Israël empêtré dans l’affaire Pegasus
مجلة أوريان ٢١ الفرنسيّة
سيلفان سيبيل
صحفي وعضو سابق في رئاسة تحرير جريدة اللوموند ومدير سابق لمجلة “كوريي أنترناسيونال”، ومؤلف كتاب” المطمورون، المجتمع الإسرائيلي في طريق مسدود”
٢٤ شباط/فبراير ٢٠٢٢
يناقش الكاتب في هذا المقال المطوّل الفضائح التي رافقت مؤخّرا برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس” والتداعيات التي خلّفتها على المستوى الداخلي الإسرائيليّ، وعلى العلاقة بين إسرائيل وواشنطن، و تضرّر صورة إسرائيل في العالم بشكل أعمّ.
ما القصة؟
يعتبر برنامج “بيغاسوس” – من انتاج شركة NSO الإسرائيليّة – فخر الصناعة التجسسية الإسرائيليّة، فهو يعتبر تتويجًا لعقود من الجهود التي بذلتها المؤسّسة الأمنية الإسرائيليّة في سبيل تعزيز سيطرتها وتحكّمها بالفلسطينيين. وفقا للكاتب، تواصلت أكثر من مئة دولة مع شركة NSO الإسرائيليّة للحصول على هذه التقنية، كما قدّمها نتنياهو كهدية للدول العربية التي انخرطت في اتفاقات “أبراهام” التطبيعيّة.
بدأت فضائح “بيغاسوس” مع التحقيق الذي نشره موقع الاتحاد الدولي للصحفيين Forbidden Stories، في يوليو/تموز 2021، حول استخدام عديد الدول لبرنامج “بيغاسوس” في التجسس على الصحفيين وتقييد عملهم وحتى في اغتيال بعضهم. انتهاءً بما نشره مؤخّرا موقع ” كالكاليست” الإسرائيلي، عن استخدام هذا البرنامج في التجسس على الإسرائيليين أنفسهم، بما في ذلك مسؤولين أمنيين وحتى المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو.
ديمقراطيّة تترنّح
وفقا للكاتب، كان اختراع هذه التكنولوجيا وانتشارها في جميع أنحاء العالم موضع فخر لمعظم الإسرائيليين. فقد مكّن استخدام برنامج “بيغاسوس” من التجسس على رؤساء المنظمات غير الحكومية الفلسطينية لسنوات، من بينهم على سبيل المثال المحامون الذين يسعون إلى إمداد تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بالأدلّة حول الأعمال التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي (وحركة حماس) خلال الحرب على غزة صيف 2014. فبالنسبة للغالبية العظمى من الإسرائيليين، يُعدّ تعقّب هؤلاء عملا يُحمد عليه. ما المشكلة إذن في تطوير تقنية رائعة لمحاربة “الإرهاب” ولعزل شعب بأكمله والسيطرة عليه؟
كان كلّ شيء على ما يرام، حتى ظهرت مقالات موقع “كاكاليست”، التي كشفت بأن الشرطة الإسرائيلية استخدمت برنامج “بيغاسوس” من أجل عمليات مراقبة لا تمت بصلة بـ “الحرب ضد الإرهاب”. فقد تم التنصّت على رؤساء بلديات إسرائيليين، ومديري دواوين وزارية، وفحص إيماءاتهم، وكشف علاقاتهم، ونقل حديثهم إلى من أمر بوضعهم تحت المراقبة. نفس الشيء بالنسبة إلى قادة حركة “الراية السوداء” الذين قادوا المظاهرات المطالبة باستقالة بنيامين نتانياهو، لما كان الأخير رئيسًا للوزراء. والأدهى هو أنه “تعقّب” أثر ابنه أفنير نتنياهو.
يرى الكاتب بأن الأزمة الديمقراطية داخل إسرائيل تتأجج، لتَفتح ملفات لم تكن تُفتح في السابق، أو لم تكن تزعج أحدًا. وهكذا يعود فجأة إلى سطح الذاكرة كون نفتالي بينيت جمع ثروته في مجال المراقبة الإلكترونية، ببيع شركتين من هذا النوع إلى الصناديق الأمريكية مقابل 100 مليون دولار، وقد حصل ذلك قبل عشر سنوات. ويُلاحظ أيضًا أحدهم أن الصديقة الحميمة للمسؤولة الثانية في حزب بينيت، وزيرة الداخلية أيليت شكد، هي المدعوة شيري دوليف، وهي الرئيسة المشاركة لشركة NSO. مضيفا بأن يوسي كوهين، رئيس الموساد الذي خرج إلى التقاعد مؤخرا، كان قد فكّر في الاستثمار في المراقبة الإلكترونية بالاشتراك مع جاريد كوشنر، صهر دونالد ترامب، وستيفن منوتشين، وزير الخزانة السابق. وكان المتحدث باسم NSO متحدثًا سابقًا باسم الجيش الإسرائيلي. أما في الولايات المتحدة، فقد اختارت NSO لنفسها مدافعًا هناك هو رود روزنشتاين، مساعد وزير العدل الأمريكي في عهد ترامب. وهكذا يبدو مجال المراقبة الإلكترونية الإسرائيلية كنادٍ خاصّ.
توترات بين واشنطن وتل أبيب
يرى الكاتب بأن السلطات الإسرائيلية، بطريقة ردّها، لم تعِ حقا أبعاد الفضيحة. واقتصرت باختصار على اعتبار أن التهجم على شركة NSO يعني إضعاف معسكر المدافعين عن الديمقراطية في مواجهة الإرهاب. لكن بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وضعت وزارة التجارة الأمريكية شركة NSO (وشركة أخرى تُدعى “كانديرو”) على قائمة سوداء للمنظمات والشركات التي تعتبر أنشطتها “مخالفة للأمن القومي أو لمصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة”.
لقد أسفر ذلك عن ثلاث نتائج. أولاً، ضربة قاسية لـ“دبلوماسية التكنولوجيا الإلكترونية” التي تطوّرت في عهد نتانياهو، والتي كانت تعتمد على بيع معدات المراقبة لحمل الدول على دعم إسرائيل. نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أن عدد العملاء في إسرائيل المستفيدين من منتج “بيغاسوس” سينخفض قريبًا من 103 إلى 37 فقط. ثانيا، تم استبعاد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمغرب من قائمة البلدان المستفيدة، في تعارض تام مع فلسفة “اتفاقيات أبراهم”، وفي محاولة لإرضاء الولايات المتّحدة. ثالثا، كان لقضية “بيغاسوس” تأثير أعمق على صورة إسرائيل الدولية؛ فقد أدى الكشف عن معلومات Forbidden Stories إلى إظهار أن هذا البلد يتصرف من نواح كثيرة كدولة مارقة.
صورة سيئة لإسرائيل
يرى الكاتب بأنه في الولايات المتحدة على الأقل، ساهمت قضية “بيغاسوس” خاصة في وضع الأساليب الإسرائيلية للسيطرة على الفلسطينيين في مركز الاهتمام الإعلامي. لقد سبق وشهدت صورة إسرائيل تدهورًا حادًا أثناء قصف غزة في ربيع 2021. وبقضية شركة NSO، جلبت المراقبة غير المحدودة للفلسطينيين اهتمام وسائل الإعلام. من بين الأمثلة على ذلك ما حصل في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حيث نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تحقيقًا معمقًا حول “برنامج واسع للتعرف على الوجوه” يُضاف إلى أدوات المراقبة الإلكترونية للفلسطينيين، والتي تم إرساؤها منذ سنوات. وقد أوضح التحقيق أن هذا البرنامج يعتمد على تضاعف الكاميرات وعملية اختراق للهواتف ذكية تسمىBlue Wolf (الذئب الأزرق). جميع السكان معنيون بهذا البرنامج، “بمن فيهم الأطفال وكبار السن”. وأسرّ جندي إسرائيلي للصحيفة الأمريكية أن هذا النظام “يقتفي أثر الفلسطينيين إلى منازلهم”. ويتحدّث جندي كان في الخليل عن “انتهاك لخصوصية شعب بأكمله”.
كذلك في فرنسا حيث “تودّ الشركات أن يكون لديها ما يُعادل الموساد”، يرفض قطاع التكنولوجيا العالية بأكمله رفضًا واسعًا الشركات الإسرائيلية الناشئة التي تعمل في مجال المراقبة الإلكترونية. وقد باتت الأخيرة، وفق ما جاء في جريدة “هآرتس”، توصف بـ“مرتزقة الإنترنت”. ونجد التعبير نفسه في الشكوى التي قدمتها شركة “ميتا”، الشركة الأم لموقع فيسبوك، ضد NSO وCowebs، وهي شركة إسرائيلية أخرى تطوّر برامج للولوج والتجسّس. ويتهم فيسبوك الشركتين بـ “إنشاء حسابات وهمية لزبائنه تقوم بمراقبة الإنترنت، وخاصة الشبكات الاجتماعية”. كما يتّهم فيسبوك أربع شركات إسرائيلية أخرى (هي “بلاك كيوب” و“بلو هوك” و“كونيايت” و“سيتروكس”) بالعمل “تحت الرادارات” للتجسس على حشد من الأفراد. ووفق “هآرتس”، يُظهر ملف فيسبوك “أن صبر قطاع التكنولوجيا العالية بدأ ينفد” في مواجهة انتشار هؤلاء “المرتزقة”.
خاتمة
يختم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن أسوأ نتيجة للقرار الأمريكي بإدراج “بيغاسوس” في القائمة السوداء هي اقتصادية. إذ لا توجد أي دولة في العالم تحتل فيها مبيعات الأسلحة والمعدات الأمنية مكانة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي كما هو الحال في إسرائيل، إذ يوظّف هذا القطاع وحده 10٪ من موظفي الدولة. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت أجهزة المراقبة الإلكترونية مصدرًا جديدًا للثروة، سريع التطور. ووفقًا للمديرية الإلكترونية الوطنية الإسرائيلية، فقد حققت هذه الأجهزة 3,4 مليار دولار من العائدات في عام 2021، أي 41٪ من إجمالي مبيعات قطاع الأمن، بما في ذلك الأسلحة.
أخيرا، يبدو التنظيم الدولي الفعال للمراقبة الإلكترونية غير واقعي في عالمنا هذا. لكن اعتماد بعض المعايير الجماعية المقبولة بشكل عام فكرة تزداد انتشارا. ليتفاقم معها قلق المسؤولين الإسرائيليين.
للتحميل اضغط هنا