خلدون البرغوثي- باحث في الشأن الإسرائيلي
يستعرض شمعون شتاين زميل بحث رئيسي في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، وسفير إسرائيل السابق في ألمانيا بين عامي (2007-2001)، الخطوط العريضة التي ستوجه علاقة الحكومة الجديدة في ألمانيا مع الاتحاد الأوروبي والتغيرات التي قد تطرأ على العلاقات الخارجية الألمانية في مرحلة ما بعد آنغيلا ميركل.
كما يشير شتاين إلى التحديات الداخلية والخارجية التي سيواجهها الائتلاف الحكومي الجديد الذي يضم حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، في ظل أزمات صحية واقتصادية داخلية وسياسية على المستويين الأوروبي والدولي. كذلك يتناول الموقف الألماني من إسرائيل الثابت بشكل عام ولا يختلف عن موقف الحكومة السابقة. وفيما يلي نص المقال:
ائتلاف “اشارة المرور” في ألمانيا ينطلق في مواجهة عدة تحديات
بعد 16 عاما يؤدي مستشار جديد اليمين في المانيا، رجل الوسط يسار اولاف شولتس، ليقود ائتلافا حكوميا ثلاثيا للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية. وفيما تنتظر هذا التحالف تحديات جمة داخليا وخارجيا، يبرز السؤال: ما هي الخطوط الأساسية التي ستوجه الحكومة الجديدة، وهل نحن امام مرحلة جديدة في علاقات إسرائيل وألمانيا؟
شمعون شتاين*
معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب
بعد مفاوضات ائتلافية قصيرة وسرية تولى أولاف شولتس مهمامه مستشارا تاسعا لألمانيا ورابعا من الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ويقود شولتس ائتلافا ثلاثيا هو الأول من نوعه في تاريخ الجمهورية (على مستوى الاتحاد) “ائتلاف إشارة المرور”، حسب ألوان رايات الأحزاب المكونة له. المعطيات الأولية لن تمنح هذه الحكومة مئة يوم من الراحة؛ فموجة رابعة من كورنا تضرب ألمانيا، وعلى مستوى السياسة الخارجية ستضطر ألمانيا إلى التعامل مع الأزمة الحدودية البولندية-الليتوانية-البيلاروسية، ومع الأزمة الأوكرانية-الروسية التي تشكل تهديدا بتحولها إلى مواجهة عسكرية. وفيما يخص إسرائيل: فإضافة إلى موقف ميركل –التي سيرافق ظلها المستشار القادم على الأقل في بداية ولايته – ينص برنامج الحكومة القادمة على أن أمن إسرائيل هو “نهج الدولة”. كما يؤكد دعمه للمفاوضات من أجل تسوية على أساس حدود 67، وينتقد برنامج الحكومة التهديد المستمر لإسرائيل والإرهاب ضد مواطنيها، والدعوة إلى وقف الإجراءات أحادية الجانب التي تعرقل جهود السلام.
خطوط الأساس لائتلاف “إشارة المرور” الجديد طموحة، مع ذلك فإن تشكيل هذا الائتلاف يعد بذاته إنجازا كبيرا إذا اخذنا بعين الاعتبار ثلاثة أحزاب (وسط-يسار) لها توجهات مختلفة تجاه قطاعات متباينة لدى الألمان. من هذه الزاوية، فإن كل شريك في الائتلاف يمكن أن يسجل لنفسه إنجازات في المجالات التي كافح من أجلها في المعركة الانتخابية. شعار الاتفاق الائتلافي هو “المزيد من الجرأة للتقدم”، فيما يشير العنوان الفرعي إلى “التحالف من أجل الحرية” (شعار الحزب الليبرالي) و”العدل” (شعار الاشتراكي الديمقراطي) و”الاستدامة” (شعار الخضر)، في إشارة إلى أن النية ليست اتخاذ سياسة عبر خطوات صغيرة. وقد يحل غياب الإصلاحات التي ميزت الحكومة السابقة محل خطة تحديث الاقتصاد/الصناعة التي لم تعهد ألمانيا مثلها في المئة عام الماضية. (حسب أقوال زعيم الحزب الليبرالي ووزير المالية).
اختبار الحكومة الجديدة سيكون في قدرتها على إيجاد توازن بين التحدي البيئي/المناخي وبين استمرار نمو اقتصادي يضمن الرفاه الذي تمتع به المجتمع الألماني خلال فترة حكم ميركل. الجمهور الألماني لا يتوقع تغييرا كبيرا، أي أن التطور سيكون مصحوبا بأسعار من شأنها الإضرار بمستوى المعيشة، وهو ليس جاهزًا لتحول في النموذج الذي يتوجب أن يمر به إذا سعت الحكومة الجديدة إلى تحقيق الهدف الأعلى لاتفاقية باريس -ارتفاع درجة ونصف درجة حرارة- وتوابعها.
بعض الأهداف التي وضعتها الحكومة حتى نهاية العقد الحالي، مثل طاقة خضراء بنسبة 80% و14 مليون سيارة كهربائية (400 الف سيارة حاليا)، لا تبدو قابلة للتحقيق في ظل تعهدات الحكومة بدعم الخطط الطموحة في مجالات الإسكان، والصحة، وضمان الدخل وغيرها من القضايا التي تستهلك نسبة كبيرة من الموارد. أضف لذلك، الالتزام بالحفاظ على انضباط الموازنة. لذلك ليس من الواضح ما هي الموارد التي سيتم تحقيق هذه الأهداف من خلالها.
تغيير سياسي مهم بالنسبة للحكومة السابقة، يحمل بصمة “الخضر”، وهو في مجال حقوق الإنسان وسياسات تصدير السلاح. الفقرة السابعة في برنامج الحكومة تحمل عنوان “مسؤولية المانيا تجاه أوروبا والعالم”، وهو هدف طموح يعكس الجدل المستمر لشكل التدخل الألماني في الساحة الدولية واستثمار الموارد فيها. وبالرغم من دعم الجمهور لأن يكون التأثير الألماني أكبر، لا يوجد استعداد لاستثمار المزيد من الموارد والمزيد من التدخل في مناطق الأزمات، وذلك في أعقاب تبعات الانسحاب الأميركي من افغانستان والتدخل الألماني هناك.
وفيما الخطوط العريضة التي سترسم علاقة الحكومة مع الاتحاد الأوروبي والعلاقات الخارجية:
الاتحاد الأوروبي: الاتحاد الأوروبي هو أساس السلام والازدهار، ويتم تعريف المصالح الألمانية في سياق المصالح الأوروبية (مقولة مهمة في ظل النقاش في السنوات الأخيرة حول تعريف المصالح الألمانية)، والهدف هو إنشاء تحالف فيدرالي أوروبي (أي الحفاظ على مكون الدولة)، مع ضرورة تعزيز مؤسسات الاتحاد، وفي هذا السياق يتم تحويل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، إلى وزير خارجية للاتحاد، وبالمقابل عودة المانيا لدعم اتخاذ القرارات في قضايا الخارجية والأمن بالغالبية وليس بالإجماع الذي يكبل الاتحاد الاوروبي على المستوى الدولي (فرص تحقيق هذه الأهداف في ظل الظروف الحالية في المانيا وفي الاتحاد الاوروبي ليست كبيرة). التعبير عن الدعم لإصرار مفوضية الاتحاد الأوروبي على التمسك بسيادة القانون (يشير إلى دعم الحكومة لاتخاذ إجراءات ضد بولندا وهنغاريا اللتين تتحديان القوانين الأوروبية وتعملان بشكل مستقل عن النظام القضائي). والسعي وراء “السيادة الاستراتيجية” سيتيح للاتحاد الأوروبي العمل بشكل مستقل وكذلك تخفيف الاعتماد والمساس بمجالات استراتيجية مثل الطاقة والمواد الخام والتكنولوجيا الرقمية، وذلك يساهم في جعله الاتحاد لاعبا في الساحة الدولية. كما تنازلت الحكومة الجديدة عن فكرة إقامة جيش أوروبي لصالح دعم تعزيز التعاون بين الجيوش الوطنية. وفيما يتعلق بتعزيز العلاقات مع فرنسا (التي ستكون الدولة الأولى التي سيزورها شولتس، كما فعلت ميركل)، فإنه سيكون من المثير رؤية إن كان شولتس سيحافظ على مقاربة ميركل الشاملة التي تضمنت تقديم تنازلات مقابل الحفاظ على إطار الدول السبع وعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أو أنه سيقف إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يدعم المقاربة الحصرية، أي تعزيز عملية الاندماج مع الدول المستعدة لذلك في مجالات الخارجية والأمن.
الولايات المتحدة: وبالرغم من مخاوفها المسبقة من تغيير سياساته، فإن الائتلاف الجديد فاجأها بتأكيده على الشراكة “عبر-الأطلسية” والشراكة مع حلف شمال الأطلسي كركيزة أساسية للأمن الألماني، والصداقة مع الولايات المتحدة ركيزة أساسية في العمل الدولي، وكذلك رغبة الاتحاد الأوروبي في المشاركة في بلورة موقف مشترك من أجل دعم الأهداف المشتركة – وهي الحفاظ على النظام الليبرالي، وقضايا المناخ، والذكاء الصناعي، وتنسيق السياسات في مواجهات الصين.
الصين: يتوجب صياغة العلاقات مع الصين على أساس الشراكة، والمنافسة، والنّدّيّة، من خلال حماية حقوق الإنسان واحترام القانون الدولي. وفي انتقاد لسياسات ميركل تجاه الصين، الحكومة الجديدة تدعو إلى “أوربة السياسات”. وإلى جانب مواصلة دعم سياسات “الصين الواحدة” تعبر الحكومة عن دعم مشاركة تايوان في المنظمات الدولية والتعاون معها. والتأكيد على المصلحة في تطوير العلاقات في منطقة المحيطين الهادئ-الهندي. لكن الاعتماد الاقتصادي الألماني على السوق الصينية سيدفع الحكومة للموازنة بين ضرورة حماية المصالح الاقتصادية، وبين انتقاد الصين في قضايا حقوق الإنسان.
روسيا: يتضمن برنامج الحكومة دعوة لسياسات أوروبية مشتركة ومنسقة تجاه روسيا، عبر الاستعداد لحوار بناء من أجل تعزيز علاقات مستقرة وذات مضمون. كما يتضمن دعوة روسيا لوقف جهودها في لتقويض استقرار أوكرانيا.
تركيا: يشير برنامج الحكومة إلى أن تركيا جارة للاتحاد الأوروبي وعضو في حلف شمال الأطلسي، وهذه محددات يجب أخذها بالاعتبار عند تحديد السياسة تجاهها. من الواضح أن الاتحاد الأوروبي لا يسعى لفتح فصول جديدة أو إغلاق فصول مفتوحة في مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وهو موقف قد يؤدي إلى رد فعل من الرئيس أردوغان، فرغم أنه سلّم مع أن فكرة انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي باتت غير واقعية، إلا أنه سيحتج على هذا الموقف مثلا من باب الابتزاز السياسي.
السلام والاستقرار في الشرق الأوسط: لألمانيا مصلحة “مركزية” في المنطقة، وهي معنية بتطوير علاقاتها الثنائية وكذلك تعزيز العلاقات بين دول المنطقة ذاتها. يتضمن برنامج الحكومة الجديدة مطلب استمرار عمليات دمقرطة المنطقة، والتطلع لتعزيز “الشراكات الإقليمية” عبر نخبة من الشركاء في مجالات التطوير التكنولوجي (إمكانية تعاون ألماني-إسرائيل واقليمي). وعلى خلفية ما يوصف بأنه “كارثة إنسانية” في سوريا واليمن، يتضمن برنامج الحكومة التزاما بتقديم الدعم “بمستويات متقدمة” وإعلانا بدعم استمرارية “عملية برلين” وجهود الأمم المتحدة لتحقيق السلام في ليبيا. فيما توصل العلاقات مع الجارات الجنوبية للاتحاد الأوروبي [شمال افريقيا] بأنها “مصلحة مركزية”، لكن ليس من الواضح كيف يمكن تعزيز ذلك في ظل عدم توفر موارد او اهتمام ملائم من جانب الاتحاد الأوروبي.
إيران: استمرارا لسياسة الحكومة السابقة، تعبر الحكومة الحالية عن دعمها للعودة للاتفاق النووي، الذي يعني استيفاء الالتزامات المرتبطة به. وهناك تأكيد على دعوة إيران للإيفاء بالتزاماتها للوكالة الدولية للطاقة الذرية. مع الإشارة إلى أن السلوك الإيراني مثل: تهديد إسرائيل، والبرنامج الصاروخي، وسياسات إيران الاقليمية العدائية، ودعم النشاطات الإرهابية، تهدد السلام والأمن الإقليميين، لذلك على طهران وقفها. وتمت الإشارة إلى انتقاد أوضاع حقوق الإنسان في إيران والدعوة للإفراج عن المعتقلين السياسيين. كما يشير برنامج الحكومة إلى الاهتمام بتعزيز تدابير بناء الثقة والعلاقات بين إيران وجيرانها في الخليج، جنبًا إلى جنب مع الشركاء في المنطقة – وهي مهمة تتطلب مشاركة أكبر من جانب ألمانيا والاتحاد الأوروبي.
إسرائيل: استمرارا لموقف ميركل، يتضمن برنامج الحكومة الجديدة أمن إسرائيل، باعتباره “نهج الدولة”، وكذلك دعم حل الدولتين من خلال المفاوضات على أساس حدود 1967. وهناك انتقاد للتهديد الدائم ضد إسرائيل والإرهاب ضد سكانها، بالإضافة إلى دعوة لامتناع الأطراف عن الإجراءات أحادية الجانب التي تعرقل جهود السلام، ومنها البناء الاستيطاني الذي يتعارض والقانون الدولي. (قضية حقوق الإنسان ونية الحكومة الإسرائيلية اتباع سياسة تصدير أسلحة أكثر نشاطا من سابقتها قد تؤدي إلى تعكير صفو العلاقات الثنائية). أما الفلسطينيون، فهم مدعوون إلى الكف عن استخدام القوة من أي نوع والعمل من أجل تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان. وتعتزم الحكومة القادمة تقديم مساعدة خاضعة للرقابة للأونروا لمنع إساءة استخدام الأموال. وترحب الحكومة الألمانية بالتطبيع بين إسرائيل والدول العربية، وفي الوقت ذاته فإنها تنتقد المحاولات “التي لا يغيب عنها الدافع المناهض للسامية” لانتقاد إسرائيل في الأمم المتحدة.
الحياة اليهودية، مكافحة مناهضة السامية والحفاظ على ذكرى الهولوكوست:
إلى جانب الترويج للمبادرات التي تعكس تنوع الحياة اليهودية (في ألمانيا يحيون هذا العام مرور 1700 عام على الوجود اليهودي فيها). يتضمن برنامج الحكومة القادمة التزامًا بمكافحة مناهضة السامية بجميع مظاهرها، بما في ذلك من خلال تعزيز المؤسسة التي يرأسها مفوض مكافحة مناهضة السامية. يتضمن برنامج الحكومة أيضا نية لإثراء محتويات يوم إحياء ذكرى الهولوكوست، وتعزيز التثقيف حول قضية الهولوكوست والعمل على رقمنة المواد التي تم جمعها حول موضوع الهولوكوست.
في الختام:
الاتفاقيات الائتلافية وإعلانات النوايا ليست ملزمة قانونًا، فيما تكشف عملية رصد أداء الحكومات في نهاية فترة حكمها عدم قدرتها على الالتزام ببرنامجها الأساسي وانحرافها عنه نتيجة القيود والظروف المتغيرة، الداخلية والخارجية. تواجه الحكومة الألمانية الجديدة عدة تحديات أبرزها تحدي المناخ، وهذه التحديات تتطلب نقلة نوعية لتغيير منهجي سيخرج المجتمع الألماني من “منطقة الراحة” الموجود فيها. وسيكون مقياس نجاح الحكومة الجديدة هو أصوات الناخبين في نهاية ولايتها.
*زميل بحث رئيسي في معهد دراسات الأمن القومي، سفير إسرائيل السابق في ألمانيا (2007-2001).
https://www.inss.org.il/he/publication/germany-new-government/
لتحميل الورقة اضغط هنا