
- عن المركز
- دراسات وأبحاث
- متابعات
- مراجعات
- إصدارات المركز
- وثائق
- مركز الإعلام
- مؤتمرات
إبراهيم خطيب[*]
كان تأسيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني حدثاً مؤسساً ومهماً في تاريخ الفلسطينيين في الداخل، فقد جاء ذلك بعد سنوات كانت فيه السيطرة للحزب الشيوعي الإسرائيلي وتواجد محدود لحركة أبناء البلد. تأثر ميلاد الحركة الإسلامية بعاملين مهمّين هما التواصل بين فلسطينيّي الداخل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية بعد نكسة عام 1967 وخصوصاً مع الشيوخ والعلماء، وكان ذلك من خلال دارسي الشريعة هناك، وكان من بينهم الشيخ رائد صلاح، والشيخ هاشم عبد الرحمن، ومن بعدهم الشيخ كمال خطيب وآخرون. كما أن ظهور الحركة الإسلامية أخذ حافزاً فكرياً من جماعة الإخوان المسلمين، وعملياً من نجاح الثورة الإسلامية في إيران[1].
دخلت قيادة أُسرة الجهاد، التي شكّلت لاحقاً نواة الحركة الإسلامية، للسجن لمدد مختلف وكان من بين المعتقلين الشيخ عبد الله نمر درويش والشيخ رائد صلاح، ليخرجا من السجن مع مرحلة مراجعات لكل مرحلة العمل الجهادي واقتناعهم بضرورة التوجه للعمل السياسي والدعوي المدني. وبناءً على ذلك، اتسمت مرحلة الثمانينات بدخول الحركة الإسلامية للحيز الشعبي العام برسالة دعوية داعية الناس للقرب من الدين والامتثال للفرائض الدينية، كما وتطور عملها ليغطي أعمالاً خيرية وتطوعية كان لها الأثر على الصالح العام[2]. ومع اكتساب الحركة الإسلامية في حينه دعماً شعبياً وحاضنة جماهيرية كان التوجه لانتخابات السلطات المحلية، ليكون عام 1989 مهماً مع فوز الحركة الإسلامية بقيادة عدد من المجالس المحلية والبلديات في الداخل، وتتجه للعمل المدني والأهلي بشكل كبير.[3]
شكّلت مرحلة أوسلو وما بعدها نقطة تحوّل أخرى في مسيرة الحركة الإسلامية مع وجود عدد من المؤيدين لأوسلو في صفوف الفلسطينيين في الداخل وعدد آخر معارض، لتنقسم الحركة الإسلامية على إثرها في قضية دخول البرلمان الإسرائيلي – الكنيست- مع موافقة شق يقوده الشيخ عبد الله نمر درويش، وآخر يعارض ذلك جملة وتفصيلاً قاده الشيخ رائد صلاح ليسمى الشق الأول للحركة الإسلامية بالجنوبي والآخر بالشمالي.[4]
مع الانشقاق الذي تم، ركّزت الحركة الإسلامية الشمالية[5] (وهي الحركة التي يتمحوّر البحث حولها) على تمكين المؤسسات الأهلية، بالموازاة مع تمكين القيم الدينية في المجتمع من خلال مشاريع عنيت بهذا المجال، وعملت هذه المؤسسات الأهلية تحت مظلة مشروع "المجتمع العصامي" وشمل ذلك جمعيات تعنى بالتعليم، والصحة، والاقتصاد، والقضايا الاجتماعية، والزكاة، وتحفيظ القرآن وجمعيات أخرى، وفي الوقت نفسه سارت بخط تبني قضية القدس والمسجد الأقصى من خلال مؤسسات ومشاريع ركزّت على فكرة الحفاظ على المسجد الأقصى وصد المخططات الإسرائيلية لتهويده، إضافة لدعم صمود المقدسيين، وبرز من هذه المشاريع مشروع البيارق لشد الرحال إلى المسجد الأقصى، وصندوق طفل الأقصى، وإعمار المصلى المرواني والأقصى القديم، وعقد مهرجان سنوي منذ عام 1996 وإلى حين حظرها تحت عنوان "الأقصى في خطر".
تلخيصاً يمكن وصف المراحل الثلاث التي مرّت بها الحركة الإسلامية كالتالي: مرحلة التأسيس وهنا انصب العمل على الشؤون الدعوية وتقريب الناس من الفكرة الإسلامية، ومن ثم كان الانتقال لمرحلة العمل الخدماتي الواسع والانتقال للحكم المحلي، وأخيراً مرحلة العمل السياسي بشكله الواسع والكبير.
الحركة الإسلامية مسيرة تضييقات
مرت الحركة الإسلامية بعد الانقسام بعدة مراحل بعلاقتها مع المؤسسة الحاكمة في إسرائيل وأذرعها تتسم بمجملها بالتصعيد، فمع اغلاق مؤسسات للحركة الإسلامية منذ أواسط التسعينات بحجة تعاونها ودعمها لحركة حماس وأخرى بحجة إثارة العنف، وثالثة بسبب عملها في الأقصى كما حدث مع مؤسسة الأقصى للمقدسات الإسلامية في أواخر التسعينات وبداية الألفية الثانية. كل ذلك جّر لضربة قوية للحركة الإسلامية تلقتها عام 2003 باعتقالات طالت قيادتها بينهم الشيخ رائد صلاح والدكتور سليمان اغبارية وثلاثة آخرين لمدد تتراوح بين السنتين والثلاث، ومحاولات لاغتيال الشيخ رائد صلاح الأولى كانت في انتفاضة الأقصى عام 2000 وأخرى عندما كان على أسطول الحرية المتوجه لغزة عام 2010، إضافة لمشوار اعتقالات مر بها صلاح بتهمة التحريض على إسرائيل وخصوصاً في قضية الأقصى. ليستمر مشوار التضييق على الحركة الإسلامية حتى كان عام 2015 بحظرها وإخراجها عن القانون.
الأحداث الأخيرة:-
قامت المؤسسة الإسرائيلية بإعلان الحركة الإسلامية كحركة خارجة عن القانون بقرار تم تنفيذه صبيحة 17/11/2015 استناداً إلى قانون الطوارئ الانتدابي (من العام 1945) بذريعة أنها تشكل خطرا على أمنها. القرار شمل حظر نحو 20 مؤسسة تصنفها المؤسسة الإسرائيلية على أنها أذرع وجمعيات للحركة الإسلامية، أمّا المؤسسات التي تم إغلاقها بعد القرار، فهي المؤسسات التالية:
جاء هذا القرار بعد أن سبقته موجة تحريض على الحركة الإسلامية قادها نتنياهو وقيادات اليمين، متزامنة مع الأحداث في القدس ومع موسم الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى والذي يتزامن مع الأعياد اليهودية في بداية شهر أيلول. ليقوم وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون بإصدار أمر عسكري بتاريخ 9/9/2015 حظر فيه ما أسماه "تنظيم المرابطين والمرابطات"، وكان سبقه عدة مرات إغلاق مؤسسة عمارة الأقصى، التي نشطت في مشروع إحياء مصاطب العمل في المسجد الأقصى في السنوات الأخيرة وكل ذلك للحد من التواجد الإسلامي في الأقصى والتصدي للاقتحامات اليهودية للمسجد. كما وتزامنت عملية الحظر مع عملية باريس التي قام بها تنظيم الدولة وقتل فيها عدد من الفرنسيين، ليتم توظيف الحدث سياسياً من إسرائيل كذريعة لمحاربة الحركة الإسلامية بدعوى أنها تنظيم إرهابي يجب محاربته كما تقوم دول العالم الأخرى.[6]
دوافع حظر الحركة الإسلامية
يمكن الحديث عن ثلاثة دوافع مركزية أدّت بإسرائيل لقرارها بحظر الحركة الإسلامية، وهذه الثلاثة دوافع مبنية على خط عريض يجمعها، تحت عنوان أنها تشكّل تحدياً للمؤسسة الإسرائيلية وضرباً لمشروعية الدولة في إسرائيل وإن خضعت لقوانينها. ويتم ذلك من خلال ثلاثة ركائز تبنتها الحركة الإسلامية وعملت عليها لسنوات:
ويرى الشيخ رائد صلاح أن هناك أصولاً تمكن المجتمع الفلسطيني من بناء ذاته، وهي: امتلاك الأرض والقدرات العلمية والمصادر المالية[8]، ويرى الشيخ صلاح أن المصادر المالية تعتمد على أموال الزكاة والصدقات والوقفيات.[9] وقد بادرت الحركة الإسلامية لتطبيقه على نحو منظم من خلال مؤسساتها[10] مما جعل إسرائيل تراها دولة داخل دولة وتتخوف من تأثيرها.
دور الشيخ صلاح والحركة الإسلامية في القدس والمسجد الأقصى أثار الأذرع الأمنية والسياسية في إسرائيل ليطالهم التحريض في عدة محطات مثل تحريض وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي افيغدور كهلاني إثر الكشف عن أنفاق تحت المسجد الأقصى عام 1997. قامت الحركة الإسلامية، وذراعها مؤسسة الأقصى للأوقاف الإسلامية، كذلك بالعمل حثيثاً داخل المسجد الأقصى فقامت بترميم المسجد الأقصى القديم وترميم المصلى المرواني وتبليطه في السنوات 1996-1999 [14]، وجاء هذا العمل على أثر كشف بعض الصحف العالمية عام 1995 وثيقة سرية تدعو لتقسيم المسجد الأقصى المبارك على أساس طبقي، وذلك باعتبار أن ما تحت الأرض لليهود، وما فوق الأرض للمسلمين[15]، واعتبرت الحكومة الإسرائيلية أن الأعمال هناك، وخصوصاً الترميمات في المصلى المرواني، "مضرة وتخريب متعمد للآثار اليهودية في جبل المعبد"، وتم منع أي ترميم بعدها في الأقصى، وكانت ذريعة لشارون لدخول المسجد الأقصى واشتعال انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000. [16]
إثر الانتفاضة الثانية، والتي كانت حول الأقصى وبسبب دخول شارون له واستشهد فيها 13 فلسطينياً في الداخل (وأُصيب بها الشيخ صلاح)، تم عقد لجنة تحقيق في الموضوع سميت لجنة أور وقد قالت اللجنة إن للشيخ رائد صلاح دوراً في تأجيج الناس وتحريضهم.
بعد اعتقال صلاح وقيادات من الحركة الإسلامية عام 2003 لم تتراجع الحركة الإسلامية في نهجها بتبني قضية القدس والأقصى، لتكشف عام 2006 بالصور الفوتوغرافية والفيديو عن إقامة كنيس يهودي تحت المسجد الأقصى، وتتوالى كشوفها عن ما يحاك للمسجد الأقصى عام 2007 وحتى حظرها، من انفاق سلوان وحفريات باب المغاربة وإقامة كنس في محيط الأقصى وأسفل منه. [17]
حمّلت السلطات الإسرائيلية، إضافة لبعض الأصوات الشعبية والأكاديمية، الحركة الإسلامية مسؤولية إثارة الرأي العام ضد إسرائيل فيما يحدث في المسجد الأقصى ووصفت تبني الحركة الإسلامية لشعار "الأقصى في خطر" بأنه خطاب محرّض وكاذب.[18] مع أن اليهود يقولون بأن لهم حقاً في الأقصى لكونه مبنياً في مكان هيكلهم الخرب.[19]
حملت السنوات الأخيرة زيادة وتيرة الاقتحامات اليهودية للمسجد الأقصى والحديث المتتابع عن التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وترافق ذلك مع اتهامات متزايدة للحركة الإسلامية، خصوصاً من خلال ما سمي تنظيم المرابطين والمرابطات والذي أخرج خارج القانون في إسرائيل[20]، وترافق ذلك مع هدم بيوت مقدسيين والتضييق على أهل القدس[21]، وكذلك بهذا السياق كان للحركة الإسلامية دور مهم من خلال مؤسسات وُصفت بأنها تابعة للحركة الإسلامية، وهدفت لتثبيت صمود المقدسيين ورعاية شؤونهم كخط دفاع أول عن القدس والمسجد الأقصى، ومن هذه المؤسسات مؤسسة القدس للتنمية. ليكون جهد الحركة الإسلامية في قضية الأقصى وتحذيرها من وجود الأقصى تحت الخطر بسبب الممارسات الإسرائيلية سبباً وفق ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية لحظرها والادعاء بأن ما تقوله الحركة الإسلامية "بالكذب" والتحريض وأنها مُسبب لتوتر الأوضاع في القدس والمواجهات هناك (هنا الحديث يدور عن التصدي للاقتحامات اليهودية للأقصى التي زادت في السنوات الأخيرة).[22]
ويؤكد كل ما سبق بيان المتحدث باسم رئيس الحكومة الإسرائيلية أوفير جندلمان والذي قال فيما قاله: "يشكل الفرع الشمالي للحركة الإسلامية تنظيما متطرفاً لا يعترف بمؤسسات الدولة وينكر حقها بالوجود، ويسعى إلى إقامة خلافة إسلامية بدلاً منها. وتنتمي الحركة الإسلامية للتيار الإسلامي المتطرف وهي جزء من حركة الإخوان المسلمين العالمية. وتشاطر هاتان الحركتان الإيديولوجية المتطرفة والهدف وهو تدمير دولة إسرائيل."[29]
تداعيات حظر الإسلامية
يبدو أنه ستكون لحظر الحركة الإسلامية تداعيات مختلفة على المجتمع الفلسطيني في الداخل وعلى العلاقة بينهم وبين الدولة، إذ أن هذه الخطوة ستخفّض سقف الحريات في صفوف الفلسطينيين في الداخل وتكون أداة للجم مطالبهم، ورأى بها سياسيون جزءاً من الملاحقة السياسية وغير الديموقراطية ومناهضة لحق التعبير عن الرأي وتجسيداً لسياسة مستمرة في هذا الاتجاه[30]. فحظر الحركة الإسلامية ومن خلال الجهاز القضائي يزيد من رسم وتعميق حيّز الهيمنة السياسية الإسرائيلية على الفضاء السياسي للناشطين الفلسطينيين في الداخل من خلال استخدام أنظمة الطوارئ واستخدام يهودية الدولة (ولاحقاً قانون الإرهاب)، وهذا يتقاطع مع محاولات سن قانون الإقصاء عقب لقاء التجمع مع أهالي فلسطينيين تحتجز إسرائيل جثامينهم ومؤخراً سن قانون القومية.[31] ليدل كل هذا على رسالة إسرائيلية مفادها أن سقف التحرك السياسي وما يمكنه أن يُعامل به الفلسطيني في الداخل غير متعلق بالديموقراطية وحقوق الإنسان وإنما بالسقف الذي تحدده إسرائيل ويتوافق مع رؤيتها كدولة يهودية وبطبيعة الحال فإن إسرائيل ترى الفلسطينيين في الداخل بتشبثهم بهويتهم وحمل قضايا شعبهم ومعارضتهم ليهودية الدولة خطراً قومياً عليها.[32] وبالتالي سيكون لهذا الحدث تأثير على هامش العمل السياسي المتاح للفلسطينيين في الداخل مع تأكيد أن العمل السياسي المسموح هو ما يتوافق مع أجندة إسرائيل ومع تعريفها كدولة يهودية ورؤيتها أن إعطاء الحقوق مشتق من إعطاء الولاء لذلك.[33] مع الردع والتخويف للسياسيين العرب يمكن أن ينعكس قرار الحظر أيضاً على المواطنين العرب في الداخل ويجعلهم يخافون من العمل السياسي العام في القضايا الحارقة والمصيرية مثل قضية الأقصى.
تأثير حظر الحركة الإسلامية سينعكس سلباً على العمل السياسي في الداخل إذ يمكن أن يجعل سقف العمل والمطالب محدوداً ومصحوباً بتخوف من كل نشاط سياسي يمكن أن يؤدي بتلك الحركات أو الأحزاب لمصير مماثل للحركة الإسلامية، خصوصاً أن الحظر تم وكُسر حاجز التخوف من قبل المؤسسة الإسرائيلية لردود الأفعال التي يمكن أن تصاحب الحظر، إذ لم يصاحب حظر الإسلامية ما كانت تتوقعه المؤسسة الإسرائيلية من رد عنيف على ذلك القرار. الحركات السياسية الأخرى يمكن أن تتأثر من حظر الإسلامية لمراجعة حدود عملها السياسي وسقف امكانية تعاملها مع الحيز الديموقراطي الذي تدعيه إسرائيل. العمل السياسي في الداخل كذلك سيتأثر من حظر الإسلامية في باب ديناميكية العمل المشترك والجماهيري خصوصاً لقوة الحركة الإسلامية الشعبية وقدرتها على الحشد إضافة لكون الحركة الإسلامية تمثل تياراً عريضاً من أصحاب التوجه الإسلامي إلى جانب ممثلي التيار القومي والشيوعي، وحظرها قد يؤثر على تمثيل التيار الإسلامي وتوجهات أبناء هذه الأيدلوجية ويمكن أن يستفيد منه الآخرون المنافسون له (في هذا السياق لا يمكن نفي وجود حركة إسلامية جنوبية تمثل شريحة من الإسلاميين، وإن كانت أقل حضوراً من الشمالية، ولكن يمكن أن تستفيد الحركة الإسلامية الجنوبية من حظر الإسلامية بتوطيد حضورها بين أبناء التيار الإسلامي وسد الفراغ بغيابها وبنفس الوقت ستشعر نفسها تحت ضغط الخوف من الحظر والملاحقة الإسرائيلية، ويمكن أن تسعى لتكون أقل حدة في مواقفها المواجهة للمؤسسة الإسرائيلية. أخيراً، يمكن أن يؤثر الحظر على الإسلامية الجنوبية لتحاول الانسجام مع التيارات الأخرى والانفتاح عليها عملياً وأيديولوجيا). حظر الإسلامية كذلك لا يعني غياب فكرها بشكل دائم، بل إمكانية تشكّله بشكل جديد ولو بعد حين لحقيقة أن الأفكار لا تموت.
كما ويمكن أن تمثّل الخطوة الإسرائيلية بحظر الإسلامية ضربة للعمل الشعبي والأهلي، وخصوصاً أن الإسلامية اختارت العمل الأهلي وابتعدت عن العمل البرلماني وكانت دينامو لكثير من المشاريع الفعلية على الأرض في مجابهة المشاريع الإسرائيلية. هذا العمل كان بديلاً عن عمل السلطة الإسرائيلية التي رأت بالفلسطينيين في الداخل أعداء وانعكس ذلك على انعدام المشاريع الاجتماعية والخدمية في صفوفهم وسدت هذه الثغرة الحركة الإسلامية.[34] هذه المشاريع شملت القدس والأقصى، والمثلث والجليل والنقب والمدن الساحلية وتوسعت لتشمل مناحي عديدة من مناحي الحياة، فقد كانت الحركة الإسلامية وخدماتها في المجالات الاجتماعية تشكّل غالباً بديلاً للخدمات العامة التي لا تقوم بها الدولة بل وتنافسها في بعض البلدات ويشمل ذلك مساعدة الفقراء والأيتام ودعم الجامعيين وخدمات أخرى.[35]
تفاعل قضية حظر الحركة الإسلامية يمكن أن ينعكس على التعامل مع قضية القدس والأقصى وخصوصا لأن للحركة الإسلامية دوراً ونشاطاً استثنائياً نحو تعزيز صمود المقدسيين وصد مساعي الإسرائيليين في امتلاك الأقصى أو تقسيمه وفق رؤية دينية يهودية، ودور الحركة الإسلامية في هذا المضمار كان يعطّل الأجندة الإسرائيلية وبالتالي كان هذا سبباً رئيسياً لحظرها.[36] يذكر أن قرار الحظر للحركة الإسلامية ومؤسساتها ومنها العاملة في القدس سبقه منع قيادات الإسلامية من دخول القدس وتعطيل مشاريع لهم هناك إضافة لإغلاق مؤسسات، ويبدو أن كل ذلك لم يكن مجدياً للحد من الجهد في الأقصى والقدس والذي كانت على رأسه الإسلامية وينفذه أبناء الداخل الفلسطيني والمقدسيون، وبالتالي كان اللجوء الإسرائيلي للحل "الجذري" بحظر الإسلامية وخصوصاً مع الهبات الشعبية التي كانت تجري حول الأقصى في الفترة الأخيرة مع ازدياد وتيرة الاقتحامات واتهام الحركة الإسلامية بتحريك الناس في هذه الباب.[37] وبالتالي أمل إسرائيل أن تكون بحظرها للإسلامية قد قضت على التحركات الشعبية مستقبلاً والتي يمكن أن تناهض أي مشروع لها في القدس والأقصى. وهذا لم يحدث كما تمنت إسرائيل واستمر بالاعتقاد أن الحركة الإسلامية تحرّك الشارع، وصبت جام غضبها على الحركة الإسلامية المحظورة في أعقاب تحرك المقدسيين وأهل الداخل رفضا لسياسات الاحتلال في محيط المسجد الأقصى في شهر تموز (يوليو) من العام الماضي في أعقاب عملية قتل شرطيين إسرائيليين في مدخله واتهم نتنياهو الحركة الإسلامية والشيخ رائد صلاح كمحرضين، وطالب هو وكافة أركان حكومته باعتقاله، وهو ما تم فعلا ولا يزال معتقلاً إلى هذه اللحظات.
تلخيص:-
مرت الحركة الإسلامية بمراحل عدة منذ تأسيسها لتستقر على شكلها الأخير الذي يدمج الدعوي-الديني بالسياسي والخدماتي، ولترفع الدعائم الثلاثة معاً مع تبنٍ للمشروع الوطني الفلسطيني والديني على صعيد الفلسطينيين في الداخل المتمثل بدعم الفلسطينيين في الداخل لبناء ذاتهم والحفاظ على صمودهم وأرضهم والحفاظ على المسجد الأقصى والقدس كون الفلسطينيين في الداخل إضافة للمقدسيين هم الوحيدين القادرين على القيام بهذا الدور.
مع تبني الحركة الإسلامية لهذه الدعائم، ومع الاصطفاف الشعبي حولها، وتركيزها على مشروعي المجتمع العصامي والحفاظ على القدس والأقصى في وجه المشاريع الإسرائيلية، ومع ما يحمله ذلك من مشاريع استراتيجية يمكنها أن تتصادم وأجندة الدولة الإسرائيلية، كان على إسرائيل لجم الحركة الإسلامية وقد حاولت ذلك مراراً من خلال الاعتقالات، والإبعادات، ومنع السفر وإغلاق المؤسسات إلّا أن ذلك لم يؤتِ أُكله فكان قرار حظر الإسلامية لإنهاء مشوارها وفكرتها.
لقد مثّلت الحركة الإسلامية تحدياً واضحاً لهيمنة إسرائيل، وسلطتها، وشرعيتها وقوتها وفرض أجندتها، حيث أن قوة الحركة الإسلامية "الناعمة" قد أقضّت مضاجع القيادات الإسرائيلية لكون الإسلامية باتت تشكل كياناً قوياً يتحدى سيطرة الدولة ومشاريعها التهويدية بأساليب قانونية وبحرص واضح من الإسلامية على التزام القوانين الإسرائيلية، ولكن دون اللعب في الدائرة المرسومة إسرائيلياً والدور الذي حددته إسرائيل للعمل السياسي العربي بل متجاوزاً له، فكانت الحركة الإسلامية مثالاً لمجابهة إسرائيل في عقر دارها مع مشروع بنيوي واضح الأهداف ومع رؤية واضحة لماهية الصراع ودور الفلسطينيين فيه، وكان تبني قضية القدس والأقصى هو العامل الرئيس الذي قوّى حضور الحركة الإسلامية محلياً وإقليمياً وبنفس الوقت ألّب إسرائيل عليها لحساسية هذه القضية في العقل والوعي الجمعي العربي والفلسطيني والإسلامي، وبنفس الوقت أهميتها في العقلية الإسرائيلية. وما كان من إسرائيل الّا استغلال الظروف الدولية والمزاج الدولي المتخوف من كل هو إسلامي تحت ذريعة الإرهاب لتحظر الإسلامية بأقل خسائر سياسية، ولكن لأن الافكار لن تموت يبدو أن حظر الإسلامية وإن كان آتى أُكله آنياً فإنه على المدى البعيد لن يغيرّ شيئاً وستعود الأفكار ذاتها بأشكال مختلفة لتجابه مجدداً المشاريع الإسرائيلية معتمدة على تجربة الحركة الإسلامية وما حدث معهاً ومستفيدة منها. أخيراً، حظر الإسلامية ليس خارجاً عن سياق التحريض والتضييق على العمل السياسي العربي في الداخل، وترافق ذلك مع سن عشرات القوانين العنصرية ضد العرب، وفرض القيود على عملهم وحريتهم السياسية كجزء من إقصائهم، وفرض يهودية الدولة عليهم، وتحجيم مطالبهم السياسية والوطنية والدينية، وشل إمكانية تحركهم السياسي وتأثيرهم.
الهوامش
[*] باحث دكتوراه في العلوم السياسية - جامعة هومبولدت في برلين - ألمانيا.
[1] مقابلة مع الشيخ كمال خطيب أجراها الباحث في تاريخ 3/3/2016، و مركز الدراسات المعاصرة. (2006). المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني – دراسة واقع الأقلية العربية في الداخل الفلسطيني. أم الفحم. و
Issam Aburaiya. (2004). The 1996 split of the Islamic movement in Israel: Between the Holy text and Israeli-Palestinian context. International Journal of Politics, Culture, and Society, 17(3), 439-455.
[2] مركز الدراسات المعاصرة. (2006). المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني – دراسة واقع الأقلية العربية في الداخل الفلسطيني. أم الفحم
[3] Alisa Rubin Peled. (2001). Towards autonomy? The Islamist movement's quest for control of Islamic institutions in Israel. The Middle East Journal, 378-398.
[4] Issam Aburaiya. (2004( مرجع سابق،17(3)، 439-455.
[5] سنستخدم اسم الحركة الإسلامية لاحقاً في هذا البحث ونقصد به الشق الشمالي من الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح.
[6] باراك ربيد، جيلي كوهن، جاكي خوري، يونتان ليس والموج بن زكري. الكابينيت أعلن الشق الشمالي للحركة الإسلامية كمنظمة غير مصرّحة. موقع هآرتس، تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، 17. (من العبرية) https://www.haaretz.co.il/news/politics/1.2777993
[7] وديع عواودة. رائد صلاح مقاوم في الداخل. موقع الجزيرة نت. 31 أيار (مايو) 2010.
[8] رائد صلاح. إضاءات على بعض مفاهيم ومواقف الحركة الإسلامية، بلا ناشر ومكان نشر. آذار (مارس) 2016، صفحة 137.
[9] المصدر السابق صفحات 138-141.
[10] أسعد غانم ومهند مصطفى. (2009). الفلسطينيون في إسرائيل: سياسات الأقليّة الأصليّة في الدولة الإثنية. رام الله: مركز مدار، وأسعد غانم ومهند مصطفى. (2011). المشاركة السياسية للحركة الإسلامية في إسرائيل. داخل: إيلي ريخس وأ. رودينيسكي. (محررون). أقليات اسلامية في دولة ذات أغلبيّة غير مسلمة: الحركة الإسلامية في إسرائيل كنموذج. تل أبيب: برنامج كونكورد للتعاون اليهودي العربي- جامعة تل أبيب. ص. 99-116 (بالعبرية).
[11] رائد صلاح. اضاءات على بعض مفاهيم ومواقف الحركة الإسلامية، مرجع سابق، صفحة 46.
[12] المصدر السابق صفحة 47.
[13] موقع المركز الفلسطيني للإعلام. رائد صلاح.. كاشف "عتمة" أنفاق الأقصى. القدس. 27 أيلول / سبتمبر 2016.
[14] موقع أخوات الأقصى. إعمار المصلى المرواني (التسوية الشرقية). القدس. 12 تشرين الأول / أكتوبر 2013.
http://www.foraqsa.com/index.php/glad-tidings/inside-aqsa/restoration/marwani
[15] موقع الجزيرة نت. المصلى المرواني بالمسجد الأقصى. من دون تاريخ
[16] المصدر السابق
[17]موقع المركز الفلسطيني للإعلام. رائد صلاح.. كاشف "عتمة" أنفاق الأقصى. القدس. مرجع سابق.
[18] نداب شرجاي. (2012). حبكة الأقصى في خطر.. صورة الكذب. معاريف للكتب- الكتب (من العبرية)
[19] Hillel Cohen, (2017). The Temple Mount/al-Aqsa in Zionist and Palestinian National Consciousness: A Comparative View. Israel Studies Review, 32 (1), 1-19.
[20] موقع الجزيرة نت. التقسيم الزماني والمكاني للأقصى.. القنبلة الموقوتة. من دون تاريخ
[21] موقع العربي الجديد. تحذيرات فلسطينية من فرض التقسيم الزماني والمكاني للأقصى. رام الله. 3 أيلول (سبتمبر) 2015.
[22] باراك ربيد، وآخرون. الكابينيت أعلن الشق الشمالي للحركة الإسلامية كمنظمة غير مصرّحة. مرجع سابق.
[23] رائد صلاح. إضاءات على بعض مفاهيم ومواقف الحركة الإسلامية، مرجع سابق، ص47.
[24] المصدر السابق صفحات 315-333.
[25] شلومي ديسكل. (2013). أم الفحم كمثال لفشل الحركة الإسلامية. موقع المركز الإسرائيلي للديموقراطية (من العبرية) https://www.idi.org.il/articles/10060.
[26] رنا إسعيد. (2016). مستقبل المجتمع العصامي بعد حظر الحركة الإسلامية. جدل (26) . مدى الكرمل – حيفا.
[27] تزامن قرار الحظر مع تفجيرات باريس مع نفس الشهر الذي حظرت فيه الحركة الإسلامية تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، وتبناه تنظيم الدولة. انظر: باراك ربيد، وآخرون. الكابينيت أعلن الشق الشمالي للحركة الإسلامية كمنظمة غير مصرّحة. مرجع سابق.
[28] صالح لطفي. (2016). حظر الحركة الإسلامية – رؤية في سياق تدافعي. . جدل (26). مدى الكرمل – حيفا.
[29] صالح معطي وعمر دلاشة. موجة استنكارات لإعلان إسرائيل الحركة الإسلامية خارجة القانون، موقع بانيت 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015.
[30] باراك ربيد، وآخرون. الكابينيت أعلن الشق الشمالي للحركة الإسلامية كمنظمة غير مصرّحة.
[31] سهاد بشارة. (2016). ﺣﻮل إﺧﺮاج اﻟﺤﺮﻛﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻦ اﻟﻘﺎﻧﻮن. جدل (26). ص.1-4. مدى الكرمل – حيفا.
[32] Asad Ghanem & Ibrahim Khatib. (2017). The Nationalisation of the Israeli Ethnocratic Regime and the Palestinian Minority’s Shrinking Citizenship. Citizenship studies, 21 (8), pp. 889-902, DOI: 10.1080/13621025.2017.1380651
[33] علاء محاجنة.. (2016). حظر الحركة الإسلامية – الصراع على هوية وجوهر الدولة اليهودية. جدل (26) . مدى الكرمل – حيفا.
[34] Rana Eseed. (2017). When the State Fails to Provide Services: The Case of the Islamic Movement in Israel. Journal of Social Policy, 1-18; Ram Cnaan A. (1988). Social services for the enemy? Education for social work and the Arab sector in Israel. International Social Work, 31(1), 33-43..
[35] رنا إسعيد. (2016). مستقبل المجتمع العصامي بعد حظر الحركة الإسلامية. جدل، مرجع سابق.
[36] علاء محاجنة.. (2016). حظر الحركة الإسلامية، مرجع سابق.
[37] المصدر السابق، وكلام نتنياهو ووزير الأمن الداخلي الإسرائيلي في هذا السياق.