د. كمال قبعة[*]

شجعت سياسة الإفلات من العقاب التي يتمتع بها المستوطنون وجنود الاحتلال الإسرائيلي، على ارتكاب المستوطنين جريمة حرق الرضيع علي دوابشة ووالده وأسرته وهم أحياء فجراً بتاريخ 31 تموز (يوليو) 2015 في قرية دوما بمحافظة نابلس. وهذه هي الحادثة الثانية التي يتم فيها إحراق طفل فلسطيني حي حتى الموت على يد مستوطنين إسرائيليين في غضون عام تقريباً، بعد حادثة حرق الطفل المقدسي محمد أبو خضير (16 عاما) حياً في الثاني من تموز (يوليو) 2014. وتأتي مثل هذه الجرائم من قبل المستوطنين في سياق تنفيذ سياسة انتقامية تعرف باسم “دفع الثمن”، والتي تقوم على مهاجمة أهداف فلسطينية، وكذلك مهاجمة جنود في كل مرة تتخذ السلطات الإسرائيلية إجراءات يعتبرونها معادية للاستيطان. وتشمل تلك الهجمات تخريب وتدمير ممتلكات فلسطينية، وإحراق سيارات ودور عبادة مسيحية وإسلامية، وإتلاف أو اقتلاع أشجار الزيتون. ونادراً ما يتم توقيف الجناة المجرمين.

تتناول هذه الدراسة تحليل ومتابعة ظاهرة بروز منظمات استيطانية إرهابية في الضفة الغربية، والتي تقوم بتنفيذ سياسة انتقامية تعرف باسم “دفع الثمن”، وذلك بمهاجمة أهداف فلسطينية والإضرار بالمساجد والممتلكات والمزروعات والأشجار، وتطورت بأساليبها الإرهابية باستخدام أساليب حرق أهدافها التي تتنوع ما بين الشجر والحجر والبشر. وتستعرض الدراسة عناصر البيئة الحاضنة التي نشأت وترعرعت فيها هذه التنظيمات الاستيطانية الإرهابية، بما في ذلك الرعاية والمساندة من قبل الحكومات والكنيست والقضاء والشرطة ولوبي الاستيطان الإسرائيلي، وكذلك دور الحاخامات المتعصبين وتلامذتهم. وقد تم تناول التبعات والتأثيرات ونتائج هذه الظاهرة الإرهابية على الصعيدين الإسرائيلي أولاً والفلسطيني ثانياً، لتبين أن الإرهاب لا حدود له وقد ينقلب على مؤسسيه ورعاته ومموليه، ولتتبع التوجهات العقائدية الإرهابية والعملياتية وأهدافها التي توسعت لتشمل المجتمع والنظام الإسرائيليين.

صحوة متأخرة

حدثت عمليات “تدفيع الثمن” الأولى في الضفة الغربية في عام 2008، حيث كانت العمليات في حينه انتقاماً فورياً على إخلاء البؤر الاستيطانية. وكانت الأهداف التي تمت مهاجمتها تتركز على سيارات ومنازل في القرى الفلسطينية، دون قصد إلحاق الضرر الحقيقي بالأرواح. وبدأ هؤلاء في العام 2013 يتسببون بضرر أكبر بالمساجد والكنائس في الضفة وداخل إسرائيل، ومحاولات أولية لإلحاق الضرر بالعرب. وطوال الوقت على مدار سنوات الاحتلال كان هؤلاء الإرهابيون يوصفون بـ”شواذ، أعشاب ضارة، أعمال فردية – هكذا قال المجموع اليهودي في إسرائيل”- كما يكتب أحد الصحافيين الإسرائيليين. ويستطرد ذاك الصحافي ليؤكد أن تياراً بات يبرز يميل إلى التحسب والخوف من إرهاب المستوطنين بعد حرق عائلة دوابشة في دوما،  ليصفهم بـأنهم “حارقو الأولاد والكنائس ومقتلعو الأشجار وكاسرو العظام”[1]. وقد وصلت حالة الخوف هذه إلى حالة من الفزع حتى في أوساط رؤساء المجمع الاستيطاني “يشع”، الذين طلبوا أموالاً من وزراء الحكومة “مُدعين أنهم يريدون استثمار هذه الأموال في التعليم ومعالجة الثقافة الثانوية غير القانونية لشباب البؤر الاستيطانية التي تطورت داخلهم” [2].

وكان من أبرز ردود الفعل على الجريمة ما كتبه رئيس إسرائيل رؤفان ربلين على صفحته الخاصة على الفيسبوك بعد زيارته لأفراد عائلة دوابشة في مستشفى تل هشومير، إذ قال “إني مت لأن أبناء شعبي اختاروا طريق الإرهاب”. وكتب بعد عودته على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي قائلا وباللغتين العربية والعبرية: “أشعر بالألم أكثر مما أشعر بالخجل المؤلم على قتل الرضيع، وآخر على اختيار أبناء شعبي للإرهاب طريقاً وفقدوا بالتالي إنسانيتهم، طريقهم ليست طريقي، وطريقهم ليست طريقنا”[3]. وإن كان هذا تعبيراً قد يكون صادقاً عن هول ما ألم به بعد رؤيته لعائلة دوابشة المنكوبة، إلا أنه يقر بوضوح أن “أبناء شعبي اختاروا طريق الإرهاب” وأنهم “فقدوا بالتالي إنسانيتهم”. وبالإضافة لهذا الاعتراف الهام وغير المسبوق، يضيف الرئيس الإسرائيلي اعترافاً ليس أقل أهمية من الاعترافين السابقين عندما يستطرد قائلاً: “ولأسفي الشديد يبدو حتى الآن أن معالجتنا لظاهرة الإرهاب اليهودي ضعيفة وهشة”[4]. وأضاف في وقت لاحق وقال: “نحن ندفن رؤوسنا في الرمال. نحن لا نفعل شيئاً كي نقضي عليهم [..] بهذه الطريقة سيجلبون علينا الخراب”[5].

تمثل هذه الاعترافات بدايات لصحوة متأخرة بدأت تظهر لدى عقلاء إسرائيل، والتي يمكن أن تتوقف بفعل التأثير الحاسم للوبي الإرهابي الاستيطاني في المجتمع الإسرائيلي، أو بفعل إقدام المتطرفين والغلاة من المستوطنين ليس فقط على إرهابهم وإقصائهم، بل وحتى الإقدام على تصفيتهم سياسياً أو حتى جسدياً.

تنظيم “تمرد” الإرهابي

إن أحد أبرز مظاهر ذلك الخراب الذي يتحدث عنه الرئيس الإسرائيلي، انكشف أثناء متابعة أجهزة الأمن الإسرائيلية لجريمة المستوطنين في قرية دوما، تم الكشف عن تنظيم يهودي، يدعى “تمرد”، وأن هذا التنظيم يقف وراء الاعتداءات الإرهابية، مثل إحراق بيوت فلسطينية ومساجد وكنائس، بينها كنيسة الخبز والسمك في طبريا. وتبين لتلك الأجهزة أنه في نهاية العام الماضي طرأ تغير على أفكار أعضاء التنظيم، بحيث أصبحوا يؤيدون قتل فلسطينيين من خلال إحراق بيوتهم، بعد أن كانوا يرفضون ذلك في الماضي. وتم العثور خلال حملة اعتقالات ضيقة جدا في صفوف أعضاء تنظيم “تمرد” على وثائق توضح أفكارهم. وجاء في إحدى الوثائق، التي يعتقد أنه كتبها مائير إتينغر[6]، الذي يعتبر زعيم التنظيم وهو حفيد الحاخام مائير كهانا، وعضو آخر في التنظيم يدعى موشيه أورباخ، أن “نقطة انطلاق التمرد هي أنه لا حق في الوجود لدولة إسرائيل، ولذلك فإننا لسنا ملتزمين بقواعد اللعبة. ودولة إسرائيل هي مبنى أسسه ضعيفة، جدرانه آيلة للسقوط، تتسرب منه المياه من جميع الاتجاهات، وهدمه وبناؤه من جديد مكلف أقل بكثير من ترميمه”[7]. وتم تفصيل طريقة هدم دولة إسرائيل في الوثيقة على النحو التالي: “يوجد لدولة إسرائيل الكثير من نقاط الضعف. وما يجب علينا فعله هو إشعال كل براميل المتفجرات هذه. وفي نهاية المطاف فإن الهدف هو ضعضعة أسس الدولة إلى أن يضطر اليهود إلى الحسم إذا كانوا يريدون الثورة أو قمع التمرد”[8]. وتفصل الوثيقة أيضا خمسة براميل للبارود يجب تفجيرها: رفض تنفيذ الأوامر وعدم الاعتراف بالمحكمة؛ تأجيج الحرم وإغلاقه وتنظيم اقتحامات إلى داخله؛ مظاهرات ضد الكنائس والمطالبة بتدميرها، وضد السفارات الأجنبية؛ تفجير الموضوع العربي-الإسرائيلي، الدروز والبدو؛ وفرض الدين على الجمهور. وتعتبر الوثيقة أن “كل ذلك سيؤدي إلى تحقيق الحلم: تنصيب ملك في إسرائيل، وفرض قانون الدين، وطرد كل من هو غير يهودي، والأهم من كل شيء إقامة الهيكل الثالث”[9].

هكذا يتبين، أن في أحشاء الاستيطان قد ترعرع ونما ليس فقط الإرهاب الاستيطاني ضد الفلسطينيين، بل أن مجموعات وتنظيمات الإرهاب تلك باتت ترى في دولتها الأم وهي إسرائيل طبعاً، التي أنشأتها وحمتها ويسرت لها كافة إمكانات البقاء والتطور، عبئاً يتوجب التخلص منه، ونظاماً غير مناسب لها يتوجب إنهاؤه واستبداله ليس بالطرق السلمية بل بتفجيره بكامله.

ارتداد السحر على الساحر

ويكتب أحد أبرز الصحافيين الإسرائيليين أن “المستوطنين أوجدوا الدولة وداخلها نشأ الشعب– شعب الاستيطان، لديه ثقافة ولغة خاصة به، مبادئ وأخلاق خاصة، وجماعة تجتمع حول مفكرين وحاخامات يقتلون ويحرقون”، وأنه “ليس إحراق عائلة دوابشة هو الذي يثير القلق الآن بل الثقافة التي أوجدت هذا الفعل”[10]. وقد ذهب أحد الكتاب الإسرائيليين إلى ضرورة إحياء “فكرة قديمة، لكنها لم تختف. ولدت في أوساط اليمين، لكن هذا لا يعني أنها فكرة سيئة. […] دولتان لشعبين. دولة إسرائيل ودولة يهودا. اقترح الحل من قبل أوساط دينية وقومية في الثمانينات، وهو يطرح من جديد في كل مرة تتم فيها إزالة بؤرة استيطانية”[11]. وقد كثرت في الأيام الأخيرة متابعات الصحافة الإسرائيلية بشأن هذا الموضوع، وبات من الممكن قراءة عناوين بارزة بشأن الوجود الفعلي لما تسمى بدولة يهودا وبداية افتراقها عن الدولة الأم وهي دولة إسرائيل[12].

وأعرب رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي الأسبق يوفال ديسكين، عن قلقه الشديد حيال تشكيل دولة دينية تحكم بالشريعة اليهودية وتحمل اسم [يهودا] كما يطمح إلى ذلك المتطرفون اليمينيون، وأوضح أن “المتطرفين يحاولون تطبيق فكرة [دولتين لشعبين] على طريقتهم، وذلك من خلال إقامة دولة يهودا بحكم الواقع إلى جانب دولة إسرائيل”[13]، ويشير كاتب إسرائيلي آخر إلى أن “الإرهاب اليهودي يسعى لأم العمليات، عملية نهاية العالم في المساجد في الحرم. عندها سنحترق جميعا وليس فقط عائلة واحدة تعيسة في قرية دوما”[14]. ويكتب آخر “هؤلاء الأشخاص لن يصمتوا حتى يهدموا الحرم ونجد أنفسنا في حرب يأجوج ومأجوج”[15].

وهكذا فقد بدأ يرتد السحر على الساحر وبدأت إسرائيل تجني نتاج ما زرعته بأيديها، أو كما يكتب أحد الصحافيين: الأعشاب السامة التي تم زرعها في الضفة الغربية قبل نحو عقدين، ومرت بتناسخ أيديولوجي وتغييرات بين الأجيال، غيرت أسماء وحاخامات، والآن هي أعشاب مفترسة. وقد استقت تلك الأعشاب المفترسة أيديولوجيتها من ثلاثة مصادر: حركة كاخ التابعة للحاخام كهانا وبناتها، نظرية الحاخام غنزبورغ وتأثيراتها المسيحانية المتطرفة، ومدرسة هار همور الدينية. هذه المدرسة مثل “عطيرت كوهنيم”، و”العائدين إلى الخليل” ومدارس أخرى تسمى مدارس “الخط”، “تعكس التوتر بين الحاجة إلى الانغلاق أمام المجتمع الإسرائيلي – الذي يعتبر ما بعد عصري ومندثراً ويستحق الإهانة – وبين الحاجة إلى الانتماء للمملكة ولا سيما التأثير عليها”. ويضيف بأن هناك اعتقاداً لدى المستوطنين الإرهابيين بأن “مملكة إسرائيل الأولى توجد على خط الإنتاج، برعاية ائتلافات نتنياهو، التي كان مصنعها الوحيد هو مصنع الاستيطان. وتلال الضفة الغربية مليئة بالمجانين دون أن يشوش عليهم أحد […] وبعد كل شيء، صعدوا إلى التلال لكونهم أحفاد غوش إيمونيم، التي أنجبت الخلايا اليهودية السرية، التي أنجبت خلايا بات عاين، التي أنجبت فتيان التلال، التي أنجبت إذا شئتم، التي أنجبت لهفاه، التي أنجبت التمرد”[16]. وفي مقال مطول لداعية السلام مؤسس حركة «السلام الآن» أوري أفنيري[17] يرى أن “إسرائيل اختفت وتسيطر مكانها الدولة اليهودية [.. و]” نحن نشهد الآن تحولا نحو اليهودية، اليهودية الجديدة، المتعصبة، العنيفة، والآن القاتلة. يمكن لهذه اليهودية دفن الدولة، كما دفنت الهيكل الثاني”. ويؤكد ثلاثة رؤساء سابقين في “الشاباك” وهم: آفي ديختر ويعقوب بيري وعامي أيالون، شعورهم بالقلق من تهديد الجماعات الإرهابية اليهودية. وقال الجنرال (احتياط) عامي أيالون بأن تلك المجموعات الإرهابية “تحظى بدعم سياسي وبقيادة أيديولوجية وتدعم استخدام السلاح”.

شبكة رعاية وحماية وأمان

ويشير كاتب آخر إلى أكذوبة الادعاء أن هناك صعوبة لدى “الشاباك” في مواجهة تنظيمات الإرهاب اليهودي وتقديم لوائح اتهام ضد المشبوهين، مستنداً إلى أقوال إسرائيل حسون، الذي خدم في “الشاباك” 23 سنة، إضافة إلى منصب رئيس الجهاز، التي كشف فيها أنه “لا توجد أعمال لـ[ تدفيع الثمن] غير مكشوفة، توجد حالات تمر بدون عقاب”؛ وقال حسون، “لا أعتقد أن الشاباك لا يعرف من هو المسؤول عن أعمال [ تدفيع الثمن]، وربما أيضا العملية في دوما. لكنه لا يملك الأدوات المطلوبة من أجل تحويل البلاغ إلى لائحة اتهام”. ويضيف بأن الإرهابيين من المستوطنين “يخرجون من المحكمة مع عقوبات مضحكة”، وأن “الشاباك يعمل بأيدٍ مكبلة”، وأنه كان يتوجب منذ 3–4 سنوات “الإعلان عن نشاط [تدفيع الثمن] كإرهاب بكل معنى الكلمة”..[18].

وفي هذا السياق، أعلنت منظمة “يش دين” (حق) الإسرائيلية المناهضة للاستيطان عن 642 شكوى قدمها الفلسطينيون ضد “المستوطنين” منذ عام 2005، لكن السجلات تفيد بأن 91 في المائة من هذه الملفات أغلق، وكان التبرير عدم وجود أدلة أو أن الجاني غير معروف! وشهد عام 2014 ارتفاعا في فتح ملفات تحقيق، ويتحدث عن 30 ملف تحقيق جرى التحقيق فيها واعتقال عدد من المتطرفين، ولكن اللافت في كل هذه التحقيقات وهذا العدد الكبير من الاعتداءات فإن المحكمة الإسرائيلية حكمت مؤخرا على ثلاثة مستوطنين بالسجن الفعلي لثلاث سنوات، بعد إدانتهم بحرق سيارات فلسطينية واعتداءات، وهذه الحالة تقريبا الوحيدة التي يصدر فيها حكم بالسجن الفعلي، حيث انتهت العديد من القضايا إما بالإفراج عن المستوطنين أو إبعادهم عن الضفة الغربية. وقال تقرير أصدرته منظمة “يش دين” للدفاع عن حقوق الإنسان، بتاريخ 18 أيار (مايو) 2015، إن المستوطنين يفلتون بشكل واسع من العقاب عند مهاجمة فلسطينيين بالضفة الغربية المحتلة، مشيرة إلى أن 85.3 في المائة من الشكاوى التي يقدمها فلسطينيون يتم إغلاقها بسبب عدم قدرة المحققين على اعتقال المشتبه بهم أو جمع أدلة كافية لتقديم لائحة اتهام بحقهم. وبحسب التقرير، فإن 7.4 في المائة فقط من الشكاوى تؤدي إلى تقديم لوائح اتهام ضد المشتبه بهم، بينما لا تؤدي إلا ثلث لوائح الاتهام إلى إدانة المشتبهين. وأكدت “يش دين” أن “احتمال أن تؤدي شكوى تقدم بها فلسطيني إلى الشرطة الإسرائيلية إلى تحقيق فعال، يليه اعتقال مشتبه به وإدانته هو 1.8 في المائة فقط”، مضيفة أن التقرير “يكشف صورة مقلقة عن سلوك قوات الأمن (الإسرائيلية) بشكل عام، والشرطة بشكل خاص في مجال الجرائم القومية، كالعنف وتخريب الأملاك ومصادرة الأراضي وغيرها”. وتشمل تلك الهجمات تخريب وتدمير ممتلكات فلسطينية وإحراق سيارات ودور عبادة مسيحية وإسلامية وإتلاف أو اقتلاع أشجار زيتون، ونادراً ما يتم توقيف الجناة.

وبالإضافة إلى كل ذلك، كشف تقرير مفصل للقناة الإسرائيلية العاشرة[19] عن حجم الأموال التي تقوم حكومة نتنياهو بتسريبها للمتطرفين اليهود والمنظمات الإرهابية التي خرج منها القتلة ومنفذي عمليات الحرق، ومنظمة تدفيع الثمن، وتقوم بنقل هذه الأموال خلسة ومن الباب الخلفي لدعم هذه المنظمات، حيث حولت في العام 2013 مبلغاً وقدره 2.02 مليون شيكل للمستوطنات العشوائية، ليصل المجموع العام التراكمي 242 ألف شيكل. وفي تفسير الأرقام أن حكومة نتنياهو توفر مخصصات مالية لعائلات الإرهابيين اليهود، وتقوم بتعيين محامين حكوميين عنهم أو تدفع أجور المحامين، وتصرف مخصصات لهم ولعائلاتهم حيث وصل المبلغ إلى 479 ألف شيكل. ومن الأرقام أن هناك مصاريف ترويحية عن المعتقلين الإرهابيين اليهود بمبلغ 196 ألف شيكل ودعم لعائلاتهم بمبلغ 47 ألف شيكل.

بهذه العجالة من إيراد المعطيات، تظهر شبكة الرعاية والمساندة والحماية والتمويل التي تحظى بها منظمات الإرهاب الاستيطاني، وذلك بعكس ما تروجه إسرائيل من تزوير للحقائق كما بدا واضحاً.

إسرائيل عارية ومشلولة

اختصر يوسي سريد وصف حالة إسرائيل بالقول: “أسئلة وجودية حقا لم تُسأل هنا من قبل. وحتى الأكاذيب كانت مسلمات. لأول مرة، بعد أربعة عقود، تقف إسرائيل في عريها –وليس مثلما في يوم مولدها؛ بدون ورقة تين، ولا حتى بورقة زيتون”[20]. وفي تحليل وصفي كتبه أحد الكتاب الإسرائيليين[21]، بشأن المأزق الإسرائيلي تجاه إرهاب المستوطنين ومنظماتهم ورعاتهم من الحاخامات، ما يصف واقع الحال الإسرائيلي على حقيقته، بقوله: “أعمال فظيعة مثل حرق الطفل هي في نهاية المطاف أعراض مرض عميق، وهي تعطينا إشارة على خطورة وضعنا… القيادة الإسرائيلية لم تفهم بعد –أو ترفض الاعتراف بالحقيقة– أن الإرهاب اليهودي في داخلها أعلن الحرب عليها، وأنها غير قادرة أو تخاف أو غير مواظبة فيما يتعلق بضرورة تحليل هذا الإعلان بكلمات واضحة […] الواقع الذي أوجده نتنياهو وأصدقاؤه (وأغلبية أسلافه في مكتب رئيس الحكومة) وهو غض النظر عن المستوطنين والتضامن معهم – هذا الواقع حولهم إلى مشلولين وقليلي الحيلة”. ويبدو أن مرد قلة الحيلة وسببها كما يؤكد المحلل العسكري روني دانييل في القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي[22]: “أن هؤلاء ليسوا مجرد مئات من الإرهابيين اليهود، وإنما لديهم حماية كاملة من طبقات قوية من البرلمانيين والوزراء والحاخامات، ما يفسر تردد المحاكم والمستوى السياسي في ملاحقتهم”.

إن العري والشلل الإسرائيلي، هو نتيجة ما فعلته أيدي وأجهزة ومؤسسات إسرائيل السياسية والأمنية والتشريعية والدينية، بعدما كانت تعتقد بأن للإرهاب الذي أنشأته ورعته ومولته وحمته، حدوداً يتوقف فيها عند إرهاب الفلسطينيين وإيذائهم وصولاً لحرقهم أحياء، فإذا به قد أضحى في عقر دارها وبين جنباتها ويستهدف نظامها بل وحتى كيانها.

حرق عائلة دوابشة إنذار بالأخطار القادمة

إن كان كل ما تقدم قد حاول تناول مفاعيل الإرهاب الاستيطاني على إسرائيل، فإن الأكثر تضرراً من الإرهاب الاستيطاني هو الشعب الفلسطيني، والذي ليس فقط أيديه بل وأجساده وأجساد أبنائه وبيوته ومزارعه ومساجده وكنائسه في النار. فقد دأبت حكومات إسرائيل المتعاقبة بسياستها على تدعيم وحماية ورعاية قوة الجماعات الإرهابية اليهودية مثل “جباية الثمن” و”شباب التلال” وغيرها، والتي نفذت عدة عمليات إرهابية ضد الفلسطينيين والمقدسات. فقد كان الدعم والرعاية المقدمان من حكومة نتنياهو للاستيطان والمستوطنين، إلى جانب تجاهلها للعمليات التي يقومون بها في الضفة الغربية التي شملت تخريب ممتلكات وتدنيس المساجد والكنائس والأديرة، العامل الحاسم الذي أدى لاندفاع تلك المجموعات الإرهابية نحو المزيد من التغول والاستشراس والمزيد من اقتراف الجرائم الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني. وتجاهل الساسة الإسرائيليين تأسيس جماعة “جباية الثمن” الإرهابية وغضوا الطرف عن نشاطها الإرهابي في الضفة الغربية والداخل المحتل؛ فقد نفذت المجموعة أكثر من 700 اعتداء إرهابي؛ نصفها عام 2014، أما عام 2015 فقد كانت آخر عملية قبل حرق الدوابشة هي حرق كنيسة تاريخية في طبريا الشهر الماضي، ولم تبذل الأجهزة الأمنية جهداً فيها ولم تقدم لوائح اتهام. سمحت هذه السياسة المنهجية في ظهور “دولة للمستوطنين”، التي لا تحكمها أي قوانين إلا قانون الإرهاب الذي ينطلق منه المستوطنون لممارسة كافة أشكال الإرهاب والاعتداءات ضد الفلسطينيين، جنباً إلى جنب مع السياسة الرسمية القائمة على مصادرة الأراضي والموارد الطبيعية الفلسطينية وتسخيرها للمستوطنين. وقد تقصدت الحكومات المتعاقبة منح المستوطنات المقامة في محيط المدن الفلسطينية لغلاة المستوطنين، الذين يعجز الإسرائيلي عن مجاراتهم أو التعايش معهم في المدن الإسرائيلية.

حظي هؤلاء الذين نبذهم المجتمع الإسرائيلي نفسه بدعم حكومي على مر الزمن، وبدعم غير مسبوق من الحكومتين الإسرائيليتين المتتاليتين الأخيرتين برئاسة بنيامين نتانياهو، علماً أن هناك سبعة من وزراء الحكومة الإسرائيلية الحالية من سكان تلك المستوطنات وجمهور ناخبيهم بات من المستوطنين، وهناك لوبي استيطاني مسيطر في الكنيست، وهناك أيضاً فكر وفتاوى حاخامية تتسرب وتزرع في أدمغة غُلاة المستوطنين؛ الأمر الذي أدى إلى تشريع قوانين عنصرية تشكل شبكة أمان لإرهاب المستوطنين، وتضع العراقيل القانونية والإجرائية التي تحول دون معالجة إرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين، وتسبغ الحماية الدينية على إرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين. وبهذا السياق يكتب أحد الإسرائيليين: “الحقيقة أن الإرهاب اليهودي هو جزء من حملة الاستيطان في الضفة دائماً وأبداً. [ ونتيجة] التحريض السياسي والحاخامي الذي أوجد الإرهاب اليهودي بأجياله”[23]. في ظل هذه البيئة التي وفرتها الحكومة والكنيست الإسرائيلي وغُلاة الحاخامات المتطرفين، ظهرت ونمت وترعرعت ظاهرة التنظيمات الإرهابية في أوساط المستوطنين، التي كانت توجه كل عملياتها الإرهابية ضد الفلسطينيين، ونادراً ما تحرشت بالمناوئين لها.

تحولات وتوجهات خطيرة

تمثل العملية الإرهابية للمستوطنين في قرية دوما، التي أدت إلى حرق عائلة بكامل أفرادها مما أدى إلى استشهاد الطفل الرضيع ووالده، تطوراً نوعياً وتحولاً أيدلوجياً خطيراً في العمليات الإرهابية التي تقترفها عصابات الاستيطان. ويتمثل هذا التطور والتحول الخطير عند من كانوا يسمون “تدفيع الثمن” أو “فتيان التلال”، في ما اكتشفته الأجهزة الأمنية والشرطة الإسرائيلية في نهاية2014  ويتمثل في وصول الإرهابيين المستوطنين إلى استنتاج أن إحراق المساجد قد استنفد، وأنه يجب الذهاب إلى خطوة أوسع. وقد جاءت بعض تلك الأفكار في وثيقة صادرها المحققون عند موشيه اورباخ عنوانها “مملكة الشر”، وهي تضم الأسس الفكرية لتصعيد الهجوم ضد المواقع الدينية وضد العرب، وتقدم اقتراحات عملية حول كيفية التملص من المطاردة والتحقيق[24]. وتشمل وثيقة “مملكة الشر” على تعليمات عن كيفية إحراق المساجد والمنازل: “أحيانا نمل من التسبب بالضرر للممتلكات، نحن نريد توجيه ضربة تثبت أننا نقدر… نحن نريد إحراق البيت نفسه بمن فيه”، كتب أورباخ، “ما الفرق بين البيت والمسجد؟” يسأل ويجيب: “من جهة الصهاينة هذا أمر أكثر تعقيدا لأن الحديث يدور عن إحراق وعن محاولة للقتل. ويوجد أيضا خطر التصادم المباشر مع سكان المنزل. لذلك يجب التسلح بزجاجة حارقة ويفضل أن تكون بحجم لتر ونصف اللتر مع قداحة وقفازات وقناع وهراوة ومطرقة وحقيبة. عندها يتم الوصول إلى القرية والبحث عن منزل بابه مفتوح أو نافذته مفتوحة وبدون حماية. لم تجدوا؟ إذاً، ابحثوا عن بيت ضعيف يمكن اختراقه بسهولة. وعند فشل الاقتحام يتم خلع نافذة”[25]. وهذا ما حدث في دوما بالضبط.

ويعبر رئيس منظمة “ليهافا” الإرهابية اليهودية بنتسي غوبشطاين، بشكل واضح عن تأييده لحرق كنائس، خلال ندوة عقدت في معهد ديني يهودي في القدس في الرابع من شهر آب (أغسطس) الماضي، عندما سأله صحافي: “هل تؤيد حرق كنائس في أرض إسرائيل، نعم أم لا؟”، فرد عليه غوبشطاين: “الرمبام (الحاخام موسى بن ميمون)… قال يجب أن نحرق. هل أنت ضد الرمبام أم تؤيده”. وأضاف: “بالتأكيد أؤيد. هذا (موقف) الرمبام. ببساطة نعم أؤيد، ما الغريب في الأمر؟”. وحاول عدد من الحاضرين تحذيره بالقول ” لقد صوروك وسجلوك للتو. وهذا سيصل إلى الشرطة وستعتقل”، فأجاب غوبشطاين: “هذا آخر ما يقلقني”؟![26]. ورغم ذلك تدعي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أنه ليس بحوزتها أدلة ضد منظمة “ليهافا” تسمح بالإعلان عنها كمنظمة إرهابية.

الإرهاب الاستيطاني في تزايد واضطراد

وقد بات من الملاحظ تزايد العمليات الإرهابية من قبل المستوطنين وخاصة في العام 2011، إذ شهد ذاك العام  بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية “أوتشا”[27]، زيادة بنسبة 40 في المئة في المعدل الأسبوعي للحوادث التي يرتكبها “المستوطنون” وتؤدي إلى إصابات في صفوف الفلسطينيين أو أضرار بممتلكاتهم، مقارنة بعام 2010. وكمثال على هذا التصعيد أقدمت عصابة “دفع الثمن” اليهودية المتطرفة على اقتلاع عشرات أشجار الزيتون وكتابة شعارات مناوئة للفلسطينيين في قرية نحالين قضاء بيت لحم قرب مستوطنة “بات عاين”. وقام مخربون بثقب إطارات سيارة في مدينة عكا وكتبوا عليها شعار “دفع الثمن” ورسموا نجمة داود. وكان هذا الاعتداء الخامس من نوعه خلال أسبوع، حيث تم الاعتداء على سيارة عامل فلسطيني في مستوطنة “يوكنعام” وثقبت إطاراتها وجرى الاعتداء على مسجد الرحمة في الفريديس وثقب إطارات سيارات مواطنين هناك، كما كتبت شعارات تطالب بإغلاق المساجد. وتعرضت مئات أشجار الزيتون لأضرار في قرية رأس كركر الواقعة بجانب مستوطنة “نيريا”  شمال غرب رام الله، هذا إضافة إلى الاعتداء على مسجد عراق الشباب في أم الفحم وحرق مدخله الرئيسي[28]. وتلا ذلك بفترة قصيرة قيام  العصابات بعمليتين من أعمال الإجرام والإرهاب خلال يوم واحد، بحرق جزء من مسجد قرية الجبعة جنوب غرب بيت لحم، وإضرام النار كذلك في مبنى الحلقة الدراسية اللاهوتية في كنيسة رقاد السيدة في مدينة القدس، والإساءة للديانتين الإسلامية والمسيحية بخط عبارات وشعارات عنصرية، كما هي عادة هذه العصابات في مسلسل الاعتداءات ضد أماكن العبادة، وضد المواطنين الفلسطينيين الذين تهددهم هذه العصابات في حياتهم وفي ممتلكاتهم.

وقامت جماعات “دفع الثمن” اليهودية الإرهابية بآلاف الأعمال الإجرامية بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم الإسلامية والمسيحية، منذ عام 2008، سواء في الداخل الفلسطيني أو في الضفة الغربية أو مدينة القدس المحتلة، وطالت اعتداءات هذه الجماعات عدداً من البلدان منها حرق مسجد طوبا الزنجرية وحرق سيارات في قرى نين وأم القطف وكتابة شعارات عنصرية ضد الطلاب العرب في مدينة صفد وشعارات عنصرية على كنائس ومقابر مسيحية في مدينة يافا. بالإضافة إلى حرق سيارات فلسطينيين في أحياء شرقي القدس مثل الشيخ جراح والعيزرية، كما طالت أعمالهم العدوانية قرى ومدن الضفة الغربية خاصة حرق المساجد وحرق السيارات وحرق حقول مزروعة، خاصة كروم الزيتون، وإغلاق شوارع بوضع صخور أو مسامير لإعطاب المركبات، في قرى مثل الخضر قضاء بيت لحم وياسوف قضاء نابلس وقصرة قضاء نابلس وغيرها.

وتؤكد كافة المعطيات من مصادر عديدة أن اعتداءات هذه العصابات تجاوزت 352 اعتداء عام 2013 بارتفاع يصل إلى 32% عن اعتداءات عام 2012، واستمرارها بنفس الوتيرة في عام 2014، ما يؤكد أن هذه الأعمال الإجرامية والإرهابية هي أعمال منظمة وتجري تحت سمع وبصر حكومة إسرائيل وجهات عسكرية وأمنية إسرائيلية. وقد ارتفعت جرائم عصابات “دفع الثمن” بنسبة 200% ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية بحسب تقرير إسرائيلي في أيار عام 2014، إلا أنه بالرغم من هذا الارتفاع الهائل، فإن مرتكبي هذه الجرائم لا يزالون يتجولون بحريّة. وعزا التقرير تفاقم جرائم العنصريين الذين أسماهم الكاتب الإسرائيلي التقدمي عاموس عوز بـ”النازيين الجدد العبريين”، إلى التماشي الهادئ للمؤسسة الاستيطانية مع هذه الظاهرة، أو بسبب عجز سلطات فرض القانون على الجرائم التي يرتكبها يهود عنصريون[29].

وأكدت معطيات رسمية إسرائيلية، أن جرائم المستوطنين خلال النصف الأول من العام الجاري (2015) قد تراجعت من حيث العدد، لكنها باتت أكثر خطورة وعنفًا في نوعيتها وآثارها. وأكدت آخر تلك المعطيات الإسرائيلية[30]، أن المستوطنين نفذوا 141 عملية إرهابية خلال النصف الأول من عام 2015، مقابل 328 عملية إرهابية في الفترة ذاتها من عام 2014، و568 عملية أيضًا في هذه الفترة من عام 2011. وشملت تلك العمليات تدمير ممتلكات فلسطينية ومواجهات عنيفة بين المستوطنين والفلسطينيين، لكن وتيرة هذه العمليات في هذا العام كانت أكثر عنفًا حيث حاول المستوطنون المس الجسدي بالفلسطينيين وعدم الاكتفاء بالمساس بأملاكهم. وسجلت تلك المعطيات 14 مواجهة عنيفة بين المستوطنين وفلسطينيين في حزيران الماضي، بينها 10 هجمات عنيفة بادر بها المستوطنون، كما سجلت 13 عملية “احتكاك متبادل” في أيار، و16 عملية إرهابية بحق أشخاص فلسطينيين، بالإضافة لعملية تخريب واحدة استهدفت ممتلكات فلسطينية.

بؤر التهديد الإرهابي

وقد أشار تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية “أوتشا” سابق الذكر، إلى تهجير سكان مجمع ضم 127 شخصاً بسبب هجمات المستوطنين المتكررة، فانتقلت عائلات متضررة للعيش في المنطقتين أ (التابعة أمنياً وإدارياً للسلطة الفلسطينية) وبـ(التابعة فقط إدارياً للسلطة)”. وخلص التقرير إلى “أن ما يزيد على 80 مجمعاً سكنياً فلسطينياً يسكنها ما مجموعه 250 ألف فلسطيني، عرضة لعنف المستوطنين، وأن من بينهم 76 ألف شخص معرضون لخطر متزايد”. ولعل التدقيق في واقع تلك التجمعات المهددة بإرهاب المستوطنين، يظهر أن أكثر القرى تضررًا من عنف المستوطنين على الإطلاق هي قرية بورين الواقعة غربي مدينة نابلس، يليها بفارق كبير من حيث عدد الاعتداءات قرية عراق بورين الواقعة جنوب مدينة نابلس، ومن ثم خربة صفا وقرية جيت جنوب غرب مدينة نابلس. ويظهر أيضاً أنّه من ضمن الاعتداءات التي تم فيها تحديد هوية المستوطن المعتدي ومكان سكناه، تصدرت مستوطنة “يتسهار” جنوب مدينة نابلس قائمة المستوطنات التي خرج منها المعتدون، تليها مستوطنة “كيدوميم” و”حفات جلعاد” و”براخا” في محافظة نابلس أيضًا، ومن ثم “كريات أربع” و”بات عاين”، قرب مدينة الخليل ومستوطنة “حلاميش” شمال مدينة رام الله. وقد خرج أغلبية المستوطنين المعتدين من المستوطنات السبع المذكورة.

وتعتبر مستوطنة “يتسهار” بؤرة نشاط اليمين المتطرف الذي يتحمل مسؤولية الجرائم الإرهابية، وبحسب تقرير لصحيفة إسرائيلية[31]، فإن الخلفية الأيديولوجية لذلك تكمن في الأقوال التي نشرها الحاخام يتسحاك غينزبورغ، والذي يتركز غالبية تلاميذه في هذه المستوطنة. وينسب لغينزبورغ فكرة الانتقام من الفلسطينيين، سواء عن طريق ارتكاب المجازر على طريقة باروخ غولدشطاين (مجزرة الحرم الإبراهيمي) أو إحراق ممتلكات، باعتبار هذه الجرائم هي “التجسيد العميق للفعل اليهودي الخالص”. ومن المرجح أن ناشطي “تدفيع الثمن” المركزيين يعملون بموجب أفكاره. ويضيف التقرير أنه إلى جانب غينزبورغ هناك عدد من الرابانيم الذين يحرضون على القيام بجرائم مماثلة، بينما يتركز غالبية الناشطين في “يتسهار”، وفي البؤر الاستيطانية في التلال في منطقة رام الله، وفي جنوب جبال الخليل.

وصدر كتاب “عقيدة الملك”[32] في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، وهو من تأليف الحاخامين “يتسحاق شابيرا” و”يوسيف اليتسور” من مستوطنة “يتسهار” المجاورة لمدينة نابلس. وأكّد المؤلّفان أنّ “في الحرب على مصير أرض إسرائيل ينبغي قتْل الأغيار. فالأغيار الذين يطالبون بهذه البلاد لأنفسهم، يسلبونها منّا، في حين هي إرث لنا من آبائنا”. وأكّد المؤلّفان: “قرّر حكماؤنا العظماء أنّ أفضل الأغيار في فترة الحرب “هو الميّت”، إذ لا يوجد مجالٌ لإصلاحهم لأنّ خطرهم وخبثهم عظيمان. أمّا في شأن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين يوم واحد وسنّ الرّشد، فبالإمكان قتلهم “بسبب الخطر المستقبليّ الذي يشكّلونه إذا سمح لهم بالعيش ليكبروا فيصبحوا أشراراً مثل أهلهم”. وفي شهر حزيران (يونيو) 2011 جدد الحاخام المتطرف “إسحاق شابيرا” فتاواه الداعية إلى قتل غير اليهود، وذلك من خلال الجزء الثاني من  كتاب “عقيدة الملك” والذي يتضمن فتاوى تبيح قتل أي شخص غير يهودي بما في ذلك الأطفال الرضع من العرب.

ويتبين دور حاخامات مستوطنة يتسهار القريبة من مدينة نابلس، عند توزيع المعطيات بحسب نوعية المستوطنة والذي يظهر أنّ غالبية الاعتداءات ارتكبها مستوطنون من المستوطنات الدينية، تليها المستوطنات المختلطة ومن ثم العلمانية وأخيرًا مستوطنات الحريديم. وقد جاءت الوقائع على الأرض لتثبت ما تقدم، إذ وحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان فإن نابلس تعرضت لأعلى عدد اعتداءات  خلال العام 2014 بواقع 192 اعتداء، تلتها الخليل بواقع 165 اعتداء، هذا إلى جانب كل من القدس 128 اعتداء، ورام الله 124 اعتداء، و19% من الاعتداءات حرق، و17% منها اعتداء على الممتلكات الخاصة. وبحسب الهيئة فإن شهر حزيران 2014 كان بداية تصاعد أعمال العنف من قبل المستوطنين، وشهر تموز من ذات العام كان الذروة بواقع 112 اعتداء.

المجلس الوزاري الإسرائيلي شبكة الحماية والأمان للإرهاب

بعد تفاقم أعمال المستوطنين الإرهابية وامتدادها لتطال حتى الاعتداء على قوات الجيش والشرطة الإسرائيلية في النصف الأول من حزيران (يونيو) عام 2013، تداعى المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر السياسي الأمني وقرر تخويل وزير الأمن موشيه يعلون للإعلان عن نشطاء وجماعات “دفع الثمن” اليهودية المتطرفة كتنظيم محظور[33]. وبهذا القرار فقد رفض المجلس الوزاري المصغّر توصية وزيرة القضاء تسيبي لفني ووزير الأمن الداخلي يتسحاق اهرونوفيتش وجهاز الأمن العام –الشاباك- والقاضية بالإعلان عن “دفع الثمن” كتنظيم إرهابي، كما أعلن في النصف الأول من الثمانينات أن حركة “كاخ” هي منظمة إرهابية وكذلك حركة “كهانا حي”، مما مكن الجهات الأمنية من أن تصل بسهولة أكبر إلى الإرهابيين. وعللّ نتنياهو رفضه للإعلان عن جماعات “دفع الثمن” كجماعات إرهابية بأن هكذا إعلان سيكون خطأً نحو الأسرة الدولية، حيث سيشوّه هذا الإعلان صورة إسرائيل أمام العالم، وسيزيد الشعور بعدم شرعية الدولة. يبدو أن ما يهم رئيس الحكومة هو كيف ستنظر إليه الأسرة الدولية، على اعتبار أنه يجب المحافظة قدر المستطاع على ماء وجهها. وجاء في بيان مجلس الوزراء أن القرار بالإعلان عن “دفع الثمن” كتنظيم محظور سيوسع صلاحيات العمل الاستخباري والتحقيقات السرية وتوسيع صلاحيات جهاز الأمن العام وجهاز الشرطة، بما يخص عمليات “دفع الثمن” ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية أو ضد مؤسسات ومساجد وكنائس في الداخل الفلسطيني.

على أن هذا ليس فقط غير كافٍ ولا يتصف بالفعالية، ويشكل نوعاً من الحماية للإرهاب الاستيطاني، بل إن “تعريف [ تدفيع الثمن] بأنها [ تجمع غير مسموح به] بحسب تعليمات الطوارئ في سنة 1945، كما فعلت الحكومة، يُمكن في الحقيقة من مصادرة أملاك هذا التنظيم لكنه لا يفرض عقوبات سجن على أعضائه، ولهذا ليس له معنى حقيقي” – كما يؤكد يوسي بيلين[34]. ويكتب آخر بأن “قرار الحكومة الخاص، الذي يتعلق بتطبيق القانون ضد الإرهاب اليهودي، مثير للحفيظة [… فقد ] تبنى الكابنت السياسي الأمني توصية الجهات المهنية لاستخدام الاعتقال الإداري [..] وأمل ألا يتم استخدام هذه الوسائل عندما يتم إلقاء القبض على قتلة الرضيع علي دوابشة. والاعتقال الإداري ليس جوابا كافيا على الجريمة الفظيعة والقتل النابع من الكراهية. وفي حال اعتقال مشبوهين لا توجد أية مشكلة في توقيفهم للتحقيق، وفي حال قدمت ضدهم لوائح اتهام فلن يكون من الصعب اعتقالهم حتى انتهاء الإجراءات”[35].

وشبه المحلل العسكري رون بن ايشاي[36] الأعمال الإرهابية التي يقوم بها المتطرفون اليهود بما يقوم به تنظيم “داعش”، مطلقا اسم “الجهاد اليهودي” على هذه الأعمال. ويضيف بن ايشاي بأن “الحديث لا يدور عن مجموعة من المجانين والمختلين عقلياً، على العكس فإن أغلبهم أصحاء العقل ولديهم قناعات بما يقومون به من عمليات إرهابية منظمة، والتجارب السابقة لتنظيمات يهودية متطرفة تثبت بأنهم عقلاء ولديهم قدرات كبيرة، لم تساهم في بقائهم في السجن وقادرون على إخفاء العديد من الأدلة التي تدينهم”.

وبالإضافة للحماية الحكومية تأتي الحماية التشريعية، فقد أسقطت الكنيست مشروع قانون ضريبة الأملاك والتعويضات (تعديل – تعويض للمتضررين من الأعمال العنصرية العدوانية)، بعد أن ردّت في القراءة التمهيدية مشروع قانون باعتبار جريمة “تدفيع الثمن” عملاً إرهابياً، كان قد بادر إليه النائب عيساوي فريج (ميرتس) مع مجموعة من أعضاء الكنيست. وقد صوت إلى جانب الاقتراح 36 عضو كنيست وعارضه 46 عضواً[37].

ورداً على تلك الإجراءات الحمائية للإرهاب الاستيطاني من قبل الحكومة الإسرائيلية والكنيست وتفاقم ظاهرة إرهاب المستوطنين، طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية بتاريخ 12 أيار (مايو) 2014، الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بوضع منظمتي شبيبة التلال ودفع الثمن الاستيطانيتين على لوائح الإرهاب لدى الدول ولائحة الإرهاب العالمي[38].

قرارات لذر الرماد في العيون

وفي أعقاب إقدام الإرهابيين المستوطنين على حرق عائلة دوابشة في قرية دوما وما تلاها من ردود فعل غاضبة ومنددة ومطالبة بالقصاص منهم، قرر المجلس الوزاري المصغر “الكابينيت” الإسرائيلي[39] السماح لأجهزة الأمن الإسرائيلية باعتقال المتطرفين اليهود إداريا، ولكن في حالات محددة وبعد الحصول على تصريح من المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية. وبحسب ما تناولت المواقع العبرية فإن اجتماع “الكابينيت” جاء لبحث توصيات تقدمت بها أجهزة الأمن الإسرائيلية وخاصة جهاز “الشاباك”، في أعقاب الاعتداءات التي نفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين والتي كان آخرها عملية حرق الطفل دوابشة. وقد قرر وزراء “الكابنيت” السماح لأجهزة الأمن الإسرائيلية باعتقال المشتبه بهم بتنفيذ عمليات إرهابية من نشطاء اليمين المتطرف والمستوطنين إدارياً، كذلك قرر المجلس تقديم تعديلات على قانون “الإرهاب” ليشمل الإرهاب اليهودي سيتم طرحه على الكنيست. واستناداً لذلك اعتقلت أجهزة الأمن الإسرائيلية[40]، ثلاثة متطرفين من اليهود. وفي إجراء استثنائي، وضع ناشط يهودي متطرف يدعى مردخاي ماير (18 عاما) قيد الاعتقال الإداري. وهي المرة الأولى، منذ سنوات عديدة، التي يصدر فيها أمر اعتقال إداري بحق يهودي متطرف بعدما سمحت الحكومة بتطبيق الاعتقال الإداري بحق متطرفين يهود، فتطبيق الاعتقال الإداري كان محصوراً بالفلسطينيين. ووقع وزير دفاعه يعالون أمرا باعتقال مردخاي ماير من مستوطنة «معاليه أدوميم» والذي تم اعتقاله على خلفية التحقيق في إحراق الكنيسة الأثرية المعروفة بكنيسة “الخبز والسمك” قرب بحيرة طبرية شمال إسرائيل، في الثامن عشر من حزيران (يونيو) الماضي .وبالإضافة إلى ماير، اعتقلت السلطات الإسرائيلية زعيم مجموعة يهودية متطرفة يدعى مئير اتينغر (23 عاما) على خلفية التحقيق، بالإضافة إلى مستوطن آخر يدعى ايفيتار سلونيم، ولكنهما ليسا قيد الاعتقال الإداري. ومئير اتينغر هو حفيد الحاخام مئير كهانا مؤسس حركة كاخ العنصرية المناهضة للعرب الذي اغتيل العام 1990، وكان قد منع في بداية العام، من الإقامة لعام في الضفة الغربية والقدس بسبب أنشطته الإرهابية تجاه الفلسطينيين. ووفقا لتصريحات ضباط الشرطة الإسرائيلية، فإن ملاحقة هذه المجموعات المتطرفة صعبة جداً، مبررين ذلك “بالقيود المفروضة أصلاً على الشرطة في التحقيق والاعتقال لهؤلاء المتطرفين، كذلك للموقف العقائدي الذي يحكم هؤلاء المتطرفين، فالعديد منهم يرفض التعاون ويختار الصمت الكامل في التحقيق ويطال ذلك حتى شهود العيان، وكذلك فإنهم يستخدمون في كثير من عمليات الاعتداء أطفالاً من المستوطنات، وهذا ما يمنع المحاكم الإسرائيلية من ملاحقة الأطفال قانونياً”. وعليه فإن الغالبية ممن تم اعتقالهم قد أطلق سراحهم في غضون أقل من يومين؟!.

خطة المواجهة

أمام كافة المعطيات سابقة البيان، قررت القيادة الفلسطينية بتاريخ 31 تموز (يوليو) 2015، جملة من القرارات والتوجهات يمكن إجمالها في أربعة محاور رئيسية، تتمثل في: إنفاذ مواثيق جنيف، وتقديم الملف للمحكمة الجنائية الدولية، والمطالبة بإقرار نظام خاص دولي لحماية الفلسطينيين، وإنشاء لجان شعبية للدفاع عن التجمعات السكانية الفلسطينية القريبة من المستوطنات. وتتضمن تلك المحاور خطة مواجهة لاستحقاقات ومقتضيات الحال الفلسطيني بعد محرقة/ هولوكست عائلة دوابشة، في محاولة لملاحقة الجناة وإنصاف الضحايا، ولدرء الأخطار الحقيقية المترتبة على إرهاب المستوطنين. وتتضمن تلك الخطة العناصر الرئيسة التالية:

  • تقديم شكوى إلى المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية ضد إسرائيل على ما قام به المستوطنون بحرق عائلة دوابشة والتي تعرف حسب تصنيف القانون الدولي بـ”جريمة ضد الإنسانية”، والمطالبة بفتح تحقيق شامل ومحاسبة الفاعلين.
  • البدء بالتحرك لتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن لإدانة الجريمة وتشكيل لجنة تحقيق والمطالبة بمعاقبة مرتكبي تلك الجريمة، وإدراج العصابات الصهيونية على قائمة الإرهاب وتعريفها كجماعات ومنظمات إرهابية لا بد من التصدي لها من قبل المجتمع الدولي. وكان مجلس الأمن قد “عبّر عن القلق البالغ من السماح للمستوطنين اليهود في الأراضي العربية المحتلة بحمل السلاح، وبذلك تمكينهم من ارتكاب جرائم ضد السكّان المدنيين، ويدعو إلى التوقيف والملاحقة القانونية لمرتكبي هذه الجرائم”[41]. ودعا مجلس الأمن في قرار آخر “إسرائيل، القوة المحتلة، إلى مواصلة اتخاذ وتطبيق الإجراءات التي تتضمّن مصادرة السلاح بهدف منع أعمال العنف غير القانونية التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون؛ ويدعو إلى اتخاذ إجراءات لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين في كافة أنحاء الأراضي المحتلة”[42].
  • العمل في الأمم المتحدة لإقرار نظام حماية خاص لشعبنا من الإرهاب الاستيطاني، والذي سبق لمنظمة التحرير أن طالبت به منذ أكثر من عام، الأمر الذي أحاله الأمين العام للجنة القانونية لدراسته والتي أنجزته بدورها، ولكن لم يتم إحالته لمجلس الأمن لإقراره حتى اللحظة. خاصة وأن مجلس الأمن كان قد قرر أن “إسرائيل، القوة المحتلة، فشلت في تقديم الحماية الكافية للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة وفقاً لبنود معاهدة جنيف الرابعة؛ ويدعو مرة أخرى حكومة إسرائيل إلى احترام والالتزام ببنود المعاهدة وبقرارات المجلس، ويدعو مرة أخرى كافة الدول إلى عدم تقديم أية مساعدة لإسرائيل تُستخدم بشكل محدد للمستوطنات في الأراضي المحتلة”[43].
  • الاستمرار بالانضمام للمعاهدات الدولية، وتمثل ذلك بطلب انضمام رسمي للإنتربول (الشرطة الجنائية الدولية)، وقعه رئيس الوزراء رامي الحمد الله بصفته وزيراً للداخلية. وأكدت دولة فلسطين خلال الطلب المقدم التزامها بالقانون الدولي وبلوائح وقوانين الإنتربول كافة[44]. يشار إلى أن دولة فلسطين انضمت إلى 41 ميثاقاً ومنظمة دولية، وتحضر للانضمام للمزيد من المواثيق والمنظمات الدولية. عقد سلسلة لقاءات مع المفوض السامي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة، ورئيس مجلس حقوق الإنسان في جنيف، لشرح الاعتداء على بلدة دوما.
  • المطالبة بتفعيل اتفاقيات جنيف الموقعة عليها معظم دول العالم، للمطالبة بمعاقبة إسرائيل؛ علماً أن مؤتمراً عقد للأطراف السامية في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2015 وصدر عنه توصيات، بضرورة اتخاذ كل الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف إجراءات قانونية بحق أي دولة تنتهك القانون الدولي الإنساني”. ومن ضمن التوصيات اتخاذ إجراءات عقابية بحق الدولة المنتهكة للقانون كإسرائيل، ومنها تخفيف المستوى الدبلوماسي تجاه هذه الدولة من قبل الدول الأعضاء، والحد من التعاون التجاري، ومحاكمة القادة المسؤولين عن هذه الجرائم.
  • وضع خطة فلسطينية تستند إلى المطالبة بسحب الجنسيات الأجنبية من المستوطنين، وجلبهم للمحاكمة في الدول التي يحملون جنسياتها، من أجل ضمان محاكمتهم على الجرائم التي يرتكبونها ضد شعبنا، ومنعهم من التواجد في المستوطنات والتعامل معهم على أنهم يمارسون احتلال أراضي الغير بالقوة العسكرية. إضافة إلى إمكانية رفع قضايا أمام المحاكم الفلسطينية ضد المستوطنين مرتكبي الجرائم والاعتداءت لمقاضاتهم وفق القوانين الفلسطينية.
  • الاتفاق مع العضو العربي في مجلس الأمن المملكة الأردنية الهاشمية، للتحرك من أجل تقديم مشروع قرار لدى مجلس الأمن يتضمن تشكيل لجنة تحقيق بالجريمة وإقرار نظام خاص لحماية الفلسطينيين دولياً .
  • دراسة الخطوات العملية لإعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية والإدارية والأمنية مع الاحتلال، والتي أقرّها المجلس المركزي الفلسطيني سابقاً، وجرى التأكيد عليها خلال اجتماع القيادة الفلسطينية الطارئ الذي عقدته بتاريخ 31 تموز (يوليو) 2015.
  • مساندة حملة المقاطعة وحجب الاستثمارات عن إسرائيل والمشاركة الفاعلة فيها، حتى تصل إلى حد عزل إسرائيل ومحاسبتها ومعاقبتها.
  • تشكيل لجان شعبية وأطر قيادية محلية، بمشاركة أوسع عدد ممكن من القوى وأفراد المجتمع ومؤسساته، لتتولى إدارة الصراع مع المستوطنين وحماية شعبنا وخاصة في المناطق والبلدات والقرى المحاذية والقريبة من المستوطنات. وقد أصدر محافظ بيت لحم اللواء جبريل البكري[45] تعميماً إدارياً على المجالس البلدية والقروية في محافظة بيت لحم، يقضي بالعمل على تشكيل لجان حراسة شعبية في كافة مناطق المحافظة، للتصدي لأي محاولة من المستوطنين للاعتداء على المواطنين وممتلكاتهم. وتضمن التعميم قراراً لأئمة المساجد لإتاحة استخدام سماعات المساجد والأذان الموحد للتنبيه على المواطنين، وضرورة أخذ الحيطة والحذر في حال حصول أي اعتداء من قبل المستوطنين المتطرفين في أي منطقة. وتم تشكيل لجان حراسة من الشباب في بلدة دوما جنوب نابلس[46]ليقوموا بحماية السكان على مدار الساعة والتصدي لهجمات المستوطنين، خاصة بعد الهجوم الذي نفذوه ما أدى لاستشهاد رضيع وإصابة عائلته ثم استشهاد والده فيما بعد. وأعلن محافظ جنين، اللواء إبراهيم رمضان، عن تشكيل لجان شعبية دفاعية لحماية المواطنين وصد هجمات المستوطنين في مناطق الاحتكاك بالمحافظة، وذلك خلال لقاء موسع عقد في مقر المحافظة، وبتعليمات من الرئيس محمود عباس. وأشار رمضان، إلى أن اللجان الشعبية المشكلة ستضم في عضويتها ممثلين عن فصائل العمل الوطني، ورؤساء البلديات، والأسرى المحررين، على أن تقوم هذه اللجان بإعداد خطة دفاعية تقدم إليه، والتواصل مع اللجنة المركزية المشكلة لحماية المواطنين من إرهاب المستوطنين. وبين أن مناطق الاحتكاك تشمل مناطق تشهد بين الحين والآخر أعمال دخول وعربدة للمستوطنين بحق المواطنين[47]. كذلك فعلت بقية المحافظات.

الهوامش:-

[*] أكاديمي وباحث ومستشار قانوني.

[1] تسفي برئيل، المجتمع الإسرائيلي أصبح يخاف من المستوطنين، هآرتس/ الأيام 6 آب (أغسطس) 2015.

[2] اليكس فيشمان، جماعات “تدفيع الثمن” تسعى لإشعال جميع “براميل المتفجرات”، يديعوت/ الأيام 8 آب (أغسطس) 2015.

[3] راوبين ريفلين، بعض أبناء شعبي فقدوا إنسانيتهم، يديعوت/ الأيام 3 آب (أغسطس) 2015.

[4] وحصل الرئيس الإسرائيلي على ردود عنيفة وشديدة اللهجة، مثل ما كتبته إحدى النساء اللواتي ولجن إلى موقعه حيث قالت مخاطبة الرئيس “يا صفراً عديم القيمة نهايتك ستكون أسوأ من نهاية شارون وسوف ترى ذلك”.  وقال مستخدم آخر للفيسبوك “أصلي لله أن يخرج من بيننا يغال عامير جديد ليكنسك وينظف دولة اليهود منك ومن العرب وأتمنى أن تصاب بالأمراض الصعبة والمميتة”. وكتب له آخر “إنك لم تعد واحدا من الشعب اليهودي وإنك تعطي الضوء الأخضر لضرب الشعب اليهودي أنت بالنسبة لي لاغ ومرفوض وغير مقبول”. ووجه مستخدمون كثر شتائم مختلفة للرئيس الإسرائيلي وأطلقوا عليه لقب “الملعون المعادي لليهود”، حيث قال أحدهم “اذهب وأعلن إسلامك أيها الملعون المعادي لليهود إنك لا تمثلنا”. وكالة معاً- الأول من آب (أغسطس) 2015.

[5] الرئيس الإسرائيلي ريفلين في مقابلة مع صحيفة يديعوت أحرونوت/ الحياة الجديدة 7 آب (أغسطس) 2015.

[6] مئير اتنغر (23 سنة) من سكان البؤرة الاستيطانية جفعات رونين في شمال «السامرة»، وهو أحد أحفاد الحاخام مئير كهانا. في بداية السنة الحالية طلب «الشاباك» إصدار أمر اعتقال إداري ضده، لكن نائب الدولة، شاي نتسان، رفض الطلب. وفي نهاية المطاف تم إبعاده عن الضفة الغربية وأصبح يسكن في صفد.

[7] صحيفة “يديعوت أحرونوت” بتاريخ 7 آب/ الحياة الجديدة 8 آب 2015.

[8] اليكس فيشمان، مصدر سبق ذكره.

[9] المصدر نفسه.

[10] تسفي برئيل، مصدر سبق ذكره.

[11] أمنون أبرموفيتش، دولة إسرائيل ودولة يهودا، يديعوت/ الأيام 6 آب (أغسطس) 2015. ويعلل هذا الكاتب أسباب اقتراحه ذاك “بتصوره أنه “عندها ستتحرر إسرائيل من دائرة خنق الاحتلال. وتعود إلى عائلة الشعوب. لا مزيد من المقاطعات لمنتجاتنا وتصديرنا ولا هرب للعقول والمستثمرين. التجارة مع العالم وبالذات أوروبا ستحلّق. وسيتم توجيه المصادر للمحيط الاجتماعي والجغرافي، للنقب والجليل. موازنة الأمن ستقلص لمصلحة التعليم والصحة، وسيكف الجيش الإسرائيلي عن كونه بيبي ستر للمستوطنين، ويعود لأهدافه الأصلية”.

[12] انظر مثلاً: ألون بن دافيد، الهوة بين مملكتي إسرائيل ويهودا تزداد اتساعاً، معاريف/ الأيام 2015.

[13]الحياة الجديدة 9 آب (أغسطس) 2015.

[14] أمنون أبرموفيتش، دولة إسرائيل ودولة يهودا، يديعوت/ الأيام 6 آب 2015. ويحاول أحد الكتاب التخفيف من الأخطار المترتبة جراء إرهاب المستوطنين وسعيهم لهدم نظام دولة إسرائيل وإقامة دولة يهودا بقوله: “ليس لمملكة يهودا حقا رعايا، بل بضعة مفكرين متوسطين يكتبون مدونات وتعقيبات [..] يريدون الفوضى أو مملكة يهودا جديدة [..] مملكة يهودا لن تقوم”. يوعز هندل، تهديد دولة يهودا الخيالي، يديعوت أحرونوت/ الأيام 12 آب (أغسطس) 2015.

[15] اريك بندر، معالجة الإرهاب اليهودي: الحلقة المفقودة، معاريف/ الأيام 7 آب (أغسطس) 2015.

[16] نيفا لنير، العهد الصهيوني الأخير؟، هآرتس/ الأيام 10 آب (أغسطس) 2015.

[17] صحيفة «هآرتس»/الحياة الجديدة 13 آب (أغسطس) 2015.

[18] اريك بندر، مصدر سبق ذكره.

[19] وكالة معا، 4 آب (أغسطس) 2015.

[20] يوسي سريد، إسرائيل بدون “ورقة تين” لأول مرة!. هآرتس/ الأيام 10 أيار (مايو) 2014.

[21] دافيد غروسمان، استمرار الاحتلال يقرب دولة اليهود من نهايتها، هآرتس/الأيام 3 آب (أغسطس) 2015.

[22] وكالة معا 3 آب (أغسطس) 2015.

[23] ران ايدليست، الإرهاب اليهودي جزء من ماكنة الاستيطان، معاريف/ الأيام 13 آب (أغسطس) 2015.

[24] عاموس هرئيل وحاييم لفنسون، الشاباك والشرطة اكتشفوا تحولاتهم الأيديولوجية منذ العام 2014. هآرتس/الأيام 4 آب (أغسطس) 2015.

[25] اليكس فيشمان، مصدر سبق ذكره.

[26] الأيام 6 آب (أغسطس) 2010، الصفحة الرئيسية.

[27] تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية “أوتشا”، بتاريخ 23 كانون الأول (ديسمبر) 2011.

[28] الحياة الجديدة 4 أيار (مايو) 2014.

[29] صحيفة “هآرتس”/الأيام 12 أيار (مايو) 2014.

[30] صحيفة “معاريف”/ الحياة الجديدة  6 آب (أغسطس) 2015.

[31] هآرتس”/الأيام 12 أيار (مايو) 2014.

[32] د. حنا عيسى، “عقيدة الملك”.. فتوى يهودية تبيح قتل الفلسطينيين”. موقع دنيا الوطن، بتاريخ 2 آب (أغسطس) 2015..         http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2015/08/02/373797.html#ixzz3heNqlpsI

وقد قرر المستشار القانوني للحكومة الاسرائيلية، يهودا فاينشطاين، في شهر تموز (يوليو) 2012 إغلاق ملف التحقيق الجنائي مع مؤلفيّ كتاب “عقيدة الملك” وهما الحاخامان يتسحاق شابيرا ويوسف اليتسور، وضد الحاخامات دوف ليئور، ويستحاق غينزبورغ، ويعقوب يوسف، الذين كتبوا مقدمة الكتاب وأوصوا به، بادعاء عدم توفر أدلة كافية لإدانتهم.

[33] يديعوت أحرونوت/ الأيام 17 حزيران (يونيو) 2013.

[34] يوسي بيلين، تدفيع الثمن منظمة إرهابية، إسرائيل اليوم/ الأيام 12 أيار (مايو) 2014.

[35] عمير فوكس، لا للاعتقال الإداري، هآرتس/ الأيام 6 آب (أغسطس) 2015.

[36] يديعوت أحرونوت/ معا 31 تموز (يوليو) 2015.

[37] وكالة معا/ 15 أيار (مايو) 2014.

[38] الأيام 13 أيار (مايو) 2014.

[39] معا 3 آب (أغسطس) 2015.

[40] الأيام 6 آب (أغسطس) 2010.

[41] قرار مجلس الأمن رقم 471 (1980) بتاريخ 5 حزيران (يونيو) 1980. تم تبنيه في الاجتماع رقم 2226 (14-0-1) علماً أن الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت.

[42] قرار مجلس الأمن رقم 904 (1994) بتاريخ 18 آذار (مارس) 1994.

[43] قرار مجلس الأمن رقم 471 (1980) بتاريخ 5 حزيران (يونيو) 1980. تم تبنيه في الاجتماع رقم 2226 (14-0-1) علماً أن الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت.

[44] الحياة الجديدة/ الأيام 4 آب (أغسطس) 2015.

[45] معا 3 آب (أغسطس) 2015.

[46]معا 2 آب (أغسطس) 2015.

[47] الأيام 4 آب (أغسطس) 2015.