم استيعاب 4500 لاجئ في شكل دائم، في الفترة بين حزيران (يونيو) 1953 وحزيران (يونيو) 1954(19).

مشروع إيران: قضى هذا المشروع بتوطين عدة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين في إيران واستيعابهم ضمن خطة سباعية للتنمية والتطوير تشمل إعادة إعمار المناطق غير المأهولة في جنوب (إيران) وفي الجنوب الغربي، وإسكان عدد من اللاجئين الفلسطينيين في هذه المناطق. وقد أبدى شاه إيران محمد رضا وشقيقه محمود اهتماما بالمشروع، شرط أن يتم في البداية في صورة سرية وغير رسمية، وأن يتم اختيار اللاجئين من أصحاب رؤوس الأموال. وقد تولى عن الجانب البريطاني بحث هذا المشروع مع المسؤولين الإيرانيين، عضو البرلمان هوج فريسر، “الذي كان يعتقد أن إيران على استعداد لاستيعاب بضع مئات من اللاجئين الفلسطينيين في صورة فورية، وأن إيران ستكون مستعدة لاستيعاب آلاف اللاجئين على المدى البعيد”(20).

وقد بعثت السفارة البريطانية في إيران بتاريخ 20/10/1955 رسالة إلى الدائرة الشرقية في الخارجية البريطانية تطلعها فيها على مباحثات فريسر مع المسؤولين الإيرانيين بهذا الخصوص.

وذكرت السفارة في رسالتها أن الشاه كان مع الفكرة بعد أن أجرى استطلاعا واسعا للآراء بشأنه، ورأى أن مثل هذا المشروع سيساهم في حل المشكلة العربية – الإسرائيلية، وبأنه قابل للتحقيق، وهذا ما شجع “فريسر” على متابعة الموضوع مع الحكومة البريطانية بعد عودته إلى لندن”(21).

“تعاون الأونروا” مع مشاريع التوطين البريطانية:

لتجسيد مشاريع التوطين على أرض الواقع شجعت الحكومة البريطانية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) على منح قروض فردية للاجئين، وعلى تمويل مشاريع زراعية أو صناعية في بعض الدول المضيفة للاجئين، لتساهم مثل هذه المشاريع في توطينهم في هذه الدول. وحاولت إقناع “الأونروا” استثمار أموالها في مشاريع محلية في الدول المضيفة، وذلك من أجل استخدام الأرباح الناجمة عن هذه المشاريع، في دعم برامج التوطين. ومن ضمن الاقتراحات التي طرحت استثمار الأموال في شركة الفوسفات الأردنية، وخصوصا في قطاع المواصلات. وقد أرسل قسم التطوير في المكتب البريطاني في الشرق الأوسط في بيروت رسالة بتاريخ 3/1/1955 إلى السفارة البريطانية في عمان يقترح فيها موضوع الاستثمار في شركة الفوسفات. وقد أجابت السفارة على هذا الاقتراح برسالة جوابية بتاريخ 20/1/1955 جاء فيها: “نوافقكم الرأي باستثمار أموال “الأونروا” في صناعة الفوسفات في الأردن، وخصوصا في مجال المواصلات(…) والمسألة التي نفكر فيها هي أن أموال المساعدات من “الأونروا” يمكن استخدامها لتكملة أي تمويل يمكن أن يأتي من البنك الدولي”.(22)

وعلقت السفارة على اقتراح ورد في شأن استثمار الأموال في خط سكة الحديد في الأردن بقولها: “إن ذلك سيكون مكلفا، وفي هذه الحالة يجب التفكير في استثمار الأموال في الطريق الصحراوي، بديلاً عن المشروع الأول”(23). وفي شأن تطوير ميناء العقبة، أرسل قسم التطوير في المكتب البريطاني في الشرق الأوسط في بيروت رسالة بتاريخ 3/10/5195 إلى السفارة البريطانية في عمان جاء فيها: “إن هدفنا من اقتراح تطوير ميناء العقبة هو إيجاد فرص عمل للاجئين الفلسطينيين(…) أننا نحترم في شكل كامل أهمية المصالح العسكرية في المنطقة، ولذلك لن نضغط على “الأونروا” مرة أخرى من أجل استثمار أموالها في الميناء، علما بأنهم لن يوافقوا على ذلك دون ضغط كبير عليهم(…) إضافة إلى ذلك هناك فرص عمل كبيرة لإيجاد عمل للاجئين في الميناء والمناجم وخط سكة الحديد وفي إنشاء الطريق الصحراوي”(24).

مشاريع التوطين الأمريكية:

بدورها طرحت الولايات الأمريكية مشاريع توطين عديدة، انسجاما مع رؤيتها وسياستها الخاصة، بقضية اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة، وكان أبرزها:

مشروع جونستون 1953- 1955: طرح جونستون، المندوب الشخصي للرئيس أيزنهاور، مشروعا للإنماء الموحد للمصادر المائية في وادي الأردن دون النظر للحدود السياسية القائمة.  ولم ينجح هذا المشروع نظرا لمعارضته من قبل الفلسطينيين(25).

مشروع دالاس 1955:  يعتبر هذا المشروع استمرارا للخط الرسمي الأمريكي القائم على السعي لإيجاد حل لمسألة الشرق الأوسط، من خلال تجاهل جوهر الصراع العربي-الإسرائيلي، أي القضية الفلسطينية التي يتم تقسيمها، وتجزئتها إلى عدد من القضايا الثانوية، مثل مشكلة التنمية المائية، وتوطين اللاجئين، وتأمين القروض المالية، ورسم الحدود، ومعاهدات الصلح بين العرب وإسرائيل.

وظهر مشروع دالاس، بعد قيام وزير الخارجية الأمريكي جون  فوستر دلاس بجولة في المنطقة يدعو فيها الحكومات العربية للانضمام إلى حلف بغداد. وبعد عودته إلى واشنطن ألقى كلمة أمام الكونغرس الأمريكي بتاريخ 26/8/1955 تضمنت مشروعا أمريكيا لحل أزمة الشرق الأوسط ]بما فيها مشكلة اللاجئين الفلسطينيين[(26).

مشروع جونسون 1962: كلفت الحكومة الأمريكية في أواسط آب (أغسطس) 1961، الدكتور جوزيف جونسون، رئيس مؤسسة “كارنجي” للسلام العالمي للقيام بدراسة جديدة عن مشكلة اللاجئين. وفي تاريخ 2/10/1962، اقترح جونسون مشروع حل تضمن الآتي:

  • يعطى كل رب أسرة من اللاجئين فرصة الاختيار الحر، وبمعزل عن أي ضغط من أي مصدر، بين العودة الى فلسطين أو التعويض.
  • ينبغي أن يكون كل لاجئ على علم تام بالأمور الآتية:
    • بطبيعة الفرصة المتاحة له للاندماج في حياة المجتمع الإسرائيلي إذا هو اختار العودة.
    • كمية أو قيمة التعويضات التي يتلقاها، كبديل إذا هو اختار البقاء حيث هو يقيم.
  • يتم حساب التعويضات على أساس الممتلكات، كما كانت عامي 1947 و1948، مضافاً إليها الفوائد المستحقة.
  • تقوم الولايات المتحدة وغيرها من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها إسرائيل، بالإسهام في توفير الأموال اللازمة لدفع التعويضات.
  • من حق إسرائيل أن تجري كشفاً أمنياً عن كل لاجئ يختار العودة إلى أرضه.
  • يستفيد اللاجئون الذين لم يكن لهم ممتلكات في فلسطين من تعويض مالي مقطوع لمساعدتهم على الاندماج في المجتمعات، التي يختارون التوطين فيها.
  • يحق لكل حكومة الانسحاب من هذا المشروع، إذا اعتبرت فيه تهديداً لمصالحها الحيوية.
  • يتم تطبيق المشروع بصورة تدريجية.. كما أن التخلي عنه في منتصف الطريق لن يترك اللاجئين في وضع أسوأ مما كانوا عليه قبل الشروع في تنفيذه(27).

مشروع الحبيب بورقيبة: وهو المشروع العربي الوحيد، الذي تضمن اقتراحاً عملياً لحل مشكلة اللاجئين، في حين كان الزعماء العرب في حينها يطالبون “بتحرير” فلسطين كاملة. وقد تقدم الرئيس التونسي بهذا المشروع بتاريخ 21/4/1965، وهدف إلى تسوية الصراع العربي–الإسرائيلي، على أساس قرار التقسيم (181) الصادر عن الأمم المتحدة في العام 1947، وتضمن النقاط الآتية:

  • تعيد إسرائيل إلى العرب ثلث المساحة التي احتلتها منذ إنشائها لتُنشأ عليها دولة عربية فلسطينية.
  • يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى دولتهم الجديدة.
  • تتم المصالحة بين العرب وإسرائيل حال انتهاء الحرب بينهما(28).

وقد رفضت منظمة التحرير الفلسطينية، في حينها هذا المشروع ونددت به، وخونت من اقترحه.

مشاريع التوطين الإسرائيلية:

دأبت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منذ إنشاء الدولة العبرية العام 1948، وما زالت، على اقتراح مشاريع مختلفة لتوطين اللاجئين الفلسطينيين خارج حدودها، بمساعدة من البنك الدولي، وبنوك خاصة بريطانية وأمريكية. وقد تزامنت هذه الاقتراحات مع بعض مشاريع التوطين البريطانية، والأمريكية سالفة الذكر. ويمكن تعداد  أبرز هذه المشاريع وفق الآتي:

مشروع أشكول: رداً على مقترحات الرئيس التونسي بورقيبة، السالفة الذكر، قدّم ليفي أشكول، رئيس وزراء إسرائيل السابق، بتاريخ 17/5/1965 مشروعاً، انطلق من التزامين:

  • الواجب العام الذي تخضع له جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة هو العيش بسلام.
  • الالتزام باتفاقات الهدنة، التي تنص من جملة ما نصت عليه، على “أن الهدنة هي مرحلة انتقالية نحو السلام العادل”.

ونص المشروع على الآتي:

  • إجراء مفاوضات مباشرة واستبدال اتفاقات الهدنة باتفاقية سلام.
  • تتم التسوية على أساس وضع إسرائيل القائم، باستثناء بعض التعديلات الطفيفة –المتبادلة والمتفق عليها- عند نقاط معينة على الحدود.

وفي العام نفسه عرض أشكول مشروعاً أمام الكنيست جاء فيه:

  • يتم توجيه جزء من الموارد الضخمة للمنطقة باتجاه إعادة توطين اللاجئين ودمجهم في بيئتهم الوطنية الطبيعية (الدول العربية).
  • استعداد إسرائيل للمساهمة المالية، مع الدول الكبرى، في عملية توطين اللاجئين باعتبارها الحل المناسب لهم ولإسرائيل(29).

مشروع الأرجنتين: خلال فترة الخمسينات عمل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بن غوريون، ووزير الخارجية موشيه شيريت، ويوسف فايتس، مدير دائرة الأراضي في الصندوق القومي اليهودي، على مناقشة وإقرار ترحيل الفلسطينيين العرب المسيحيين من الجليل إلى أمريكا الجنوبية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1950 أرسل يوسف فايتس إلى الأرجنتين من أجل مشروع الترحيل هذا. وعن هذه المرحلة ذكر فايتس في يومياته: “يبدو أن مساعي رحلتي بدأت تتبلور، وذلك من خلال الجولات التي أقوم بها الآن لمناطق الريف (الأرجنتيني) القابلة لاستيعاب العرب. ومن بين هذه المناطق بقعة شاسعة من الأرض مساحتها 600 ألف دونم، تابعة لمالك يهودي مستعد لوضعها تحت تصرفنا متى شئنا من أجل تنفيذ خطتنا، وهو لن يطلب منا دفع أكثر من مائة ليرة إسرائيلية ثمنا للدونم الواحد، وبنقودنا نحن”(30).

وقد فشل هذا المشروع لأن فايتس أخفق في إقناع المعنيين بالهجرة إلى ذلك البلد.

مشروع سورية: ذكر الباحث الإسرائيلي، ايتمار ربينوفيتش، أن الرئيس السوري السابق حسني الزعيم، أبدى استعداده عام 1948 لتوطين 300 ألف لاجئ فلسطيني في شمال شرق سورية. ومن أجل ذلك جرت مباحثات بينه وبين إسرائيل، بوساطة أمريكية، إلا أن تلك المباحثات تعطلت(31). (لم يشر الباحث إلى الأسباب التي أدت إلى تعطلها).

مشروع ليبيا: في أواسط الخمسينات وضعت السلطات الإسرائيلية خطة ترحيل هدفت إلى توطين اللاجئين الفلسطينيين في ليبيا. وقد نوقشت الخطة في اجتماعات غير رسمية للجنة رفيعة المستوى شارك فيها بن غوريون، وموشيه شاريت، وليفي أشكول، وغولدا مئير، وتيدي كوليك (رئيس بلدية القدس السابق)، ويوسف فايتس، وعزرا دانين ويعقوب بالمون، وقد حلت هذه اللجنة بعد أزمة السويس 1956(32).

وقد عثر أخيراً في الأرشيف الإسرائيلي على وثيقة رسمية تشير إلا أنّ اتفاقا تم بين الحكومة الإسرائيلية والحكومية الليبية، في عهد الملك السنوسي، على إنشاء قرى زراعية في ليبيا لتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيها.(33) وقد أكد هذه “الحقيقة” الباحث الإسرائيلي “روبن هتسور” في مقابلة صحفية أجريت معه قال فيها: “أن مساحة الأراضي الليبية التي تم ابتياعها مسجلة باسمنا حتى اليوم”(34).

مشروع التوطين “الطوعي”: بعد أسبوعين من انتهاء حرب 1967، انعقد مجلس الوزراء الإسرائيلي، الذي كان يقوده حزب العمل، في جلسة سرية للنظر في “المشكلة السكانية للأراضي العربية المحتلة”. وقد ورد في الملاحظات، التي سجلها في تلك الجلسة المدير العام لمكتب رئيس الحكومة، يعقوب هرتسوغ، شقيق رئيس دولة إسرائيل السابق المتوفى، حاييم هرتسوغ، أن وزير المال بنحاس سابير، في ذلك الوقت، يدعمه وزير الخارجية آبا أيبان دعا إلى توطين اللاجئين في البلاد العربية المجاورة، ولا سيما سوريا والعراق. أما يغال آلون، نائب رئيس الوزراء، فقد اقترح أن ينقل اللاجئون الفلسطينيون إلى صحراء سيناء، وأن يعمل على إقناع الفلسطينيين بالرحيل إلى الخارج: “نحن لا نعمل ما يكفي لتشجيع العرب على الهجرة” على حد قول آلون. أما مناحم بيغن، الذي كان يومها وزيرا بلا حقيبة، فقد اقترح تعويض سكان مخيمات اللاجئين وترحيلهم إلى سيناء.

ونتيجة لهذه المناقشات شكل رئيس الحكومة الإسرائيلية، ووزير الدفاع والجيش، وحدة سرية مهمتها “تشجيع” العرب على الرحيل. وقد برزت هذه الخطة إلى العلن في تشرين الثاني (نوفمبر) 1987. وقد كان لهذه “المنظمة” (الوحدة السرية) مركز عمليات في شارع عمر المختار في غزة، وكانت تقدم لـ”المرحلين” تذكرة سفر بلا عودة إلى دول مختلفة في أمريكا الجنوبية ولا سيما إلى باراغواي، بواسطة وكالة سفر مقرها تل أبيب، وكانت تعدهم بمساعدة مالية وبمعاونة على الاستقرار بعد أن يصلوا، وهو وعد لم تف به. وقد استمرت هذه الخطة نحو ثلاثة أعوام ثم انهارت جراء حادث مفاجئ. ذلك بأن أحد “المرحلين”واسمه طلال ابن ديماسي، كان وعد بالمعونة المالية، إلا أنه لم يتلق منها شيئا، فذهب من يأسه إلى القنصلية الإسرائيلية في باراغواي في 4 أيار (مايو) 1970، وطلب مقابلة السفير، فلما رفض طلبه أردى سكرتير السفير بطلق ناري. وفي رواية الصحافيين الإسرائيليين، يوسي فيلمان ودان رفيف، تمكنت الوحدة السرية من ترحيل ألف فلسطيني سرا(35).

مشروع أبا إيبان: (وزير خارجية إسرائيل الأسبق) وقد عرض مشروعه أمام الأمم المتحدة وطالب فيه بعقد مؤتمر لدول الشرق الأوسط، والحكومات التي تساهم في إغاثة اللاجئين والوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، لوضع خطة لحل مشكلة اللاجئين، والعمل على دمجهم في حياة منتجة وإيجاد كيان مشترك لإعادة توطينهم في الشرق الأوسط بمساعدة إقليمية دولية.(36).

مشروع لجنة برونو: نسبة إلى البروفيسور ميخائيل برونو، صاحب فكرة المشروع الذي وضعه على مرحلتين: أولاهما يتم في أوائل العام 1968، والثانية في أواخر العام 1969. ويتضمن حلا لقضية اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنها تحرير التجارة بين الضفة وغزة وإسرائيل، مع إفراغ المخيمات تدريجيا من سكانها عن طريق منح حوافز اقتصادية لهم، وبناء مساكن وإقامة تنمية زراعية وصناعية بتمويل دولي(37).

مقترحات النائب الإسرائيلي رؤوفين ادري: (وهو من حزب المبام قبل أن يشكل هو وأحزاب أخرى حزب العمل) التي تقدم بها العام 1970، وأشار فيها إلى ضرورة تصفية مخيمات اللاجئين ونقل سكانها إلى مساكن في المدن والقرى القريبة من مراكز الصناعة والعمل. واعتبر أن هذا الحل سيحول المشكلة تدريجيا إلى مشكلة يتعلق حلها بعملية التطوير الاقتصادي ومجال التشغيل (38).

رؤية ناحوم جولدمان: وهو أحد مؤسسي المؤتمر اليهودي العالمي العام 1970. ورؤيته هذه مبنية على توطين اللاجئين في الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن وضم قطاع غزة لإسرائيل(39).

خطة الحكومة الإسرائيلية للعام 1971: طرحت الحكومة الإسرائيلية العام 1971 خطة لإعادة توطين سكان المخيمات في قطاع غزة. وتعتمد هذه الخطة في جوهرها على بناء أماكن سكنية جديدة في محيط مخيمات قطاع غزة. وتَزعّم هذه الخطة أرئيل شارون، قائد ما يسمى المنطقة الجنوبية آنذاك (قبل أن يصبح رئيس وزراء سابقاً) وأصدر أوامره للجيش الإسرائيلي بتنفيذ هذه الخطة، وذلك بهدم أجزاء كبيرة من مخيمات قطاع غزة وترحيل أعداد كبيرة من ساكنيها، إلى سبعة مشاريع إسكانية جديدة تقام في القطاع من أجل هذه الغاية.

ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن شمعون بيريس (رئيس دولة إسرائيل الحالي) لم يكن بعيدا عن هذه الخطة، وتبلور رأيه في أن اللاجئين الموجودين خارج فلسطين عليهم الاستقرار نهائيا حيث يقيمون. أما لاجئو غزة والضفة فلا بد من مساعدتهم للاستيطان هناك. ومن هذا المنطلق أشرف بيريس بنفسه على ما سمي “صندوق الأمانة للتطوير العام وتوطين اللاجئين”(40).

مشروع حزب العمل للسلام: طرح حزب العمل مشروعه في آب (أغسطس) 1972، وقد ركز على مشكلة اللاجئين، وتوطينهم بمساعدة صناديق دولية، ونادى بضرورة التعاون مع الدول العربية، التي سيتم توطين اللاجئين فيها، والعمل على الإلغاء التدريجي للمخيمات، أو تغيير طبيعتها، وتحويلها إلى أماكن قروية وبلدية عادية، أو عن طريق توطين سكانها في أماكن السكن القريبة القائمة في المدن، ويتم ذلك من خلال تنمية مشاريع زراعية وورش صناعية في الضفة الغربية، وذلك لضمان استيعاب اللاجئين فيها.(41)

مشروع دون زوكين: (وهو عضو كنيست عن حزب المبام 1972)، وقد اقترح فيه تفريغا  تدريجيا للمخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة، عن طريق عرض حوافز اقتصادية لسكانها، كتقديم مساكن بسعر رمزي، في مناطق بلدية قريبة من أماكن التشغيل الجديدة، التي يتم إنشاؤها وتحسين الخدمات العامة في المدن القريبة من المخيمات، حتى تعتمد المخيمات عليها في التعليم والشؤون الاجتماعية والصحية وتنمية قطاع الصناعة، وتأهيل اللاجئين على المدى البعيد، وخصوصا في مجال التشغيل الكثيف محلي الطابع، كالنسيج، والملابس، والأغذية، وتعليب الفاكهة، مع تقليل الفوارق القائمة بين سكان المخيمات وسكان المدن والقرى المحيطة، بصفة عامة، ورفع مستوى حياة اللاجئين وتحسين ظروف معيشتهم(42).

مشروع بن بورات: ويعد مشروع مردخاي بن بورات من أخطر المشاريع الإسرائيلية التي طرحت من أجل تصفية مخيمات الضفة والقطاع، حيث عرض في العام 1982 على الحكومة الإسرائيلية مشروعه، الذي ناقشته بدورها في العام التالي (1983)، ويقوم على إعادة إسكان اللاجئين المقيمين في الضفة والقطاع، وإفراغ نحو 28 مخيما وتجمعاً من هاتين المنطقتين اللتين تضمان نحو 250 ألف لاجئ. وقد قررت الحكومة الإسرائيلية في حينها رصد مبلغ 1,5  مليار دولار لتنفيذ ذلك المشروع، بيد أنه لم ير النور بسبب تورط إسرائيل في حرب لبنان العام 1982، وخشية إسرائيل من قيام هبة شعبية من سكان المخيمات لمحاربة المشروع المشار إليه وهي مشغولة  بغيره(43).

مشاريع أخرى: ومن المشاريع، التي طرحت لتصفية مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، أيضا، مشروع إسحق رابين في كانون الثاني (يناير) 1984، وأرئيل شارون في آذار (مارس) من العام نفسه. وقد تطرق الرجلان فيهما، رغم اختلاف مواقعهما الحزبية، إلى حل قضية اللاجئين من خلال مؤتمر دولي، وإجراء إصلاحات مدنية وصناعية في المنطقة لاستيعابهم.

الموقف الأمريكي والعربي من مشاريع التوطين

الموقف الأمريكي:

كانت مشاريع التوطين المشار إليها سابقا تتم بمعرفة الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت. وهو ما تؤكده الوثائق البريطانية لتوطين اللاجئين في الدول العربية، بما فيها العراق. ولم يكن تأييد الإدارة الأمريكية للقرار (194) إلا بهدف إفراغه من محتواه، والالتفاف على حق العودة للاجئين إلى ديارهم، الذي ضمنه لهم ذلك القرار. وقد ظهرت في حينه مؤشرات عديدة على ذلك نسجل منها التالي:

  1. عرض جورج ماك، الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت، تلخيصا للموقف الأمريكي بتاريخ 16/2/1950 من مشكلة اللاجئين فقال: “إن اهتمامنا باللاجئين، والمبني جزئيا على دوافع إنسانية، له مبررات إضافية. فما دامت مشكلة اللاجئين قائمة وغير محلولة، فإن تحقيق التسوية السياسية سيتأخر، وسيستمر اللاجئون في تشكيل بؤرة طبيعية للاستغلال من قبل العناصر المخربة. إن وجود ثلاثة أرباع مليون لاجئ من العاطلين عن العمل والمعدمين اقتصاديا، هو رقم يفوق عدد الجيوش النظامية في المنطقة، وهؤلاء سيزداد سخطهم مع الزمن، وهذا بحد ذاته يشكل خطرا كبيرا يهدد أمن المنطقة بأسرها، بما في ذلك إسرائيل”(44).
  2. أعدت دوائر الخارجية الأمريكية عام 1954 مشروعا سريا لحل الصراع العربي – الإسرائيلي أطلقت عليه اسم عملية “ألفا” جاء فيه بخصوص اللاجئين، أنه يستحيل التوصل إلى سلام شامل في الشرق الأوسط دون إعادة توطينهم من جديد. وأن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم يعتبر قضية حساسة تلزم صياغة ذكية تتضمن توطين 10% من مجموع اللاجئين في كامل أرض إسرائيل الغربية، والباقي يتم استيعابهم في الدول العربية. (المقصود بـ10% المائة ألف لاجئ، الذين اقترحت الولايات المتحدة إعادتهم أثناء المباحثات الخاصة باللاجئين عام 1949، والذين وافقت إسرائيل على إعادتهم بشروط معينة، ثم عدلت عن ذلك فيما بعد ولم تعد إليه كما سبق وذكرنا)، وينص المخطط على اقتراح لتعويض اللاجئين عن ممتلكاتهم بشرط أن يتم هذا التعويض، عبر إسرائيل، وبتمويل الدول الغربية الكبرى(45).
  3. لقد جرى تأكيد على هذا الموقف الأمريكي مرة أخرى عام 1970. ففي تلك السنة بعث الرئيس الأمريكي السابق نيكسون رسالة توضيحية إلى رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير، بخصوص موافقة الولايات المتحدة على القرار (194) الخاص بعودة اللاجئين جاء فيه ما يلي:

“إن الولايات المتحدة عندما تؤيد القرار (194) فإنها تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية والطابع اليهودي لإسرائيل”(46).

الموقف العربي:

من خلال استقرائنا لمواقف الدول العربية من مشاريع التوطين، وبخاصة مواقف الدول المضيفة للاجئين، وهي: سورية، مصر، لبنان، والأردن، برز موقفان: الموقف الرسمي الداعي إلى تطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بمشكلة اللاجئين، وخصوصا القرار (194)، والموقف غير الرسمي، الذي ورد في لقاءات بعض القادة العرب مع المبعوثين الأمريكيين.  فقد جاء على سبيل المثال -لا الحصر– في رسالة المفوض الأمريكي في سورية “كيلي” إلى وزارة الخارجية الأمريكية، أن الرئيس السوري السابق حسني الزعيم صرح للمفوض الأمريكي مرات عدة أنه مستعد لقبول توطين أكثر من ربع مليون لاجئ فلسطيني في بلده في إطار تسوية عامة للمسألة الفلسطينية، شريطة أن يعطوا تعويضا عادلا عن خسائرهم، وأن تتلقى سورية المعونة اللازمة لتوطينهم (47).

وأبدى رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري السعيد، استعداد بلاده لتوطين لاجئين فلسطينيين في بلده في إطار خطط تنمية اقتصادية، شريطة أن تخضع إسرائيل لمبادئ قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة: قرار 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 (قرار التقسيم)، وقرار كانون الأول (ديسمبر) 1948 (القرار 194) الأمر الذي كان سيتيح استيعاب 350 ألف لاجئ فلسطيني. كما أن القادة اللبنانيين والمصريين بدوا متساهلين، ومستعدين للقيام بمساهمات رمزية في هذا الشأن على رغم ضعف إمكانات التوطين في بلديهما.(48)

الموقف الفلسطيني من مشاريع التوطين والقرار (194)

رفض الفلسطينيون، بمختلف أطيافهم السياسية مشاريع التوطين سالفة الذكر، وتمسكوا بحقهم في العودة إلى ديارهم، التي شردوا منها. كما رفضت غالبيتهم القرار (194) بصيغته التي صدرت عن الأمم المتحدة، باستثناء الذين كانوا منضوين، بعد العام 1951، إلى الحزب الشيوعي الأردني، الذي كان يضم غالبية فلسطينية.

ومعروف أن الفلسطينيين قبل إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964، كانوا يتعاطفون مع الأحزاب العربية ذات الأيدولوجية القومية، مثل حركة القوميين العرب، وحزب البعث، وحركة الناصريين (نسبة إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر). وجزء لا يستهان به من الشعب الفلسطيني كان منخرطا في صفوف هذه الحركات والأحزاب.

وبعد أن تأسست المنظمة في العام 1964، استمر الرفض الفلسطيني لفكرة التوطين، وكذلك للقرار (194). وأصبح هذا الرفض سياسة معتمدة من قبلها، بعد أن أقر الميثاق القومي الفلسطيني، الذي سمي لاحقا باسم الميثاق الوطني الفلسطيني، في الدورة الأولى للمجلس الوطني، التي عقدت في القدس في الفترة من 10-17/7/1964.

ولم يكتف الميثاق برفض القرار (194) وعدم الاعتراف بمبادئه ونصوصه، بل دعا إلى إجلاء كل المهاجرين اليهود، الذين قدموا إلى فلسطين.. فقد نصت المادة السابعة منه في هذا الخصوص على الآتي: “المواطنون اليهود الذين هم من أصل فلسطيني يعتبرون فلسطينيين، إذا كانوا راغبين بأن يلتزموا العيش بولاء وسلام في فلسطين”. معتبرا في المادة السابعة عشرة أن تقسيم فلسطين، الذي جرى العام 1947، وقيام إسرائيل باطل من أساسه، مهما طال عليه الزمن، لمغايرته لإرادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه …الخ.

وعندما سيطرت الفصائل الفلسطينية المسلحة على المنظمة، في العام 1968، أقر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الرابعة، التي عقدت في القاهرة في شهر تموز (يوليو) 1968، الميثاق الوطني الفلسطيني، وفيه حددت المادة السادسة منه تعريف اليهود في فلسطين بصيغة حمالة أوجه، وإن كانت تحمل المضمون نفسه، الذي ورد في الميثاق القومي سالف الذكر، وجاء فيها ما نصه: “اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين، حتى بدء الغزو الصهيوني يعتبرون فلسطينيين”. ولم تحدد المادة بداية الغزو، وتركته للاجتهاد. وهو ما يفسر بأنه رفض تام للقرار (194) والإصرار على تحرير فلسطين كاملة، كما كان شائعا في الخطاب السياسي الفلسطيني.

وبعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) العام 1973، وبدء مشاريع التسوية، وفق قرار مجلس الأمن (242)، الذي وافقت عليه دول المواجهة آنذاك: مصر والأردن، ورفضته منظمة التحرير الفلسطينية وسورية، بحجة أنه يجزئ حل القضية الفلسطينية، انبثق اتجاهان داخل الساحة الفلسطينية: الأول، فضل الاستفادة من المتغيرات الإقليمية والدولية، التي طرأت بعد الحرب، وتجييرها لصالح القضية الفلسطينية، داعيا إلى إقامة دولة فلسطينية على الأرض التي تنسحب منها إسرائيل، لتكون موطئا لمواصلة المقاومة حتى تحرير فلسطين كاملة، وأصر على رفض القرار (242) باعتباره “يطمس الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ويختزلها بمشكلة لاجئين”. وبما أن القرار (194) أقر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليس مجلس الأمن لحل مشكلة اللاجئين، فقد اعتبر مرفوضا من قبل فصائل هذا الاتجاه. وهذا الموقف لا يخرج عن كونه موقفا تكتيكيا، ليتلاءم مع القرارات الدولية التي صدرت عقب حرب عام 1973، مع احتفاظه بالموقف الرسمي المعلن لمنظمة التحرير الفلسطينية.

أما الاتجاه الثاني، فقد رفض أصحابه الحلول السياسية كاملة، وتمسكوا بالكفاح المسلح حتى تحرير فلسطين كاملة من النهر إلى البحر، كما ورد في الميثاق الوطني الفلسطيني، وبالتالي أكدوا رفضهم للقرارين (242) و(194). وقد تقاطع موقفهم هذا، بهذا الخصوص، مع موقف الاتجاه الأول نفسه.

ومن المفيد أن نذكر في هذا الصدد أن قرار مجلس الأمن (242) ذكر مشكلة اللاجئين في خمس كلمات فقط، وردت في الفقرة (ب) من مادته الثانية، ونصت على الآتي: “يؤكد ]مجلس الأمن[ أيضا الحاجة إلى تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين”. دون أن يتطرق من قريب أو بعيد للقرار (194).

واستمر موقف منظمة التحرير الفلسطينية الرافض للقرار (194) طيلة دورات المجلس الوطني الفلسطيني المتتالية، حتى الدورة الاستثنائية التاسعة عشرة، التي عقدت في الجزائر في شهر تشرين الثاني (نوفمير) 1988. ففي تلك الدورة حدث الشيء ونقيضه. ففي الوقت الذي أبقى فيه المجلس الوطني على مواد الميثاق الوطني الفلسطيني، المتعلقة بنظرته إلى اليهود في فلسطين، حسب ما وردت في المادة السادسة سالفة الذكر، ورفضه لقرار التقسيم، ولقرار (194)، استند إعلان الاستقلال، الذي صدر عن الدورة نفسها، على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (181) لعام 1947، الذي دعا إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية.

وفي الدورة ذاتها أقر المؤتمرون “مشروع السلام الفلسطيني” الذي دعا إلى تسوية سياسية شاملة للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي عبر مؤتمر دولي فعال يعقد على قاعدة قراري مجلس الأمن (242) و(338). و “ضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها، حقه في تقرير المصير، وإلى حل قضية اللاجئين، وفق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بهذا الشأن”. وهنا جرى إغفال متعمد للقرار (194).  ربما لإفساح المجال للمنظمة للمناورة السياسية، أو بهدف إيصال رسالة للإسرائيليين مفادها أنها على استعداد لمناقشة فحوى القرار من جديد.. والمقصود هنا حق العودة.

ولم يكتف المؤتمرون بذلك، بل نص مشروع السلام، الذي صادقوا عليه، على نبذ الإرهاب، بما فيه إرهاب الدولة. وتصاحب كل ذلك مع إغفال الأسلوب النضالي للوصول إلى الأهداف السياسية المنصوص عليها في البرنامج السياسي المقر من قبلهم. ففي الوقت الذي أكد فيه الميثاق الوطني أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، باعتباره إستراتيجية وليس تكتيكا و”أن الشعب الفلسطيني سيتابعه ويسير فيه نحو الثورة الشعبية المسلحة لتحرير فلسطين والعودة إليها”، فإن إعلان الاستقلال والبيان السياسي للمجلس الوطني، ومشروع السلام الفلسطيني، المقرة كلها من قبل المجلس الوطني في دورته التاسعة عشرة، دعا إلى اتباع الوسائل السياسية المستندة إلى قرارات الشرعية الدولية لتحقيق الأهداف الوطنية في الحرية والاستقلال.

وحتى نصوص الميثاق الوطني الفلسطيني (التي اعتُبرت “مقدسة” من قبل البعض) المتعلقة بالموقف من اليهود في فلسطين، والكفاح المسلح وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، جرى التخلي عنها لاحقا، وبالتدريج في دورتي المجلس الوطني: العشرين، التي عقدت في الجزائر عام 1991، والحادية والعشرين التي عقدت في غزة عام 1996.

ووفق تلك الرؤيا الجديدة شاركت المنظمة في مؤتمر مدريد عام 1991، ولاحقا في مفاوضات واشنطن، لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. ثم وقعت اتفاقات أوسلو مع إسرائيل في العام 1993، التي اعترفت المنظمة بموجبه بإسرائيل، وما تلاها من مفاوضات مكملة سيتم التطرق إليها لاحقا.

ومن الإنصاف القول في هذا المقام، إن قوى عديدة من فصائل منظمة التحرير، رفضت الكثير من هذه الاتفاقات، وتحفظت على بنودها، رغم إقرارها من قبل أكثرية أعضاء المجلس الوطني.

وعلى الرغم من موافقة أغلب الفصائل والحركات الفلسطينية على القرار (194)، إلا أنها لم تقبله بنصه، كما صدر في حينه، وإنما أعطته تفسيرات، وأخرجته من سياقه الزمني ليتوافق مع خطابها السياسي، دون الرجوع إلى الجهة التي أصدرته (الأمم المتحدة)، أو تأخذ بالحسبان ظروف صدوره في ذلك الحين، ومجموع عدد اللاجئين، الذي تقدره المنظمة، بعد مرور 60 سنة على النكبة، بنحو 6.5 مليون نسمة، في حين تصر إسرائيل على أن هذا العدد لا يتجاوز 550 ألف لاجئ.. وهو الرقم الذي تعترف به الدولة العبرية، منذ إقامتها في العام 1948، متجاهلة عن قصد التطور الديموغرافي لهؤلاء اللاجئين.

وبناء عليه فإن حق العودة، وفق تفسير الفصائل له، يشمل، ليس الـ(800) ألف لاجئ فلسطيني الذين هجروا في عام النكبة، وإنما الـ(6,5) مليون لاجئ المنتشرين في شتى بقاع العالم، متجاهلة أن القرار (194) لا ينص على ذلك صراحة.. بمعنى أنه لا ينص على عودة الأحفاد وأحفاد الأحفاد. وهو الموقف الذي ترفضه إسرائيل رفضا قاطعا، ولم تقبل به في أثناء مباحثات لوزان وباريس، رغم أن عدد اللاجئين في حينه لم يكن الرقم المشار إليه سابقا.

اللاجئون والمفاوضات السياسية

لعب التطور السياسي الذي طرأ على برامج م.ت.ف بخصوص القضية الفلسطينية، عموما، ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين، خصوصا، دورا مهما في عرض هذه المشكلة على أجندات الحلول السياسة للصراع العربي – الإسرائيلي، وبخاصة عقب حرب أكتوبر في العام 1973، ومفاوضات فك الاشتباك بين مصر وإسرائيل، من جهة، وسورية وإسرائيل من جهة أخرى عام 1974، وما تلاها من مفاوضات إسرائيلية مصرية، انتهت بمعاهدة سلام بين الدولتين عام 1978، وخروج مصر مما كان يسمى في حينه دول المواجهة، وما نتج عنه من تغيير في موازين القوى في المنطقة، انعكس سلبا على العمق العربي للقضية الفلسطينية، وعلى تحالفات منظمة التحرير الفلسطينية العربية، الأمر الذي ساهم في إعادة النظر في البرنامج السياسي للمنظمة، وإقرار برنامج سياسي واقعي في الجولة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، التي عقدت في الجزائر عام 1988، وإعلان وثيقة الاستقلال، والمصادقة على برنامج السلام الفلسطيني، ما يعني بوضوح وصراحة، التخلي عن حلم تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، والدولة العلمانية (حسب فتح) والدولة الديمقراطية (حسب برنامج الجبهة الديمقراطية في بداية انطلاقتها) التي تجمع اليهود والفلسطينيين في دولة واحدة، وقبول فكرة دولتين لشعبين على أرض فلسطين التاريخية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وفق  القرار (194).

وكان لواقعية البرنامج السياسي للمنظمة تأثيره في مشاركة وفد فلسطيني في مؤتمر مدريد، الذي عقد تحت رعاية كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في العام 1991، وشاركت فيه دول المواجهة، في حينه، (سورية، والأردن ولبنان إضافة إلى مصر والجامعة العربية إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية)، عقب حرب الخليج الثانية، وتدمير قدرات العراق العسكرية، وما تبع ذلك من مفاوضات فلسطينية، ضمن المظلة الأردنية، بين وفد ترعاه المنظمة وإسرائيل.

ومعروف أن مؤتمر مدريد اضطر إلى تقسيم المحادثات بين الدول الثلاث وإسرائيل إلى مسارين: الأول: محادثات ثنائية تجري بين أطراف الصراع، والثاني: محادثات متعددة الأطراف تتناول قضايا يتطلب حلها جهود الأطراف كافة. وكان نصيب اللاجئين الفلسطينيين في مباحثات متعددة الأطراف، التي بدأت في موسكو في شهر كانون الثاني (يناير) 1992، وتشكلت منها مجموعات عمل للاجئين، وأوكلت إليها المهام التالية: تكوين قاعدة البيانات الأساسية المتعلقة باللاجئين، ولم شمل الأسر الفلسطينية، وتنمية المصادر البشرية، والتدريب المهني وخلق فرص عمل، والصحة العامة، ورعاية الطفولة، والبنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية. وتم تكليف دول عديدة برعاية كل نقطة من النقاط، وفقا للاحتياجات وإعداد التقارير. وعقدت مجموعة عمل اللاجئين ثماني جلسات، منها سبع مكتملة، قاطعت إسرائيل ثاني جلساتها، المنعقدة في أوتاوا (عاصمة كندا) في شهر أيار (مايو) 1992، كما قاطعت اللجنة عند مناقشة لم الشمل، وبعد ذلك قاطعت جامعة الدول العربية، اجتماعات محادثات المتعددة الأطراف، احتجاجا على عدم جدية الطرف الإسرائيلي(49).

ومعلوم أن مجموعة العمل الخاصة باللاجئين عقدت سبعة اجتماعات مكتملة في موسكو (كانون الثاني (يناير) 1992) وأتاوا (أيار (مايو) 1992) وأوسلو (أيار (مايو) 1993) وتونس (تشرين الأول (أكتوبر)1993) والقاهرة (أيار (مايو) 1994) وأنطاليا (كانون الأول (ديسمبر) 1994) وجنيف (كانون الأول (ديسمبر) 1995). وعلى الرغم من أن فشل اجتماعات لجنة اللاجئين في الوصول إلى مبادئ لحل للمشكلة، يتساوق مع القرار (194)، أو يستند إليه، إلا أن منظمة التحرير الفلسطينية نجحت في نفض الغبار عن القرار المذكور، وأعادته إلى وعي الرأي العام العالمي، ووضعته في أجندة العملية السياسية التي كانت جارية، آنذاك، لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والعربي – الإسرائيلي، بوصفه أساس الحل، الذي يستحيل من دونه إرساء أساس سليم لسلام عادل في المنطقة.

كما نجح الوفد الفلسطيني في حمل اللجنة على الإقرار بأن “مشكلة اللاجئين هي في جوهرها سياسية” وليست “مجرد مشكلة إنسانية” كما يحلو لإسرائيل وصفها.

وفي ختام اجتماعاتها أحالت اللجنة مشكلة اللاجئين إلى المفاوضات الثنائية، التي كانت جارية بين الوفود العربية وإسرائيل في واشنطن، معلنة أنه لا يمكن الوصول إلى حل لها، إلا عن طريق مفاوضات مباشرة بين العرب والدولة العبرية، وليس في إطار المفاوضات المتعددة الأطراف.

مباحثات أوسلو:

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه المفاوضات مع إسرائيل في واشنطن، كانت مفاوضات أخرى سرية تجري بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، كانت قد قطعت شوطا لا بأس به، انتهت بالتوقيع على اتفاق أوسلو، والإعلان عنه في العاصمة الأمريكية في الثالث عشر من أيلول 1993. علما أن الوفد الفلسطيني الذي كان يفاوض في واشنطن، كان بالنسبة لإسرائيل لا يمثل المنظمة، وإن كان يتلقى أوامره منها.

وخلال المفاوضات السرية تلك، أرجئت مناقشة مشكلة اللاجئين. وعند الإعلان عن الاتفاق، أدرجت هذه القضية ضمن قضايا الحل النهائي المؤجلة.

وخلال فترة ما بعد إعلان اتفاق أوسلو، برز موقفان متناقضان إلى أبعد الحدود حيال مشكلة اللاجئين، إذ تمحور الموقف الفلسطيني حول النقاط الآتية:

  1. الالتزام بحق العودة للاجئين الفلسطينيين في مراحل لجوئهم كافة.
  2. حق التعويض للاجئين.
  3. الالتزام بمقررات الشرعية الدولية، كأساس لحل هذه القضية، ولا سيما قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (194)، الصادر بتاريخ 11/12/1948.

وفي المقابل تبلور الموقف الإسرائيلي في الآتي:

  1. رفض حق العودة رفضا مطلقا، سواء أكان ذلك للاجئين أم النازحين، على حد سواء. وهناك شبه إجماع إسرائيلي حول هذا “المبدأ” على اعتبار أن استخدام هذا الحق يعني تدمير إسرائيل، وإلغاء هويتها وكيانها.
  2. اعتبار العودة قضية إنسانية، وليست سياسية.
  3. تحسين الأوضاع المعيشية للاجئين في أماكن لجوئهم، عبر صندوق يرعاه المجتمع الدولي، قد تساهم فيه إسرائيل.
  4. العمل على توطين اللاجئين حيث هم، عبر اتفاقات تأخذ طابعاً دولياً(50).

مباحثات كامب ديفيد:

واستطرادا لاتفاق أوسلو، جرت مباحثات مباشرة، في أواخر عام 2000 بين وفد منظمة التحرير الفلسطينية، برئاسة المرحوم ياسر عرفات، وبين وفد من إسرائيل، ترأسه في حينه إيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق، برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون. وقد اعتبرت لجنة اللاجئين، التي ضمت إسرائيليين، الأكثر فشلا من اللجان الأخرى، التي تضمنتها المباحثات، حيث لم تبحث بشكل جدي، بسبب الموقف الإسرائيلي المتعنت تجاهها.

أمام هذه المعضلة المستعصية في المباحثات رأى كلينتون أن هذا الوضع بحاجة إلى تبني صياغة بشأن حق العودة توضح أن ليس هناك حق محدد في العودة إلى إسرائيل نفسها، ولكنها لا تلغي تطلع الشعب الفلسطيني للعودة إلى المنطقة. واقترح بديلين:

  • يعترف الجانبان كلاهما بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى فلسطين التاريخية أو:
  • يعترف الجانبان كلاهما بحق اللاجئين في العودة إلى وطنهم. وسيحدد الاتفاق تنفيذ هذا الحق العام بطريقة تتوافق مع الحل القائم على أساس دولتين. وستحدد المواطن الخمسة المحتملة للاجئين وفق الآتي:
  1. دولة فلسطين.
  2. مناطق في إسرائيل، ستنقل إلى فلسطين ضمن تبادل الأراضي.
  3. إعادة تأهيل الدول المضيفة.
  4. إعادة توطين في دولة ثالثة.
  5. الإدخال إلى إسرائيل.

ويتوافق الجانبان على أن هذه البنود هي تنفيذ للقرار (194)(51).

وقد تحفظت منظمة التحرير على مقترحات كلينتون هذه كونها تتعارض مع بنود ونصوص القرار (194)، في حين لم تعلن إسرائيل صراحة عن موقفها من هذه المقترحات.

محادثات طابا:

وما ورد في نص الاقتراح الإسرائيلي الخاص بحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في مباحثات طابا في كانون الثاني (يناير) 2001، يوجز الموقف الإسرائيلي الحقيقي والواضح حيال هذه المشكلة.

وتضمن هذا الاقتراح خمسة عشر بندا، تناولت أهمية إيجاد حل لمشكلة اللاجئين، من جهة الوقائع والأسس، وإعادة التوطين، ومسألتي التعويض والمساعدة في البلدان المضيفة، والأونروا، وفي المجتمع الدولي، وأهمية إعطاء الأولوية للاجئي لبنان، وكذلك في موضوع ما يسمى باللاجئين اليهود، وتحديد الحد النهائي للمطالبات. وورد في تلك البنود الآتي:

  1. إن قضية اللاجئين الفلسطينيين قضية مركزية في العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية. ومسألة حلها بشكل شامل وعادل هي مسألة أساسية من أجل إحلال السلام الدائم والمقبول أخلاقيا.
  2. إن الدولة الإسرائيلية تعبر جهارا عن ألمها بسبب مأساة اللاجئين الفلسطينيين ومعاناتهم وخسارتهم، وهي مستعدة لأن تكون شريكا فعالا من أجل إنهاء هذا الفصل الرهيب المفتوح منذ (53) عاما لتساهم بدورها في إيجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
  3. يتوجب على جميع الفرقاء المسؤولين بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، عن نشوء وضع اللاجئين، كما على كل أولئك الذين يرون أنه من الضروري إقامة سلام عادل ودائم في المنطقة، أن يضطلعوا بمسؤولية المساهمة في حل قضية اللاجئين الفلسطينيين في العام 1948.
  4. رغم موافقتها على القرار (181) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1947، الذي ينص على تقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية وعربية، فإن دولة إسرائيل الناشئة قد اضطرت إلى خوض الحرب وإراقة الدماء في العامين 1948 و1949، مما أدى إلى سقوط ضحايا، وتسبب بالمآسي في أوساط الطرفين، ومن ذلك نزوح السكان المدنيين الفلسطينيين وفقدانهم ملكياتهم، متحولين بذلك شعبا لاجئا، ومنذ ذلك الوقت عاش هؤلاء اللاجئون دون كرامة، ولا مواطنة ولا ملكية.
  5. ونتيجة لذلك، فإن حل قضية اللاجئين يجب أن يعبر عن حاجات هؤلاء اللاجئين وتطلعاتهم، آخذا في الاعتبار الوقائع، التي طرأت منذ حرب 1948 – 1949. كما أن الرغبة في العودة يجب أن تنفذ، بما يتلاءم ووجود الدولة الإسرائيلية، موطن الشعب الإسرائيلي، كما مع إنشاء دولة فلسطين موطن الشعب الفلسطيني.
  6. إن تسوية عادلة لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس القرار (242)، الصادر عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة، يجب أن تفضي إلى تطبيق القرار (194) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
  7. منذ العام 1984 تمثلت تطلعات الشعب الفلسطيني في مبدأ ثنائي البعد أي “حق العودة” وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، استنادا إلى ما يمنحه إياه القانون الدولي. وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، كما ينص عليه هذا الاتفاق، يتضمن تطبيق حقه في تقرير المصير، وإيجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، بناء على القرار (194) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يكفل لهم العودة، ويضمن العيش الكريم والأمن للاجئين، ما يوصل إلى حل لقضية اللاجئين في كل أبعادها.
  8. فيما يتعلق بالعودة، وإعادة التوطين، وترتيب الوضع، على كل لاجئ أن يختار أحد البرامج الآتية تطبيقا للشرط الوارد في القرار (194) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة:
    • إلى إسرائيل في حدود (…) ]لم يحدد العدد[ لاجئ، على أن تُعطَى الأولوية للاجئين الفلسطينيين المقيمين حاليا في لبنان. وتعترف دولة إسرائيل بواجبها المعنوي في إيجاد حل سريع لوضع اللاجئين من سكان مخيمي صبرا وشاتيلا.
    • إلى الأراضي الإسرائيلية الخاضعة لاتفاق التبادل. وفي هذه الحال يجب أن تحضر البنى التحتية للاستقبال في المناطق الخاضعة للسيادة الإسرائيلية، والتي ستنقل إلى السيادة الفلسطينية، وذلك في إطار برنامج تنموي مشترك.
    • إلى الدولة الفلسطينية.. يمنح اللاجئون الفلسطينيون، دون أية تحفظات، حق العودة إلى الدولة الفلسطينية، موطن الشعب الفلسطيني، تبعا لقوانينها وتشريعاتها الوطنية.
    • تسوية الوضع في البلدان المضيفة الحالية. وفي هذه الحال يجب ترتيب الوضع فوريا وتاما.
    • الانتقال الطوعي إلى بلد ثالث من البلدان، التي تبدي رغبتها في استيعاب اللاجئين الفلسطينيين وقدرتها على ذلك.
  9. يمكن لكل لاجئ أن يطلب تسوية الوضع وفق الشروط المشار إليها في الفقرة العشرين التي ستأتي لاحقاً. ومن أجل تحقيق هذا الأمر تشكل لجنة دولية وصندوق دولي، تناط بها مطلق المسؤولية وكاملها لحل قضية اللاجئين في مختلف وجوهها، وضمنا جمع الطلبات والتحقق منها، كما تخصيص المخصصات وإنفاقها، على أن تحترم البرامج والمبادئ الآتية:
  • تمنح هذه البرامج تعويضات مالية، عما هو ناتج من عملية النزوح، ومن الخسائر المادية، وتساعد في تحقيق نمو الجماعات اقتصاديا. ويجب أن تعد هذه البرامج في ضوء الهدف المزدوج في العدالة التاريخية لكل فرد، وفي التنمية الاقتصادية المشتركة.
  • توضع برامج التعويض وفق معيار مزدوج، فردي، وبحسب طبيعة المطالب، وتعالج الطلبات الفردية بإجراءات سريعة، على أن ينظر فيها وفق سجل كامل ونهائي بالمطالب المتعلقة بالأرزاق، كي تجمع في إصدار خاص عن اللجنة والصناديق الدولية.
  • يشكل العمل على برامج ترتيب الوضع والتعويض، جزءا لا يتجزأ من الجهود الضرورية للسير في التنمية الاقتصادية والتلاحم الاجتماعي، فيما يتعلق في آن واحد، بالأفراد والمجتمعات، التي سيعيشون أو سيقررون الاستقرار فيها، ما يسمح بتأمين مختلف أنماط المساعدة (تفصل لاحقا).
  • يجري التعويض على الدول المضيفة على أساس المادة (…) الواردة أدناه.
  • يكون المجتمع الدولي ودولة إسرائيل المانحين الأساسيين للصندوق الدولي، تحت سقف يحدد لكل منهما. أما الممتلكات العقارية الإسرائيلية، التي ستبقى في الدولة الفلسطينية، بعد الانسحاب الإسرائيلي، فتنقل ملكيتها إلى الصندوق الدولي، وذلك مقابل مبلغ (…) دولار أمريكي يعتبر جزءا مكملا من المساهمة الإجمالية (…) دولار أمريكي.
  • يجري التعويض على البلدان التي آوت اللاجئين، وذلك مقابل التكاليف الباهظة، التي تحملتها نتيجة هذا الواقع. أما التكاليف والاستثمارات المستقبلية لترتيب الأوضاع، فيجري تقديرها وفق تفاصيل هذا الاتفاق، وعبر ترتيبات ثنائية بين البلدان المضيفة واللجنة الدولية.
  1. تشكل اللجنة الدولية من الدولة الفلسطينية والبلدان المضيفة وإسرائيل وأطراف المجتمع الدولي، ومن ضمنها الأمم المتحدة والبنك الدولي والإتحاد الأوروبي، ومجموعة الدول الصناعية الثماني، ومن أية مؤسسة أخرى معنية بالأمر. وتناط باللجنة الدولية مطلق المسؤولية وكاملها فيما يتعلق بحل قضية اللاجئين في مختلف وجوهها. ويجري تفصيل مهمات اللجنة الدولية، وبنيتها وطريقة عملها في هذا الاتفاق.
  2. تنتهي تدريجيا مهمة الأونروا، وفق رزنامة محددة يتوافق عليها الطرفان، ويجب ألا تتعدى خمس سنوات. كما يجب أن تعدل مجالات عمل الأونروا بطريقة ملائمة في مؤازرة التقدم المتحقق في تطبيق هذا الاتفاق (تشمل المرحلة الأولى نقل هذه الخدمات والأعمال الإدارية الخاصة بالأونروا إلى حكومات البلدان المضيفة، وتناط باللجنة الدولية الآليات المطلوبة لنقل هذه المهمات الخاصة، ولتحديد زمن نزع صفة المخيم عن وضع المخيمات الفلسطينية).
  3. تعطى الأفضلية في كل البرامج الواردة أعلاه للاجئين الفلسطينيين في لبنان. ومع أن مسألة التعويض على اللاجئين اليهود السابقين من جانب الدول العربية لا تشكل جزءا من الاتفاق الثنائي الإسرائيلي – الفلسطيني، واعترافا بمعاناتهم وخسائرهم، إلا أن الطرفان يتعهدان بالتعاون في السعي إلى إيجاد حل عادل ومنصف لهذه المسألة.
  4. يقر الطرفان بأن الآليات الواردة أعلاه تشكل تطبيقا كاملا ونهائيا للبند (11) من القرار (194) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948، ويعتبران أن تنفيذ ما اتفق عليه من هذه البرامج والإجراءات المفصلة الواردة أعلاه هو بمثابة تسوية كاملة لا رجوع عنها لقضية اللاجئين الفلسطينيين في جميع أبعادها، ويمتنع الطرفان عن التقدم بأية مطالب أو شروط. وبعد تطبيق هذه البنود لن يبقى هناك أي شخص تطلق عليه صفة لاجئ فلسطيني(52).

الموقف الفلسطيني:

وشمل الاقتراح الفلسطيني، المتعلق بهذا الموضوع (61) بندا رئيسيا تناول تسوية مشكلة اللاجئين من مختلف جوانبها: التاريخية والسياسية والقانونية والإنسانية وهي:

  1. يقر الطرفان بأن الحل العادل لمشكلة اللاجئين ضروري للتوصل إلى سلام عادل وشامل ودائم.
  2. تقر إسرائيل بمسؤوليتها الأخلاقية والقانونية عن تشريد السكان المدنيين الفلسطينيين أثناء حرب 1948 وطردهم بالقوة، وعن منع اللاجئين من العودة إلى ديارهم وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194).
  3. تتحمل إسرائيل المسؤولية عن حل مشكلة اللاجئين.
  4. إن الحل العادل لمشكلة اللاجئين، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم (242) يجب أن يقود إلى تطبيق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194) .
  5. انسجاما مع قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194) (الدورة 3) يحق لكل اللاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم في إسرائيل والعيش بسلام مع جيرانهم أن يفعلوا ذلك. وسوف يمارس كل لاجئ حق العودة وفقا للشكليات (Modalities) التي تحددها الاتفاقية.
  6. أ- اللاجئ الفلسطيني هو أي فلسطيني منع من العودة إلى بيته بعد 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947.

ب- دون تقييد عمومية مصطلح (لاجئ) يشمل (اللاجئين) في هذه الاتفاقية نسل لاجئ وزوجته.

ت- دون تقييد عمومية مصطلح (لاجئ) يعتبر كل الأشخاص المسجلين لدى الأونروا لاجئين انسجاما مع هذه المادة.

  1. تؤلف لجنة لإعادة التوطين من أجل ضمان تنفيذ حق العودة وإدارة العملية، انسجاما مع هذه المادة.
  2. تقوم اللجنة، بين أمور أخرى، بما يلي:
    • التحقق من وضعية اللاجئ، كما تحددها هذه المادة.
    • تحديد الأولويات لبعض فئات اللاجئين وبعض المناطق.
    • تحديد إجراءات إعادة التوطين.
    • معالجة الطلبات.
    • إعادة توطين اللاجئين.
    • تقديم المساعدة إلى اللاجئين العائدين.
    • ضمان حماية اللاجئين العائدين.
  3. تتألف اللجنة من ممثلين عن الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، وطرفي الاتفاقية، والأونروا، والدول العربية المضيفة، والاتحاد الأوروبي، وكندا، وتستشير حكومات الدول العربية المضيفة، وفق ما تراه ضروريا.
  4. ينفذ الطرفان قرارات اللجنة ويتخذان الإجراءات المناسبة لتسهيل قرارات اللجنة.
  5. تحدد اللجنة هيكليتها وإجراءات عملها.
  6. تحدد اللجنة مقرا لها في (…) ويمكن أن تكون لها مكاتب في مواقع أخرى، وفقا لما تراه مناسبا.
  7. تضع اللجنة آلية لحل الخلافات الناجمة عن تفسير هذه المادة، أو تطبيقها، أو إنجازها.
  8. للاجئين الحق في استئناف القرارات التي تتخذها اللجنة، بمقتضى هذه المادة، وعلى اللجنة وضع آلية لطلبات الاستئناف.
  9. كل اللاجئين المقيمين حاليا في لبنان ويختارون ممارسة حق العودة، انسجاما مع هذه المادة، يجب أن يتمكنوا من العودة إلى إسرائيل خلال عامين من توقيع الاتفاقية.
  10. دون الإخلال بحق كل لاجئ في العودة إلى إسرائيل، وبالإضافة إلى اللاجئين العائدين بمقتضى الفقرة (15) أعلاه يسمح بعودة (..) لاجئ إلى إسرائيل سنويا.
  11. على اللاجئين الراغبين في العودة إشعار اللجنة بذلك، وفقا للإجراءات التي تضعها اللجنة، خلال خمسة أعوام من تاريخ بدء تسلم اللجنة هذه الإشعارات. ويجب ألا تكون ممارسة حق العودة اللاحقة لهذا الإشعار مقيدة بوقت.
  12. تحدد اللجنة، وفقا لمعايير شفافة، من يعود في سنة معينة، انسجاما مع الفقرة (16) من هذه المادة.
  13. تستند إعادة التوطين إلى قرار الفرد الطوعي، ويجب تنفيذها بطريقة تحفظ وحدة العائلة.
  14. يزود اللاجئون بالمعلومات اللازمة لهم كي يتخذوا قرارا مبنيا على المعرفة، فيما يتعلق بكل أوجه إعادة التوطين.
  15. يجب ألا يفرض على اللاجئين البقاء في أوضاع خطرة، أو غير آمنة أو الانتقال إليها، أو إلى مناطق تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية اللازمة لاستئناف حياة سوية.
  16. يسمح للاجئين العودة بسلام دون التعرض للمضايقة أو التهديد أو الاضطهاد أو التمييز، لا سيما على أساس الأصل القومي أو المعتقد الديني أو الرأي السياسي.
  17. على الطرفين إدخال التعديلات اللازمة على قوانينهما الداخلية لتسهيل تنفيذ حق العودة.
  18. يدعو الطرفان الدول، التي تستضيف لاجئين حاليا، إلى تسهيل عودتهم الباكرة، بما يتطابق مع حقوق الإنسان والقانون الدولي.
  19. يتمتع اللاجئون بحقوق مدنية واجتماعية كاملة. ويجب تقديم الحماية لهم ضد التمييز، لا سيما في العمل والتعليم وحق التملك.
  20. يتخذ اللاجئون العائدون المواطنة الإسرائيلية. وهذا ينهي وضعهم كلاجئين.
  21. الأملاك العقارية، التي كان اللاجئ العائد يملكها عند تشريده، يجب أن ترد إليه، أو لورثته الشرعيين.
  22. وفي حال كانت إعادتها إلى مالكها اللاجئ متعذرة، أو غير قابلة للتنفيذ، أو غير منصفة، وفقا للمعايير، التي تحددها لجنة إعادة التوطين، أو إذا كانت هذه الأملاك قد آلت إلى شخص ثالث تصرف بحسن نية، يمنح اللاجئون أو ورثتهم ملكية أخرى داخل إسرائيل مساوية بالحجم و/أو القيمة للأرض ولأية ملكية أخرى فقدها.
  23. يجب الإبقاء على الأونروا، إلى أن تطبق هذه المادة تطبيقا تاما، ولا يعود ثمة حاجة إلى خدمات الأونروا، ويجب أن يتغير نطاق خدمات الأونروا بالشكل الملائم أثناء تقدم تنفيذ هذه المادة.
  24. تعوض دولة إسرائيل اللاجئين عن الأملاك التي حرموا منها نتيجة تشريدهم، بما في ذلك، ودون أن يقتصر الأمر عليها، الأملاك المدمرة والموضوعة تحت حراسة (القيم على أملاك الغائبين). ويجب أن يغطي التعويض فقد الملكية، وفقد الانتفاع والربح من تاريخ التشريد إلى اليوم الحالي بالقيمة السائدة اليوم.
  25. تعوض دولة إسرائيل أيضا اللاجئين عن المعاناة والخسائر، التي لحقت بهم نتيجة تشردهم.
  26. يتلقى اللاجئون، وفق ما تكون عليه الحال، مساعدة إعادة توطين لإعانتهم على الاستقرار ثانية في مسقط رأسهم، أو مساعدة إعادة تأهيلهم في مكان إقامتهم المستقبلية، وتأتي أموال مساعدة إعادة التوطين، ومساعدة إعادة التأهيل من الصندوق الدولي المذكور أدناه.
  27. إن حقي العودة والتعويض مستقران وتراكميان. وممارسة اللاجئ حقه في العودة إلى إسرائيل لا تخل بحقه في تلقي التعويض بمقتضى الفقرة (30) ولا يخل بتلقي اللاجئ تعويضا بحقه في العودة وفقا لهذه المادة.
  28. ما لم تكن الملكية ملكا جماعيا، يمنح التعويض المادي (وغير المادي) على أساس فردي.
  29. تقدم إسرائيل، بمقتضى مسؤوليتها عن تعويض اللاجئين، التي نصت عليها الفقرة (30) الأموال اللازمة لهذا التعويض. وتحول هذه الأموال إلى الصندوق الدولي المذكور أدناه، وتصرف من قبل الصندوق ولجنة إعادة التوطين انسجاما مع هذه المادة.
  30. وعلى وجه الخصوص، ودون تقييد مسؤولية إسرائيل بأي شكل من الأشكال وفقا للفقرة (35) أعلاه، تستخدم الموارد المتوفرة (للقيم على أملاك الغائبين) المتعلقة بأملاك اللاجئين.
  31. يمكن استخدام أموال إضافية من الصندوق الدولي المشار إليه أدناه لاستكمال الأموال الإسرائيلية المخصصة لأغراض التعويض.
  32. تدفع دولة إسرائيل تعويضا إلى دولة فلسطين عن الأملاك الفلسطينية العامة الموجودة ضمن الحدود المعترف بها دوليا لدولة إسرائيل.
  33. تضم الأملاك العامة المشار إليها في الفقرة (38) من هذه المادة، الأملاك العقارية، فضلا عن الأملاك المالية وغيرها من الأملاك المنقولة.
  34. تدار مطالب التعويض تحت الفقرة (36) ويبت في شأنها من قبل لجنة التعويضات.
  35. تتلقى الدول المضيفة للاجئين (أي لبنان وسورية والأردن ومصر والعراق والسلطة الفلسطينية) تعويضا للتكاليف الكبيرة التي تحملتها جراء استضافة اللاجئين.
  36. تؤلف لجنة تعويضات لتقييم الخسائر الفلسطينية العينية، وغير العينية، وإدارة تنفيذ أحكام هذه المادة المتعلقة بالتعويض. وإدارة مطالب اللاجئين الفلسطينيين المقدمة بموجب الفقرتين (27) و(28) والبت في شأنها.
  37. تضع اللجنة شكليات وإجراءات تقديم مطالب التعويض والبت في شأنها، وصرف المبالغ المدفوعة.
  38. تتألف اللجنة من ممثلين عن كل من الطرفين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والبنك الدولي والدول المانحة.
  39. تقبل اللجنة سجلات لجنة التوفيق، التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين، فضلا عن سجلات (القيم على أملاك الغائبين) التي توفر للجنة بمقتضى الفقرة (36) أعلاه، كدليل أولي عن خسائر اللاجئين. ويمكن أن تستخدم اللجنة أيضا سجلات الأونروا وأية سجلات أخرى ذات صلة.
  40. ترسل اللجنة فريقا تقنيا متخصصا لتقييم القيمة الحالية للأملاك، التي تستحق التعويض عنها.
  41. على الطرفين تنفيذ قرارات اللجنة، واتخاذ الإجراءات الموافقة لتسهيل تنفيذ هذه القرارات.
  42. تتخذ اللجنة مقرها في (…) ويمكن أن تكون لها مكاتب في مواقع أخرى، وفق ما تراه ملائما.
  43. تضع اللجنة آلية لحل الخلافات الناجمة عن تفسير هذه المادة وتطبيقها، أو إنجازها.
  44. للاجئين الحق في استئناف القرارات، التي تتخذها اللجنة بمقتضى الاتفاقية، وعلى اللجنة وضع آلية لطلبات الاستئناف.
  45. ينشأ صندوق دولي لدعم وتمويل تنفيذ أحكام هذه الاتفاقية المتعلقة بحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
  46. تكون للصندوق لجنة توجيهية مسؤولة عن وضع أولويات لسياسات استخدام المساعدة الدولية تنسجم مع أحكام هذه الاتفاقية المتعلقة باللاجئين.
  47. تتألف اللجنة التوجيهية من فلسطين والولايات المتحدة والبنك الدولي والإتحاد الأوروبي والدول المانحة.. وتستكمل اللجنة التوجيهية بمشاركة الأطراف الإقليمية المتأثرة أو المعنية عند الضرورة. وتكون اللجنة التوجيهية مسؤولة عن الحصول على المساعدات الدولية المالية، وغير المالية، وتنسيقها وإدارتها لإتاحة تنفيذ مختلف نواحي وأبعاد هذه الاتفاقية المتصلة باللاجئين.
  48. يتولى البنك الدولي والأمم المتحدة السكرتاريا المشتركة للصندوق. ويكون البنك الدولي مقر السكرتاريا.
  49. تطلب اللجنة التوجيهية من البنك الدولي إنشاء أدوات تمويل متعددة الأطراف، كي تضمن أن كل ناحية من نواحي الاتفاقية المتعلقة باللاجئين تتطلب مساعدة مالية لها ما يقابلها من الأدوات المتوفرة للمانحين الراغبين في استخدام آليات متعددة الطرف.
  50. يتولى البنك الدولي المسؤولية التامة لضمان إدارة هذه الأموال، وفقا للمعايير الدولية للمحاسبة والشفافية. وتكون السكرتاريا مسؤولة عن مراقبة المستوى الإجمالي لمساهمات المانحين والأموال المصروفة (عبر القنوات متعددة الأطراف وثنائية الأطراف على السواء) لدعم تنفيذ اتفاقية اللاجئين.
  51. تشمل المساعدة الممنوحة من الصندوق، بين أمور أخرى، دعما لـ: العودة، والتعويض، ومساعدة إعادة التوطين، ومساعدة التأهيل، والتكاليف الانتقالية والمساعدة الاجتماعية – الاقتصادية ذات الصلة. وتصرف المساعدة للتعويضات من خلال لجنة التعويضات.
  52. يشمل متلقّو الأموال المقدمة عبر الصندوق: اللاجئين، الهيئات العامة والوزارات الفلسطينية المعنية، الوزارات والهيئات العامة لحكومات الدول المضيفة، الهيئات الدولية أو الخاصة المنتقاة لتنفيذ مشاريع المساعدة أو توفير الدعم التقني أو الانتقالي.
  53. يجري الطرفان التعديلات الملائمة على قوانينهما الداخلية لتسهيل تنفيذ هذه المادة.
  54. يشكل التطبيق التام لهذه المادة حلا كاملا لمشكلة اللاجئين، وينص على كل المطالب الناجمة عن هذه المشكلة.
  55. إن حق كل لاجئ، بمقتضى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194)، يجب ألا يتعرض لإجحاف، إلى أن يمارس اللاجئ حقه في العودة، ويتلقى التعويض بموجب هذه المادة، أو إلى أن يتلقى التعويض ويستقر في مكان آخر، استنادا إلى اختياره الطوعي(53).

يتضح من الاقتراحين الإسرائيلي والفلسطيني، في مباحثات طابا، وما تضمنه موقفاهما في مباحثات كامب ديفيد، أن هوة شاسعة فصلت ما بينهما بشأن موضوع اللاجئين الفلسطينيين، وأظهرا أن إسرائيل مصرة على موقفها من هذه القضية، منذ مؤتمر لوزان، سالف الذكر، على الرغم من المرونة التي أبداها الوفد الفلسطيني المفاوض في ما يتعلق بنصوص القرار (194).

وبفشل المباحثات في طابا دخلت المباحثات الرسمية الفلسطينية – الإسرائيلية، والتي من ضمنها قضية اللاجئين، في سبات دام نحو سبع سنوات، لتستأنف بعد مؤتمر “أنابوليس” الذي عقد في الولايات المتحدة الأمريكية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2007، في مباحثات غلب عليها طابع السرية من حيث التفاصيل المتعلقة بكافة جوانب القضية الفلسطينية، ومنها مشكلة اللاجئين.

محاولة لاستقراء المستقبل

 لم تكن “وثيقة جنيف”، التي وُقّعت بين طرفين غير رسميين، فلسطيني وإسرائيلي، في العاصمة السويسرية بتاريخ 01/12/2003، نهاية المشاريع، التي اقترحت لحل القضية الفلسطينية، بما فيها مشكلة اللاجئين، وإنما سبقها مشروع خارطة الطريق، الذي توافقت عليه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، بتاريخ 20/12/2003 وهو مشروع ينفذ وفق جداول زمنية وبنود ومراحل وضعتها الأطراف الأربعة، يقوم على أساس قرارات مجلس الأمن: 242 و338 و1397 ومبادرة السلام العربية، ويتضمن “حلا واقعيا وعادلا ومتفقا عليه لموضوع اللاجئين”. وقد حظي هذا المشروع بموافقة السلطة الوطنية الفلسطينيّة، وعدد من الدول العربية، من بينها مصر والأردن والعربية السعودية، كما وافقت عليه إسرائيل، وإن بتحفظ، ضمنته في أربعة عشر بندا، أرسلت إلى الإدارة الأمريكية، لتأخذها بنظر الاعتبار.

وما يزال هذا المشروع يندرج ضمن المفاوضات المتوقفة الآن بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، بما فيه مشكلة اللاجئين. والأخبار التي سربت عن هذه المفاوضات، لا تبشر بخير، كون إسرائيل ما زالت مصرة على مواقفها التقليدية تجاه هذا الحل.. فهي تريد دولة فلسطينية منقوصة السيادة على ثلاثة أرباع الضفة الغربية، باستثناء القدس الشرقية، التي ضمتها عنوة إليها واعتبرتها جزءا من عاصمتها الموحدة، وتصر على رفضها المطلق لحق العودة الذي تضمنه القرار (194).

وقد تبدي إسرائيل، حسب المراقبين، خلال هذه المفاوضات “مرونة” ما تجاه الدولة الفلسطينية وحدودها وعاصمتها، ولكن موقفها تجاه عودة اللاجئين سيبقى على حاله، الذي عهدناه منذ أكثر من ستين عاما. ومنذ إنشائها تبنت إسرائيل ثلاث طرق مترابطة ومتداخلة، كما يقول المفكر إيليا زريق، لمعالجة قضية اللاجئين: الأولى، هي الظهور بمظهر المتردد الذي لا يتخذ قرارا حاسما عندما يُطالَب بذلك.. وقد كان هذا أسلوب تصرف إسرائيل عندما كان عليها أن تجيب على الاقتراحات المتعلقة بعودة اللاجئين الفلسطينيين.. والثانية هي طريقة فرض الحقائق على أرض الواقع، التي تنتهجها لمواجهة الضغط الخارجي الموجه إليها من المجتمع الدولي، ولإبطال القرارات، التي تتعارض مع رغباتها. وما زالت هذه الطريقة المميزة الأكثر ثباتا، والأطول زمنا للسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين على امتداد تاريخها. أما الطريقة الثالثة فتتلخص في اللجوء إلى سياسة التمويه، من خلال الإجراءات البيروقراطية، التي تعقد قضية اللاجئين، وتعرقل تطبيق أي خطوات تتعارض مع رغباتها، حتى وإن كان هناك اتفاق على تنفيذ هذه الخطوات.(54)

وتأسيسا على ذلك يمكن القول إن قضية اللاجئين، التي يجري التفاوض بشأنها بين الفينة والأخرى، لن يتم من خلالها السماح بعودة أي من اللاجئين إلى إسرائيل نفسها، لأن السماح بذلك، ولو لعدد ضئيل من الأفراد، سيفسر من قبلها على أنه اعتراف بالذنب فيما يتعلق بتهجير اللاجئين عام 1948 وهو ادعاء ما زالت ترفضه بصلابة.

وبمعنى آخر فهي لن تطرح موقفا في المفاوضات يعد بشيء في شأن عودة اللاجئين، ينسجم مع الموقف الفلسطيني الرسمي الذي يتبنى القرار (194)، ويسعى إلى تطبيقه، أو حتى يتوافق معه.  وفي المقابل يصر المفاوض الفلسطيني الرسمي، الممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية، على التمسك بالقرار (194)، وبخاصة البند (11) سالف الذكر، الذي يدعو إلى العودة والتعويض، ورفض التوطين، وذلك رغم التصريحات الإعلامية “المرنة” لبعض المسؤولين الفلسطينيين، التي تدعو إلى “حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين”. وهناك فصائل وشخصيات فلسطينية معارضة، لا يستهان بقوتها ونفوذها، تعتبر هذه التصريحات، وكذلك التفاوض على قاعدة القرار المذكور، تفريطاً بحق العودة، والقضية الفلسطينية برمتها.

أمام هذه “العقدة” المستعصية، كيف يمكن حل هذه القضية الشائكة والمعقدة؟

للإجابة عن هذا السؤال يمكن تخيل خمسة سيناريوهات لهذا الحل:

الأول:  ويتمثل بقيام الدول العربية مجتمعة بشن حرب على إسرائيل وهزيمتها، وإجبارها على قبول قرار الأمم المتحدة (194) وعودة اللاجئين إلى الأماكن، التي هجروا منها. وهذا السيناريو، أقرب إلى “الفنتازيا” منه إلى الحقيقة، لأن هذه الدول، وبخاصة البعيدة عن حدود فلسطين، لا تفكر في هذا الأمر، ولا هو موضوع على أجندتها العسكرية، وليست معدة لهذه المهمة. أما الدول العربية الأربع المحاذية لإسرائيل، فاثنتان منها وقعتا على اتفاقيتي سلام مع الدولة العبرية، ونبذتا الحرب، ونعني بهما مصر والأردن. أما الدولتان الأخريان، سورية ولبنان، فليس في نيتهما خوض حرب من أجل عودة اللاجئين، خصوصا أن إسرائيل انسحبت من أرض الثانية، ولم يبق إلا بعض الأراضي العالقة.  أما سورية فإنها تسعى لاستعادة هضبة الجولان المحتلة عن طريق المفاوضات، وليس عن طريق الحرب، كما دلت عليه المباحثات غير المباشرة التي جرت بينهما.

الثاني: قبول منظمة التحرير الفلسطينية بالاقتراح الإسرائيلي القاضي بتطبيق، عودة اللاجئين إلى الدولة الفلسطينية المرتقبة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتخلي عن حق العودة، الذي تضمنه القرار (194)، علما أنه قد يتم الاتفاق على عودة ألوف محدودة تحت بند لم الشمل، إلى إسرائيل، حفظا لماء الوجه. قد يكون هذا السيناريو هو الأقرب إلى التطبيق في ظل موازين القوى العربية والدولية التي هي لصالح إسرائيل على الدوام. مع إدراك الغرب، وكذلك العرب، بمن فيهم الفلسطينيون، أن إسرائيل أصبحت حقيقة واقعة، لا سبيل إلى إزالتها. مع الفرق أن الغرب لا يحبذ ولا يؤيد عودة اللاجئين كلهم إلى إسرائيل، حفاظا على طابعها اليهودي، وإن كان يؤيد عودة عشرات الآلاف إليها، في حين يرى العرب أن يتم تطبيق القرار (194) بالتوافق بين إسرائيل والفلسطينيين، ويسمح لمن يرغب في العودة إلى إسرائيل.

الثالث: الموافقة على توطين اللاجئين، إما في البلدان التي يقيمون بين ظهرانيها، أو في بلدان  أخرى، أجنبية أو عربية، توافق على استقبالهم، ودفع تعويضات لهم عن أراضيهم وممتلكاتهم في فلسطين.

وهذا الحل هو الأقرب إلى قلب إسرائيل من السيناريوهين السابقين، لأنه ينهي قضية اللاجئين، ويضع خاتمة للصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، والعربي الإسرائيلي، كونها أساس الصراع. وهو ما يرفضه اللاجئون بإصرار وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية، لأنه يعني التخلي إلى الأبد عن الحلم الذي سكن في قلوبهم وعقولهم عن الوطن الموعود، الذي يعتبر بمثابة وديعة يتوارثونها أبا عن جد.

الرابع: التوافق على فكرة الدولة ثنائية القومية على كامل فلسطين التاريخية، تضم اليهود والعرب الفلسطينيين بمن فيهم اللاجئون، باعتبارهما قوميتين متساويتين في الحقوق والواجبات.

وهذه الفكرة ليست جديدة في القاموسين السياسيين الفلسطيني والإسرائيلي، فقد تم التطرق إليهما، من قبل سياسيين عرب ويهود في الثلث الأول من القرن الماضي. ولكن بعد أن هجّر الفلسطينيون من وطنهم وأقيمت إسرائيل، وأصبح اليهود يشكلون الأكثرية في فلسطين، وتبني مقولة: “أن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي”، استبعدت هذه الفكرة نهائياً، من قبل اليسار واليمين الصهيونيين، وبقيت في أذهان بعض الأكاديميين الإسرائيليين.

الخامس: قبول فكرة الدولة الديمقراطية التي تجمع سكان فلسطين بحدودها من النهر إلى البحر، بغض النظر عن مذهبهم وقوميتهم ومعتقداتهم. ويتم تداول السلطة فيها عن طريق الانتخابات، بغض النظر إن كان، يرأس هذه السلطة أو الحكومة، عربيٌّ أو يهوديٌّ.

ومن الجدير ذكره في هذا الصدد أن عصبة التحرر الوطني في فلسطين، هي أول من طرح هذا الشعار في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، كحل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إلا أنه تم رفضه من قبل الزعامة التقليدية الفلسطينية، والحركة الصهيونية.

وهذه الفكرة، كسابقتها، رفضت، وما زالت تُرفض، من قبل إسرائيل، لأنه يهدد، من وجهة نظرهم، يهودية دولة إسرائيل، بسبب ازدياد نسبة التطور الديموغرافي للعرب بمعدلات تفوق نسبة الازدياد الطبيعي في إسرائيل.

ومعروف أن هذين السيناريوهين، كانا من ضمن برامج منظمة التحرير، قبل الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني، وقبل تبني شعار دولتين لشعبين على أرض فلسطين، وعودة اللاجئين إلى ديارهم وفق القرار (194).

ومع صعوبة تطبيق أي من السيناريوهات السابقة، وانسداد الأفق أمام حل مشكلة اللاجئين حلاً عادلاً، يبقى حلم العودة حياً في الذاكرة الجمعية للاجئين الفلسطينيين، يتوارثونها أباً عن جد. مدركين، وبخاصة اللاجئين، تمام الإدراك أن أي سلام في المنطقة، لا يمكن أن يتم دون حل قضيتهم، وفق قرارات الأمم المتحدة، ومن ضمنها القرار (194). كما يدرك ذلك الإسرائيليون، وفي مقدمتهم السياسيون.. وقد كان د.يوسي بيلين، وهو أحد المهندسين الرئيسيين لاتفاق أوسلو، ومبادرة جنيف، على حق عندما قال: “إذا لم نجد حلاً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين فإن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني سوف يظل دون حل، حتى لو أقيمت دولة فلسطينية”(55).   
المراجع:

جان-إيفأولييه، لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين، 1948 – 1951، حدود الرفض العربي، الملحق الأول، إصدار مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت، الطبعة الأولى، 1991. 1-
المصدر السابق، ص 44. 2-
المصدر السابق، ص 53. 3-
المصدر السابق، ص 54. 4-
المصدر السابق، ص 60. 5-
المصدر السابق، ص 149 و150. 6-
المصدر السابق، ص 150. 7-
المصدر السابق، ص 160. 8-
المصدر السابق، ص 158. 9-
المصدر السابق، ص 159. 10-
المصدر السابق، ص 160. 11-
المصدر السابق. 12-
المصدر السابق. 13-
وليد الجعفري، “وثائق الخارجية البريطانية للعام 1955“،الحلقة الأولى، مجلة “المجلة”، لندن، العدد 312 (29/1/1986). 14-
صلاح عبد ربه، “اللاجئون وحلم العودة إلى أرض البرتقال الحزين” إصدار مركز المعلومات البديلة، القدس، 1996، ص 58. 15-
وليد الجعفري، مصدر سبق ذكره. 16-
المصدر السابق. 17-
لوري. أ. براند، “الفلسطينيون في العالم العربي، بناء المؤسسات والبحث عن الدولة“، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 1991. 18-
وليد الجعفري، مصدر سبق ذكره. 19-
المصدر السابق. 20-
المصدر السابق. 21-
المصدر السابق. 22-
المصدر السابق. 23-
المصدر السابق. 24-
شبيب، سميح، “اللاجئون ومستقبل عملية السلام” (كتيب) المركز الفلسطيني للاتصال الجماهيري/ رام الله، أيلول (سبتمبر) 2004، ص22 – 23. 25-
المصدر السابق. 26-
صلاح عبد ربه، مصدر سبق ذكره، ص 60 و61. 27-
المصدر السابق، ص 61. 28-
المصدر السابق، ص 61 و 62. 29-
يوميات يوسف فايتس، إصدار دار النشر “مسادا” 1973، نقلا عن المجلة الشهرية الفلسطينية “كنعان” عدد آب (أغسطس)1991، التي تصدر عن مركز إحياء التراث العربي في الطيبة /إسرائيل. 30-
المصدر السابق. 31-
مجلة شؤون فلسطينية، الصادرة عن مركز الأبحاث الفلسطيني بيروت، العدد 13، 1972. 32-
يوسي فيلمان، ملحق جريدة “هآرتس” الإسرائيلية، 2/9/1988. 33-
مجلة “تيزا” الصادرة عن رابطة الطلاب العرب في جامعة تل أبيب، عدد نيسان (ابريل) 1990.  (نقلا عن مصدر سابق/ مجلة كنعان..). 34-
مجلة شؤون فلسطينية .. مصدر سبق ذكره. 35-
شبيب، سميح، مصدر سبق ذكره. 36-
المصدر السابق. 37-
المصدر السابق. 38-
المصدر السابق. 39-
المصدر السابق. 40-
المصدر السابق. 41-
المصدر السابق. 42-
المصدر السابق. 43-
وليد الجعفري، مصدر سبق ذكره. 44-
المصدر السابق. 45-
المصدر السابق. 46-
“لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين”، مصدر سبق ذكره. 47-
المصدر السابق. 48-
شبيب، سميح، مصدر سبق ذكره. 49-
المفاوضات الفلسطينية–الإسرائيلية، مواقف إسرائيلية من قضايا الحل النهائي، نابلس، مركز البحوث والدراسات الفلسطينية، 1995. 50-
مجلة الدراسات الفلسطينية، بيروت، العدد 40/46، شتاء – ربيع، 2001، نقلا عن المصدر السابق. 51-
 المصدر السابق، العدد 84، خريف 2001. 52-
شبيب، سميح، مصدر سبق ذكره. 53-
إيليا زريق “إسرائيل وقضية اللاجئين” القدس المقدسية 28-29/6/1995. 54-
نقولا ناصر “السلام دون حل قضية اللاجئين خطأ استراتيجي” شبكة إنترنت للإعلام العربي (أمين) 28/7/2008. 55-

[*] مدير تحرير مجلة بلسم.