د. عدنان ملحم

(عضو مجلس إدارة مركز الأبحاث الفلسطيني)

تعد أطروحة الماجستير الموسومة بـ “التطور التاريخي لمشروع الدولة الفلسطينية 1964- 1999م” للباحث أنور جمعة حرب أبومور، من الأبحاث العلمية المحكمة الجادة التي تناولت بالدراسة والتحليل التطور التاريخي لمشروع الدولة الفلسطينية منذ إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م حتى عام 1999م، موعد انتهاء المرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو، التاريخ المفترض لإعلان الكيان الفلسطيني المستقل.

نوقشت الأطروحة في الجامعة الإسلامية بغزة عام 2014م، بإشراف الدكتور نهاد محمد الشيخ خليل، وجاءت في 338 صفحة موزعة على أربعة فصول رئيسية.

 الفصل التمهيدي

قدم الباحث دراسته بفصل تمهيدي حمل عنوان “تطور مشروع الدولة الفلسطينية 1917–1963م”، استعرض فيه دعوة الحركة الوطنية الفلسطينية خلال بدايات هذه الفترة لإقامة دولة مستقلة، وتأسيس حكومة وطنية ومجلس نيابي منتخب، ورفض هذ الحركة ما طرحته الكتب البيضاء الصادرة عن حكومة الانتداب البريطاني في الأعوام 1920، و1930، و1939م لفكرة إقامة حكومة ذاتية يتقاسم العرب واليهود فيها مسؤولية السلطة، وتمنح الجنسية لمواطنيها على حد سواء، ويسمح لليهود بالهجرة إلى فلسطين بما يتناسب مع القدرة الاستيعابية الاقتصادية للبلاد.

وجابهت الحركة الوطنية الفلسطينية مشاريع تقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق أو دويلات أو اتحادات أو حكومات: عربية ويهودية، وتم طرحها من اللجان والمشاريع التالية: لجنة اللورد الإيرل بيل عام 1937م، واللورد هنري موريسون عام 1946م، وأرنست بيفان وزير خارجية بريطانيا عام 1947م، وقرار تقسيم فلسطين رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 أيار عام 1947م، والوسيط الدّولي الكونت فولك برنادوت عام 1948م. وقد اعتبر الفلسطينيون قبول هذه المشاريع خيانة لن تغتفر أبداً، وإعطاء المستعمرين اليهود حقوقاً ليست لهم.

وفي 22/9/1948م، تم الإعلان عن حكومة عموم فلسطين، وتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، من الأحزاب والشخصيات والهيئات التمثيلية. وأعلن في اجتماعه الأول في مدينة غزة بتاريخ 30/9/1948م استقلال فلسطين الكامل، وإقامة دولة حرة ديمقراطية يتمتع سكانها بحقوق متساوية.

وفي 7/12/1948م، ضم الأردن الضفة الغربية واستبدل اسم مملكة شرق الأردن الرسمي بالمملكة الأردنية الهاشمية.

لم يكتب لمشاريع الدولة خلال هذه الفترة النجاح بسبب ضعف الحركة الوطنية الفلسطينية واختلال موازين القوى لصالح الحركة الصهيونية، إضافة إلى عجز النظام العربي الرسمي وضعفه.

 الفصل الأول

استعرض الباحث في الفصل الأول من دراسته “مشروع الدولة الديمقراطية في الفترة ما بين 1968–1971م”، واصفاً المرحلة التي عاشتها الحركة الوطنية الفلسطينية بين عامي 1964–1968 بفترة التوافق الوطني على هدف التحرير الكامل لأرض فلسطين التاريخية وعلى الكفاح المسلح لتحقيق ذلك.

أظهرت هزيمة حزيران عام 1967م عجز النظام الرسمي العربي ومحدودية إمكانيات الثورة والشعب الفلسطيني في تحرير كامل تراب أرضه عسكريّاً. وعززت القراءة الدقيقة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 الصادر في تشرين الثاني عام 1947م ومجلس الأمن رقم 242 الصادر في حزيران عام 1967م، الحاجة إلى دراسة جادة لأساليب التعامل مع الرؤية الدولية للقضية الفلسطينية، ما أدى إلى ظهور فكرة الدولة الديمقراطية في فلسطين التي يعيش فيها العرب واليهود على حد سواء.

وأدى قبول عدد من الدول العربية لمشروع وليم روجرز وزير الخارجية الأميركي الذي طرح في 25 حزيران عام 1970م، وأحداث أيلول في العام نفسه بين فصائل الثورة الفلسطينية والأردن، وتعزيز حركة فتح لسيطرتها على مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، الذي توج بقرار المجلس الوطني الخامس المنعقد في القاهرة في الأول من شباط عام 1969م انتخاب ياسر عرفات رئيساً للمنظمة وقائداً عامّاً لقوات الثورة الفلسطينية؛ إلى طرح فكرة إقامة كيان فلسطيني ديمقراطي يتعايش فيه جميع المواطنين بحقوق وواجبات متساوية، وهو ما تبلور بشكل واضح في المؤتمر الثامن الذي عقد في القاهرة في الفترة ما بين 28/2-5/3/1973م، والذي أكد أن دولة المستقبل الديمقراطية “يتمتع الراغبون في العيش بسلام فيها بالحقوق والواجبات نفسها ضمن إطار مطامح الأمة العربية في التحرر القومي والوحدة الشاملة”.

وأكدت حركة فتح وحدة أرض فلسطين التاريخية وعمقها العربي، ودعت إلى إقامة سلطة واحدة يعيش فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون على قدم المساواة بالحقوق والواجبات. وأجلت الحديث عن أشكال السلطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وطبيعة نظام الحكم، إلى ما بعد فترة التحرير، ونفت أن تكون الدولة المقترحة ثنائية القومية أو متعددة الأديان، بل هي موحدة لا يوجد فيها أي تمييز عنصري أو عرقي أو طائفي. وأعطت حركة فتح بصفتها تنظيماً وطنيّاً مفتوحاً للجميع، الشكل العلماني للدولة، وإن ظل التردد أو الخجل الفكري واضحاً في أطروحاتها هذه بسبب الخلفية الدينية لغالبية أبناء الشعب الفلسطيني.

وقد رفضت الفصائل المختلفة: الجبهات الشعبية والديمقراطية العربية والشعبية لتحرير فلسطين/ القيادة العامة وطلائع حزب التحرير الشعبية (القيادة العامة)، فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية، واعتبرتها تكريساً للتجزئة والقطرية وإخلالاً بمشروع الدولة العربية الوحدوية. ودعت جميعها إلى مواصلة الكفاح لإقامة مجتمع اشتراكي عربي موحد.

واعتبرت مصر والأردن هذا الطرح دعوة إقليمية بحتة، ورأت فيه إسرائيل فكرة لتدمير كيانها السياسي، وعدته أميركا وأوروبا إلغاءً للقانون الدولي.

وأدى تعارض مشروع الدولة الفلسطينية مع الأسس والمصالح الدولية، وقوة موازين القوى لصالح إسرائيل وحلفائها، واعتماده على خطط غير قابلة للنجاح، إلى سقوطه وفشله في تحقيق أهدافه.

 الفصل الثاني

تناول الباحث في الفصل الثاني “مشاريع الدولة الفلسطينية على جزء من أرض فلسطين في الفترة الممتدة من 1967-1988م”.

حطمت هزيمة حزيران (يونيو) عام 1967 آمال الفلسطينيين في تحرير كامل تراب وطنهم. وقدمت مجموعة من الشخصيات المقيمة داخل الأراضي المحتلة مشاريع خاصة لإقامة دولة فلسطينية في الأراضي التي خصصت لها في قرار التقسيم، أو تلك التي تشكل الضفة الغربية. واستبعدت أي دور لـ م.ت.ف، واعترفت صراحة أو ضمناً بدولة إسرائيل، مثل مشاريع: حمدي التاجي الفاروقي، وعزيز شحادة، ومحمد علي الجعبري، ومحمد شلباية، وموسى العلمي. وقد فشلت جميعها بسب هامشية الأدوار السياسية لأصحابها، ومعارضتها لمواقف م.ت.ف، وتناغمها مع الرؤى السياسية لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.

بعد انتصار حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973م ودعوة مجلس الأمن في قراره 338 لمفاوضات سلمية في المنطقة، إلى طرح اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف في أوائل عام 1974م والمجلس الوطني الفلسطيني في دورته الثانية عشرة التي عقدت بالقاهرة في حزيران (يونيو) 1974م لمشروع إقامة سلطة الشعب الوطنية على أية أرض فلسطينية تحرر، دون المساس بحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية وشرعية أشكال نضاله. وقد أثار هذا المشروع خلافات وانقسامات حادة في جسد الحركة الوطنية الفلسطينية، طالت مؤسسات م.ت.ف. وشكلت الفصائل الفلسطينية، باستثناء حركة فتح، والجبهة الديمقراطية والصاعقة، جبهة رفض معارضة له. ورأت إسرائيل في المشروع إبادة لإسرائيل، وعارضته الولايات المتحدة الأميركية، وأيده الاتحاد السوفييتي.

اعترفت الدول العربية في حزيران (يونيو) عام 1974م بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعيّاً وحيداً، وقبلت الجامعة العربية في 9 أيلول (سبتمبر) عام 1976م بفلسطين عضواً كامل العضوية، من أجل أن تتحمل المنظمة مسؤولية الموافقة على أية حلول سلمية مقبلة.

وأدى خروج م.ت.ف من لبنان عام 1982م، وطرح مبادرة الرئيس الأميركي رونالد ريغان في العام نفسه لحل المشكلة الفلسطينية، وتبني القمة العربية في فاس عام 1982م لمشروع السلام العربي، واعتماد الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف عام 1985م سياسة الوفاق الدولي والحل السلمي للنزاعات الدولية، وقرار الأردن عام 1988م فك الارتباط مع الضفة الغربية، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية في أواخر عام 1987م؛ إلى قبول م.ت.ف بإستراتيجية جديدة تقوم على المفاوضات السلمية هدفاً للحصول على الحقوق السياسية والطبيعية والشرعية للشعب الفلسطيني.

وأقر المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة “دورة الانتفاضة” بتاريخ 15 تشرين الثاني عام 1988م وثيقة الاستقلال، التي حددت ملامح الدولة الفلسطينية الملتزمة بالديمقراطية التعددية والتعايش السلمي والقرارات والمواثيق الدولية. واعترف بقرار تقسيم فلسطين الصادر عن الجمعية العامة رقم 181 لعام 1947م، ودعا إلى الاعتراف بقراري مجلس الأمن 242 و338 وانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967م بما فيها القدس وحل قضية اللاجئين وفق قرارات الأمم المتحدة الخاصة. وقد اعتمدت القمة العربية المنعقدة في الدار البيضاء في نهاية أيار عام 1989م مجتمعة المبادرة السياسية الفلسطينية، واعترفت 102 دولة في العالم بدولة فلسطين، وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 كانون الأول (ديسمبر) عام 1988م قرارين مهمين: دعت في أولهما إلى عقد مؤتمر دولي للسلام بمشاركة م.ت.ف، واعترفت في ثانيهما بإعلان دولة فلسطين.

وطرحت عدة شخصيات عربية مشاريع فردية ورسمية لحل القضية الفلسطينية وإقامة دولة فلسطينية في الأراضي التي خصصها لها قرار التقسيم رقم 181، وإقامة اتحاد مع الأردن، وإتمام المصالحة مع إسرائيل، مثل مشاريع وأفكار الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في الأعوام 1965م و1973م و1982م ومشروع الصحفي المصري أحمد بهاء الدين عام 1967م، والرئيس المصري أنور السادات عامي 1972م و1976م.

ويعتبر مشروع الملك فهد للسلام، المقر من قبل القمة العربية التي انعقدت في فاس في الفترة ما بين 6–9 أيلول (سبتمبر) عام 1982م، من أهم التطورات السلمية في العمق العربي، حيث دعا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967م، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى ديارهم، وحق دول المنطقة في العيش بسلام في حدود آمنة.

الفصل الثالث  

ناقش الباحث في الفصل الثالث “مشاريع الحكم الذاتي 1967م–1993م”.

سعت إسرائيل بعد احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م إلى إيجاد شكل سلطوي خدماتي يدير المصالح الحياتية للسكان العرب، تتولى دولة الاحتلال فيه السيادة السياسية والأمنية والاقتصادية والتشريعية على الأرض، وتعمل على التخلص من الكثافة السكانية العربية من خلال تهجيرها أو الاستعاضة عنها بكثافة سكانية يهودية.

وشكلت لذلك عام 1980م روابط القرى من زعامات وأفراد معارضين لـ م.ت.ف، وأوجدت هياكل مدنية وعسكرية إسرائيلية داعمة لها. وقد رفض الفلسطينيون هذه الروابط وقاوموها بكل الوسائل الممكنة، وأسقطوها والتفوا حول ممثلهم ومشروعهم الوطني.

وقد وقعت اتفاقية كامب ديفيد في 17/9/1978م بين مصر وإسرائيل، ونصت على إقامة حكم ذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة 3 سنوات، وإجراء انتخابات لاختيار ممثلين عن السكان، ومفاوضات بين الأردن ومصر وإسرائيل والفلسطينيين، للاتفاق على المسؤوليات الإدارية والأمنية للسلطة المقترحة، وانتخاب مجلس تمثيلي للسكان يدير المناطق لمدة 5 سنوات، وإجراء مفاوضات حول الوضع النهائي في الأراضي المحتلة والعلاقات مع دول الجوار والوصول إلى معاهدات سلام معها. ولم تتطرق الاتفاقية لقضايا الحدود والسيادة والأرض والاستيطان والمياه واللاجئين والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وحق العودة وشرعية ومكانة وتمثيل م.ت.ف.

ورفضت م.ت.ف بمختلف فصائلها، والعالم العربي، كامب ديفيد، وقطع الجميع علاقته مع مصر، التزاماً بقرارات القمة العربية المنعقدة في بغداد في الفترة الواقعة بين 2-5 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1978م.

وعقد مؤتمر مدريد في 3 تشرين الثاني عام 1991م برعاية أميركية سوفييتية وحضور أوروبي وعربي شامل باستثناء ليبيا والعراق والسودان، ومشاركة فلسطينية عبر وفد مشترك مع الأردن. ولعل خسائر إسرائيل البشرية والاقتصادية جراء الانتفاضة الأولى، والضعف المالي والسياسي لـ م.ت.ف، واندلاع حرب الخليج الثانية عام 1991م، وانهيار المنظومة الاشتراكية الداعمة للفلسطينيين؛ كانت وراء هذا المنعطف السياسي المهم.

وبسبب جمود المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية الرسمية في واشنطن، التي دامت عامين، نجحت النرويج في إتمام مفاوضات مماثلة في عاصمتها أوسلو، واعترف الطرفان بتاريخ 9/9/1993م ببعض، ووقعا في واشنطن إعلان المبادئ بينهما بتاريخ 13/9/1993م.

ونص اتفاق أوسلو على إقامة سلطة حكم ذاتي مرحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة خمس سنوات، وانتخاب مجلس فلسطيني يديرها، وتشكيل مؤسسات شرطية مماثلة تحفظ نظامها وأمنها. ويبدأ تطبيق النموذج المقترح في غزة وأريحا أولاً، وتتولى إسرائيل إدارة القضايا الأمنية الخارجية، والإشراف على “التشريعية”، والدفاع عن الإسرائيليين، وتنبذ م.ت.ف الإرهاب وتمنع الكفاح المسلح ضد إسرائيل، وأجلت الاتفاقية قضايا الاستيطان والمياه والقدس والحدود إلى وقت لاحق.

شكل المجلس المركزي الفلسطيني في دورته المنعقدة بين 10-12 تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1993م السلطة الوطنية الفلسطينية، وألغى المجلس الوطني الفلسطيني في دورته اللاحقة المواد الموجودة في الميثاق الوطني الفلسطيني، التي تتعارض مع اتفاقية أوسلو.

ونظر المؤيدون لاتفاقية أوسلو على أنها تتضمن اعترافاً إسرائيليّاً بالشعب الفلسطيني وممثلته م.ت.ف وإطاره ومؤسساته المدنية والسياسية السلطوية التي ستقام على جزء من أرض فلسطين. ورأى المعارضون أنها تجسد نموذج الحكم الذاتي فقط بتكلفة مالية فلسطينية. وبأنها اعترفت بـ م.ت.ف وليس بشعبها، وأعطت إسرائيل مجالاً لتحقق وتكمل مشروعها الاستيطاني التاريخي، وأدخلت الطرف الفلسطيني في حلقات للتوقيع على تفسيرات وتوضيحات متفق عليها مثل: غزة– أريحا عام 1994م، وطابا عام 1995م، والانتشار في الخليل عام 1997م، وواي ريفر عام 1998م.

الفصل الرابع

تناول الباحث في الفصل الرابع والأخير “مشاريع الدول الاتحادية مع الأردن 1972-1985م”.

في محاولة من الأردن لاستعادة السيادة الأردنية على الضفة الغربية، واكتساب دور تمثيلي عند الشعب الفلسطيني، والخروج من العزلة السياسية التي أحاطت به بعد أحداث أيلول عام 1970م، ورغبة منه في تثبيت الكيان الأردني والتوصل لاتفاق سلام مع إسرائيل يجنبه فكرة الوطن البديل التي يطرحها اليمين الصهيوني المتطرف؛ طرح الملك حسين بن طلال بتاريخ 15/3/1972م مشروع الدولة الاتحادية مع الأردن، الذي يتضمن إقامة مملكة عربية متحدة بزعامته، تتألف من القطرين الأردني والفلسطيني، عاصمتها المركزية عمان، والقدس عاصمة فلسطين، وتناط بالملك السلطات التنفيذية والتشريعية والعسكرية والقضائية، ويترأس مجلس وزراء مركزيّاً ومجلس أمة منتخباً، ولكل قطر حاكم ومجالس وزراء وشعب ومحاكم قضائية خاصة تتبع الاتحاد العام.

اعتبرت م.ت.ف المشروع مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية وحرفاً للنضال الفلسطيني عن أهدافه، ومقدمة للحلول المنفردة مع إسرائيل. وأعلنت اللجنة التنفيذية في آذار (مارس) عام 1972م، والمجلس الوطني الفلسطيني في جلسة استثنائية عقدت بتاريخ 6/4/1972م بالقاهرة، رفضهما للمشروع جملة وتفصيلاً، وعارضته القيادات المحلية داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، ورفضته إسرائيل، ودعت الأردن إلى التمسك بنموذج التقاسم الوظيفي في الأراضي المحتلة المتفق عليه سابقاً بينهما.

وأدى اعتراف مؤتمر القمة العربية السابع في الرباط عام 1974م إلى ترسيخ الدور التمثيلي لـ م.ت.ف عند الشعب الفلسطيني. ودفع التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد عام 1978م، وخروج م.ت.ف من لبنان عام 1982م، وإعلان مبادرة الرئيس رونالد ريغان في العام نفسه، ومشروع الأمير فهد الذي أصبح يسمى “مشروع السلام العربي” عام 1982م أيضاً؛ إلى تقارب مواقف الأردن مع م.ت.ف.

وفي آذار (مارس) عام 1983م، اتفق الأردن وم.ت.ف على مشروع إقامة دولة كونفدرالية أردنية– فلسطينية، يحافظ كل طرف فيه على هويته الوطنية. وقد رفضته اللجنة التنفيذية في اجتماعها بتاريخ 5-8 نيسان (أبريل) عام 1983م، ثم أعيدت العلاقات الثنائية بين الطرفين، وتوجت بالتوقيع على اتفاق عمان بتاريخ 11/2/1985، الذي تضمن الموافقة على شروط تسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي ضمن كونفدرالية مع الأردن، وعقد مؤتمر دولي تحضره الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وم.ت.ف ضمن وفد أردني.

ورفضت فصائل م.ت.ف المختلفة المشروع، وشكلت جميعها جبهة الإنقاذ الوطنية لإسقاطه، وعارضته إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية بسبب التمثيل الفلسطيني، وألغت م.ت.ف بتاريخ 2/4/1987م الاتفاق، بسبب إقرار الأردن لخطة تنموية اقتصادية تنفذ بالتعاون مع إسرائيل في الضفة الغربية. وبسبب الانتفاضة الفلسطينية عام 1987م، أعلن الأردن في 31/7/1988م فك العلاقة القانونية والإدارية بين الضفتين، وتحملت م.ت.ف فوراً المسؤولية المترتبة على ذلك.

وأعلن المجلس الوطني الفلسطيني بتاريخ 15/11/1988م وفي دورته التاسعة عشرة المنعقدة في الجزائر، استقلال دولة فلسطين، والتوجه السلمي لتسوية القضية الفلسطينية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وربط العلاقة مع الأردن بالكونفدرالية التي ستقام بين دولتين هما الأردن وفلسطين.

 

للتحميل اضغط هنا