يعود التجمع البدوي، الذي يعيش في منطقة الخان الأحمر، لقبيلة الجهالين التي طردت في بداية الخمسينيات من النقب، ووصلت إلى “صحراء يهودا”. هذه نقطة مهمة لإنهاء السبب في أن هذه القبيلة تحظى حسب وجهة النظر الفلسطينية والدولية بمعاملة مختلفة: هذه قبيلة للاجئين فلسطينيين مرشحة لتصبح مطرودة للمرة الثانية من قبل إسرائيل دون أي ذنب. هدم القرية لا يمس فقط البدو. فهو سيشكل مرحلة أخرى في عملية تدهور الديمقراطية الإسرائيلية، وسيضيف ضربة أخرى لصورة إسرائيل في العالم.
لا أنوي التحدث عن كل تطورات الأحداث؛ لانه كتب الكثير عن القضية. سأذكر فقط بأنه في السنوات التسع الأخيرة منذ بناء مدرسة بيئية في القرية من الإطارات والطين، والتي حظيت بتغطية إعلامية واسعة في العالم، والجهاز القضائي يعمل ساعات إضافية على الالتماسات الكثيرة التي هدفها هدم المدرسة وطرد السكان. قررت، مؤخراً، المحكمة العليا السماح للإدارة المدنية بهدم المدرسة وبيوت السكان وإجبارهم على مغادرة الموقع. أريد عرض تداعيات الهدم والطرد على البدو وعلى إسرائيل.
التغيير، الذي ستفرضه إسرائيل على البدو، سيكون كبيراً ومدمراً، من حياة تقليدية (بدون ترحال) تقوم على تربية الأغنام وعمل مأجور في فضاء مفتوح مع طريق للوصول إلى الشارع الرئيسي، ستتحول بين ليلة وضحاها الى تجمع مرفوض يعيش على أرض سيعمل أصحابها كل ما يستطيعون من أجل طردهم.
تجمع الخان الأحمر لا يستطيع العيش إلى جانب قرية العيزرية الحضرية. يتعلق الأمر يثقافات مختلفة ليس بينها محبة كبيرة، وفي الأشهر الأخيرة زاد التوتر بين البدو، الذين اضطروا إلى الانتقال إلى هناك، وبين السكان الحضريين ورجال السلطة الفلسطينية. انتقال حاد كهذا تم في السبعينيات، واضطرت الإدارة المدنية في حينه إلى إعادة البدو الذين نقلتهم إلى مكان سكنهم الأصلي. إذا كان هناك سابقة فاشلة فلماذا نكرر الخطأ ذاته؟.
يعيش التجمع البدوي، ضمن أمور أخرى، على قطعان الأغنام والأبقار التي هي مصدر دخل كل العائلة. الانتقال إلى إلى منطقة حضرية سيمس بشكل جوهري بالقدرة على الرعي بسبب ظروف المنطقة أو بسبب الصراع مع الفلاحين في المنطقة. إضافة إلى ذلك، نسبة البطالة في العيزرية مرتفعة أيضاً، وإضافة عشرات الشباب ستعمق المشكلة، سواء بالنسبة للبدو أو سكان العيزرية. من الواضح أن المتضررين الأساسيين سيكونون البدو على اعتبار أنهم مجموعة سكانية ضعيفة وغريبة عن المكان.
سيؤدي هدم المدرسة ليس فقط إلى توقف أبناء تجمع الخان الأحمر عن الدراسة، بل كل الأطفال في المنطقة. المدرسة تخدم 170 طفلاً تقريباً من أربعة تجمعات، وهدمها سيمنعهم من الحصول على التعليم الأساسي إضافة إلى ذلك، أعلنت السلطة الفلسطينية في رسالة رسمية أن أطفال الخان الأحمر لن يحصلوا على الدراسة في العيزرية.
سكان الخان الأحمر هم فلسطينيو لم يكونوا متماهين مع القومية الفلسطينية. ولكن كما تطور النزاع والنضال القانوني تعاظمت فلسطينيتهم. قبل سنة تقريباً لم تتم رؤية أي علم فلسطيني في المنطقة، والآن ترفع عشرات الإعلام. صحيح أنه ليس البدو الذين يرفعون الإعلام، لكنهم أسرى لفلسطينيين جعلوا النضال وطنياً، ويؤثرون في جيل الشباب.
التجمع أيضاً ليس متديناً. أعضاؤه يعتبرون أنفسهم مسلمين، لكن حياتهم الدينية تتلخص بصوم شهر رمضان والاحتفال بالأعياد. في المكان هناك بناء من الصفيح يسمى مسجداً لا يدخله أحد تقريباً. في السنة الأخيرة منذ زيادة حدة النضال فغن المزيد من رجال الدين المسلمين يصلون إلى المكان ويقيمون الصلوات الجماعية.
هكذا وأمام ناظرينا تحول تجمع بدوي صغير إلى تجمع فلسطيني مسلم يطور الكراهية لمن هو معني بطردهم دون سبب واضح للعيان. من أراد هدم المدرسة وبيوت السكان خلق أيضاً الجيل القادم من الكارهين وماذا بالنسبة لدولة إسرائيل؟
زاد الضغط الدولي على إسرائيل خلال فترة الصراع من جهات كثيرة. دول الاتحاد الأوروبي تدعوها إلى التوقف عن اخلاء السكان، الأمم المتحدة تطلب منها الامتناع عن هدم المدرسة، وسائل الإعلام العربية المحلية والدولية تكتب اسبوعياً عن الموضوع، وهناك تهديد بالتوجه إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. صورة دولة إسرائيل آخذة في التدهور. أيضاً أعضاء كونغرس طلباً منها الامتناع عن الإخلاء.
لا شك أنه بعد النضال القضائي الطويل والمغطى إعلامياً، فإن الاخلاء سيكون قبيحاً. مئات النشطاء الفلسطينيين والأوروبييين سيصلون إلى المنطقة، وستحول وسائل الإعلام الدولية الحدث إلى حدث إسرائيلي عنيف، آمل أن لا يصاب أحد، وأنا وغيري الكثيرون نحاول منع ذلك، لكن الاحتمال فظيع، معظم الاحتمالات هي أنه لا نهاية المطاف فإن بدواً كثيرين سيصابون، وقد سبق لنا ورأينا قبل بضعة أسابيع كيف يتم اعتقال الرجال والشباب البدو.
هدم المدرسة في الخان الأحمر طرد السكان تحول إلى مقدمة حربة المواجهة في النضال للبدو والفلسطينيين في المنطقة. في شمال “صحراء يهودا” يعيش حوالي 30 تجمعاً، ومن الواضح للجميع أن إخلاء تجمع واحد سيؤدي إلى تاثير الدومينو. تجمع الخان الأحمر ليس الأول الذي يتم إخلاؤه، لكنه الأول الذي يخلى ليس بسبب كونه منطقة نيران وليس بسبب بناء مستوطنة، بل بسبب توسيع شارع. هذا التجمع الأول الذي يتم الإخلاء فيه بدون سبب واضح، ويتم خدم مدرسة فيه، لأن ضغطاً سياسياً نجح في إقناع المحكمة العليا بضرورة الطرد.
في حرب “الأيام الستة” تم إخلاء كل العرب في منطقة اللطرون قسرياً. كان في المكان ثلاث قرى عربية هي عمواس وبيت نوبا ويالو. ولأسباب مختلفة تم إخلاؤها. كان الصحافي عاموس كينان شاهد عيان على الطرد بصفته جندي احتياط، وكتب تقريراً وصف فيه الطرد والهدم والغضب والجوع والعطس، وانهى التقرير بـ “الدجاج والحمام دفن تحت الأنقاض، الحقول تفجرت أمامنا، والأطفال الذين ساروا على الشارع وكانوا يبكون. سيكونون الفدائيين بعد 19 سنة في الجولة القادمة.
هكذا خسرنا في ذلك اليوم النصر”. هكذا يمسون بالديمقراطية، ويشوهون الواقع ويخلقون أعداء جدداً. هدم تجمع بدوي صغير يضم 30 عائلة ومدرسة من الإطارات والطين هو مسمار آخر في نعش الديمقراطية الإسرائيلية.
عن “هآرتس”
الأيام 17/9/2018