نعيم ناصر[*]

 على بعد أمتار من جامعة بيروت العربية، وبعد أيام قليلة من حصار القوات الإسرائيلية لغربي العاصمة اللبنانية في شهر حزيران من عام 1982، أقامت الثورة الفلسطينية معرضا لأنواع القنابل المدمرة التي استخدمتها القوات الإسرائيلية في قصفها للعديد من المخيمات الفلسطينية والقرى والمدن اللبنانية. وحوى المعرض أنواعا مختلفة من الأسلحة المحرمة دوليا كالقنابل الحارقة والسامة والانشطارية وغيرها. وإسرائيل باستخدامها مثل هذه الأسلحة بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، كشفت عن زيف ادعائها الذي تحاول خداع العالم به بأنها دولة متحضرة ورسالتها في الشرق الأوسط رسالة “إنسانية” هدفها “تحضير” شعوب المنطقة. وقد رأت الشعوب العربية، وبخاصة الشعبين الفلسطيني واللبناني بأم أعينهما، آثار هذه الحضارة على الأجساد المحروقة للأطفال والنساء والشيوخ، وعلى الأبنية المدمرة للمؤسسات الطبية والعلمية والثقافية ودور العبادة.

كيف نظر القانون الدولي للأسلحة المحرمة؟

عرّف القانون الدولي السلاح المحرم بأنه ذلك السلاح الممنوع استعماله بموجب اتفاقيات وإعلانات ومعاهدات دولية لأنه يسبب آلاما زائدة للإنسان. وعليه تكون الأسلحة المحرم استعمالها بموجب الاتفاقيات الدولية صريحة، وهي:

  • القذائف من العيار الصغير التي تكون محشوة بمواد حارقة أو مشتعلة، وقد حرم استعمالها في إعلان سانت بترسبرغ عام 1868، وإعلان بروكسل عام 1874.
  • الغازات السامة والخانقة، وقد حرمت في الإعلانين المذكورين، وفي اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1899، واتفاقية فرساي عام 1919، وواشنطن عام 1922، وبروتوكول جنيف عام 1925.
  • القذائف التي تنبسط أو تتمدد في جسم الإنسان، وقد حرمت بموجب المادة الثالثة من اتفاقية لاهاي الرابعة عام 1899.
  • بعض الأنواع من الألغام، وقد حرمت بموجب اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907.
  • الأسلحة البكتريولوجية وقد حرمت بموجب بروتوكول جنيف لعام 1925 واتفاقيات أخرى متعددة.
  • الأسلحة ذات القوة التدميرية: الذرية والهيدروجينية وغيرها. وقد حرمت بموجب قرارات متعددة صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أما الأسلحة التي اعتبرت محرمة دوليا بموجب قرارات صادرة عن مؤتمرات الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر والجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية فهي:

1- القذائف ذات السرعة الهائلة.

2- القذائف الانشطارية والمتطور منها كالقنابل العنقودية.

3- الأسلحة الحارقة والنابالم.

4- الأسلحة ذات الفعالية المؤجلة. (ضمن شروط معينة).

مبتكرات الموت الأمريكية في خدمة إسرائيل

لم يعد خافيا على الرأي العام العالمي، أن القوات الإسرائيلية استخدمت خلال اجتياحها للبنان في العام 1982، معظم أنواع الأسلحة المحرمة دوليا، كالقنابل الانشطارية، والعنقودية، والمنثارية، والغازية السامة، والمثيرة للأعصاب، والقنبلة الفراغية التي استخدمت لأول مرة في تاريخ الحروب، في قصف عدد من الأبنية في بيروت.

وقد أحدثت هذه الأسلحة إصابات بالغة أقلها بتر الأعضاء من جسم الإنسان المصاب، إضافة إلى تأثيرها في البيئة. وكان المستهدف من هذه الوحشية المناطق الآهلة بالسكان، حيث طال القصف معظم المناطق المدنية في مدن الجنوب اللبناني وقراه، كما في بيروت، إضافة إلى قصف المستشفيات والمراكز الطبية والمدارس والمراكز الثقافية والفنية ودور العبادة.

وفيما يلي نبذة عن هذه الأسلحة وتأثيراتها الطبية:

الأسلحة الانشطارية:

وهي قنابل تقذف عددا كبيرا من الشظايا بسرعة كبيرة جدا، وغالبا ما يكون ذلك تبعا لطريقة صنع القذيفة. ويتراوح وزن شظيتها بين مئات الغرامات وجزء من الغرام، ويمكن التمييز عادة بين نوعين من الشظايا:

الأول: الشظايا الناتجة من الانشطار التلقائي أو الطبيعي للقذيفة.

الثاني: الشظايا المتولدة عن هذا الانشطار التلقائي.

وبين هذين النوعين يوجد العديد من الأساليب المبتكرة لضبط طريقة انتشار الشظايا، وتعرف هذه الأساليب باسم “الانشطار المراقب”.

وترمي جميع هذه الأساليب إلى تحقيق نوع من التوازن بين عدد الشظايا وحجمها وشكلها والطاقة التي يحتويها كل منها.

وحجم الشظية يعتمد عادة على نوعية المادة المتفجرة ونوعية الغلاف الذي توجد بداخله المادة، علما أن التقنية الحديثة توصلت إلى إمكانية التحديد المسبق إلى درجة كبيرة لشكل الشظية وحجمها من خلال تركيب القذيفة.

وهناك نوع من الأسلحة الانشطارية يعرف بـ”القنابل العنقودية” التي تنشر عند انفجارها ما يقارب المئتي ألف شظية تتوزع على مساحة كبيرة جدا، وسرعتها فائقة، حيث ثبت من استعمال القوات الإسرائيلية لهذا السلاح أن شظية واحدة منه يبلغ وزنها جزءاً من الغرام، بإمكانها القضاء على الإنسان.

ومما يجدر ذكره هنا أنه كلما صغر حجم الشظايا فإنه يزداد عددها، وبالتالي تزداد إمكانية إصابة الهدف بأكثر من شظية واحدة. وهناك نوع من القنابل العنقودية يحتوي على “راسور” يؤمن قذف القنبلة إلى علو معين قبل انفجارها، وأخرى تبقى على الأرض كألغام ضد الأفراد.

ومن خصائص الأسلحة الانشطارية الحديثة السرعة الهائلة للشظايا التي قد تبلغ ما بين 1000- 2000 متر في الثانية، محافظة على سرعتها هذه عند إصابتها الهدف.

التأثيرات الطبية للأسلحة الانشطارية

ينتج التأثير الطبي لهذه الأسلحة عن الطاقة التي تحملها بسبب سرعتها الكبيرة، تلك السرعة التي تجعلها عند ارتطامها بالجسم البشري تحول طاقة أكبر إلى العضو المصاب، علما أن الطاقة المحمولة تزداد نسبتها كثيرا عندما تغير القذيفة اتجاهها في الجسم. فالقذيفة ذات السرعة العادية،  وكذلك الشظية التي تكون سرعتها أقل من 800 متر في الثانية عند إصابتها لجسم الإنسان تحول فقط عشرين بالمئة من طاقتها عند اختراقها لهذا الجسم. وهذه الطاقة يمكن زيادتها حتى 80 بالمئة إذا زودت القذيفة برأس طري يلتوي عند ارتطامه بالجسم.

أما القذائف ذات السرعة العالية، فهي غير ثابتة عند انتقالها من الهواء إلى الجسم، وهي عرضة لأن تغير اتجاهها في الجسم محولة إليه القسم الأكبر من طاقتها حتى وإن لم يتغير شكلها.  وهذه إذا أصابت العظم فإنها تحول طاقتها إلى العظم المكسور، الذي يتحول بدوره إلى قذائف ثانوية تمزق الألياف الموجودة بجانب تلك المصابة أصلا، وهذا عكس القذائف والشظايا ذات السرعة العادية، فنادراً ما يكون لها هذا المفعول. والجرح المتسبب عنها يكون موضعيا كجرح السكين، في حين أن الجرح المتسبب عن قذيفة ذات سرعة عالية يختلف من حيث حجمه ومن حيث الضرر المسبب للألياف والشرايين.

ومن الملاحظ أن موضع دخول القذيفة السريعة لا يزيد كثيرا عن حجمها، ولكن مساحة وقطر مخرجها يزيد كثيرا عن ذلك، وهي تحدث ضغوطا هوائية متشابكة عالية ومنخفضة في ممرها، لها قوة ساحبة حيث الجراثيم الموجودة على الجلد تسحب للداخل فتجد أليافا ممزقة، ويكون جريان الدم ضعيفا، فيشكل كل ذلك مرتعا خصبا لها لتنمو وتنتشر ما يؤدي إلى تقيح الجرح.

وتتأثر أعضاء الجسم المختلفة بدرجات مختلفة نتيجة إصابتها بقذائف أو شظايا سريعة كشظايا القنابل الانشطارية والمنثارية. ففي إصابات الرأس غالبا ما يؤدي ذلك إلى وفاة المصاب، أما إصابات العمود الفقري، أو القفص الصدري، فتؤدي في الكثير من الأحيان إلى توقف القلب، أما إصابة الأطراف فيحتم بترها.

وعلاج الجراح التي تنتج عن القذائف الانشطارية ليس بالأمر السهل، ويعتمد على درجة الإصابة ومدى توفر الإمكانات الطبية اللازمة. وفي مطلق الأحوال، وفي جميع هذه الإصابات، تكون الأنسجة والألياف متضررة بشكل كلي، وإذا كان هناك تقيح فلا بد من بتر الأنسجة والأعضاء المصابة لمنع امتداد الالتهابات لباقي أنحاء الجسم.

والجدير بالذكر هنا أن لا مفعول للأدوية المستعملة عادة ضد الالتهابات. وقد وجدت إحصائية عن مدى تأثير هذه الأسلحة في الحرب العالمية الثانية في تقرير وضعه خبراء في الأمم المتحدة (مع الأخذ بعين الاعتبار مدى التطور الذي حدث عليها خلال فترة ما بعد الحرب) تبين أنه مع العناية الطبية اللازمة فإن خطر الموت ارتفع بنسبة 15 بالمئة مع كل عضو مصاب، فإذا تعرض جسم الإنسان لإصابة خمسة من أعضائه فإن إمكانية الوفاة تبلغ تقريبا 100 بالمئة مهما كانت نوعية العلاج.

وقد لاحظنا في مستشفيات جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني الميدانية ببيروت معظم الإصابات التي وردت إليها بفعل هذه الأسلحة أثناء قصف إسرائيل للمدينة. وقد تبين نتيجة الفحص أن الجسم إذا أصيب الجزء الأعلى منه فإن وفاة صاحبه تكون محققة، وذلك نتيجة كثرة الشظايا التي تخترقه، أما إذا أصيبت الأطراف فإن بترها يكون هو العلاج الأنسب. ولكثرة ما بتر الأطباء من أطراف في الحرب على لبنان في العام 1982 نتيجة الاستخدام الواسع للقنابل الانشطارية والمنثارية والعنقودية، أطلقوا على عملية البتر الناتجة عن الإصابة “بتر بيغن” نسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، حينها، مناحيم بيغن.

الأسلحة الحارقة:

صممت هذه الأسلحة خصيصا لإلحاق أكبر الضرر بالأفراد والمنشآت عن طريق الحرارة والنار، وغالبا ما يكون لهذه الأسلحة آثار جانبية سامة أو خانقة بفعل الغازات التي تنتج عنها، وأسلوب استعمال هذه الأسلحة يتطلب عناصر ثلاثة: مادة حارقة، وسلاحاً لتوزيع المادة الحارقة في مساحة الهدف، ووسيلة لإرسال هذا السلاح إلى الهدف مباشرة.

وأنواع الأسلحة الحارقة هي:

  1. قنابل حارقة معدنية: تحتوي على كثير من المعادن وعند اتحادها بالهواء والأكسجين تولد حرارة هائلة. فالمنغنيز مثلا يشتعل في الهواء عند تعرضه لحرارة 600 درجة مئوية، وكل غرام من هذه المادة يعطي 6000 سعر حراري تقريبا.
  2. قنابل حارقة حرارية: وهي تشتعل بمجرد تعرضها للهواء. وكل غرام مشتعل من هذا السلاح يولد 5800 سعر حراري. ولزيادة قوة هذه القنابل التدميرية تمزج محتوياتها بمواد قابلة للاشتعال مثل الكاوتشوك، بحيث يصعب إطفاء حريق هذا السلاح بالماء إذ كلما جف عنه الماء عاد للاشتعال، وأفضل طريقة استعملت في لبنان لإطفائه هي الرمل والتراب. ومما يزيد في ضرر هذه المادة أنها تعلق بالجسم أو الثياب، حيث يصعب التخلص منها.
  3. قنابل حارقة نارية: وهي خليط من مواد قابلة للاشتعال بالإضافة إلى الأكسجين، وهي لا تحتاج للهواء لتشتعل إذ إنها تشتعل تلقائيا بمجرد تعرضها لحرارة مرتفعة. ومن الأمثلة على هذه المواد، مسحوق الألمنيوم المخلوط بنسبة واحد إلى ثلاثة من أكسيد الحديد، وقد استعملت هذه المواد بكثرة في القنابل اليدوية.
  4. قنابل حارقة عمادها النفط: يعتمد هذا السلاح بشكل أساسي على النفط، وهو عند اشتعاله يولد حرارة مرتفعة جدا، أو لهبا عظيما ينتج أكسيد الكربون، الذي يعتبر من الغازات السامة. والغرام المحترق من مواد هذا السلاح يولد ما يزيد على العشرة آلاف سعر حراري، وتعتبر قنابل النابالم أحد أنواع هذا السلاح بعد أن طور بخلط البنزين بالكوتشوك أو بصابون الألمنيوم. ويمكن إرسال هذه القنابل عن طريق الطائرات أو المدافع، أو عن طريق قاذفات اللهب، حيث الصغير من هذه القاذفات يحمل على الظهر ويقذف لهبا لمسافة (50) مترا أو أكثر، إما دفعة واحدة أو على دفعات، والكبير منها آلي ويقذف المواد الحارقة لمسافة تزيد على 1200 متر، وكذلك يمكن أن تعبأ هذه المواد الحارقة في الألغام.

الأسلحة الحارقة تترك بصماتها على أجساد الأطفال والشيوخ

قبل الحديث عن الآثار الطبية لهذه الأسلحة الحارقة لا بد من التنويه إلى تصنيف درجة الحروق، حيث أصبح من المتعارف عليه طبيا أن خطورة أي حرق تعتمد على عمقه وموضعه، وعلى العناية الطبية المقدمة لجسم المصاب، وقد صنفت الحروق إلى ثلاث درجات: حروق الدرجة الأولى، وحروق الدرجة الثانية، وحروق الدرجة الثالثة؛ فحروق الدرجة الأولى والثانية تكون في الطبقة الخارجية من الجلد والطبقة التي تحتها مباشرة دون وصولها إلى الغدد الجلدية. أما حروق الدرجة الثالثة فإنها تصيب الغدد الجلدية. وقد أثبتت الدراسات الطبية أن الحروق إذا أصابت 40 بالمئة من جسم المصاب تكون فرصة النجاة كبيرة، وإذا كانت الحروق تغطي 60 في المئة أو أكثر من جسم المصاب فإن إمكانية نجاته تكون صعبة جدا.

أما الحروق الناتجة عن القنابل الحارقة، فإن المساحة التي يصاب من جرائها جسم الإنسان تكون واسعة وخطيرة، وهذا ما ظهر في الحالات التي وصلت إلى مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني أثناء غزو لبنان، فقد كانت درجة حروق المصابين لا تقل عن نسبة 80 في المئة وهي طبيا تعتبر من الحالات المميتة.

وهذه القنابل لا تقتصر على إحداث حروق في جسم الإنسان، فحسب، بل تتعداها إلى إفساد الجو والهواء، ما يؤدي إلى إصابة جهاز التنفس والتسبب بحالات اختناق شديدة.

وهناك خطر آخر لهذه القنابل، ذلك أن مادة الفسفور الموجودة في القنابل الفسفورية هي، إضافة إلى كونها محرقة فهي سامة، سواء من خلال التصاقها بالجلد حيث يمتص الجسم جزءاً من المادة السامة، أو من خلال استنشاق المادة الموجودة في الجو، ما يؤدي إلى تسمم الجسم. وقد لاحظنا تأثير القنابل الفسفورية هذه على ضحايا ملجأ بناية “الرويس” في الضاحية الجنوبية من بيروت، حيث توفي معظمهم نتيجة إصابتهم بالتسمم بفعل المادة الفسفورية. والجدير ذكره أن قوات الاحتلال الإسرائيلية ضربت هذا الملجأ بالقنابل الحارقة ما أدى إلى وفاة نحو 350 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، حيث وجدوا متفحمين في ملجأ البناية.

وأبرز ما يميز حروق الأسلحة الحارقة التي استعملت في لبنان عن الحروق العادية، وجود شظايا في مكان الحرق، ما يجعل نسبة الخطر أكبر على حياة المصاب. كالصدر أو الرأس أو الأطراف أو البطن، ما يؤدي إلى مضاعفة خطورة الإصابة بسبب الحرق الواسع والعميق وهذه الشظايا قد تصيب أيضا أوعية دموية كبرى أو أجهزة غنية بالتموين الدموي، مثل الطحال أو الشرايين التي تمول الجسم وتسبب نزيفا داخليا يؤدي إلى انخفاض الضغط بشكل أسرع مما لو كان الحرق عاديا، وهذه الشظايا مختلفة الأحجام.

وإضافة إلى الحروق التي تحدثها القنابل الحارقة، هناك مضاعفات أخرى تتركها على جسم المصاب تتمثل في:

  1. تأثيرها في مدى امتصاص جسم المصاب للمواد الكيماوية الناتجة عن الطعام الذي يتناوله، وبالتالي على إمكانية قيام الجسم بوظائفه.
  2. أنها تسبب للمصاب نزيفا مستمرا يؤدي إلى نقص هائل في كمية دمه.
  3. تأثيرها على إمداد المخ والقلب والطحال والكليتين بالأكسجين، ما يسبب ضرراً كبيراً للمصاب.
  4. أنها تحدث تسمما في الأماكن المحترقة ما ينتج عنه تسمم الدورة الدموية.
  5. تعرض جسم المصاب إلى الالتهابات الكبيرة نتيجة تعرض الجروح للجراثيم.
  6. هذا إضافة إلى الآثار النفسية التي تحدثها هذه القنابل على الإنسان.

والأشخاص المصابون عادة بمثل هذه الحروق نادرا ما يبقون على قيد الحياة. ففي دراسة أجريت لمحاولة علاج المصابين بتلك القنابل تبين أنه لعلاج ألف مصاب بحروق درجة إصابة الواحد منهم 30 في المئة، يتطلب 800 ليتر من البلازما، و600 ليتر من الدم، و160 ليترا من مسحوق كالملح، و250 جراحاً وطبيباٌ، وحوالي 1500 مساعد طبيب، هذا بالإضافة لحاجة المصاب إلى سرير في المستشفى لمدة أربعة أو خمسة شهور، وطبيعي أن هذه الأمور يصعب توافرها حتى في أكثر الدول تقدما.

الغازات السامة التي استخدمتها إسرائيل

إضافة إلى ما تقدم؛ فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي استعملت في حربها ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني نوعا من الغازات السامة تؤثر في الجهازين العصبي والتنفسي، كما استخدمت غازات ذات تأثير نفسي مثل غاز (L.S.D) وغاز (B.Z) وغاز الميكاليف والبلسيلوتين، ويتم استخدام الغازين الآخيرين عن طريق رشهما في الهواء أو على مصادر المياه.

وتأثير الغازات الشالة للأعصاب في المصاب تتمثل بتضيق بؤبؤ العين، وجريان الدمع، وصعوبة التنفس، وفقدان الوعي الذي يصحبه رجفان شديد، وأخيرا الشلل ثم الموت. أما الغازات ذات التأثير النفسي، وبخاصة الغاز الذي رمزه (B.Z) والذي يتميز بدرجة سمّية عالية، فلدى سقوط كمية منه لا تزيد عن (0,6) ملغم على جسم الإنسان يظهر مفعولها بعد ثلاث دقائق حيث يشعر المصاب بتعب خفيف، وتوسع في حدقتي عينيه، وإحساسه بسماع أصوات غريبة، ثم إصابته بالهلوسة. وقــد شاهدت في مستشفى “المدرسة الفرنسية” الميداني (وهي إحدى المستشفيات المستحدثة أثناء حصار بيروت) اثنين من المصابين بهذا النوع من الغازات وقد كانا جنديين سوريين من القوات الخاصة، أصيبا في بلدة خلدة أحدهما استشهد بعد أيام من نقله إلى المستشفى بسبب تنشقه كمية كبيرة من هذا الغاز، أما الجندي الآخر فقد كانت حالته أخف من زميله، إلا أنه كان يعاني من مضاعفات هذا الغاز حيث كانت تصيبه حالة تشنج وألم شديد وهلوسة وإعياء، ولكن بدرجات أقل من زميله، وأثناء تماثله للشفاء كان شعر رأسه يتساقط باستمرار.

أما غاز الميكاتين وغاز البلسيلوتين فيسببان للمصاب مرض الذهان، وهو اختلال بليغ في القوى العقلية، كما يصاب بمرض الفصام، وكذلك الانطواء على النفس والوهم والبلادة الوجدانية.

القنبلة الفراغية

ومن الأسلحة المحرمة الجديدة وقتها التي استعملت لأول مرة في تاريخ الحروب، القنبلة الفراغية، وهي سلاح أميركي استخدمته الطائرات الإسرائيلية في قصف بناية “عكر” في منطقة الصنايع ببيروت، وذهب ضحيته جميع من في البناء، وبناء مؤسسة “صامد” التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في منطقة الجامعة العربية ببيروت.

وهذا السلاح عبارة عن قنبلتين تقذف إحداهما بعد الأخرى مباشرة، تحتوي الأولى على مركبات سائلة حارقة تنفجر داخل البناء، والثانية مهمتها إشعال المادة السائلة، حيث يتشكل عند ذلك مزيج متفجر من الوقود السائل في الهواء في دائرة قطرها خمسة عشر مترا، فيحترق الهواء مع احتراق الوقود المتناثر، وينشأ نتيجة لذلك فراغ (يشفط الجدران) الخارجية نحو الوسط إلى داخل البناء حيث ينهار البناء بكامله.

وهذا السلاح يستخدم عادة لتدمير هدف مقصود ومحدد دون المساس بما يحيط به من أهداف، وهذا ما حصل فعلا للأبنية المحيطة ببناية “عكر” التي استهدفتها القنبلة، وتقدر القوة التدميرية لمثل هذه القنابل بـ450 كغم من مادة ت.ن.ت، والآثار الطبية لهذه القنابل لاحظناها عند بعض الأطفال الذين نقلوا إلى مستشفى “بلسم” الميداني التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ببيروت، إذ توفوا بعد إصابتهم بأيام معدودة، حيث تبين للأطباء بعد معاينتهم أن أمعاءهم ممزقة وكانوا يتقيأون دما كما كانوا يرفضون أي نوع من الغذاء حتى ولو كان سائلا.

وتأسيسا على ما تقدم، يمكن القول، إن الهدف المعلن لإسرائيل من غزوها للبنان وحصار بيروت في العام 1982 واستخدام الأسلحة التقليدية والمحرمة، كان القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية، وترحيل فصائلها من لبنان وتكريس احتلاله للأرض الفلسطينية، غير عابئ بقرارات الأمم المتحدة والأعراف والمواثيق الدولية، وبالرأي العام العالمي الذي استنكر ما أقدم عليه حكام تل أبيب من فظائع تشبه إلى حد بعيد تلك التي ارتكبها النازيون بحق شعوب العالم.

وقد فشلت تلك الهمجية على الرغم من فظاعتها في تحقيق أهدافها بفضل الصمود العظيم للشعبين الفلسطيني واللبناني، وبفضل المقاومة الباسلة التي أظهرها مقاتلو الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وقوات الردع العربية، حيث أوقفوا قوات الغزو على أبواب بيروت ومنعوهم من اقتحامها وأوقعوا خسائر فادحة في قواتها.

المصادر:

  1. نشرة “بلسم” التي صدرت في بيروت منذ الأيام الأولى من حرب لبنان عن جهاز الإعلام في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
  2. المذكرات والرسائل المرفوعة من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني إلى الهيئات والمنظمات الدولية والحقوقية.
  3. المشاهدات الشخصية لكاتب هذه الدراسة.

كاتب وباحث فلسطيني، مقيم في رام الله، ومدير تحرير مجلة “بلسم”. [*]