حنان جرار[i]

 ملخص

بعد عقد ذهبي من الاعترافات بدولة فلسطين، والتضامن، في أميركا اللاتينية، تصعد حكومات يمينية للحكم، ورغم استمرار انتخاب حكومات يسارية، وإن كان يساراً غير ثوري، فإنّ هناك عدداً من حالات انتخاب حكومات يمينية، مرتبطة بفكر ديني يعزز تيار الكنيسة الإنجيلية. تقدم هذه الورقة أفكاراً لإسناد الدبلوماسية الفلسطينية بآليات عمل موازية ورديفة لتلافي خسارة المكتسبات التي تم تحقيقها بفعل موجة التضامن في أميركا اللاتينية مع فلسطين، من خلال استثمار ثقل وجود جالية فلسطينية وعربية متمكنة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً تصل لحوالي 5% من مجمل سكان تلك المنطقة، إلى جانب البناء على العلاقات المتطورة مع المجتمع المدني هناك، خاصة في مجال مقاطعة دولة استعمارية إحلالية، إلى جانب الضغط عبر الدبلوماسية التقليدية  والشعبية للحفاظ على مكتسبات القضية الفلسطينية في هذه المنطقة.

 مقدمة

يشهد العالم -حالياً- مجموعة من التحولات على الساحة الدولية تتمثل بوصول الحركات اليمينية إلى الحكم في العديد من الدول، خاصة في أميركا اللاتينية كونها شهدت منذ العام 2017 خمس عشرة جولة من الانتخابات الرئاسية، أفرزت تقدماً لليمين المرتبط بالحركات الإنجيلية التي يعتبر أتباعها في تلك القارة هدفاً سهلاً للصهيونية المسيحية.

يشكل صعود اليمين في العالم بشكل عام، وفي دول أميركا اللاتينية وحوض الكاريبي بشكل خاص، تحدياً كبيراً للجهود الدبلوماسية والسياسية الفلسطينية، ولأن هذه المنطقة من العالم شكلت ورغم بعدها الجغرافي خلال الفترة الماضية حالة سياسية لافتة داعمة ومساندة لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

من الأهمية بمكان دراسة صعود اليمين في أميركا اللاتينية وتداعيات هذا الصعود وارتباطه بالحركات الدينية الإنجيلية وتأثيراته على الإنجازات التي حققتها فلسطين في تلك الساحة نظراً للتحول الكبير الذي تشهده أنظمة الحكم هناك، من توجه يساري ثوري راديكالي إلى توجه يميني، وبالتالي تحولها من التضامن المطلق مع فلسطين إلى التحيز لصالح إسرائيل، ونظراً للتشابه الكبير بين مجتمعات هذه الدول والمجتمع الفلسطيني من حيث المعاناة من التاريخ الاستعماري ومناهضته، ناهيك عن وجود جاليات فلسطينية وعربية كبيرة في هذه الدول تشكل رافعة مهمة للدبلوماسية الفلسطينية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 5% من سكان أميركا اللاتينية ينحدرون من أصول عربية، أي ما يقرب من 25-30 مليون نسمة.

أميركا اللاتينية وفلسطين: محددات ومراحل العلاقة

لقد شهد العالم الثالث في المرحلة بين نهاية الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة العديد من الثورات وحركات التحرر الوطنية ضد الاستعمار، ووسط هذه الظروف الدولية، قامت فلسطين انطلاقاً من مشروعية الدفاع عن أراضيها في مواجهة الموجة التوسعية الإسرائيلية بتحريك مختلف الأطراف السياسية الفاعلة بالعالم، حيث أعربت العديد من هذه الأطراف عن التزامها وتضامنها مع القضية الفلسطينية بطرق متعددة، وساهمت أميركا اللاتينية بزعامة التيارات اليسارية الثورية آنذاك في التأثير على هذا الصراع.

التاريخ المشترك بين القضية الفلسطينية وأميركا اللاتينية من حيث الكفاح ضد المستعمر يعتبر بدوره عاملاً أساسياً في انخراط أميركا اللاتينية في هذا الصراع، حيث إن أميركا اللاتينية شهدت بدورها الاستعمار والعديد من الصراعات والنزاعات، خاصة في القرنين التاسع عشر والعشرين، فقد عرفت تدخلات عسكرية خصوصاً من قبل الولايات المتحدة الأميركية في كوبا وأميركا الوسطى، ومذابح عرقية في غواتيمالا، إضافة إلى الأزمات السياسية الداخلية التي أدت إلى نزاعات مسلحة وحروب أهلية كما هو الشأن بالنسبة لكولومبيا وهاييتي[1].

تصاعد وقع وأثر هذا الاهتمام مع موجة اعترافات دول أميركا اللاتينية والكاريبي بفلسطين دولة مستقلة في عامي 2010 و2011.

وقد قسم الباحثون مواقف جمهوريات أميركا اللاتينية إزاء فلسطين، إلى أربع مراحل[2]؛ إذ أشارت بعض الدراسات السياسية إلى المرحلة الممتدة بين عامي1949  و 1974أنها مرحلة بحث أميركا اللاتينية عن الموازنة بين القضايا العربية واليهودية، بينما المرحلة الممتدة بين عامي1974  و1990 قاموا بتسميتها بمرحلة تقاطب أميركا اللاتينية بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والمرحلة الممتدة بين عامي 1990  و2003 قاموا بتسميتها بمرحلة تطبيع العلاقات مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بينما وصفوا مرحلة 20122003 بمرحلة الالتزام الجديد مع القضية الفلسطينية.

إضافة للتاريخ المشترك في مواجهة الاستعمار، أدى تواجد جاليات عربية ذات تأثير ونفوذ بأميركا اللاتينية، خصوصاً من الجاليات اللبنانية والسورية والفلسطينية التي قدمت إلى أميركا اللاتينية أواخر القرن التاسع عشر، بعيد انهيار الإمبراطورية العثمانية، دوراً مهماً في تشكيل هذا الموقف، فضلاً عن ترسبات دعم إسرائيل للأنظمة العسكرية الدكتاتورية ضد شعوب أميركا اللاتينية سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين.

نتيجة لهذا الدعم الإسرائيلي للدكتاتوريات، ونتيجة الوجود العربي في هذه البلدان، كانت كلما صعّدت إسرائيل مع الفلسطينيين خرجت للشارع تظاهرات شعبية تندد بالغطرسة الإسرائيلية، وأقيمت نشاطات تضامنية لنصرة القضية الفلسطينية. وعلى سبيل المثال، بشأن دعم إسرائيل للدكتاتوريات، ففي نيكاراغوا مثلاً زودت إسرائيل نظام سوموزا الديكتاتوري العسكري بحسب وثيقة لوزارة الدفاع الأميركية بنحو %98 من الأسلحة استعملت لقتل 50 ألف فرد خلال الثورة في هذا البلد عام 1978، أما بالنسبة لكولومبيا، فقد وفرت إسرائيل طائرات وصواريخ وتدريبات عسكرية لكولومبيا سنوات الثمانينيات.[3] وفي السلفادور، أسهمت إسرائيل منذ عام 1972 في تدريب الجيش والشرطة وفرق الموت التابعة للنظام الديكتاتوري وصممت له آنذاك برنامجاً عسكرياً لمكافحة التمرد للشرطة السرية، لخدمة أجندة قائد الجيش سيغفريدو أوتشوا[4]، المسؤول عن المذابح التي ارتكبت ضد المدنيين عام 1982، كما باعت إسرائيل لجمهورية الدومينيكان خلال عقد الخمسينيات العديد من الأسلحة لصالح الدكتاتوري رافائيل تروخيو مكنته من إخضاع شعبه بالقوة طيلة ثلاثين سنة[5]. وقد نتج عن تورط إسرائيل في قمع شعوب أميركا اللاتينية تصاعد الاحتقان الشعبي تجاهها، ما قاد  للعديد من المظاهرات المناهضة لإسرائيل، وإصدار بيانات شديدة اللهجة تجاهها وتنظيم حملات مقاطعة لمنتوجاتها وإدانة احتلالها للأراضي العربية والدعوة إلى الانسحاب منها، وذلك تضامناً مع فلسطين وبهدف التأثير على مواقف الحكومات، إذ وصفت أنظمة يسارية كفنزويلا وبوليفيا والإكوادور ونيكاراغوا، إسرائيل إبان العدوان على غزة عام 2009 بأنها دولة إرهابية وكيان عنصري واستعماري يقوم بإبادة وتصفية الفلسطينيين.

عقد ذهبي من التضامن اليساري مع فلسطين

تكشف تطورات الأحداث المتعاقبة في علاقة فلسطين مع دول أميركا اللاتينية خاصة في الفترة الأخيرة والممتدة من 2008-2019 مدى استقطاب هذه المنطقة لاهتمام الفاعلين في السياسة الخارجية الفلسطينية، فبعد العالم العربي شكلت هذه المنطقة خلال هذه السنوات أهم وجهة لدعم الحضور الدبلوماسي الفلسطيني مقارنة بدول أخرى في العالم.

تجلى هذا الدعم بموجة من اعترافات دول تلك المنطقة بالدولة الفلسطينية، التي بدأت سابقاً من كوبا في العام 1988 مروراً بالباراغواي 2005، التي كانت أول دولة تعترف بفلسطين في أميركا الجنوبية، ثم كوستاريكا في العام 2008، تلتها فنزويلا وجمهورية الدومينيكان في العام 2009، وصولاً للعام 2010 حيث اعترفت كل من البرازيل والأرجنتين وبوليفيا والإكوادور، ليليها في العام 2011 -الذي كان عام أميركا الجنوبية بامتياز من حيث الاعترافات- كل من تشيلي والبيرو والأوروغواي والسلفادور وهندوراس وسانت فينسينت وجرينادا وباربادوس وسورينام ومملكة بيليز ودومينيكان وغوايانا، وصولاً للعام 2013 واعتراف غواتيمالا وهاييتي، ومن ثم في 2015 اعتراف سانتا لوسيا، وكولومبيا في العام 2018، ليليها بعد ذلك في 2019 اعتراف سانت كيتس ونيفيس.

هذه الموجة من الاعترافات والتضامن الحكومي والشعبي شكلت حالة سياسية لافتة باتجاه دعم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف. بدأ التحول في سياسات الدول اللاتينية تجاه فلسطين بصعود حكومات أكثر يسارية في منتصف العقد الأول من الألفية، حيث باتت دول المنطقة جميعها، باستثناء المكسيك وبنما، تعترف رسمياً بفلسطين كدولة.

لم يقتصر التضامن على الاعتراف بدولة فلسطين، بل علّقت فنزويلا وبوليفيا علاقاتهما الدبلوماسية مع إسرائيل في كانون الثاني (يناير) عام  2009احتجاجًا على عملية الرصاص المصبوب، وتلتهما نيكاراغوا في شباط (فبراير) 2010 ردًا على الهجوم على أسطول الحرية المحمّل بالمساعدات والمتجه إلى غزة. وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014، أطلق الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو حملة “أغيثوا فلسطين.” وذهبت بوليفيا إلى أبعد من ذلك حيث نبذت اتفاقاً مع إسرائيل لإعفاء مواطنيها من تأشيرة الدخول إلى بوليفيا ونعتت إسرائيل بـ”دولة إرهابية.”

لم تنحصر هذه الموجة بالحكومات اليسارية الراديكالية، بل انضمت إليها أيضاً الإدارات اليسارية الوسطية واليسارية التقليدية. فقد قام الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دي سيلفا، ورئيس جمهورية الدومينيكان، ليونيل فرنانديز، بزيارة تاريخية إلى فلسطين في عامي 2010 و2011، على التوالي، وفتحت الأرجنتين وأوروغواي والإكوادور سفارات جديدة في فلسطين. إضافة لذلك أصدرت البرازيل والأرجنتين وتشيلي وبيرو والإكوادور تصريحات قوية تدين العدوان الإسرائيلي في عام 2014 على غزة واستدعت سفراءها للتشاور، في حين ظلت الكثير من الدول الفاعلة في المجتمع الدولي صامتة.

وفي عام 2015 رفضت حكومة ديلما روسيف في البرازيل تعيين داني دايان سفيراً لإسرائيل هناك في برازيليا، وهو قيادي سابق في مجلس يمثل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، تُرجم هذا الدعم الحكومي أيضاً بتبرعات مالية وتعاون تقني فيما بين بلدان الجنوب، ورفعت فنزويلا وتشيلي وبوليفيا والبرازيل مستوى تعاونها مع فلسطين، فمنذ عام2008 ، على سبيل المثال، نفذت وكالة التعاون البرازيلية ستة مشاريع في فلسطين في مجالات متنوعة كالصحة والرياضة والعلم. وفاق المبلغ الذي تبرعت به البرازيل في الفترة بين عامي 2006 و2011 للمؤتمرات الدولية المتعاقبة، لا سيما لإعادة إعمار غزة، الـ30 مليون دولار. كما أصبحت البرازيل أيضًا أكثر دول تجمع البريكس (التي تضم البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا) مساهمة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).

بالرغم من أن الحكومات اليسارية كانت أحرص على إظهار التضامن مع الفلسطينيين من خلال خطوات أكثر جرأة وصخباً، إلا أن الحكومات اليمينية انخرطت أيضاً في هذا الاتجاه، فقد شاركت إدارة سيباستيان بينيرا في تشيلي، وإدارة أوتو بيريز مولينا في غواتيمالا، وإدارة بورفيريو لوبو في هندوراس في موجة الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، حتى إن بينيرا قام بزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة في العام 2011.

من “العقد الذهبي” إلى اليمينية المتأرجحة

يمكن القول إن السنوات من 2017-2019 أحدثت وما زالت تغييراً في مشهد النخبة السياسية في القارة اللاتينية؛ حيث أفرزت الانتخابات الرئاسية التي شهدتها سبع دول في أميركا اللاتينية خلال العام 2018 أربع حكومات يسارية وثلاث حكومات يمينية، الأمر الذي أفرز توازنات مؤقتة بين التوجهات السياسية في القارة، حيث أصبحت المنطقة تتأرجح بين الأنظمة اليسارية البعيدة بشكل أو بآخر عن اليسار الثوري، ما عدا كوبا والأنظمة اليمينية الصاعدة والمرتبطة بشكل أو بآخر بالحركات الدينية، خاصة الحركة الإنجيلية ذات العلاقة العضوية بالمسيحية الصهيونية.

وعملياً جرت هذه الانتخابات الرئاسية في كل من كوستاريكا والباراغواي وكولومبيا وفنزويلا والبرازيل والمكسيك، فضلاً عن انتخاب رئيس جديد في كوبا من طرف الجمعية الوطنية الكوبية. وقد جرت غالبية هذه الانتخابات وسط أجواء مشحونة ومحتقنة عبرت فيها الشعوب عن استيائها من السياسة الحالية في تلك الدول، وتنافست في هذه الانتخابات كافة الأحزاب بمختلف انتماءاتها اليمينية واليسارية. بينما راهنت الأحزاب اليمينية على توظيف استياء الشعوب من سياسات الحكومات اليسارية وخطاباتها الشعبوية وتورط حكامها في فضائح الفساد، راهنت الأحزاب اليسارية على ترجيح كفة خدمة مصلحة الشعوب على حساب مصلحة الأحزاب والأيديولوجيات.

أسهمت العديد من الاعتبارات في نتائج هذه الانتخابات، منها اعتبارات اجتماعية واقتصادية ودينية وتكنولوجية، إضافة لتعاظم استخدام الشبكات الاجتماعية بأميركا اللاتينية وتأثيرها على الحملات الانتخابية، خاصة في حالات البرازيل والمكسيك، حيث جرت الاستحقاقات الرئاسية هناك وسط سطوة غير مسبوقة لمختلف منصات التواصل الاجتماعي[6]. عامل آخر مهم وحاسم في نتائج هذه الانتخابات هو تأثير الكنيسة على اختيارات الهيئة الناخبة؛ خاصة الكنيسة الإنجيلية الآخذة شعبيتها بالتصاعد بوتيرة مثيرة، حيث أصبحت اليوم عاملاً حاسماً في معادلة الانتخابات السياسية بالقارة، كونها تقوم بالحسم في العديد من النتائج بدعم مرشح على حساب الآخر، نظراً لقدرتها على الاستقطاب، فضلاً عن قدرتها على ترجمة شعبيتها إلى أصوات انتخابية وقدرتها على التعبئة والتأثير في قرارات واختيارات الهيئات الناخبة المحافظة منها أساساً والمترددة وغير المنتمية لأية جهة سياسية أو أيديولوجية بشكل ثانوي.

لا بد من الإشارة إلى أن هذه الحركات تحديداً تشكل الرافعة الفكرية لانتشار تيارات اليمين في العالم وتؤثر بشكل أساسي على توجهات اليمين في التعاطي مع القضية الفلسطينية، حيث يعتبر هذا التنامي أحد العوامل المهمة والرئيسية التي تفسر التغيير الكبير لمواقف بعض الدول في القارة مثل غواتيمالا والبرازيل وهندوراس من قضايا الشرق الأوسط وأهمها القضية الفلسطينية، لا سيما أن دول أميركا اللاتينية وأفريقيا كانت تاريخياً تأخذ مواقف صلبة تجاه القضية الفلسطينية، والآن باتت تنحرف في سياساتها، ما يؤكد أن الكنيسة الإنجيلية، بأدواتها التبشيرية وإستراتيجيتها المحكمة للتأثير، أصبحت قوة مؤثرة لا يستهان بها، ويجب التنبه لها والعمل على إيجاد الطرق والأساليب الكفيلة للتصدي لها.

وهنا لا بد من الإشارة إلى الخطوات العملية وغير المسبوقة والمخالفة بشكل سافر للقانون الدولي وحتى لالتزامات تلك الدول تجاه  قرارات الشرعية الدولية وتجاه اعترافها بفلسطين، والمتمثلة بنقل غواتيمالا لسفارتها من تل أبيب إلى القدس حيث كانت الدولة الأولى بعد الولايات المتحدة التي قامت بهذه الخطوة في العام 2018، ثم الباراغواي التي نقلت سفارتها في عهد رئيس متهم بالفساد في أيار 2018، وعادت لتعيدها مرة أخرى إلى تل أبيب بعد 3 أشهر، وذلك على يد الرئيس المنتخب حديثاً آنذاك بينيزيو عبده، تلاها في ذلك وإن بوتيرة أخف البرازيل بقيادة بولسونارو الذي صرح في العديد من المناسبات بأنه سيقوم بنقل سفارة بلاده إلى القدس خاصة خلال لقائه بنتنياهو مطلع العام 2019، ولولا الضغوط التي تمت ممارستها من الدول العربية والإسلامية والدبلوماسية الحثيثة التي قادتها وزارة الخارجية الفلسطينية لتتم –فعلاً- هذا الأمر، إلا أنه توقف عند الإعلان عن افتتاح مكتب تمثيل تجاري للبرازيل في القدس ودون أي صفة دبلوماسية وذلك عشية زيارة بولسونارو لإسرائيل في نيسان (إبريل) عام 2019، تلاها وخلال شهر أيلول (سبتمبر) من هذا العام إعلان هندوراس افتتاح مكتب تجاري لها في القدس، وذلك خلال زيارة لرئيسها -المتهم بالعديد من قضايا الفساد- لإسرائيل لتدشين المكتب وللمساهمة في الدعاية الانتخابية لنتنياهو قبيل الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.

إن نتائج عام 2018 الانتخابية تكشف بالنهاية أن أميركا اللاتينية ليست متجانسة سياسياً، وتكشف كذلك بأن القارة تشهد تعددية حزبية وأيديولوجية، إلا أنه أخذ يغلب عليها -تدريجياً- اليمين- الوسط، بمرجعية ليبرالية ومحافظة، وذلك على حساب اليسار- الوسط، بمرجعية اشتراكية تقدمية. إضافة إلى ذلك، تكشف الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات البلديات التي حصلت لغاية الآن في العام 2019 في كل من الإكوادور والسلفادور وبنما وجمهورية الدومينيكان وغواتيمالا والأرجنتين وكولومبيا عن رغبة الناخب اللاتيني في التغيير سواء كان لليمين أو اليسار بناء على أداء الطرف المسبق.

فاز في السلفادور حزب جديد ذو توجهات يسارية وسطية أسسه ويقوده نجيب بوكيلة (سلفادوري من أصل فلسطيني) له علاقة جيدة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، إلا أنه يعتز في الوقت ذاته بأصوله العربية والفلسطينية من بيت لحم. كما فاز في الإكوادور حزب يساري ولكن بعيد إلى حد ما عن التوجهات اليسارية التقليدية الإكوادورية، وعلى عكس التوقعات فاز مرشح يساري وسطي في انتخابات كل من بنما والمكسيك ليتغير الحزب الحاكم في هاتين الدولتين من اليمين إلى اليسار، كما شهدت الانتخابات الأرجنتينية عودة اليسار مرة أخرى بوجود الرئيسة السابقة كريستينا فيرنانديز كيرشنر كنائبة للرئيس عبر الانتخابات، وذلك بعدما استهلت الأرجنتين دورة الانقلاب على اليسار من خلال فوز اليمين لأول مرة في القارة خلال انتخابات 2015، لتشكل آنذاك فاتحة التغيير نحو اليمين في القارة[ii].

وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية عدم ربط دعم القضية الفلسطينية بجهة معينة، سواء كانت يميناً أو يساراً، رغم أن اليسار هو الأكثر قرباً منا بحكم المبادئ والأدوات التي تحكم توجهاته وتوجهاتنا، إلا أن التجربة أثبتت أن اليمين (بعيداً عن الحركات الإنجيلية) لا يقوم بإنكار حق أي شعب كالشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة، وهنا يكمن هامش فرص التحرك الفلسطيني.

صورة توضح الخريطة الجيوسياسية للقارة عقب الانتخابات 2017-2019

  تجاوز الرمزية الدبلوماسية والسياسية: تنويع أدوات العمل في القارة

يبدو العقد المقبل في ظل صعود اليمين الديني قاتماً بالنسبة للعلاقات الأميركية اللاتينية-الفلسطينية على مستوى العمل الحكومي والدبلوماسي، غير أنه إذا جرى النظر بعين ناقدة إلى فترة اليسار الذهبي، وإلى المكتسبات الفلسطينية، في تلك الفترة، يُلاحظ أن العقبات لطالما كانت ماثلة أمام الحركة المؤيدة للفلسطينيين في تفاعلاتها مع إدارات أميركا اللاتينية. حيث تستطيع الدبلوماسية الفلسطينية إذا تسلحت بإستراتيجيات لتخطي العقبات المقبلة، التي يفرضها اليمين بأدواته وتحالفاته، أن ترتكز على أدوات وتحالفات أخرى للحفاظ على مكتسباتها، بل ولتعزيزها. وهذا يقود لأهمية العمل على مستويات أخرى في القارة، تتجاوز البعثات الدبلوماسية والعمل الحكومي الرسمي، وذلك من خلال أداتين غاية في الأهمية:

  • الجاليات الفلسطينية والعربية.
  • تعزيز العلاقات مع مؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز الحملات الشعبية المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني.

كثفت الدبلوماسية الفلسطينية خلال الفترة الماضية عملها مع الجاليات الفلسطينية في تلك القارة، التي يقدر عددها بحوالي 725000 نسمة، موزعين على 22 دولة؛ تستأثر تشيلي بالحصة الكبرى منها بتعداد يتجاوز 300 ألف من أصول فلسطينية، تليها كل من هندوراس والسلفادور[7]، وذلك من خلال عقد المؤتمر الأول لاتحاد الفيدراليات الفلسطينية في أميركا اللاتينية –كوبلاك-  في ماناغوا في ديسمبر عام 2017، وذلك بعد انقطاع عن عقد مؤتمرات هذه المنظمة الشعبية الوحيدة في أميركا اللاتينية والتابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية لمدة 25 عاماً (أي عملياً منذ اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الوطنية).

رغم أن هذا المؤتمر وحده غير كافٍ، إلا أنه يشكل بداية جيدة لاستئناف تنظيم وتوحيد الجاليات الفلسطينية التي يمكن أن تشكل رافعة أساسية للعمل، إلى جانب الدبلوماسية الفلسطينية في التأثير على توجهات السياسة الخارجية اللاتينية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية.

 

جدول 1 تعداد الجالية الفلسطينية في أميركا اللاتينية والكاريبي

الدولة العدد الدولة العدد
1.      الأرجنتين 5,000 12.  كوستاريكا 1,500
2.      تشيلي 300,000 13.  نيكاراغوا 10,000
3.      الأوروغواي 1,000 14.  السلفادور 40,000
4.      الباراغواي 1,000 15.  هندوراس 130,000
5.      البرازيل 50,000 16.  غواتيمالا 18,000
6.      بوليفيا 18,000 17.  بليز 1,000
7.      البيرو 35,000 18.  المكسيك 15,000
8.      الإكوادور 10,000 19.  كوبا 3,000
9.      كولومبيا 65,000 20.  هاييتي 1,000
10.  فنزويلا 15,000 21.  جمهورية الدومينيكان 2,500
11.  بنما 2,000 22.  مارتينيك 1,000

– المصدر: ورقة تعداد صادرة عن اتحاد الفيدراليات الفلسطينية في أميركا اللاتينية والكاريبي/ الأرجنتين/ آب عام 2019.

وفي السياق ذاته، لا بد أيضاً من الإشارة إلى الدعم الذي طالما تلقته القضية الفلسطينية -وما زالت- من الحضور العربي الكبير المتواجد في القارة، خاصة من السوريين واللبنانيين، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 5 %من سكان أميركا اللاتينية (25-30 مليون) ينحدرون من أصول عربية. وبالرغم من صعوبة الحصول على أرقام موثوقة، فإنه لا يخفى أن أكبر الجاليات السورية واللبنانية توجد في البرازيل والأرجنتين وفنزويلا والمكسيك.

إن قياس تأثير جاليات الشتات كمجموعات ضغط في السياسة الخارجية لأميركا اللاتينية ليس بالأمر السهل؛ فلم تُنفذ سوى بضع دراسات تجريبية في هذا الموضوع. ومع ذلك، يمكن القول إن الضغط الفلسطيني والعربي غير قادر بمفرده على أن يعلل توجهات السياسة الخارجية، لكنه لا ينفي أهمية هذا الضغط، بل يشير إلى أن فاعليته تتوقف على تراكم العوامل. وعموماً، يستطيع هذا الضغط أن يرجّحَ كفة القرار السياسي بهذا الاتجاه أو ذاك، ولكنه لن يكون المحرك الرئيسي وحده.

أما بالنسبة للشق الثاني المتعلق بمؤسسات المجتمع المدني، فمن الأهمية بمكان تعزيز الحركة المؤيدة للفلسطينيين في أميركا اللاتينية على المستوى الشعبي، ليس فقط لأن تحول المنطقة إلى اليمين يحرمُ الحركةَ حلفاءها على المستوى الحكومي، بل لأن الحركات الشعبية أقدر من غيرها على تحدي المصالح الاقتصادية الإسرائيلية في القارة، الأمر الذي لم تفعله حتى الحكومات اليسارية.

تستطيع حركة المقاطعة الشعبية أن تواصل تركيزها الخاص على مقاطعة صناعة الدفاع الإسرائيلية، بما فيها شركات الأمن الخاصة. وبالرغم من أن أميركا اللاتينية تأتي في المركز الرابع فقط من حيث استيراد صادرات هذه الصناعة، بعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وأوروبا، وأميركا الشمالية، إلا أن هذا القطاع يحمل رمزية كبيرة نستطيع اللعب عليه جيداً، نظراً لأن تاريخه في أميركا اللاتينية يعود إلى سنوات الحكم الاستبدادي.

وقد أسهم المجتمع المدني باعتباره أحد تجليات الدولة المعاصرة في التأثير على مواقف العديد من حكومات أميركا اللاتينية في الوقوف بجانب القضية الفلسطينية بتحركاته وأنشطته، ومن بين مظاهر تعاطف شعوب أميركا اللاتينية وتضامنها مع القضية الفلسطينية يمكن الإشارة إلى العديد من المسيرات الاستنكارية للغطرسة الإسرائيلية، وتنظيم العديد من حملات المقاطعة الإسرائيلية، فضلاً عن التعبير عن مواقفها من الحصار وبناء المستوطنات الإسرائيلية وتنديدها بسياسات تهويد القدس الشريف. وعملياً، أسهمت تحركات هذه المنظمات المدنية في قلب معادلة هذه القضية بأميركا اللاتينية، حيث إن العديد من الحكومات الأميركية اللاتينية قامت -بسبب الضغوطات الشعبية- بسحب سفرائها من إسرائيل وبعضها قام بطرد دبلوماسييها، ومنها من قامت بقطع علاقاتها الدبلوماسية معها، خاصة الحكومات اليسارية الاشتراكية، وذلك رداً على استمرار الاحتلال الإسرائيلي.

تجدر الإشارة إلى أنّ أميركا اللاتينية تتفوق على غيرها من المناطق النامية من حيث عدد تنظيمات المجتمع المدني، وقد تطور مفهوم المجتمع المدني في العديد من دول أميركا اللاتينية في الفترة الممتدة بين السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، لمواجهة استبداد الأنظمة السياسية الشمولية، وقد كان دورها تعبيراً عن اعتراضها على الأوضاع الجديدة الناجمة عن دمج القارة في صيرورة الاقتصاد العالمي والنمط الجديد للعلاقة مع السلطة، وقد نجم عن ذلك، استلهام العديد من القطاعات الشعبية لصيغ جديدة للتعبير عن حقوقها وتطلعاتها بعدما تخلت الدولة عن أدوارها ووظائفها.

يسهم دعم المنظمات المدنية للقضية الفلسطينية في التأثير على مواقف حكوماتها ومسار تداول هذه القضية دولياً، وذلك من خلال ممارسة ضغوطات وتحركات نضالية، إلى جانب تنظيم مظاهرات احتجاجية ومسيرات شعبية وحملات مقاطعة للبضائع الإسرائيلية، مثلما كانت للمنظمات المدنية أدوار بارزة في توجيه العديد من السياسات الخارجية لدول أميركا اللاتينية، انعكست إيجاباً على مواقف العديد من الحكومات وأحدثت تعاطفاً وتضامناً وتفهماً لدى الرأي العام بأميركا اللاتينية وتأييداً للحقوق الفلسطينية في إقامة دولة مستقلة وذات سيادة في حدود عام1967  وعاصمتها القدس الشرقية.

ترتبت على الدبلوماسية الشعبية بقيادة المجتمع المدني اللاتيني في سبيل نصرة القضية الفلسطينية ومناهضة الغطرسة الإسرائيلية، مقاطعة العديد من المنتجات الإسرائيلية وتكبيدها أضراراً بمصالحها في القارة، حيث نتج عن التحركات المدنية قطع العديد من الأنظمة الأميركية اللاتينية لعلاقاتها الدبلوماسية مع الحكومة الإسرائيلية، خاصة في أوقات الحروب التي شنها الكيان الغاصب على غزة خلال العشر سنوات الفائتة.

تعتبر حركة مقاطعة إسرائيل والمعروفة اختصاراًBDS  أكبر حركة مناهضة للمنتجات الإسرائيلية بأميركا اللاتينية، حيث تطالب الحكومات اللاتينية بالمقاطعة الاقتصادية للسلطات الإسرائيلية التي تنتهك القوانين الدولية كوسيلة سلمية للاحتجاج والضغط لتحقيق مطالب معينة، وقد قامت الحركة، بالتعاون مع اتحاد طلبة الجامعات التشيلية، بتنظيم استفتاء سنة2016 ، انتهى بتصويت نحو 60% من الطلبة لصالح قطع جميع العلاقات مع مختلف الجامعات الإسرائيلية، وعدم إشراك الهيئات البحثية والمختبرات العلمية الإسرائيلية بمختلف أنشطة الجامعة[8].

وقد تمكنت هذه الحركة أيضاً من إقناع الحكومة البرازيلية بإنهاء عقدها مع شركة المياه الإسرائيلية “Mekorot” عام2016 ، بقيمة 170 مليون دولار، كما استطاعت إقناع كولومبيا بفسخ عقودها مع الشركات الأمنية الإسرائيلية، بالنظر إلى حجم تورطها في اضطهاد وتعذيب العديد من المدنيين الفلسطينيين بالسجون الإسرائيلية وعلى الحواجز العسكرية، مثلما قامت كذلك لمناسبة الذكرى الثالثة عشرة لحكم محكمة العدل الدولية بعدم شرعية جدار الضمّ بتجنيد نحو أكثر من 200 منظمة مدنية بأميركا اللاتينية لمطالبة شركة الإنشاءات المكسيكية “Cemex” بوضع حد لعقودها مع الشركات الإسرائيلية، نظراً لتورطها في بناء المستوطنات[9].

إن المراهنة على الإبقاء على العلاقات على المستوى الرسمي فقط، والتعامل مع الحكومات اليمينية من خلال الإطارين السياسي والدبلوماسي، حيث تجد البعثات الفلسطينية -في كثير من الأحيان- نفسها بحاجة لضبط الخطاب وتمييعه من أجل التماهي مع الأنظمة، وهذا لن يقود إلى أي نتيجة، وذلك لأن الفلسطينيين لا يمتلكون أدوات اليمين المتمثلة بالعسكرة والرأسمالية، ولأن تمييع الخطاب في قضية عادلة كالقضية الفلسطينية، سيقوض مصداقية التمثيل أمام حلفاء فلسطين، وأمام أصدقائهم الحقيقيين والتاريخيين، خاصة أن معظم دول القارة لديها وعي وثقافة واسعان بمجال احترام حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي التي تشكل إحدى أهم أدوات مجابهة الخطاب الشعبوي اليميني.

خاتمة

تجمع أميركا اللاتينية بالقضية الفلسطينية عدة روابط وجدانية وإنسانية، حيث تضامنت وتعاطفت هذه المنطقة من العالم مع فلسطين وأيدتها على مستوى الشعوب والحكومات، وبالنظر إلى التقاء العديد من النقاط المشتركة في بوتقة واحدة نتجت عنها كيمياء تفاعلية وتطابقت في العديد من الأمور والقضايا، منها الكفاح المشترك ضد المستعمر، كونه عاملاً أساسياً في انخراط أميركا اللاتينية في تفاعلات هذه القضية منذ بدايتها وعلى مراحل تفاعلاتها الدولية، بحيث كلما صعّدت إسرائيل مع الفلسطينيين خرجت للشارع تظاهرات شعبية استهجاناً للغطرسة الإسرائيلية ونصرة للقضية الفلسطينية.

إلا أن وصول اليمين المرتبط بالحركات الإنجيلية إلى الحكم مؤخراً قد يغير هذه المعادلة المؤيدة بكلّيّتها لفلسطين، ويخرج العلاقة من حيز التضامن مع فلسطين لحيز التحيز لصالح إسرائيل، وهو أمر طبيعي في ظل تبني الأخيرة لأدوات اليمين (الرأسمالية والعسكرة) التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتماشى معها قضية عادلة كالقضية الفلسطينية. وهنا لا بد من الإشارة إلى إلى أنه من الصعب بمكان الاستفادة من علاقات الشتات العربي بالنخب اليمينية كوسيلة للوصول إلى الحكومات الحالية، كون المعوقات التي يمثلها اليمين بالنسبة للمصالح الفلسطينية كصلته بالجيش وعلاقته المتنامية بالكنيسة الإنجيلية، كثيرة جداً بما لا يسمح بالترويج لفلسطين حتى تكون قضيةً حقيقية يتبناها اليمين. لكن هذا لا يعني أبداً أن السياسيين اليمينيين لا يستطيعون دعم مطالب محددة، كالحق في تقرير المصير وإقامة الدولة، إنما يتوجب توقع بقاء هذا الدعم محدوداً.

من الضرورة تجيير الأدوات والإستراتيجيات الفلسطينية للاعتماد على الامتدادين الفلسطيني والعربي في القارة، وتحت مظلة منظمة التحرير، الجامعة للكل الفلسطيني في الوطن والشتات، وتعزيز هذا الامتداد ورفده بما يعينه على أن يكون رافعة مكملة للعمل الدبلوماسي متى لزم. إضافة لأهمية توحيد الجاليات لتشكيل رأي ضاغط يعمل على تجيير مؤسسات المجتمع المدني وتفعيل الدبلوماسية الشعبية اللاتينية لا سيما أن الإرث الاستعماري للقارة اللاتينية يتشابه إلى حد كبير مع الحالة الفلسطينية، حيث أبدت السنوات الأخيرة الكثير من الأحداث التي تكشف هذا التشابه. فمؤسسات المجتمع المدني النسوية والشبابية والحقوقية في كل من فنزويلا وتشيلي وكولومبيا وقفت متضامنة مع حقوق الشعب الفلسطيني في أكثر من حدث على الرغم من ضعف الموقف الإعلامي الفلسطيني إذا ما قورن بأدوات الإعلام الصهيونية.

من الضروري أن تعزز الدبلوماسية الفلسطينية موقفها من الناحية الإقليمية، وأن تجيّر القدرة التجارية لبعض الدول العربية مثل السعودية والإمارات ومصر في الضغط والتأثير لصالح فلسطين، فبعد وصول اليمين في البرازيل إلى الحكم ونيته سحب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، كان لمصر والإمارات والسعودية الدور الفاعل والكبير في التراجع عن هذا القرار. وهنا تظهر واحدة من أدوات القوة الفلسطينية على المستوى الإقليمي، إذ إن القدرة العربية التجارية تجبر الكثير من الدول على العدول عن رغباتها لو تم استغلال هذا الأمر بشكل دبلوماسي لمصلحة القضية الفلسطينية.

الهوامش:

[i]  مساعد وزير الخارجية والمغتربين لشؤون الأميركيتين والكاريبي في وزارة الخارجية الفلسطينية.

[1] Paz, conflicto y sociedad civil en América latina y el Caribe, Centro Internacional de Investigaciones para el Desarrollo, Icaria Editorial, 2007, Barcelona-España.

[2] تقارير داخلية لوزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية.

[3] Memorandum for the Secretary of the Navy” Crypotome, Dept. of Defense, Mar. 30, 1983, United States of America.

[4] Bahbah, BisharaA. And Linda Butler, Israel and Latin America: The Military Connection (London: Palgrave Macmillan, 1986).

[5] Ibid

[6] Reporte Final, Integridad Electoral en América Latina, Fundaci.n Kofi Annan, México, Agosto 2017, p18.

[7] تقارير داخلية لوزارة الخارجية والمغتربين.

[8] بيان حركة المقاطعة (فرع تشيلي) 25 نيسان (إبريل) عام 2016.

[9] بيان اللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة الإسرائيلية عام 2016.

 

مراجع إضافية:

مارسيل فورتونا بياتو، الديمقراطية في أميركا اللاتينية، (مترجم)، (أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2012).

 

محمد بوبوش، الولايات المتحدة الأميركية وإعادة مبدأ مونرو في أميركا اللاتينية، المعهد المصري للدراسات، 10/5/2019. https://eipss-eg (استرجع في 22/8/2019)

 

وجدي ياسين، اليمين المتطرف يجتاح أميركا اللاتينية بعد أوروبا، ما الثمن وما الأضرار؟ موقع العدسة، 19/11/2018. https://thelenspost.com/ (استرجع في 25/8/2019).

 

إعلام من أجل الثورة، ماذا حدث للتجربة اليسارية في أميركا اللاتينية؟ موقع الاشتراكي، 7/9/2018، https://revsoc.me/arab-and-international/38367/ (استرجع في 20/8/2019).

 

قطاع فلسطين والأراضي العربية المحتلة، مذكرة من بعثة جامعة الدول العربية في البرازيل إلى السفير/ حسام زكي الأمين العام المساعد– رئيس مكتب الأمين العام، 6/3/2019.

للتحميل اضغط هنا