رائد حلس*
مقدمة
تعتبر قضية المياه في فلسطين جزءاً ومكوناً أساسيّاً من مكونات النسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الفلسطيني، فالمياه والأرض تمثلان المكون الأساسي للسيادة، والعنصر المهم لضمان الاستقلال الفعلي؛ فالمياه هي عصب الحياة وشريانها، وأي نقص لهذا العنصر يؤدي إلى كارثة حقيقية، بل في بعض الأحيان، تصبح وفرة المياه أو انقطاعها مسألة حياة أو موت، لذلك، تؤكد الجمعية العامة للأمم المتحدة على الحق في المياه النظيفة باعتباره حقّاً ثابتاً من حقوق الإنسان.
وقد أشارت العديد من الدراسات الدولية المتخصصة إلى أن قضية نقص المياه وتدني نوعية المتوفر منها تعتبر من أهم القضايا البيئية والاقتصادية التي تشغل منطقة الشرق الأوسط، كما ينظر إليها على أنها من أهم القضايا الرئيسية في مفاوضات الحل النهائي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وبالتالي، ستكون الحقوق المائية في فلسطين أهم التحديات التي ستواجه الدولة الفلسطينية، نتيجة الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة والممنهجة للحقوق المائية في فلسطين وحرمان ملايين السكان الفلسطينيين من التمتع بحقهم في المياه أو التصرف بالحد الأدنى من حقهم الطبيعي فيه، والذي من المفترض أن تكفله القوانين والاتفاقيات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ومعاهدات السلام.
من هذا المنطلق، تركز الدراسة على تسليط الضوء على الحقوق المائية الفلسطينية ما بين الأزمة الحقيقية، والانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة لتلك الحقوق، مع التركيز على أهم التحديات التي تواجه قطاع المياه في فلسطين، والمتمثلة بشكل رئيسي في الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق المائية في فلسطين، وذلك لمواجهة هذه التحديات من خلال استشراف السياسات والأدوات والتدخلات لتنمية هذا القطاع وتطويره.
أولاً: الحقوق المائية في فلسطين
أشــارت اتفاقية المرحلة الانتقالية في أوسلو إلى اعتراف الجانب الإسرائيلي بالحقوق المائية الفلسطينية، ومما جاء في نص الاتفاقية: "تعترف إسرائيل بالحقوق المائية للفلســطينيين في الضفة الغربية، وســيتم التفــاوض حول تلك الحقوق للتوصل إلى تسوية بشأنها في اتفاقية الحل النهائي". بيد أن تعريف هذه الحقوق أُرجئ إلى مفاوضات الوضع النهائي(1).
كمــا تناولت المادة الثانيــة من الفقرة الحادية والثلاثين فــي اتفاقية غزة– أريحا مســألة المياه، وتم نقل صلاحيات محددة حول المياه للســلطة الفلسطينية، دون أن تتطــرق الاتفاقيــة إلى الحقوق المائيــة بالتفصيل.
وفي اتفاقية أوســلو الثانية، تضمنــت المادة الأربعون (اتفاقية المياه والمجاري) الأســاس الذي ســيتم عليه وضع الخطــط الخاصــة بقطاع المياه وتنفيذ المشــاريع أثناء المرحلــة الانتقالية، إلى حين التوصل إلى تسوية نهائية في مفاوضات الحل النهائي(2).
ولكن الاتفاق خلا من نص صريح يؤكد ســيطرة الفلسطينيين على المياه، بمــا في ذلك المناطق المصنفة "A"، فما يطبق على المناطق المصنفة "B" و"C" يطبق على المنطقة "A"، أي أنه لا بد من الحصول على الموافقة الإسرائيلية، التي دائماً لا تتوفر، لأن مجلس المياه المشترك مشروط في قراراته بالإجماع.
وقد أنشــأت السلطة الفلسطينية «سلطة المياه» بموجب القانون رقم 2 لعام 1996، لتتولى هيكلة قطاع المياه، وإدارة المصادر المائية، وتنفيذ السياســات المائية، والإشــراف والمراقبة على مشــاريع المياه في كل من الضفــة الغربية وقطاع غزة، ومتابعة تنفيذ ما ورد في المادة رقم 40، واســتغلال ما تم تخصيصه في الاتفاقية مــن كميــات مائية للفلســطينيين، كما أوكل إليهــا الإعداد لمفاوضــات الوضع النهائي، لضمان وصيانة الحقوق المائية الفلسطينية المنصوص عليها في اتفاقية المرحلة الانتقالية(3).
ثانياً: واقع المياه في فلسطين
تشكل المياه الجوفية المصدر الرئيس للتزود بالمياه في فلسطين، إذ تتوفر فيها أربعة أحواض مائية جوفية مشتركة إلى حد ما مع الجانب الإسرائيلي على نحو غير متوازن، موزعة وفقاً لما يلي(4):
- الحوض الشمالي الشرقي: وهو يقع في المنطقة الشمالية من الضفة الغربية، وتقدر كميات التغذية في هذا الحوض بحوالي 197 مليون متر مكعب سنويّاً. ويبلغ عدد الآبار في هذا الحوض حوالي 87 بئراً بمعدل استخراج 16 مليون متر مكعب سنويّاً. أما الآبار الإسرائيلية، فتبلغ 3 آبار بمعدل استخراج 4 ملايين متر مكعب سنويّاً. كما أن عدد الينابيع فيه حوالي 37 نبعاً، تشكل ما نسبته 28% من العدد الكلي للينابيع في الضفة الغربية.
- الحوض الشرقي: وهو يقع ضمن حدود الضفة الغربية من الجهة الشرقية، وهي منطقة تتميز بقلة الأمطار بشكل عام، باستثناء الجزء الغربي الذي يقع ضمن المناطق الغزيرة بالأمطار في مرتفعات الضفة الغربية. وتبلغ مساحة هذا الحوض حوالي 2900 كم2. وذهبت الدراسات إلى أن كميات التغذية بهذا الحوض تقدر بحوالي 197 مليون متر مكعب سنويّاً. كما أن عدد الآبار فيه حوالي 103 آبار، بمعدل استخراج 25 مليون متر مكعب سنويّاً.
- الحوض الغربي: ويعتبر من أهم الأحواض المائية المهمة في الضفة الغربية، ويمتد من المرتفعات الجبلية للضفة الغربية شرقاً، حتى المناطق الساحلية غرباً، ومن السفوح الجنوبية لجبال الكرمل شمالاً، إلى داخل الحدود المصرية جنوباً. وهو يقع ضمن منطقة غنية بالأمطار الغزيرة، تقدر مساحتها بالضفة الغربية بحوالي 1767 كم2. وتشير الدراسات إلى أن كميات التغذية لهذا الحوض تصل إلى حوالي 420 مليون متر مكعب. كما أن عدد الآبار فيها يبلغ 137 بئراً، بمعدل استخراج حوالي 21 مليون متر مكعب سنويّاً.
- الحوض الساحلي في قطاع غزة: وهو يقع أسفل ساحل البحر الأبيض المتوسط ما بين رفح جنوباً وجبال الكرمل شمالاً. وتبلغ مساحته الكلية 2200 كم2، توجد منها أسفل قطاع غزة 400 كم2. ويعتبر قيام دولة الاحتلال بحفر العديد من آبار "مصايد" المياه، إلى جانب تزايد عدد السكان في القطاع إلى ما يزيد على 1.9 مليون فلسطيني يقطنون في غزة وفي مساحة لا تتعدى 360 كيلو متراً مربعاً(5) أحد أهم أسباب سحب المخزون الجوفي، وبالتالي، زيادة نسبة الملوحة إلى أكثر من أربعة أضعاف.
ووفقاً لبيانات عام 2014، فقد قدر معدل استخراج المياه الجوفية في الضفة الغربية للاستخدام الفلسطيني بحوالي 104 ملايين متر مكعب سنويّاً. فيما تجاوز هذا المعدل 199 مليون متر مكعب سنويّاً في قطاع غزة في نفس الفترة، إلا أن 97% من مياه قطاع غزة غير صالحة للاستخدام الآدمي. فيما تقوم السلطة الفلسطينية بشراء ما يعادل 65 مليون متر مكعب سنويّاً من شركة المياه الإسرائيلية (ميكروت)، بهدف سد العجز وتوفير كميات إضافية من المياه للاستخدامات المختلفة للتجمعات الفلسطينية(6).
ثالثاً: أزمة المياه في فلسطين
تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بسكانها البالغين ما يقرب من 6% من سكان العالم، من شح المياه، حيث إن نسبة مياهها العذبة لا تتجاوز 1% من موارد الكرة الأرضية التي يمكن الوصول إليها(7).
وبما أن الأراضي الفلسطينية هي جزء من هذه المنطقة، فهي مهددة كما هو الحال في باقي الأقطار، بل إن خصوصية الوضع الفلسطيني هي الأكثر تعقيداً من بقية دول المنطقة، حيث إن الأراضي الفلسطينية لا تشكل وحدة جغرافية واحدة، بالإضافة لاستمرار الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة للحقوق المائية الفلسطينية، وإحكام سيطرة إسرائيل على الآبار والأحواض الجوفية، ومنع الفلسطينيين من حفر آبار جديدة.
ويعاني المواطنون الفلسطينيون من تراجع كمية ونوعية المياه التي يمكنهم استخدامها للأغراض المختلفة من سنة لأخرى. ويرجع ذلك إلى تحديد كمية المياه المتاحة لاستخداماتهم المختلفة بأقل من 20% من حقوقهم المائية، وتأجيل البت في حقوق المياه إلى مفاوضات الحل النهائي، ما جعل سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستغل هذا الوضع بتكثيف نهبها لتلك الحقوق، بزيادة الضخ إلى 180% من الحصة التي حددتها اتفاقية أوسلو للاستخدامات الإسرائيلية(8).
وهذا يعني تناقص حصة الفلسطينيين من المياه ونصيب الفرد الفلسطيني من المياه، نتيجة السيطرة الإسرائيلية المطلقة على المياه الفلسطينية الجوفية والسطحية، حيث بلغت حصة الفلسطينيين من مياه الأحواض المائية ما نسبته 15% فقط، في حين أن باقي الحصة، وهو 85%، يذهب للإسرائيليين، بمن في ذلك المستوطنون في الضفة الغربية. وفي قطاع غزة، بلغت حصة الفلسطينيين من مياه الحوض الساحلي 18% فقط. بينما بلغت حصة الإسرائيليين 82%. كما تستغل دولة الاحتلال ما نسبته 90% من كمية المياه النقية المتجددة المتوفرة في الأراضي الفلسطينية، مقابل 10% فقط للفلسطينيين.
يشار إلى أن حصة الفرد الإسرائيلي من المياه بلغت سبعة أضعاف حصة الفرد الفلسطيني؛ حيث إن حصة الفرد الفلسطيني من مياه الشرب يوميّاً تبلغ نحو 70 لتراً، مقارنة مع 500 لتر للفرد الإسرائيلي من المياه العذبة، وتزيد الفجوة بين الجانبين لـ9 أضعاف في المياه المستخدمة لأغراض الري والزراعة(9).
وبالإضافة إلى استنزاف دولة الاحتلال الإسرائيلي للمياه الفلسطينية الجوفية والسطحية، فهناك أسباب أخرى لأزمة شح المياه في فلسطين، وهي أن 10% من سكان الضفة الغربية يفتقرون إلى شبكات المياه، و31% فقط من المساكن مرتبطة بشبكة المجاري، و4 مدن فقط لديها محطات بدائية لمعالجة المجاري، ما ترتب عليه تدفق ما يزيد على 25 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي عبر أودية الضفة الغربية، ملحقة الأذى بالأحواض المائية وبصحة البيئة. أما في قطاع غزة، فقد باتت نسبة ضئيلة من مياه الحوض الساحلي صالحة للشرب، حتى وصل الحال اليوم إلى مستويات لا يمكن تحملها، حيث وصلت نسبة المياه الجوفية غير الصالحة للشرب في قطاع غزة إلى 97%، في حين يتم ضخ ما يزيد على 115 مليون لتر في اليوم من المياه العادمة الخام إلى شاطئ بحر غزة دون معالجة، لتدمر البيئة البحرية وتشكل خطراً مباشراً على حياة المصطافين الذين حرموا من استخدامه في الآونة الأخيرة(10).
وأثبتت العديد من الدراسات السابقة وجود تلوث بيولوجي خطير في مياه ورمال الشاطئ المحاذي لقطاع غزة بنسب عالية أدى إلى تدهور الساحل بالكامل(11)، بسبب انقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير، وبسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل المولدات المساعدة وغياب قطع الغيار للمضخات، كما أن 3500 عنصر يمنع الاحتلال دخولها قطاع غزة ضمن مبدأ الاستخدام المزدوج والمخاوف الأمنية(12)، وزيادة السحب الجائر الناتج عن الارتفاع المطرد في عدد السكان (نسبة النمو السكاني وصلت إلى 4.2% خلال عام 2016)(13) دون وجود تطوير حقيقي في مجال المياه والبيئة خلال الأحد عشر عاماً الماضية، إضافة إلى النتائج المدمرة لحروب إسرائيل التي ألحقت دماراً كبيراً في البنى التحتية، وتسببت في توقف محطات معالجة المياه العادمة. كل ذلك فاقم وعقد مشكلة المياه والصرف الصحي في قطاع غزة(14). وفي حال استمر الوضع الحالي، تتوقع الأمم المتحدة أنه في غضون السنوات الخمس عشرة المقبلة، ستكون المياه الصالحة للشرب في قطاع غزة قد استنزفت تماماً(15).
رابعاً: الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق المائية الفلسطينية
تعتبر الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق المائية الفلسطينية، المتمثلة في سلب الفلسطينيين مياههم وضخها إلى داخل إسرائيل وإلى المستوطنات؛ جريمة حرب مكتملة الأركان، لذا، يجب وضعها أمام المحافل الدولية ذات الصلة، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية، قبل أن يصبح شح المياه عاملاً طارداً للسكان وللاستثمارات من دولة فلسطين.
ونستعرض فيما يلي أبرز الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق المائية الفلسطينية:
- تضع إسرائيل قيوداً كثيرة على استغلال الفلسطينيين للمياه، منها مثلاً تقييد استخدام الآبار الارتوازية الزراعية، وعدم إعطاء رخص لحفر آبار جديدة، وفي حالات الموافقة (النادرة) على حفر آبار للفلسطينيين، فإنها تلزمهم بألا يزيد عمقها على 140 متراً، وتحرم الفلسطينيين من استخدام مياه نهر الأردن، كما تعرقل إمدادات المياه إلى البلديات الفلسطينية. وفي المقابل، تسمح للمستوطنات بحفر آبار زراعية دون قيد أو شرط، حيث يسيطر المستوطنون على 40 بئراً تنتج 44 مليون متر مكعب(16).
- قامت إسرائيل بتدمير المنشآت المائية القائمة من برك وأحواض وآبار بحجة عدم الترخيص، خاصة الواقعة في المنطقة المصنفة "C"، ففي عام 2002، دمرت منشآت مائية بقيمة 7 ملايين دولار، كما ذكرت منظمة أوكسفام أنه منذ حزيران 2009، نفذت إسرائيل 100 عملية هدم لمنشآت مائية في الضفة الغربية، من ضمنها 44 خزاناً و5 ينابيع و28 بئراً وخط أنابيب واحد، وفي معظم الحالات، كانت لا تقدم أي مبررات(17).
- وضعت إسرائيل سلسلة من المعيقات المادية التي تعزز سيطرتها على الموارد المائية، وبالتالي منع الفلسطينيين من الوصول إليها، على سبيل المثال بناء المستوطنات في الضفة الغربية لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى الموارد الطبيعية بما فيها المياه، حيث إن المواقع الاستراتيجية للجيوب الاستيطانية وشبكة الطرق الالتفافية، تهدف لتحقيق أقصى قدر من السيطرة الإسرائيلية على موارد المياه الرئيسية، مثل الحوض المائي الغربي والينابيع والآبار الأخرى المختلفة. ويقدر البنك الدولي أن المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية يسيطرون حاليّاً على 40 بئراً تنتج سنويّاً حوالي 44 مليون متر مكعب. وقد أدى الإفراط في استغلال هذه الآبار من قبل المستوطنين إلى نضوب العديد من الآبار والينابيع الفلسطينية المحيطة، لأن هذه الآبار يستغلها المستوطنون ولا يستخدمها الفلسطينيون(18).
- تقوم إسرائيل بقصف وتدمير ممنهج ومدروس للعديد من المنشآت والمشاريع المائية الكبرى في قطاع غزة بين الحين والآخر ضمن حروب شرسة تشن ضد القطاع، وهناك العديد من الدراسات التي قامت بتوصيف ورصد هذه الاعتداءات(19).
- يمنع الاحتلال الإسرائيلي دخول أكثر من 3500 عنصر (قطع غيار) ومعدات وآليات وأجهزة تلزم لتطوير مشاريع المياه والصرف الصحي في قطاع غزة بحجج المخاوف الأمنية، ما فاقم الأزمة المائية في القطاع(20).
- انتهاك ما تم الاتفاق عليه في أوســلو، حيث يبلــغ حجم الخزان الجوفي المائي 734 مليون متر مكعب، ونصيب الفلسطينيين منه حسب اتفاقية أوسلو 235 مليون متر مكعب، أي 32% من كمية المياه. ولا يتعدى ما يأخذه الفلســطينيون 130 مليون متر مكعب. ولم يفِ الإســرائيليون أيضًا بما تم الاتفاق عليه في ما يخص حصول الفلسطينيين على كميات مياه إضافية من الحوض الشرقي،التي تقدر بحوالي 80 مليون متر مكعب في السنة(21).
- تقوم شــركة المياه الإسرائيلية (ميكروت) بسحب كميات كبيرة من المخزون الجوفي للضفة الغربية، أو من الآبار الواقعة مباشرة على خط الهدنة (دون مقابل)، ثم تقوم ببيع هذه المياه مجدداً لبلديات الضفة الغربية(22).
- قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي ببناء جدار الفصل العنصري، ما أدى إلى حجز الكثير من آبار المياه، وحرمان الفلسطينيين من مصدر مهم من المياه الجوفية، حيث يخسر الفلسطينيون ما يقارب 10 ملايين متر مكعب ســنويّاً من المياه خلف الجدار. وهذا يؤدي على المدى البعيد إلى فصل الفلســطينيين عن مناطق إنتاجهم المستقبلي على طول الأراضي التي ابتلعها الجــدار، وهي مناطق أساســية للمياه الإضافية المحتملة فــي الضفة الغربية، قد تحتــوي على ما يقارب 90 مليــون متر مكعب من المياه الإضافيــة المحتملة، بحيث تصبح الـ 10 ملايين متر مكعب التي تفقدها الآبار الحالية هامشية(23).
- تنكر الجانب الإسرائيلي لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالموارد المائية، نتيجة ضعف مرجعية القانون الدولي بشأن تقاسم مياه الأحواض المشتركة، وغياب الضغط الدولي الفاعل على إسرائيل لجعلها ترضخ وتحترم هذه القرارات(24).
خامساً: السياسات المقترحة لتنمية وتطوير قطاع المياه في فلسطين
حمل نقص وتردي نوعية المياه اللذان تعاني منهما كافة المناطق الفلسطينية، ولا يزالان، تأثيرات مدمرة على مختلف القطاعات الاقتصادية، وبخاصة الزراعي والسياحي والصناعي، ويحملان نتائج خطيرة على صحة البيئة وجودة الحياة.
وهذا يتطلب المثابرة لحشد جهود مختلف القطاعات وتطوير آليات عمل وتدخلات للتحرك على مختلف الجبهات للضغط على المجتمع الدولي لجعل إسرائيل تخضع لقرارات الشرعية الدولية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق المياه الفلسطينية.
ويحتل وقف الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق المياه الفلسطينية وحرية الوصول إلى مصادر مياه آمنة وكافية ومستدامة لكافة الاستخدامات ولجميع المناطق الفلسطينية، المفتاح الرئيسي لوقف تدهور أزمة المياه في فلسطين، ومن الممكن اقتراح السياسات والأدوات والتدخلات الآتية:
- على الصعيدين السياسي والقانوني:
- عمل لوبي دولي مع كل الأشقاء والأصدقاء من العرب والمجتمع الدولي، للتحرك في كافة المحافل الدولية والضغط على الاحتلال من خلال حملات ممنهجة ومدروسة وتصاعدية ضمن خطط واستراتيجيات مدروسة بأهداف واضحة وتراكمية تعمل على إحراج الاحتلال بالحقائق والبراهين الدامغة والساطعة وبكل لغات العالم وضمن سياسات وأجندات الدول المختلفة حسب قوة تأثيرها ونفوذها في المنظومة الدولية، مطالبة الجانب الإسرائيلي بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اتفاقيات أوســلو ولجنة المياه المشــتركة المنبثقة عنها، وضرورة تعديل الاتفاقيات في مفاوضات الحل النهائي، بحيث تتم زيادة حصص الماء المقررة للفلســطينيين، وفــق زيادات معدل الســكان، ووفق ما تقرره المعاهــدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وما نص عليه القانون الدولي فيما يتعلق بحقوق الشعوب المحتلة وواجبات الدولة القائمة بالاحتلال، وصولاً إلى حصول الفلســطينيين على حقهم الكامل بالسيادة المطلقة على مواردهم المائية؛ لأنها حقهم الطبيعي.
- استثمار قرار الأمم المتحدة عام 2012 بقبول فلسطين دولة عضو مراقب بالأمم المتحدة، وكذلك انضمام فلسطين للعديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية، وذلك لتعزيز مطالبة دولة فلسطين لحقها في السيادة على مواردها المائية.
- قيام الحكومة الفلسطينية بإعداد ملف قانوني خاص بانتهاكات إسرائيل للحقوق المائيةالفلسطينية وتحريكه أمام المحكمة الجنائية الدولية كجريمة حرب، باعتبار أن هذه الانتهاكات تشكل مخالفة جسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة.
- شروع الحكومة الفلسطينية في التحرك سياسيّاً وقانونيّاً للمطالبة بالتعويض من الحكومةالإسرائيلية نتيجة استغلالها غير المشروع للموارد المائية الفلسطينية.
- تشكيل مجلس وطني للمياه، كجهاز لوضع التشريعات والسياسات الخاصة بالمياه والإشراف على كافة المؤسسات الفاعلة في هذا القطاع الحيوي.
- على الصعيد الفني:
- إعطاء أهمية لإصلاح الأعطال واستبدال الشبكات المتآكلة في الكثير من المدن والقرى الفلسطينية، لتقليص نسبة الفاقد.
- إعطاء أولوية قصوى لمواجهة تفاقم أزمة المياه في قطاع غزة بصورة مقلقة، حيث بات معظم المتوفر من المياه فيها غير صالح للشرب، وأصبح الخزان الجوفي الساحلي مهدداً بالانهيار بسبب الضخ الجائر، وارتفاع درجة التلوث، وتسرب مياه البحر إليه.
- تنفيذ مشروع تحلية مياه البحر في قطاع غزة بطاقة مناسبة لتوفير مياه الشرب.
- تنفيذ مشروع لتنقية المياه الرمادية، وإعادة استخدامها للري.
- تنفيذ مشروع لتوفير وحدات متنقلة لتحلية المياه لتوفير مياه صالحة للشرب في قطاع غزة.
- ترشيد الاستهلاك المائي في مختلف مجالات النشاط الاجتماعي والاقتصادي: الاقتصاد في استهلاك الماء في البيوت، واتباع الطرق الصحيحة، واســتخدام أنظمة الري بالتنقيط في الزراعة، وإعادة استخدام المياه الهامشية المعالجة في الصناعات.
- تنفيذ مشــاريع من قبل البلديات والمؤسسات الأهلية في القرى التي لا توجد بها شــبكات ميــاه، حيث تغطي هــذه البرامج نفقات الميــاه المجلوبة بالصهاريج، لتخفيف العبء المادي الذي تعاني منه هذه المناطق المهمشة، وأيضاً إنشاء أو بناء برك وأحواض وخزانات لجمع مياه المطر صالحة للزراعة وقريبة من الأراضي الزراعية أو البيوت البلاستيكية.
- على الصعيد الاقتصادي:
- تبني خطة استراتيجية لتنمية وتطوير قطاع المياه بهدف الاستثمار في هذا القطاع باعتباره مـــن القطاعـــات الحيوية المهمـــة لعمليـــة التنمية المســـتدامة على المســـتوى الوطني من جهة، وأن هناك حاجة متزايدة للمياه للأسر الفلسطينية والنشاط الاقتصادي الزراعي والصناعي الفلسطيني من جهة أخرى.
- العمل على عقد مؤتمرات اقتصادية دولية لجمع التبرعات والأموال لتطوير المشاريع الكبرى في الأراضي الفلسطينية بخصوص المياه والمياه العادمة.
* (باحث ومختص في الشأن الاقتصادي، غزة– فلسطين)
الهوامش والمصادر:
- سلامة، عبد الغني (2014)، الصراع على المياه في فلسطين.. واقع وحلول، مجلة شؤون فلسطينية، العدد 257، رام الله، ص34.
- يوم المياه العالمي (2002)، جمعية الحياة البرية في فلسطين، 22/3/2002، http://www.wildlife-pal.org/ArticleaAra5.ht.
- السهلي، نبيل، السياسات المائية الإسرائيلية إزاء الضفة والقطاع، مؤسسة القدس للثقافة والتراث، poica.org/preview.php?Article=2305 .
- أبو جامع، أكرم (2016)، المياه في فلسطين: الواقع والتحديات، بحث مقدم لمؤتمر فلسطين تحدث أخبارها، جامعة النجاح الوطنية بالتعاون مع وزارة الثقافة والحكم المحلي، نابلس، 16 كانون الثاني (يناير) 2016، ص7-8.
- الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (2017)، بيان صحفي حول أوضاع السكان في فلسطين بمناسبة اليوم العالمي للسكان، 11 تموز (يوليو) 2017، رام الله، ص1.
- صندوق النقد العربي (2017)، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، الفصل الثالث عشر: الاقتصاد الفلسطيني، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، ص242-243.
- هانس، بيتر (2012)، تشجيع استخدام المياه الرمادية المكررة في فلسطين، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني – ماس، رام الله، ص11.
- World Bank (2009), Assessment of Restrictions on Palestinian Water Sector Development, West Bank and Gaza, MENA Region, Sustainable Development, Report No. 47657-G7, P.v.
- صندوق النقد العربي (2016)، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، الفصل الثالث عشر: الاقتصاد الفلسطيني، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، ص362.
- PWA, (2017): Water Resources Status Summary Report /Gaza Strip Water Resources Directorate.
- Hilles, Ahmed H., Adnan I. Al Hindi and Yousef A. Abu Safieh. (2014). Assessment of parasitic pollution in the coastal seawater of Gaza city. Journal of Environmental Health Science & Engineering, 12:26 http://www.ijehse.com/content/12/1/26.
- Oxfam, (2017): Treading Water. The worsening water crisis and the Gaza reconstruction mechanism, Oxfam Briefing Paper March, www.oxfam.org
- PCBS, (2016). Palestinian Central Bureau of Statistics Press Release on World Environment Day 1 “The Palestinian environment to where?”.
- عبد الله، سمير (2016)، أجندة تطوير القدرات الإنتاجية، مؤتمر ماس الاقتصادي 2016: نحو رؤية جديدة للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني– ماس، رام الله، ص112.
- هانس، بيتر (2012)، مرجع سبق ذكره، ص12.
- سلامة، عبد الغني (2014)، مرجع سبق ذكره، ص37-38.
- هانس، بيتر (2012)، مرجع سبق ذكره، ص14.
- World Bank (2009), Reference above, p14.
- Hilles, H. Ahmed, (2017): Report of the current: Environmental and Water situation in Gaza Strip (Facts and Records 2017). Environment Quality Authority (EQA) May.
- Oxfam, (2017), Reference above.
- مركز المعلومات الوطني، تواصل الاعتداءات الإسرائيلية على البيئة الفلسطينية، الموقع الإلكتروني: http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=2366.
- سلامة، عبد الغني (2014)، مرجع سبق ذكره، ص38.
- نفس المرجع السابق، ص39.
- اليعقوبي، أحمد، وعبد الغفور، ديب (2011)، نبذة عن مصادر المياه في فلسطين، سلطة المياه الفلسطينية، ص54.