مراجعة: محمود الفطافطة[*]

يناقش كتاب (إسرائيل والبيئة الإقليمية… التحولات الاستراتيجية والحالة الفلسطينية) السياسات الخارجية الإسرائيلية في المنطقة بعد اندلاع الثورات العربية، وتأثير التغييرات الإقليمية على مكانة إسرائيل الاستراتيجية، وتأثير ذلك على المسألة الفلسطينية. ويركز على تحليل منظومة ردود الفعل الإسرائيلية بعد اندلاع هذه الثورات ولغاية الآن، ويقسم رد الفعل الإسرائيلي إلى ثلاث مراحل: مرحلة الصدمة، ومرحلة التكيف مع المتغيرات الإقليمية، ومرحلة إعادة التوازن الاستراتيجي. ويحاول البحث عرض تأثير كل مرحلة على توجهات السياسات الإسرائيلية تجاه المسألة الفلسطينية.

ويستعرض الكتاب بعد ذلك تطور السياسات الإسرائيلية تجاه البيئة الإقليمية، ويرصد ويحلل عددًا من السياسات التي اتبعتها إسرائيل، وأهمها العودة إلى سياسات الأطراف التقليدية وتحديثها، وإعادة بلورة أولويات الاستراتيجية الإسرائيلية ومكانة الموضوع الفلسطيني في هذه الاستراتيجية، والبدء في بلورة تصور يرى في البيئة الإقليمية المتغيرة لحظة أو فرصة استراتيجية ومصدراً للحل، بدلًا من أن تكون لحظة تهديد.

يتكون الكتاب من مقدمة، وخمسة مباحث. تتناول المقدمة الهدف من إعداد هذه الدراسة، وأهميتها والمنهجية التي اعتمدها الباحث والمتمثلة في منهجية تحليل الخطاب السياسي الإسرائيلي منذ اندلاع الثورات العربية، وتحليل معمق للنصوص الرسمية والبحثية والصحافية التي صدرت في هذا الشأن في السنوات الخمس الأخيرة.

من الصدمة إلى الثقة!

في المبحث الأول من الكتاب الذي جاء بعنوان “مراحل تبلور التصور الإسرائيلي للبيئة الإقليمية“، يحلل المؤلف تلك المراحل، وهي: مرحلة الصدمة، ومرحلة التكيف مع المتغيرات الإقليمية، ومرحلة إعادة التوازن الاستراتيجي. في مرحلة الصدمة لم تتوقع دوائر البحث والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن تكون الأحداث التونسية بداية سلسلة من الأحداث على المستوى الاستراتيجي في المنطقة، كما لم تكن الصدمة الإسرائيلية (وفق الكاتب) نابعة من إعجاب “المُحب” عندما يُفاجئه بعملٍ لا يتوقعه، بل من تشاؤم الذي يرى كل تغيير خارج عن سيطرته تهديداً مباشراً له.

وبخصوص مرحلة التكيف التكتيكي، فتمثلت في محاولة إسرائيل فهم ما يحدث في المنطقة العربية، ومآلات الثورات العربية. وفي هذا الصدد يرى المؤلف أنه في الوقت الذي تعامل الغرب مع الثورات العربية وحركات الاصلاح بخطابٍ من الأمل ودعم الثورات الديمقراطية، فإن إسرائيل تعاملت معها على أنها تهديد لأمنها القومي. وبشأن المرحلة الأخيرة، فقد ارتبطت مع سقوط الإخوان المسلمين وتنحية مرسي عن الحكم في تموز 2013، وتعقيد المسألة السورية عبر دخول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى الأزمة، وتعثر التحولات السياسية في ليبيا، واليمن.

في هذه المرحلة أصاب إسرائيل ضربٌ من الثقة بالذات. فمن جهة، أثبتت للغرب، أنها الدولة الوحيدة القادرة على فهم العقلية والتحولات العربية، وأن الأمل أو الواقع المتخيل المستقبلي الذي زرعه الربيع العربي في نفوس الكثير من الدوائر الغربية، كان مجرد وهم. ومن جهة أخرى، تعيش إسرائيل زهواً استراتيجياً غير مسبوق في تاريخ صراعها مع العرب، فالدول تنهار، وجيوشها تتفكك، والصراعات الأهلية والبينية الإقليمية تزداد، والتناقضات الاستراتيجية بين دول المنطقة تصب لصالح إسرائيل. في هذه المرحلة ركزت الأبحاث الإسرائيلية على دراسة العالم العربي “ما بعد الربيع العربي”، واعتبرت الأبحاث أن مرحلة هذا “الربيع” انتهت.

التحديات وعقيدة “الأطراف”

وفي المبحث الثاني الموسوم بعنوان “تحولات البيئة الإقليمية لإسرائيل بعد الثورات” يشير الكتاب إلى أنه منذ اندلاع الثورات العربية واجهت إسرائيل ثلاث قضايا أساسية على المستوى الإقليمي، وهي: الملف النووي، ومواجهة التغييرات السياسية والاستراتيجية المتسارعة في البيئة الاقليمية، وبخاصة في دول الجوار، وإدارة الصراع مع الفلسطينيين في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية.

ويستعرض الكاتب في هذا المبحث ثلاث قضايا، الأولى: التحالفات الإقليمية ودول الأطراف، إذ مثلت التحولات الإقليمية من جهة، والسياسات الإسرائيلية نحو التكيف مع هذه التغيرات من جهة ثانية، فرصة لإسرائيل لإعادة بلورة استراتيجية إقليمية تسعى إلى تهميش الموضوع الفلسطيني. هذه التحولات دفعت اليمين الإسرائيلي إلى الاعتماد في رفضه لكل تسوية مع الفلسطينيين بالادعاء أن التسوية الإقليمية هي الإطار للتسوية مع الفلسطينيين، فمن جهة يرفض اليمين الاعتراف بحقوق الفلسطينيين الوطنية، ومن جهة أخرى يتفاخر بكون إسرائيل لم تعد العدو الأول للعرب، لا بل إنها تعزز علاقتها مع دول إقليمية على الرغم من موقفها من الموضوع الفلسطيني، وهو تحول جدير بالاهتمام والانتباه.

ولتحقيق أهدافها في البيئة الإقليمية المتغيرة، فإن إسرائيل تعمل على صعد عدة، أبرزها:

  • تعزيز علاقتها الإقليمية مع الدول العربية التي تصنفها “معتدلة”، عبر الدخول من بوابة المصالح المشتركة الآنية التي فرضها الواقع الإقليمي المتشكل بعد الثورات العربية.
  • تعزيز علاقتها مع دول أطراف للبيئة الإقليمية ومحيطه بالعالم العربي، مثل الهند، واليونان، وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وأفريقيا. وتتم هذه العملية، أيضاً، كجزءٍ من تآكل علاقات إسرائيل مع الدول الغربية المركزية بسبب موقفها من الموضوع الفلسطيني، فتحاول التعويض عن ذلك بتطوير علاقات مع دول أطراف كجزءٍ من العودة إلى فكرة بن غوريون حول سياسات الأطراف في سنوات الخمسينات.
  • العمل على تهميش الموضوع الفلسطيني من خلال الادعاء المثابر؛ أن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ليس السبب في عدم الاستقرار في المنطقة، وأن الصراعات الأهلية والإقليمية في العالم العربي تثبت أن الموضوع الفلسطيني هو قضية ثانوية في المنطقة.

أما القضية الثانية، فتكمن في إعادة ترتيب التحديات والأولويات الإسرائيلية، إذ يشير الكاتب إلى أنه على الرغم من أن الدول التي عززت علاقتها مع إسرائيل في هذه الفترة لم تربط بين الموضوع الفلسطيني وعلاقتها مع إسرائيل، فإن الأخيرة اعتبرت ذلك انتصاراً لتوجهاتها السياسية العامة، وتجاه القضية الفلسطينية خصوصاً. وترى إسرائيل أن تعزيز علاقتها الإقليمية سوف يضعف عزل إسرائيل دولياً، ويشكل رداً على محاولات السلطة تدويل القضية.

وفي هذا الخصوص، استطاعت إسرائيل تعزيز وتوسيع سياسات “تحالف الأطراف” بعد الثورات العربية، وما أنجزته في ذلك يكمن في:

  • اصطفاف جديد مع اليونان وقبرص تجمعه محاولة عزل الدور التركي كجزءٍ من إجبارها على عقد اتفاق المصالحة مع إسرائيل العام 2016، وتعزيز التأثير الإسرائيلي في الاتحاد الأوروبي.
  • استمرار إسرائيل في محاولتها بناء علاقات لها في القارة الأفريقية، فقد تم افتتاح ثلاث سفارات جديدة لدول أفريقية في العام المنصرم (جنوب السودان، رواندا، زامبيا)، وذلك إضافة إلى إحدى عشرة سفارة لدول أفريقية في إسرائيل.
  • تعزيز العلاقات مع الهند، التي تحولت في السنوات الأخيرة من مرحلة التعاون إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي في ظل الحكومة اليمينية في الهند.
  • توثيق التحالفات القائمة وتوسيعها في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق المجاور للمحيط العربي.

وفيما يتعلق بالقضية الثالثة، فتشمل مسألة الغاز وسياسات الأطراف كسياسات لتعزيز الدور الإقليمي، بحيث يشكل الغاز الإسرائيلي منفذاً مُهما على المستوى الإقليمي، من حيث أنه يؤكد أهميتها للدول المجاورة لها كمزود للطاقة، وتحديداً الأردن ومصر، ويشكل ذلك تطوراً نوعياً مهماً للتأثير الإسرائيلي، وحضورها كدولة إقليمية، فبعد أن كانت تستورد الغاز من مصر، فإن المستقبل القريب قد يقلب الواقع، وتتحول إسرائيل إلى مصدرة للغاز إلى مصر.

بين الطمأنينة والترقب!

وجاء عنوان المبحث الثالث من الكتاب “نماذج من تغير البيئة الإقليمية العربية لإسرائيل“. هذا المبحث يعالج بعض النماذج من العلاقات الإسرائيلية مع البيئة الإقليمية العربية بعد الثورات العربية، وبخاصة مع الدول المجاورة لإسرائيل، التي تؤثر بشكلٍ مباشر على مكانة إسرائيل الإقليمية، ومن شأنها التأثير على الحالة الفلسطينية. ويعرض المؤلف في ذلك ثلاثة نماذج: مصر، الأردن، سوريا.

بخصوص مصر، فإن الرؤية الإسرائيلية في علاقتها مع مصر تنطلق من أهمية الحفاظ على اتفاق السلام بين البلدين دون تعديلات، وبخاصة في ملحقه العسكري، والحفاظ على التنسيق الأمني فيما يخص منطقة سيناء التي تحولت إلى منطقة مهمة في الأجندة الأمنية الإسرائيلية. ويذكر الكتاب أن العلاقات المصرية الإسرائيلية عادت إلى سابق عهدها قبل الثورة، وتمثل ذلك في افتتاح السفارة الإسرائيلية في القاهرة بعد أن تم إغلاقها لمدة أربع سنوات.

أما التصور الإسرائيلي للواقع السوري، فإن الموقف الإسرائيلي تجاه الملف السوري اليوم أكثر غموضاً مقارنة مع السنوات السابقة، ففي بداية الثورة كان الموقف الإسرائيلي الواضح هو الرغبة في اسقاط النظام، إلا أن الموقف الحالي، كما يظهر، فإنه عدم تفضيل طرف على آخر، وإنما تطمح إسرائيل أن يساعدها المشهد السوري على تحقيق أهدافها الاستراتيجية على المديين القريب والبعيد، ومنها تفكيك السلاح الكيماوي السوري، وهو ما حدث فعلا، إضافة إلى منع نقل أي نوع من السلاح خارج الحدود لجهاتٍ معادية لإسرائيل.

وفي هذا النموذج، أشار باحثون إسرائيليون إلى أن هنالك أربعة سيناريوهات للحالة السورية، ولكل سيناريو انعكاس مختلف على إسرائيل. السيناريو الأول، هو السيناريو الصومالي، الذي يعني استمرار الحرب الأهلية لفترةٍ طويلة، تتحول سوريا في إطاره إلى دولة فاشلة، وسيؤدي هذا السيناريو إلى تصعيد التهديد على إسرائيل، وبخاصة من المنظمات “الجهادية”.

أما السيناريو الثاني، فهو سيناريو “سايكس بيكو”، حيث سيتم تفكيك سوريا إلى دويلات (دولة علوية في محور دمشق والساحل، ودولة سنية في الشمال والجنوب والشرق، ودولة كردية في شمال شرق سوريا)، وهذا السيناريو سينتج واقعاً مريحاً لإسرائيل، حيث أن كل دولة ستكون ضعيفة وغير قادرة على تهديد إسرائيل، ويمكن لبعضها ربط علاقات معينة معها.

السيناريو الثالث هو انتصار النظام في هذه الحرب، ولكن ستخرج سوريا منها ضعيفة وغير قادرة على تهديد إسرائيل. وهذا السيناريو سيعلن انتصار محور إيران في المنطقة. أما السيناريو الأخير، فهو انتصار قوى المعارضة، وهو أيضاً لن يُشكل تهديداً لإسرائيل، لأن المعارضة ستكون ضعيفة وتتصارع بداخلها قوى مختلفة. ولم يسقط الباحث مسألة التدخل الروسي في سوريا، إذ يبين أنه ساهم في تعزيز العلاقات والتفاهمات بين البلدين فيما يتعلق بالبيئة الإقليمية، حيث يتفق الطرفان على ضرورة الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، من خلال وجود أنظمة سلطوية غير ديمقراطية.

وفيما يتعلق بالنموذج الثالث، وهو الأردني، فيرى الكاتب أن العلاقات الأردنية-الإسرائيلية ازدادت أهمية بعد “الربيع العربي” بسبب الحرب على “داعش”. وترى إسرائيل أن الأردن يجب أن يكون قوياً ومستقراً داخلياً لمواجهة هذا الخطر، وبخاصة الخطر القادم من العراق. ويقترح خبراء إسرائيليون أن على إسرائيل مساعدة الأردن في تجاوز هذه الفترة الحرجة، لأن مصالحهما مشتركة. ويشير المؤلف إلى أن العلاقات بين البلدين ستتعمق خلال الفترة القادمة، ليس فقط لتقاطع المصالح على المستوى السياسي والأمني، بل أيضاً بسبب صفقة الغاز التي تم توقيعها بين البلدين في العام 2014. وبموجب الاتفاقية، سوف تستورد الأردن غالبية احتياجاتها للغاز من إسرائيل، وتمتد الاتفاقية إلى 15 سنة، وتقدر بـ15 مليار دولار.

حل الدولة والنصف!!

ويستعرض المبحث الرابع “إسرائيل والقضية الفلسطينية بعد الربيع العربي“، وفيه يؤكد الكاتب على أن التغيرات الإقليمية ساهمت في التأثير على التوجهات الإسرائيلية من المسألة الفلسطينية، حيث اعتمدت إسرائيل في تعاملها مع الموضوع الفلسطيني على السياسات الآتية:

  • تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية أمنية بالأساس، وأن أي حل يجب أن يبدأ من الاعتبار الأمني، وذلك على ضوء التغيرات في المنطقة العربية وصعود الجماعات “الإرهابية”، والعنف المستشري في المجتمعات العربية، وغياب الاستقرار السياسي، وهذا يضع لإسرائيل مخرجاً من كل محاولة تسوية سياسية بالادعاء أن الموضوع الفلسطيني هو موضوع أمني بالأساس، وأن إسرائيل لن تقبل أن يجري في الضفة بعد انسحابها ما جرى في سوريا وباقي الدول العربية، لأنه يُهدد الأمن الإسرائيلي.
  • تبنت إسرائيل تصور التسوية الإقليمية مدخلاً لكل تسوية في الموضوع الفلسطيني. واعتبرت أن أي تسوية للصراع مع الفلسطينيين يجب أن تبدأ من تسوية إقليمية، ما يُشكل هروباً إسرائيلياً من أي مفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين (ضمن جدول زمني وأجندة واضحين). هذا التصور بات محل إجماع كبير في المشهد السياسي الإسرائيلي؛ فرضته التحولات في البيئة الإقليمية لإسرائيل.
  • استمرت إسرائيل في تعزيز الانقسام الفلسطيني بعد الثورات العربية، وبخاصة أنها ترى في الانقسام مركباً أساسياً من مركبات السياسات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية.

وفي المبحث نفسه، يتناول الكاتب ما يسميه (الضم الزاحف وحل الدولة والنصف)، إذ يقول: بعد الثورات العربية كثفت إسرائيل من سيطرتها الكولونيالية على الأراضي الفلسطينية، وبخاصة مناطق (ج). هذه السياسات الإسرائيلية تهدف إلى ضم هذه المناطق إلى السيادة الإسرائيلية، وذلك كجزءٍ من الرؤية الإسرائيلية للحل النهائي للصراع. وتتبع إسرائيل “سياسات الضم الزاحف”، التي تنتج حلاً جديداً من وجهة النظر الإسرائيلية، وهو حل الدولة والنصف، وهو الخيار اليميني الجديد لحل الدولتين وحل الدولة الواحدة. ويضيف “إن مقولة إدارة الصراع لا حله، تعمقت أكثر وأخذت أبعاداً جديدة تقترح بأن الوضع الراهن هو أفضل الصيغ التي يمكن من خلالها إدارة الصراع.

المبحث الأخير خصصه الكاتب للاستنتاجات والتوصيات. ومما جاء في الاستنتاجات أن الأحداث والتغيرات الحاصلة في البيئة الإقليمية لإسرائيل قد عززت مآلات تفوقها الاستراتيجي. ويظهر التفوق الإسرائيلي، على الأقل في المدى المنظور، من خلال تراجع التهديد التقليدي المباشر لها، فكل دول الجوار مشغولة في شؤونها الداخلية، وجيوشها؛ إما انهارت (مثل سوريا والعراق)، وإما مشغولة في مشاكلها الأمنية الداخلية والصراعات الأهلية (مصر والأردن ولبنان)، وإما مشغولة في صراعات بينية (مثل السعودية).

أما بخصوص التوصيات، فيمكن إجمال أهمها في الآتي:

  • العمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني، وإعادة اللحمة الجغرافية والوطنية بين القطاع والضفة، حيث أن بقاء الانقسام بات أحد المركبات الأساسية في الاستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع القضية الفلسطينية.
  • على الحركة الوطنية الفلسطينية أن تكون بمعزل عن الخلافات الأهلية العربية، بل يجب أن تعمل على أن تكون محل إجماع عربي.
  • على الحركة الوطنية بناء استراتيجية مقاومة فلسطينية جامعة، تعتمد الاحتجاج الشعبي السلمي المنظم، والعمل على تنفيذ هذه الاستراتيجية بشكلٍ مثابر. إن تدويل القضية الفلسطينية لا يكفي في ظل غياب مقاومة على الأرض.

بماذا يتميز هذا الكتاب؟

استناداً إلى ما تم ذكره يجب التأكيد على جملة نقاط أساسية:

  1. يُقدم هذا الكتاب معطيات وفيرة وثرية “أعمل” فيها الباحث جدارته التحليلية ورؤيته الاستشرافية، إذ أنه استطاع، وبتميز، الربط بين التحولات في البيئة الإقليمية ومدى تأثير ذلك على السياسات الإسرائيلية ومواقفها تجاه عدد من الدول العربية عموماً، والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
  2. استطاع المؤلف (نظراً إلى إجادته للغة العبرية وتمكنه منها) من الإحاطة الجيدة والمطلوبة لخيوط التحولات الإقليمية وتأثيرها على بنية القرار الإسرائيلي، إذ أنه أورد الكثير من التصريحات والأحداث التي تصب في خانة عمليات (الرصد، والتحليل، والنقد، والتوصية، والاستشراف)، والتي تؤدي في مجملها للوصول إلى صورة واضحة ومتقاربة لواقع ومستقبل السياسات الإسرائيلية في خضم هذه التحولات.
  3. يكتسب البحث أهميته من ثلاثة جوانب؛ الأول أن البيئة الإقليمية باتت بيئة مهمة للمشروع الإسرائيلي، والسياسات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة تفوق البيئة الدولية من حيث أهميتها على استدامة الاستقرار الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي، وعلى القضية الفلسطينية. أما الجانب الثاني، فينبع من حاجة المكتبة العربية إلى دراسة بحثية وسياساتية معمقة للسياسات الدولية والإقليمية الإسرائيلية، حيث أن الاهتمام المعرفي العربي حول إسرائيل يركز عادة على التحولات السياسية والاجتماعية الداخلية، ولا يبدي اهتماما جديا بالسياسات الخارجية لإسرائيل بشكل علمي ومنهجي. ويندرج الجانب الثالث في دراسة التوجهات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية من خلال تحولات موقعها في البيئة الإقليمية التي عادت تلعب دورا مهما في التأثير المباشر على هذه القضية، والعمل على بناء واقتراح رزمة من السياسات الفلسطينية لمواجهة السياسات الإسرائيلية الإقليمية التي باتت تؤثر على القضية.

تقييم عام

  1. بالتأكيد على ما ذُكر سالفاً، فإن الكتاب في كليته العامة يمتاز بأهمية قصوى من حيث الموضوع والمضمون. فهذا الموضوع ندر التطرق إليه بصورة معمقة وتحليلية ونقدية شاملة، في حين أن المضمون يمتاز بتوسع واعتماد على مصادر أولية مهمة، لا سيما اللغتين العبرية والإنجليزية.
  2. رغم كل ذلك لم يمنع الأمر من وجود بعض السلبيات التي لازمت الدراسة، والتي نجملها في الآتي:
  • لم يأتِ المؤلف على ذكر تاريخ وواقع اليهود العرب في دول عربية عديدة، وإن كان تركيزه على التجمع اليهودي في العراق واليمن، دون الاستفاضة إلى اليهود في المغرب العربي ومصر.
  • رغم إكثار المؤلف من استعراض تصريحات ومواقف العديد من الباحثين والمسؤولين الإسرائيليين إلا أنه في بعض الحالات لم يقم بالتحليل الواسع والربط المنطقي، كما أن هناك بعض القضايا اكتفى المؤلف بالمرور عليها سريعاً دون أن يمنحها الحق في المعطيات والتحليل.
  • نلاحظ وجود بعض المحاور أوسع من فصول أخرى على الرغم من أن بعض الفصول القصيرة ذات أهمية، وفيها أحداث ووقائع بحاجةٍ إلى توسع معلوماتي وتحليلي أكثر.

[*] باحث فلسطيني، مقيم في رام الله.