
- عن المركز
- دراسات وأبحاث
- متابعات
- مراجعات
- إصدارات المركز
- وثائق
- مركز الإعلام
- مؤتمرات
سامر سويد[*] مدخل
يعتبر تشكيل القائمة المشتركة التي ضمت الأحزاب الناشطة بين الجمهور الفلسطيني في الداخل، في البرلمان الإسرائيلي (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والقائمة العربية الموحدة، والتجمع الوطني الديمقراطي والحركة العربية للتغيير) من أهم الأحداث التي أثرت على التنظيم السياسي للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل في العقدين الأخيرين. هذه الخطوة نتجت في أعقاب رفع نسبة الحسم إلى 3.25% بقرار من الكنيست الـ19 وطبقت للمرة الأولى في انتخابات الكنيست العشرين. لكن قبل رفع نسبة الحسم كانت هناك أصوات عديدة تطالب بوحدة الأحزاب الممثلة لفلسطينيي الداخل في انتخابات الكنيست الإسرائيلية (روحانا وغانم، 1998). وقد شكّل رفع نسبة الحسم الطريق الممهدة لهذه الوحدة، مع الإشارة إلى وجود إمكانيات أخرى لدى الأحزاب مثل إقامة قائمتين تربط بينهما اتفاقية تبادل أصوات، ما يضمن دخول جميع الأحزاب الممثلة للجماهير العربية للكنيست بالرغم من رفع نسبة الحسم. إلا أن قيادات الأحزاب اختارت خوض الانتخابات ضمن قائمة واحدة.
هذا المقال يهدف إلى تسليط الضوء على هذه التجربة كنموذج للقيادة الجماعية، ويتناول مقارنة بين حملتي الانتخابات للكنيست التاسعة عشرة (ثلاث قوائم تتنافس على الصوت العربي) والكنيست العشرين (القائمة المشتركة)، والأداء البرلماني للنواب العرب في العام الأول من الكنيست التاسعة عشرة، مقابل أداء النواب في العام الأول من الكنيست العشرين.
الخلفية الحزبية
تنافست في انتخابات الكنيست الـ19 التي جرت بتاريخ 22/1/2013 ثلاث قوائم على أصوات الناخب العربي، بالإضافة إلى باقي الأحزاب الصهيونية. حصلت قائمة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة على 113,439 صوتاً وتمثلت بأربعة مقاعد، وحصل تحالف الموحدة والعربية للتغيير على 138,450 صوتاً وتمثل بأربعة مقاعد، وحصل التجمع على 97,030 صوتاً وتمثل بثلاثة مقاعد. (لجنة الانتخابات المركزية، 2013). فيما حصلت القائمة المشتركة في انتخابات الكنيست العشرين التي جرت بتاريخ 17/3/2015 على 446,583 صوتاً وتمثلت بثلاثة عشر مقعدًا (لجنة الانتخابات المركزية، 2015). أي بزيادة 97,664 صوتاً أضافوا للتمثيل الكلّي ضمن القائمة المشتركة مقعدين إضافيين (خسرت المشتركة المقعد الرابع عشر بفارق مئات الأصوات).
تمثّل القائمة المشتركة كما ذكرنا سابقًا أربعة أحزاب، تتمثل بضمنها غالبية التيارات السياسية الفاعلة في الداخل الفلسطيني. وفيما يلي التيّارات السياسيّة اعتمادا على تصنيف أ.د أسعد غانم في مقال بعنوان "التيارات السياسية لدى العرب الفلسطينيين في إسرائيل" (غانم، 2001).
تضم القائمة المشتركة ثلاثة من أربعة تيارات سياسية فاعلة على ساحة فلسطينيي الداخل حسب تصنيف غانم (2001)، والتيار العربي-الإسرائيلي الذي تقلّص جدا في أعقاب إقامة القائمة المشتركة، هو التيّار الوحيد غير الممثل بتاتا ضمن هذه القائمة.
تطرق الكثير من الباحثين إلى تفاصيل وخصوصية قيادة الجماهير الفلسطينية في الداخل، وشخّصوا أن هذه القيادة تعاني من شخصنة العمل السياسي، والنجومية المتمثلة في البروز في الكنيست (جمّال، 2006؛ غانم، 2004). وأن معركة انتخابات الكنيست تؤثر وتتأثر بانتخابات السلطات المحلية المشهودة بالتوتر والعنف أحيانا (بريك، 2005) وباستقطاب حمائلي وعائلي كبير (غانم، 2006).
إن مقارنة القيادة العربية خلال العقدين الأخيرين مع القيادة خلال العقود الأربعة الأولى بعد إقامة دولة إسرائيل تبيّن أن هذه القيادة تتمتع بمستوى أكاديمي أعلى، وتحمل شهادات علمية أكثر ممن سبقوهم، وتتكلم العبرية بشكل أفضل من الماضي، وتفهم الشارع الإسرائيلي أكثر (المقارنة مع أعضاء كنيست سابقين غالبيتهم من القوائم الحليفة للقوائم الصهيونية، وليس مع أعضاء الكنيست من الأحزاب الوطنية، وهي الأحزاب المركبة للقائمة المشتركة)، ولكن هذه القيادات مفتتة جدا، وتحافظ على ثقافة "المخاتير"، مما يؤدي في بعض الحالات إلى تعريف الأحزاب باسم من يقف برأسها (جمّال، 2006).
في هذه الأجواء ولدت القائمة المشتركة ودخلت إلى المعترك البرلماني. إضافة إلى التقاطب الاجتماعي المتزايد الذي ينبع من الصراعات المتعددة داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل. الصراع الأول، الذي كان قائمًا، لكنه تفاقم مع ما يسمى بـ"الربيع العربي" هو الصراع بين الفعاليات السياسية العلمانية والفعاليات السياسية المتديّنة، حيث تقف "الجبهة" على رأس المعسكر الأول وتقف الحركة الإسلاميّة على رأس المعسكر الثاني. يبرز هذا الصراع في العديد من الفعاليات السياسيّة المشتركة، مثال على ذلك انسحاب ممثلين وناشطين عن الحركة الإسلامية من مسيرة العودة عام 2011 عند اعتلاء الفنانّة امل مرقص المنصة لغناء الأغاني الوطنيّة وسط امتعاض ناشطين من "الجبهة" و"أبناء البلد" على ذلك (موقع العرب، 2011).
هنالك صراع آخر تفاقم في العقدين الأخيرين مع إقامة "التجمع الوطني الديمقراطي" بين التيّار الشيوعيّ والتيّار القوميّ، هذا الصراع تسبب بتوتر الأجواء في العديد من الفعاليات المشتركة وفي الانتخابات المحليّة والطلابيّة. مثال على ذلك، انتخابات بلدية الناصرة الأخيرة حيث دعم التجمع مرشحاً منشقاً عن "الجبهة".
سئم الجمهور العريض من حالة التناحر والانقسام، وهدد بمقاطعة واسعة للانتخابات إذا استمر الحال بعدم الوحدة (سموحة، غانم وعلي، 2013) وطالبوا الأحزاب الممثلة للجماهير العربية بوضع الخلافات الداخلية جانبًا، وتشكيل قائمة انتخابية تجمع كل التيارات السياسية الفاعلة بين الجماهير العربية. كما تعالت أصوات من بعض النخب الأكاديميّة ومن عامة الجمهور بأن تصويت أعضاء الكنيست العرب متماثل في الغالبية الساحقة من الحالات في أروقة الكنيست وهيئتها العامة، وغالبًا ما يصطفون وراء نفس المواقف. هذا ما تأكد من استطلاع للرأي عرضه معهد "ستاتنت" فترة وجيزة قبل الانتخابات، حيث أيّد 70% من الجمهور إقامة قائمة واحدة مقابل عدد ضئيل أيّد قائمتين. نشير في هذا السياق إلى ورقة الموقف التي قدمها كل من أ.د سامي سموحة، وأ.د أسعد غانم، ود. نهاد علي، للجنة القانون والدستور في الكنيست عند بحثها لقانون رفع نسبة الحسم، حيث أشاروا "أن رفع نسبة الحسم سيجبر الجماهير العربية على الوحدة وخوض الانتخابات ضمن قائمة مشتركة" وأشاروا إلى استطلاعات رأي تبرهن الدعم الجارف بين الجماهير العربية لمثل هكذا قائمة، وأكدوا أن رفع نسبة الحسم لا يضر بالجماهير العربية بل يفيدها ويزيد تمثيلها.
القيادات العربية بين الأحزاب والقائمة المشتركة
في هذا الفصل سأعرض نتائج البحث، بداية سأجري تحليلاً مقارناً بين حملتي الانتخابات للكنيست الـ19 والـ20، ثم أجري بعدها تحليلاً مقارناً لاستعمال الأدوات البرلمانية في الكنيست للعام الأول من الكنيست الـ19 مقارنة مع العام الأول للكنيست الـ20، ومن ثم أعرض آراء السياسيين حول أسئلة البحث استناداً لمقابلات أجريتها لغرض هذا البحث تحديدا.
يتطرق البحث إلى تأثير القائمة المشتركة على قيادة الفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل. فرضية البحث هي أن القائمة المشتركة أدت إلى تغيير/غيّرت في القيادة السياسية البرلمانية، وهي تحققت جزئيا. لقد أثر تشكيل القائمة المشتركة على القيادة الفلسطينية في الداخل، بجعلها موحدة أكثر اليوم، بزيادة تنسيق خطواتها وعملها أكثر من السابق. لكن لا يمكن الجزم بأن هذا التغيير قد أصبح نهجاً واضحاً وثابتاً، وقد يكون مرحلياً. أي أن الظروف هي التي فرضته وأنه ليس تغييراً حقيقياً بتعامل وعقلية القيادة، من الممكن التوقع أن الإطار الوحدوي المتمثل بالمشتركة سيثبت هذا التغيير في حال استمرت القائمة المشتركة.
الحملة الانتخابية
تدل دراسة الحملة الانتخابية للقائمة المشتركة على أنه تم الأخذ بالحسبان وجود فروقات وشروخ في الشارع العربي الفلسطيني في إسرائيل. لقد شدّدت قيادة القائمة المشتركة على الجوانب التي يغلب عليها الطابع الموحّد لهذه الجماهير، ويمكن رؤية هذا الأمر من خلال شعارات الانتخابات وخطابات قيادة القائمة المشتركة ومرشحيها إبان الانتخابات. أحد أهم الدلالات لهذا هو اختفاء حالات العنف التي رافقت انتخابات سابقة، حيث سُجّلت 27 حالة عنف في انتخابات الكنيست التاسعة عشرة مقابل عدم وقوع أية حالة عنف في الكنيست العشرين (كبها، 2015). الحملة الانتخابية نجحت في تهميش الخلافات والفروقات بين الأحزاب ووضع القضايا المتفق عليها في المركز. وبخلاف الحملات الانتخابية السابقة، حيث كانت الأحزاب تشدد على شخصية قائد الحزب أو قيادة الحزب، في الانتخابات الأخيرة تم تقسيم أوقات بث الدعاية الانتخابية بين أطراف القائمة، وتم إشراك الجمهور في الحملة الانتخابية من خلال إعداد مواد إعلامية ودعائية كان في صلبها الجمهور الواسع وليس القيادات الحزبية.
أداء أعضاء الكنيست
تتوفر لدى عضو الكنيست العديد من الأدوات البرلمانية، وجزء كبير من هذه الأدوات متعلق بميزان القوى داخل الكنيست، ويبقى موضوع تقديم اقتراحات القوانين هو الأداة البرلمانية الوحيدة المتعلقة بعضو الكنيست نفسه بغض النظر عن ميزان القوى داخل الكنيست، أي أن عضو الكنيست حر التصرف بكل ما يتعلق بتقديم اقتراحات القانون، ولذلك قمت بفحص هذه الآداة تحديدًا، وبما أن المواضيع التي تتناولها هذه الاقتراحات متشابهة إلى حد كبير فقد قمت بفحص هوية شركاء مقدم/ة اقتراحات القوانين كمؤشر لتغيير/أو عدم تغيير حصل نتيجة العمل المشترك ضمن القائمة المشتركة.
قدّم أعضاء الكنيست العرب في العام الأول من الكنيست التاسعة عشرة 28% من اقتراحات القوانين، رغم أنهم يشكلون 9% من مجمل أعضاء الكنيست. فيما قدّموا 23% من اقتراحات القوانين في العام الأول من الكنيست العشرين في الوقت الذي كانوا فيه 10.8% من أعضاء الكنيست. أي أن هنالك انخفاضاً طفيفاً يمكن إحالته على أن 6 من بين 13 عضو كنيست في القائمة المشتركة هم أعضاء كنيست جدد. لكن في كلتا الحالتين يمكن القول إنهم من أنشط أعضاء الكنيست عامة.
25% من اقتراحات القوانين قدمت باسم كل أعضاء "القائمة المشتركة" مجتمعين، وهذا يدل، بالحذر المطلوب، على تغيير حصل مباشرة في أعقاب تأسيس القائمة المشتركة، لأنه لم تكن اقتراحات قوانين مشتركة لكل أعضاء الكنيست العرب في السابق، إنما كانت اقتراحات متشابهة قدمت باسم كل حزب على حدة. وفقط في حالات نادرة تقدم كل الأعضاء مجتمعين باقتراحات قوانين مشتركة. علاوة على ذلك، فقد أجمع أعضاء الكنيست الذين قابلتهم على وجود تعاون أكثر من السابق بعد تأسيس القائمة المشتركة، حيث هناك جلسة أسبوعية لكل أعضاء الكتلة، بالإضافة إلى الرباعية المكونة من رؤساء المركبات الأربعة للقائمة المشتركة. كما أنهم أشادوا بمستوى تنسيق مرضٍ (غير كاف لكنه مرضٍ)، ووجود آلية لمناقشة الخلافات والحوار حول القضايا العالقة.
وأشار كل أعضاء الكنيست تقريبا (في المقابلات) إلى ضرورة تعزيز وتطوير التنسيق بينهم. وقد أشرت في البحث إلى الجولات المشتركة لكل أعضاء القائمة للبلدات العربية والالتقاء مع السلطات المحلية ومع الجمهور الواسع، وهذا أيضًا لم يحدث في الماضي. حيث كان يقوم كل حزب وحده بنشاطاته دون تنسيق مع الآخرين. ولعل النقطة الأبرز بعد تأسيس القائمة المشتركة هي ازدياد اللقاءات مع ممثلي الدول الأجنبية، من سفراء ومندوبين ووزراء خارجية كانوا في مهمات رسمية وزيارات رسمية، بعضهم طلب إجراء هذه اللقاءات مع ممثلي القائمة المشتركة ورئيسها، حتى دون موافقة وزارة الخارجية الإسرائيلية. وكذلك السفر إلى العديد من الدول والمحافل والمؤسسات الدولية كمحاولة لدعم وتعزيز تدويل قضية المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. كل هذه العوامل تشير إلى أن القائمة المشتركة أدت إلى تغيير إيجابي في القيادة العربية في الداخل، وأنها تعتبر رافعة للعمل البرلماني لأعضاء الكنيست. بالإضافة لكون القائمة المشتركة القوة الثالثة في الكنيست الأمر الذي مكنها أن ترأس لأول مرة لجنة برلمانية دائمة وهي "لجنة مكانة المرأة"، حيث تشغل النائب عايدة توما- سليمان رئاسة هذه اللجنة.
تشير استنتاجات البحث إلى حدوث تغيير في الثقافة السياسية والمنافسة بين القيادات في أعقاب إقامة القائمة المشتركة. وهي اليوم تتعاون أكثر وموحدة أكثر من السابق. لكن هذا الأمر لا يسري على كل ما يتعلق بأساليب ونوعية خطاب أعضاء الكنيست، بالرغم من وجود تغيير كهذا لا يمكن تعويله على القائمة المشتركة، وقد يكون بسبب دخول شخصيات جديدة للمعترك البرلماني، لكني أتوقع أن هذا التغيير يحصل بشكل بطيء، ولذلك هنالك حاجة لفحصه لاحقا.
خلاصة القول، من الممكن الإشارة لتغيير في القيادة البرلمانية للفلسطينيين في إسرائيل، في أعقاب تشكيل القائمة المشتركة. بالرغم من أن إقامتها نتجت في أعقاب تغيير قانوني، وتعتبر إقامتها من أهم الأحداث السياسية في سيرورة الجمهور الفلسطيني في إسرائيل، ومن المنطقي التوقع بأننا نشهد تكوّن نمط جديد من القيادة لم يشر إليه أ.د أسعد غانم في مقاله حول قيادة الفلسطينيين في الداخل (غانم، 2004). وهي قيادة تتحدى الهيمنة الصهيونية بوسائل متطورة أكثر، وتأخذ بالحسبان تركيبة الشارع الإسرائيلي، وتتعامل مع الصحافة الإسرائيلية من منظار هذه التركيبة.
حتى هذه اللحظة، القائمة المشتركة استطاعت أن تحافظ على وحدتها وتماسكها، بالرغم من أنها مرت بأزمات عديدة، آخرها وأكثرها تأثيرًا هي أزمة التناوب التي نجمت في أعقاب استقالة النائب باسل غطاس، ونشوء ظرف جديد لم يؤخذ بالحسبان ضمن اتفاق الشراكة لإقامة القائمة المشتركة، حيث نص الاتفاق على استقالة النواب أسامة السعدي ود. عبد الله أبو معروف (ممثلي العربية للتغيير والجبهة) اللذين تبوأا المكانين الثاني عشر والثالث عشر لصالح النائبين جمعة الزبارقة وسعيد الخرومي (ممثلي التجمع والحركة الإسلامية)، وقد استقال فعلا النائبان السعدي وأبو معروف وبهذا تم تنفيذ الاتفاق، لكن الوضع الذي نشأ هو أن استقالة النائب غطاس جعلت تركيبة القائمة مختلفة عما جاء في نص الاتفاق بعد الاستقالات، مما أدى إلى تعدد الرؤى حول كيفية الخروج من الأزمة، فطالب التجمع بأن يستقيل كل المرشحين حتى المكان التاسع عشر ليتسنى لمندوبة التجمع الدخول إلى الكنيست، وهو أمر غير منصوص في اتفاق التناوب. لكن، وبعد جدال طويل تم الاتفاق حول استقالة المرشحين حتى المكان التاسع عشر بالرغم من عدم وجود هذا البند في الاتفاق، ولكن كبادرة حسن نية من بقيّة الأحزاب لاحتواء الأزمة والحفاظ على القائمة المشتركة.
إن أزمة التناوب قد تضر بالقائمة المشتركة على الأمد القريب، لأن الصورة التي وصلت للجمهور الواسع هي أن الأحزاب تتناحر على "نصف مقعد" في الكنيست، واستمرار الأزمة وعدم حسمها مبكرًا أثّر سلبيا على صورة القائمة المشتركة بين الجمهور. لكن، لا يمكن تجاهل النتيجة الفعلية، وهي غير مسبوقة في الساحة السياسيّة العربيّة والإسرائيليّة بشكل عام، لأنه في الماضي لم تستطع بعض الأحزاب تنفيذ اتفاقيات التناوب داخلها، أما في المشتركة فقد حصل تناوب بين أربعة أحزاب، وبشكل غير معهود في الثقافة السياسية السائدة وهذه نقطة تحوّل تاريخية ستساهم في زيادة الثقة بين الجمهور الواسع وبين القائمة المشتركة في حال نجحت قيادات هذه القائمة بالتحدث بصوت واحد للجماهير، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن. دليل على ما أسلفته، هو الدعم الكبير الذي لاقته القائمة من الجمهور عند قرارها الموحّد بالاحتجاج على خطاب نائب الرئيس الأميركي مايك بينس في الكنيست، والخروج الاحتجاجي التظاهري المنسّق لكل أعضاء القائمة المشتركة، الأمر الذي يثبت أن الجمهور ما زال متعطّشًا للعمل الوحدوي، وهو الكفيل الوحيد باستمرار الثقة بين الجمهور والقائمة المشتركة.
من الممكن التلخيص، أن القائمة المشتركة، والتي توقع العديد أنها ستصبح أربع قوائم غداة الانتخابات، تتصرف كإطار سياسي متماسك. تعدد الآراء واختلافها داخل القائمة لا يختلف عن أي حزب ديمقراطي آخر بحجمها، وإذا استطاعت فعلا أن تستمر في الانتخابات القادمة من الممكن أن نتوقع أنها ستؤدي إلى تغيير كبير في أنماط السياسة العربية في إسرائيل وبالتالي سيؤثر هذا التغيير على السياسة الإسرائيلية برمتها.
هذا النموذج الفريد من نوعه في التقاء جوانب فكرية مختلفة، وتيارات سياسية متصارعة، في إطار انتخابي موحد هو أمر غير بسيط وليس بدهياً. رغم أن الجماهير العربية تعتبر أقلية قومية مضطهدة في إسرائيل إلا أنها لم تتعامل مع مكوناتها السياسية بهذا الشكل من قبل. ورغم عدم تكامل التعاون بين هذه المركبات، وبقائها قوى متحاربة ومتصارعة في دوائر ومحطات انتخابية وفكرية مختلفة، ومواقف متناقضة من أحداث وصراعات جارية في المنطقة، إلا أنها نجحت باجتياز الامتحان الصعب، وإسقاط المراهنات على تفككها.
المرحلة القادمة ستكون أكثر مصيرية، بسبب تأجيل وتجميع الكثير من الخلافات والتناقضات، وصياغة اتفاق الشراكة الجديد للانتخابات القادمة قد يشهد صراعات وتناحرات جديدة ومتنوعة. لكن تغليب العوامل الإيجابية والنهوض بالعمل المشترك، وتطويره بآليات وأدوات أخرى هو ما يجب أن يقف قبل المصالح الفئوية الحزبية، وبالتأكيد فإن فوائد وإيجابيات هذا المردود الجماعي أكبر بكثير من حصة كل تيار أو فئة بشكل منفرد. ويجب تدعيم هذه الشراكة بالمزيد من العوامل المهنية والمحلية وتغليب جوهر العمل الموحد على التناحر.
المصادر:-
مصادر من مواقع إلكترونيّة
[*] باحث في قسم العلوم السياسية في جامعة حيفا.