Ibrahim Al-Nabulsi, itinéraire d’un « martyre » palestinien
جريدة لوموند الفرنسيّة
بقلم لويس إمبرت، موفد خاصّ للجريدة إلى مدينة نابلس
٢٩ أيلول/ سبتمبر ٢٠٢٢
في “مرثيّة” أقرب منها لـ “مقال أو تقرير صحفيّ” تقدّم جريدة لوموند الفرنسيّة لقرّائها توصيفًا لحالة العمل المسلّح المتنامي في شمال الضفّة الغربيّة، من خلال تتّبع مسيرة الشهيد “إبراهيم النابلسي”، الذي يمثّل وفقا للمقال جيلًا جديدًا لا أفق له، ارتأى اللجوء إلى الكفاح المسلح من جديد.
فيما يلي الترجمة الكاملة للمقال مع بعض التصرّف:
يموت “أبطال” فلسطينيون في ريعان شبابهم، ويرتقون عجالة إلى المجد، بيد أنّ مآثر أسلحتهم غير مؤكّدة. انظروا إلى إبراهيم النابلسي، الذي قُتل في ١٨ آب / أغسطس. حشدت جنازته الآلاف في نابلس، مدينة الطبقة المتوسطة في شمال الضفة الغربية. أطلق النار على ضابط ومستوطنين إسرائيليين دون أن يرديهم قتلى. وكان قد نجا من غارتين للجيش، ثم ظهر مرة أخرى على شبكة التواصل الاجتماعي الصينيّة “تيك توك”. لم يكن يدّعي الانتماء لحزب بعينه. “استشهاده” كان له صدى قويّ في الأرض الفلسطينيّة، حيث مثّل جيل شباب لا أفق له، عاد ليختار الكفاح المسلح.
ترعرع إبراهيم النابلسي، الشاب الشاحب ذو الوجه الطويل والنحيل والتقيّ كوالدته، على تلّ في منزل لأسرته عمره قرن من الزمان. هو سبّاح هادئ، ووالده علاء حاصل على رتبة عقيد في الأمن الوقائي، وهو أسير سابق في السجون الإسرائيليّة، انضم إلى هذا الجهاز في عام ١٩٩٤، والذي من المفترض أن يقمع معارضة اتفاقات أوسلو للسلام. إذ قال: “آمنت بشيء عظيم: دولة، السلام الذي لم ترغب إسرائيل في أن تقدمه لنا. جيل ابني غاضب منّا ومقاومته مشروعة”.
تتلمذ إبراهيم على يدي رفيق دربه، الرجل القويّ، أدهم مبروكة الملقّب بـ “الشيشاني”، وسار على خطاه باستهداف الجنود الإسرائيليين جنوب نابلس. اعتقل أدهم في سجن إسرائيلي، ثم في سجن فلسطيني. وهو متهم بتخزين المتفجرات مع رفيق ثانٍ، يدّعى محمد الدخيل، وإطلاق النار على رجال الشرطة الفلسطينية.
انضمّ إبراهيم إلى اثنين من أصدقائه في زنزانة وهو في الخامسة عشرة من عمره، في ربيع عام ٢٠١٩، إذ كان مطلوبًا من قبل إسرائيل. قال والده إن الأمن الوقائي الفلسطيني احتفظ بهم لمدة ستة أشهر “لحمايتهم”. وقالت والدة إبراهيم، هدى، أنّها وجدته “أكثر عدوانية” لدى خروجه السجن معبّرًا عن رغبته بـ “الانتقام من إسرائيل”.
ترك أمّه وهو لم يبلغ السادسة عشرة من عمره ليستحيل “مطاردا”. أمام صورة معلّقة في غرفة المعيشة تجمعهما على عتبة باب مشمسة، تقول أمّه: “كنت أقبّله عندما أصادفه في البلدة القديمة، عين الله ترعاه”. وكان إبراهيم يمتشق على الدوام بندقيّته من طراز M16 التي لم تفارقه قطّ.
“كان شقيًّا“
“كان هناك شيء في وجهه، طفل بداخله”، يتذكر أحد الأصدقاء المقربين، الذي كان يحميه آنذاك. يلقب هذا الرفيق بـ “أبو حمزة” أو “الخنّاق”، لأنه خنق بيديه العاريتين إحدى الأفاعي السامة التي كان يصطادها، في التلال المجاورة. في عمر الواحد والثلاثين ربيعًا، يبيع “الخنّاق” القهوة على مدار الساعة في البلدة القديمة. لم يكن مقاتلًا متمرّسًا، بل كان يقدّم المساعدة.
في الشتاء المنصرم، شكّل إبراهيم خليّة مع صديقيّ الطفولة وعبد الرحمن شاهين، وهو أيضًا مطارد في البلدة القديمة. تكفّل إبراهيم بمهمة الرصد. كانوا يطاردون معًا اليهود المتطرّفين من طائفة “براتسلاف”، الذين يتسللون خلسة إلى ضواحي نابلس للصلاة في قبر يوسف، الملك التوراتي، ابن يعقوب الذي باعه أخوته. وحاولوا إطلاق النار على موقع عسكري في جبل جرزيم. واعتقلت إسرائيل عبد الرحمن شاهين في تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٢١.
لعلّ إبراهيم والآخرون حسبوا بأنّ شاهين قد تخلّى عنهم. لقد فكروا في الاستسلام، كما يقول رفيقهم محمود “أبو كايد”. عند حديثه يبدو محمود، سائق توصيل سابق ذو لكنة نابلسيّة ثقيلة، وكأنه يمضغ باستمرار حفنة من الحصى. كان قد وجد مهنة في ذلك الوقت لدى قوات الأمن الوطني، نواة جيش السلطة الفلسطينية. لكن إبراهيم لم يفكّر إلا في القتال. كان شقيًّا. ذات ليلة في شهر كانون الأول/ ديسمبر، داهم جنود منزل والديه.
بعد شهرين، في شباط/ فبراير ٢٠٢٢، قُتل صديقا الطفولة، دخيل و “الشيشاني” على يد الجيش أثناء قيادتهما لسيارة في المدينة. في البداية، أعلنت إسرائيل عن طريق الخطأ مقتل إبراهيم. تقول والدته: “ظل الإسرائيليون يتصلون بنا قائلين أنّه سينتهي بهم الأمر بقتله”.
“لم يرد العودة إلى السجن“
فُجع إبراهيم بمقتل رفاقه. قال محمد أبو كايد، رفيق السلاح، متلعثمًا بأنّه نصحه بتسليم نفسه للسلطة الفلسطينيّة. “لكنّه لم يرد العودة إلى السجن. لم يمض إلا ليلة واحدة بمفرده. في اليوم التالي، اصطحب عشرة معه. ومنذ ذلك الحين صار أكثر من ٧٠ شابًّا مثله في البلدة القديمة” .
في الربيع، تجمّع هؤلاء الشبّان يعتريهم الغضب من الاقتحامات المتواصلة التي يشنّها الجنود الإسرائيليّون في مدينتهم ردّا على الهجمات التي أردت ما لا يقلّ عن ثمانية عشر إسرائيليّا، وكان قد قتل أكثر من ٩٦ فلسطينيّا، بينهم مدنيّون، في أنحاء الضفة الغربيّة. انتهى المطاف بإبراهيم مقرّرًا الانتقام لأصدقائه، ذات ليلة في شهر حزيران/ يونيو.
أطلق النار، برفقة مجموعة من المسلّحين، على مستوطنين إسرائيليين يرافقهم الجيش في قبر يوسف. وأصيب العقيد روي زويع، الذي يسيطر على شمال الضفة الغربيّة برمّته، بجروح طفيفة. وكان إبراهيم فخورًا بإصابته لعدّو بهذه الرتبة العالية. وشيّد أسطورته على تطبيق “تيك توك”، مطلقًا على نفسه اسم “أبو فتحي” تيّمنًا بقائد قتل في الانتفاضة الثانية (٢٠٠٠- ٢٠٠٤).
وكانت المخابرات الإسرائيلية تتعقبه خشية ظهور نوع جديد من المجموعات، شكلّها إبراهيم مع أصدقائه الجدد تحت مسمّى “عرين الأسود”. يمكن أن ينتمي هؤلاء الشباب إلى فصيل أو آخر، فتح أو حماس أو الجهاد الإسلامي، فهذه الكتيبة تدّعي بأنّها مستقلّة وانتماءها وطنيّ بحت.
تكتيك “الوعاء المضغوط“
في ٢٧ يوليو/ تموز، قصفتهم القوات الإسرائيلية في قلب البلدة القديمة. من الساعة الواحدة صباحًا حتى مطلع الفجر، حاصرتهم ثلاث وحدات من النخبة وانتهى الأمر بقتل اثنين منهم. لكنهم لم ينالوا من إبراهيم بعد.
بعد أسبوعين، في ٨ آب/ أغسطس، ظهر بتهور في المدينة. يرافق صديقه “الخنّاق” لتكريم ناشط خرج لتوّه من السجون الإسرائيلية. في اليوم التالي، حوصر إبراهيم ورفض الاستسلام.
يسمّي الجيش الإسرائيلي هذا التكتيك بـ “الوعاء المضغوط”، إذ يحاصر المطارد ومن ثمّ يكثّف من قوّته الناريّة انتهاء بإطلاق صواريخ. بهذا التكتيك قتل إبراهيم مع رفيق له. وتمكّن أثناء محاصرته من إرسال رسالة إلى أمّه. وحيّا رئيس الوزراء الإسرائيليّ، يائير لابيد، الكلب البوليسي “زيلي” الذي قتل في العمليّة.
ومنذ ذلك الحين، لم تفتأ “أسود” نابلس تظهر غضبها وتشنّ عمليّات إطلاق نار على جنود ومستوطنين إسرائيليّين، كما دخلت في بعض المناوشات مع قوّات “السلطة الفلسطينيّة” التي يتّهمها بعضها، ولا سيّما المقرّبون من حماس، بخيانتهم.