عنوان الكتاب: “التدين في مناهج وكتب التعليم في إسرائيل”.

المؤلف: جوني منصور.

الناشر: المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات “مسارات” (2018).

عدد الصفحات: 76 صفحة، مقسم إلى 14 فصلاً.

 عبد الغني سلامة

 مقدمة

في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل (ومعها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية) حملتها التحريضية ضد مناهج التعليم في السلطة الوطنية الفلسطينية، متهمة إياها بالتحريض على الكراهية والتعصب والتشدد الديني، يأتي كتاب جوني منصور، المؤرخ الفلسطيني، من حيفا، “التدين في مناهج وكتب التعليم في إسرائيل”، ليكشف أن هذه الاتهامات تنطبق تماماً على مناهج التعليم في إسرائيل. ويتتبع الكتاب تحولات في المناهج الدراسية الإسرائيلية، وفي التعليم الإسرائيلي بشكل عام، خصوصاً في عهد الحكومات التي ترأسها بنيامين نتنياهو، منذ عودته لقيادة الحكومة في العام 2009.

يستعرض الكتاب طبيعة الصراع القائم والمحتدم داخل المجتمع الإسرائيلي، بين العلمانيين والمتدينين، وتخوف أوساط عديدة من داخل المجتمع الإسرائيلي من المضامين الجديدة في كتب التعليم ذات التوجه الديني اليميني، ويبين أن هذا التوجه يأتي تعبيراً عن تنامي قوة اليمين المتطرف في إسرائيل، ونزوع المجتمع نحو تدين أكثر وأشد تعصباً، خاصة في العقد الأخير.

لا شك أن سؤال العلمانية والدين هو موضوع إشكالي في السياسة الإسرائيلية منذ بدايات الحركة الصهيونية، فقد سعت هذه الحركة، منذ القرن التاسع عشر، لإحاطة نفسها بالمظهر الديني، إلا أن بُناة الكيان الإسرائيلي الأوائل كانوا في معظمهم من العلمانيين، والقوميين، ومع ذلك، فإن الصهيونية، ومنذ ذلك الوقت المبكر، لم تفصل بين الانتماءين الديني والقومي، فبرزت مشكلة الصراع بين العلمانيين والمتدينين، فالصهيونية سعت بدايةً لدمج الديني بالقومي، أي المزج بين الأساس والجوهر الديني، والدعوة ذات المنزع القومي والمظهر العلماني، وصهرها معاً في إطار دولة وخلق أمة، وهذا يتنافى مع تعريف الأمة الحديثة.

لذلك، ظهرت معالم أزمة في الحركة الصهيونية، إذ إنها قامت على أسس ودعاوى دينية، منطلقة من شعارات وأساطير ميثولوجية: الأرض الموعودة، وشعب الله المختار، والحق الديني والتاريخي. بل إن اليهودية قامت أساساً على تصور قبَلي عن الألوهية، تعتقد أن الله خصهم وأعلاهم فوق البشر. أي أن فكرة إسرائيل التي تبناها بداية اليهود العلمانيون، فكرة تستند للدين بشكل أساسي، لذلك، تظل العلمانية الإسرائيلية ناقصة، بسبب تبرير العلمانيين الإسرائيليين لحاجتهم للمعتقدات والشعارات. ولكن هذه الظاهرة ليست جامدة، وهناك تنافس وشدّ وجذب بين العلمانيين والمتدينين، وهناك تيارات عدة داخل المجموعتين، ويساعد كتاب منصور على تتبع النقطة التي وصلت إليها العلاقة بينهما.

الصهيونية بالأساس هي إسباغ الأسطورة الدينية بمفاهيم قومية أوروبية، لكن هذا الكتاب يوضّح أن المجتمع الإسرائيلي، يبتعد عن الأفكار التي أرادها مؤسسو هذه الدولة. فلقد أراد المؤسسون الأوائل إسرائيل دولة يهودية، على ألا تكون علمانية بشكل كلي، بل أن تكون ليبرالية ولكن مرتبطة بالموروث الثقافي اليهودي، بحيث تكون التوراة بمثابة صكّ ملكية الشعب اليهودي لأرض إسرائيل، ومن ثم تطوير علاقة بين الأسطرة اليهودية والعلمنة الإسرائيلية، ص23. وبالتالي، ليس هناك فصل واضح بين الدين والدولة في إسرائيل. ولكن ما يحدث الآن، بحسب منصور، هو تعزيز “الســلفية الدينيــة اليهوديــة”، التي تتعزز وتتغلغل في أروقــة جهــاز التعليــم في إسرائيــل، وهي، بحسب الكاتب أيضاً، “لا تقــل خطــورة عــن أي ســلفية دينيــة في المنطقــة وفي العــالم”، ص76.

يعتمد الكاتب على مراجعة دراسات إسرائيلية، خصوصاً تلك التي قام بها علمانيون إسرائيليون لمناهج وللمؤسسات التعليمية، بمعنى أنّ الكتاب لا يتضمن في منهجيته مراجعة مباشرة للنصوص التعليمية، بل يعتمد على دراسات سابقة. ولكن رغم هذه المنهجية غير المباشرة، فإنّ للكتاب قيمة مهمة، فهو يساعد في الإجابة عن سؤال يبرز دائماً، كلما أثيرت الاتهامات الإسرائيلية والأميركية لمناهج التعليم العربية والفلسطينية، وهذا السؤال هو: ماذا عن مناهج التعليم الإسرائيلية؟ ما هو مضمونها؟ وما هو نوع المجتمع والإنسان الذي تنتجه؟

بعد تأسيس إسرائيل، ظلت النخب العلمانية الحاكمة حريصة على عدم الصدام مع المتدينين، بل وعملت على استيعاب الجماعات الدينية داخل المجتمع الإسرائيلي، وكان يحركها سعيها إلى إعادة تعريف الهوية الجماعية لليهود تعريفاً يتطابق مع هوية إسرائيل، بحيث يخلط هذا التعريف بين المكونات الدينية والمكونات الوطنية. بيد أن التيار المتدين اليميني بعد حرب حزيران اتخذ خطّاً تصاعديّاً، وما زال متصاعداً إلى الآن، كما يثبت هذا الكتاب، لدرجة إقصاء اليسار والعلمانيين جانباً.

بالنظر إلى مكونات المشهد الداخلي الإسرائيلي خلال العامين الأخيرين 2017-2018، يتضح أنه يسير باتجاه إعادة تشكيل وجه إسرائيل نحو اليمينية ذات النزعة القومية الدينية العنصرية، ونحو ترسيخ القيم اليهودية الدينية وتعميمها في ثقافة المجتمع، ونحو مزيد من التغلغل الديني في مؤسسات الدولة والمجتمع والجيش والقضاء، متجاوزاً بذلك -وربما لاغياً- الطبيعة، أو المظهر العلماني الذي طالما اتسمت به إسرائيل.

وبتحليل أولي وسريع للمجتمع اليهودي الإسرائيلي، يمكن القول إنه يتكون من أربع فئات: الحريديم، وتترجم أحياناً باليهود الأرثوذكس (وهم غير صهيونيين)، والمتدينون الصهاينة، والمحافظون (التقليديون)، والعلمانيون. وهناك حالة من التصدع بين هذه الفئات، أهمها النزاع بين العلمانيين الليبراليين من جهة، والفئات المتدينة من جهة ثانية، مدعومة من الحكومة.

في السنوات العشر الأخيرة، شهدت إسرائيل مزيداً من الانزياح نحو التدين. وتساهم سياسات الحكومة من بين عوامل أخرى بهذا الأمر، خصوصاً مع نجاح الجماعات المتدينة في التغلغل في مؤسسات الدولة والمجتمع، حيث اهتمت بشكل خاص بوزارتين، تحاول من خلالهما تثبيت هذه التغيرات؛ الوزارة الأولى هي وزارة المعارف، لما تمثله من دور كبير في التنشئة الاجتماعية، والوزارة الثانية هي وزارة العدل، المسؤولة عن المحاكم.

التدين والعلمانية في جهاز التعليم

في مقدمة الكتاب، يقدم منصور شواهد عن تغلغل اليمين المتدين في وزارة المعارف، ودعم الحكومة لها، فمثلاً، ازدادت نسبة التحويلات المخصصة لدعم الأنشطة الدينية في المدارس، وتم تخصيص ميزانيات كبيرة لمؤسسات تعليمية دينية خاصة، ولتمويل نشاطات دينية في المدارس الرسمية بلغت 210 ملايين شيقل (نحو 42 مليون دولار) في العام 2016. كما أن كتب التعليم تتعرض لمزيد من تغلغل مكونات ومركبات ومواضيع دينية، بما في ذلك الكتب العلمية، ص7.

في الفصل الثاني، يقدم الكاتب شرحاً موجزاً عن التصدعات والاستقطابات الحاصلة في جهاز التعليم بين التيارين الديني والعلماني. وإذ يُسلّط الكتاب الضوء على النزاعات الراهنة، فإنّ دراسة أخرى أكثر شمولية، ربما يجب أن تستعرض تاريخ تطورات النزاع بن التيارين خلال الحقب المتوالية بعد نشوء إسرائيل، لا سيما أن وزراء كثراً، ومن تيارات مختلفة، تولوا حقيبة المعارف، من بينهم شلوميت ألوني، زعيمة ميرتس اليسارية، عام 1992 في حكومة رابين، ويوسي سريد، اليساري أيضاً، الذي تولى الوزارة عامي 1999- 2000.

يعطي الكاتب ملاحظات سريعة عن طبيعة المناهج في الفترات السابقة، فيقول إنّ مؤسسي الدولة، والذين وضعوا المقررات والمناهج، كانوا متأثرين بأفكار التنوير والانفتاح على المفاهيم العلمانية المعاصرة التي سادت أوروبا في نهايات القرن التاسع عشر، متحررين من اليهودية المتزمتة والقيود التوراتية الصارمة، لذلك، أقام مؤسسو الدولة جهاز تربية وتعليم وفقاً لأسس أوروبية حداثوية، آخذين بعين الاعتبار الموروث الثقافي الديني، وليس العقائدي الديني. لكن هذا تغير منذ صعود اليمين الديني، فمثلاً، يعتقد وزير المعارف الحالي، عند إعداد الكتاب، نفتالي بينيت، أن التعليم الروحي الديني أهم من التعليم العلمي، ص19.

يستشهد الكاتب بعريضة موقعة من المنتدى العلماني في آب 2017، جاء فيها: “نحن نؤمن بحق كل شخص في التدين، تماماً مثل حق أي شخص باعتناق العلمانية، ونرفض الإكراه في الدين، الذي يظهر مثلاً في ميزانيات التعليم، التي تقوم بعملية غسل دماغ للطلبة، خدمة لأجندة وزير المعارف نفتالي بينيت وحكومة اليمين، من خلال إظهار عربة العلمانية بأنها فارغة، والمضي قدماً نحو تحويل الشعب إلى متدين وقومي ومتطرف جدّاً”، ص17.

جهاز التعليم في إسرائيل

يستعرض الكاتب بعض الحقائق والمعلومات عن جهاز التربية والتعليم في إسرائيل، فيقول:

– التعليم في إسرائيل إلزامي من سن 3-18 سنة.

– جهاز التعليم في إسرائيل ليس حياديّاً، وليس حرّاً، ولا ديمقراطيّاً، بل هو موجه، ويخضع في أدق تفاصيله لرقابة الدولة الصارمة.

– تقسم المراحل التعليمية إلى ثلاثة مستويات: ما قبل الابتدائية من سن 3-5 سنوات، والمرحلة الابتدائية من سن 6-13 سنة، والإعدادية والثانوية من سن 14-18 سنة.

– من حيث الملكية القانونية للمدارس، فهي نوعان: التعليم الرسمي الذي تديره الدولة والسلطات المحلية، والتعليم غير الرسمي الذي تديره مؤسسات دينية (يهودية ومسيحية وإسلامية) معترف بها.

– يقسم جهاز التعليم من الناحية التعليمية والتربوية إلى: جهاز رسمي يدار من قبل الدولة، وهو في طبيعته علماني إلى حد ما، وجهاز رسمي متدين، مستقل، مؤلف من مؤسسات دينية صهيونية، ويدار أيضاً من قبل الدولة، إضافة لمدارس القطاع الخاص.

– الجهاز التعليمي العربي مستقل إلى حد ما، لكنه يخضع لإشراف الدولة، من خلال الوزارة.

– هناك أجهزة تعليمية خاصة بالدروز، وأخرى خاصة بالشركس، وأخرى خاصة بالبدو.

– جميع المؤسسات التعليمية تخضع لتفتيش رسمي من قبل وزارة المعارف، ص26.

ويؤكد الباحث أن تراجع التيار العلماني في إسرائيل لصالح التيار اليميني المتدين قد انعكس بالضرورة على جهاز التعليم؛ ففي ظل حكومات نتنياهو، منذ 2009، تعاقب ثلاثة وزراء على جهاز التعليم من التيار الديني اليميني، وهم: جدعون صاعار، وشاي بيرون، والحالي نفتالي بينيت، زعيم حزب البيت اليهودي اليميني الصهيوني.

ومع أن تعليم التوراة مادة أساسية في كل المراحل التعليمية، إلا أنه في عهد هؤلاء، كما يوضح منصور، تم إقحام المزيد من المركبات الدينية بتنويعاتها المختلفة، في جميع الكتب تقريباً، بما فيها الكتب العلمية، فضلاً عن الأنشطة ذات الطابع الديني، التي تعزز القيم اليمينية لدى النشء الجديد. وإزاء هذا الواقع الجديد، برزت مبادرات عديدة من قبل علمانيين للدفاع عن التعليم العلماني، والدعوة للتمسك بالتوازن الذي ظل قائماً في جهاز التعليم. منها “منتدى العلمانيين” الذي تشكل في تل أبيب عام 2015. ويطالب هذا المنتدى، كما يشير منصور، إلى أن يكون التعليم على أسس ليبرالية تحترم التعددية والإنسانية، وأن يكون تعليم اليهودية على أساس ثقافي وليس دينيّاً.

ويشير الكاتب إلى أن أنظمة تغيير الكتب والمناهج تخضع لقرارات وزارة المعارف ولجنة التعليم البرلمانية، التي تجيز ذلك كل خمس سنوات، وفقاً لمعايير مهنية معينة، إلا أن توجيهات الوزير بهذا الشأن تؤخذ بعين الاعتبار.

وتمر الكتب التعليمية في إسرائيل بمراحل تدقيق مشددة قبل إجازتها، وتسعى الدولة لجعل هذه الكتب وسيلة لبناء الهوية الإسرائيلية، ثقافيّاً ودينيّاً، وتكوين ذاكرة جمعية من خلالها، وجعلها عاملاً رئيسيّاً في الربط بين الحاضر والموروث الثقافي والديني، وأداة توجيه فكري وأيديولوجي ديني، فمثلاً، في كتب التاريخ والجغرافيا والمدنيات، لا يسمح بإدخال مضامين أو أسماء لا تتوافق مع الفكر الصهيوني، القائم على ترسيخ يهودية الدولة، ويسمح فقط بكل ما يتوافق مع الرواية اليهودية التوراتية، على نحو ينكر الوجود الفلسطيني، ويخرجه من الذاكرة ومن التاريخ، وحتى من الجغرافيا، حيث تتعمد الكتب المقررة عدم ذكر كلمة “فلسطين”، أو “فلسطينيين”، بل تكتفي بالإشارة إليهم بكلمة “الأعداء”، ص32.

ويلعب البعد السياسي دوراً مركزيّاً في هذا الشأن، وهناك علاقة وثيقة بين ما يجري في الحلبة السياسية الحزبية، وما يجري في غرف إعداد الكتب، حيث صارت هذه الكتب، تتضمن رسائل مباشرة وأخرى ضمنية، تضم تطلعات ورؤى الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي، بما يخدم توجهاتها.

ويشير المنتدى العلماني إلى أربعة محاور تعتمد عليها الحكومة في تعزيز التدين واليمينية في المناهج، الأول: تغيير مواضيع النواة (أي المركز في التعليم في المدارس الرسمية، لتشمل موضوع تراث إسرائيل). الثاني: تدين بطيء غير ملموس، أي خفي من خلال الكتب التعليمية. الثالث: إدخال جمعيات دينية للمدارس من باب تقديم فعالية لإحياء التراث اليهودي. الرابع: ممارسة طقوس دينية في حضانات الأطفال والمدارس الابتدائية، ص36.

شواهد من المنهاج

في إطار نشاط منتدى العلمانيين، تمت مراجعة أكثر من 600 نص من 80 كتاباً من الكتب التعليمية المقررة من الصف الأول الابتدائي حتى الثالث الثانوي، فظهرت في ثلثها تلميحات وإشارات دينية وصلوات وممارسات لطقوس دينية وأناشيد ونصوص توراتية وشروحات عن الأعياد اليهودية، ص38.

وإضافة للنصوص الواضحة، هنالك أيضاً الخرائط التي تتبنى الرواية التوراتية، بما في ذلك أسماء المدن والمستوطنات، والرسومات التي تتضمن رسائل مشفرة موجهة، مثل “اليهودي الطيب”، و”الغريب السيئ الشرير” (الغريب دائماً هو الفلسطينيون والعرب، بل وكل العالم غير اليهودي)، فضلاً عما يقوم به المعلمون (من خارج المنهاج) بالتذكير بالوصايا اليهودية، وحرمة السبت، وتنميط صورة العربي، وإظهاره دوماً شريراً وعدوّاً ومتخلفاً.

وللدلالة على تزايد الإقحامات الدينية على المنهاج، يذكر الباحث على سبيل المثال أن أسئلة التاريخ في التسعينيات كانت تتساوى بين تاريخ شعب إسرائيل والتاريخ العام، بينما اليوم تتفوق أسئلة تاريخ الشعب الإسرائيلي بكثير على باقي الأسئلة.

وفي مجال الأدب، تكثر القصص التوراتية التي تتغنى بأمجاد وبطولات اليهود، وأيضاً يرد في المناهج أنه لا حق للزوجة في الميراث (وفقاً للتلمود) إذا كان لها إخوة، وكذلك لا تقبل شهادة المرأة أمام القضاء. هذا في دولة تدعي الديمقراطية، ص41.

وكمثال على التربية الدينية التي تتعارض مع العلم والمنطق، وفيها تنميط لصورة العربي، جاءت في كتاب للصف الثالث الابتدائي قطعة تتحدث عن حرمة السبت: “السبت يحافظ على اليهودي، طالما حافظ اليهودي على السبت”، “شخص اسمه سليمان هرب من أعداء عرب، وأثناء هربه، كان عليه الاختيار بين أن يهرب ويخالف السبت، وبين أن يبقى ويحافظ على حرمة السبت. كان قرار سليمان صائباً؛ إذ اختار الحفاظ على السبت وتعريض حياته للخطر، بينما خالف أصدقاؤه السبت ولاذوا بالفرار فقتلوا، بينما سليمان حفظه السبت، وحماه الله”، ص41.

في هذا النص تنميط لصورة العربي بوصفه عدوّاً وقاتلاً، وتغييب للعقل والتفكير الصحيح، فكيف يحفظ السبت حياة إنسان؟

ويؤكد الباحث أن غرس القيم الدينية اليهودية في نفوس الطلبة لا يتم فقط من خلال الكتب المقررة، فهناك أيضاً الأنشطة اللامنهجية، التي تقوم بها منظمات دينية بموافقة الوزارة وبتمويل مباشر منها، ومن الأحزاب الدينية التي تتبعها، وأهم هذه المنظمات “زهوت”، التي تنطوي تحتها 45 جمعية (نصفها يرتبط بحزب البيت اليهودي)، لها 63 مركزاً، موزعة على مختلف المناطق، تنشط في 700 مدرسة و300 روضة أطفال (من المدارس والروضات الرسمية)، أي ما يوازي نصف المدارس المحسوبة على التيار العلماني. والعاملون في هذه الجمعيات لا يخدمون في الجيش، وبدل الخدمة العسكرية، يقومون بهذا النوع من الخدمة، تحت مسمى الخدمة المدنية، ص46.

وتجري أيضاً دعوة الطلبة لتأدية طقوس دينية، خاصة عند بلوغهم سن الثالثة عشرة (سن البلوغ حسب التوراة)، وفي هذه السن، يسمح للطالب أن يحمل التوراة لأول مرة، وأن يشارك في الطقوس الدينية.

ويؤكد الباحث أن سياسة التغلغل في جهاز التعليم، إنما تهدف إلى تعزيز حضور ووجود تيار الصهيونية الدينية، وبالتالي تخدم أهداف حزب البيت اليهودي، والتأثير لاحقاً على الأجندة التعليمية، ليس من أجل جذب الشبان إلى الدين، بقدر ما هو لأغراض سياسية، في مقدمتها تعزيز الاستيطان في الأراضي المحتلة، ص47.

وللدلالة على دور حزب البيت اليهودي، يقول الكاتب إن وزارة المعارف حولت في العام 2015 مبلغ 31 مليون شيقل لجمعيات تدعم التعليم (90% منها لصالح جمعيات دينية يمينية صهيونية، و10% لصالح جمعيات علمانية). بينما في العام 2016، وبأمر من نفتالي بينيت، حولت الوزارة مبلغ 210 مليون شيقل لصالح جمعيات دينية صهيونية، أي سبعة أضعاف المبلغ السابق، وهذا دليل على قدرة حزب البيت اليهودي في تحويل أموال لصالح تنفيذ أجندته الحزبية والأيديولوجية، ص53.

ومع ذلك، فإن الوزارة لا تعترف حتى الآن بوجود ظاهرة التدين في المناهج، وتدعي أن احتجاجات منتدى العلمانيين لها أغراض سياسية.

المحتوى الديني التحريضي في المناهج الإسرائيلية

تتضمن التربية الدينية في المناهج التعليمية تكريس مفاهيم تلمودية تحط من شأن المرأة، وتحرم الاختلاط، وتعزز القيم الذكورية.

والتدين في المناهج يعمل بشكل مدروس على تهيئة الطلبة على الانخراط في الجيش، ومنذ سن مبكرة، من خلال تعظيم قيم الجيش، وتمجيد بطولاته، وتكريم قتلاه، وإعلاء مكانته الدينية، بوصفه جيش الرب، الذي يقاتل أعداء الله.

يُلاحظ في الكتب المقررة، وفي المشاريع والبرامج التعليمية ظاهرة الإثنوقراطية، أي التشجيع على الاعتماد على المصادر اليهودية، وكأنها مركز العالم، وأنها تحمل القيم التي يحتاجها الإنسان دون الاعتماد على القيم العالمية، بمعنى آخر، الادعاء هنا هو تغليب المصادر اليهودية، وأنه لا حاجة للمصادر العالمية، ص59.

ويلاحظ تفضيل الهوية اليهودية على أي هوية أخرى (خاصة داخل إسرائيل)، وهذا نابع من الفكرة التوراتية القائمة على شعار “شعب الله المختار”، وأن غير اليهود هم الأغيار، أو الجوييم الذين خلقهم الله لخدمة اليهود. وأن العالم اليهودي مبني على الأرثوذكسية اليهودية، فالرؤية الوطنية اليهودية الأرثوذكسية هي القوة المحركة للعالم، وتعتمد الكتب في ترسيخ هذه الرؤية على قصص وأساطير من التوراة.

ولا توفر المناهج شرحاً تاريخيّاً أو علميّاً يفسح المجال للطلبة للتساؤل أو للنقاش أو الحوار، حيث تستولي الرؤية الأرثوذكسية على وعي الطلبة وتشكله، وتصيغ سلوكهم اليومي، وفق رؤية عنصرية استعلائية إقصائية.

وتوجه المناهج الإسرائيلية الطلبة على أن القيم اليهودية هي ذاتها القيم الإنسانية، بل إن هذه القيم حكر على اليهودية، أي بدلاً من طرح القيم الأخلاقية بوصفها قيماً إنسانية عالمية، وأن اليهودية تدعو لهذه القيم، يتم الطرح بالعكس، ففي كتب التاريخ مثلاً، الفرس والرومان واليونان أشرار وسيئون، ليس لأنهم قوى إمبريالية، بل لأنهم يفتقدون للقيم اليهودية. وهنا، يفهم الطالب أن القيم الأخلاقية مستمدة من التوراة فقط، وأن الآخرين بلا أخلاق، لأنهم ليسوا يهوداً.

وتمهد المناهج الدينية عقول الطلبة للتسليم بالخرافات الدينية، فمثلاً “التوراة تنبأت بالمحرقة”، وفي كتاب الجغرافيا للصف السادس، “الأمطار تنهمر في اليوم الثامن من أيام عيد المظلة”، وليس بسبب العوامل الجوية. وفي كتاب المهارات الحياتية للصف الثالث، في موضوع الحذر على الطرق، يتحدث الكتاب عن صلاة السفر.

وفي كتاب الكيمياء للصف الحادي عشر، تم تشبيه الزواج اليهودي باتحاد الجزيئات: “عندما يكون في الغرفة ثلاث عرائس (هيدروجين)، وعريس واحد (زوج إلكترون دون ترابط)، يمكن أن يحدث زواج يهودي حسب الشريعة”.

وفي كتاب الثقافة للصف السابع، يتجاهل النص كون قاتل رابين متديناً، وأنه قام بفعلته بدوافع دينية متزمتة، مستنداً إلى نصوص توراتية، وبتحريض من رجال دين. والقصد هنا التخفيف من خلفيات القاتل، وتلميع صفحته، وبالتالي تبرئة التيارات الدينية المتشددة.

الخلاصة

ركز الكتاب بشكل أساسي على مناهج التعليم باللغة العبرية، في المدارس الرسمية. واعتمد بشكل كبير على مراجعات منتدى العلمانيين وملاحظاتهم، وهي بشكل عام، من وجهة نظر يهودية علمانية، وهذا لا يقلل من شأنها، ولكننا بحاجة لتسليط الضوء أكثر على التوصيفات والجمل الدينية التي تحرض على العرب والفلسطينيين.

ولاستكمال البحث، هناك حاجة لدراسة متخصصة تتناول المناهج في المدارس الدينية، التي تعتمد على التلمود والمشناة والتعاليم التوراتية، وهي مليئة بعبارات العنف والتحريض على القتل، والعنصرية، وتنظر للعرب وللعالم أجمعه نظرة فوقية، بوصفهم أغياراً. أي أن هناك حاجة لدراسات تتعمق أكثر في محتوى المناهج التعليمية، دون الاكتفاء بمراجعات دراسات إسرائيلية، على أهمية هذه المراجعات.

ومع ذلك، الكتاب وثيقة مهمة، سلطت الضوء على مسألة تفتقر إليها المكتبة العربية، وهي وثيقة تدين المناهج الإسرائيلية، وتصف حجم تغلغل الأفكار اليمينية الصهيونية فيها، وتتنبأ بالتالي بشكل ومواصفات الجيل اليهودي الذي سيتخرج للعالم بعد أعوام قليلة، ذلك الجيل الذي تعبأ بالأفكار اليمينية المتزمتة، الذي يعتبر الضفة الغربية الجزء التوراتي من أرض إسرائيل، الذي يقدس الاستيطان، ولا يؤمن بأي سلام، هذا الجيل سيتسلم زمام الدولة، وسيكرسها دولة دينية.

إن الجيل الذي تلقى هذا الكم من التحريض والتنشئة الدينية المتزمتة سيكون جيلاً سلفيّاً، لا يقل خطورة عن السلفيات الدينية المتطرفة التي يحاربها العالم تحت شعار مكافحة الإرهاب.

ومن ناحية ثانية، يدعو الكتاب الفلسطينيين للتوحد في مواجهة اليمينية اليهودية، ولإعادة النظر في مناهجهم الدراسية، لتكون معززة لتمسك الفلسطيني بأرضه وحقوقه.

للتحميل اضغط هنا